[ شرح إبن عقيل - ابن عقيل ]
الكتاب : شرح إبن عقيل
المؤلف : بهاء الدين عبد الله بن عقيل العقيلي المصري الهمذاني
الناشر : دار الفكر - دمشق
الطبعة الثانية ، 1985
تحقيق : محمد محيي الدين عبد الحميد
عدد الأجزاء : 4
. بسم الله الرحمن الرحيم
( قال محمد هو ابن مالك ... أحمد ربي الله خير مالك )
( مصليا على النبي المصطفى ... وآله المستكملين الشرفا )
(1/10)

( وأستعين الله في الفيه ... مقاصد النحو بها محويه )
( نقرب الأقصى بلفظ موجز ... وتبسط البذل بوعد منجز )
( وتقتضي رضا بغير سخط ... فائقة ألفية ابن معط )
(1/11)

( وهو بسبق حائز تفضيلا ... مستوجب ثنائي الجميلا )
( والله يقضي بهبات وافره ... لي وله في درجات الآخره )
(1/12)

الكلام وما يتألف منه
( كلامنا لفظ مفيد كاستقم ... واسم وفعل ثم حرف الكلم )
( واحده كلمة والقول عم ... وكلمة بها كلام قد يؤم )
(1/13)

الكلام المصطلح عليه عند النحاه عبارة عن اللفظ المفيد فائدة يحسن السكوت عليها فاللفظ جنس يشمل الكلام والكلمة والكلم ويشمل المهمل كديز والمستعمل كعمرو ومفيد أخرج المهمل وفائدة يحسن السكوت عليها أخرج الكلمة وبعض الكلم وهو ما تركب من ثلاث كلمات فأكثر ولم يحسن السكوت عليه نحو إن قام زيد
ولا يتركب الكلام إلا من اسمين نحو زيد قائم أو من فعل و اسم كقام زيد وكقول المصنف استقم فإنه كلام مركب من فعل أمر وفاعل مستتر والتقدير استقم أنت فاستغنى بالمثال عن أن يقول فائدة يحسن السكوت عليها فكأنه قال الكلام هو اللفظ المفيد فائدة كفائدة استقم
(1/14)

وإنما قال المصنف كلامنا ليعلم أن التعريف إنما هو للكلام في اصطلاح النحويين لا في اصطلاح اللغويين وهو في اللغة اسم لكل ما يتكلم به مفيدا كان أو غير مفيد
والكلم اسم جنس واحده كلمة وهي إما اسم وإما فعل وإما حرف لأنها إن دلت على معنى في نفسها غير مقترنة بزمان فهي الاسم وإن اقترنت بزمان فهي الفعل وإن لم تدل على معنى في نفسها بل في غيرها فهي الحرف
والكلم ما تركب من ثلاث كلمات فأكثر كقولك إن قام زيد
(1/15)

والكلمة هي اللفظ الموضوع لمعنى مفرد فقولنا الموضوع لمعنى أخرج المهمل كديز وقولنا مفرد أخرج الكلام فإنه موضوع لمعنى غير مفرد
ثم ذكر المصنف رحمه الله تعالى أن القول يعم الجميع والمراد أنه يقع على الكلام أنه قول ويقع أيضا على الكلم والكلمة أنه قول وزعم بعضهم أن الأصل استعماله في المفرد
ثم ذكر المصنف أن الكلمة قد يقصد بها الكلام كقولهم في لا إله إلا الله كلمة الإخلاص
وقد يجتمع الكلام والكلم في الصدق وقد ينفرد أحدهما
فمثال اجتماعهما قد قام زيد فإنه كلام لإفادته معنى يحسن السكوت عليه وكلم لأنه مركب من ثلاث كلمات
ومثال انفراد الكلم إن قام زيد
ومثال انفراد الكلام زيد قائم
( بالجر والتنوين والندا وأل ... ومسند للاسم تمييز حصل )
ذكر المصنف رحمه الله تعالى في هذا البيت علامات الاسم
(1/16)

فمنها الجر وهو يشمل الجر بالحرف والإضافة والتبعية نحو مررت بغلام زيد الفاضل فالغلام مجرور بالحرف وزيد مجرور بالإضافة والفاضل مجرور بالتبعية وهو أشمل من قول غيره بحرف الجر لأن هذا لايتناول الجر بالإضافة ولا الجر بالتبعية
ومنهما التنوين وهو على أربعة أقسام تنوين التمكين وهو اللاحق للأسماء المعربة كزيد ورجل إلا جمع المؤنث السالم نحو مسلمات وإلا نحو جوار وغواش وسيأتي حكمهما وتنوين التنكير وهو اللاحق للأسماء المبنية فرقا بين معرفتها ونكرتها نحو مررت بسيبويه وبسيبويه آخر وتنوين المقابلة وهو اللاحق لجمع المؤنث السالم نحو مسلمات فإنه في مقابلة النون في جمع المذكر السالم كمسلمين وتنوين العوض وهو على ثلاثة أقسام عوض عن جملة وهو الذي يلحق إذ عوضا عن جملة تكون بعدها كقوله تعالى ( وأنتم حينئذ تنظرون ) أي حين إذ بلغت الروح الحلقوم فحذف بلغت الروح الحلقوم وأتى بالتنوين عوضا عنه وقسم يكون عوضا عن اسم وهو اللاحق لكل عوضا عما تضاف إليه نحو كل قائم أي كل إنسان قائم فحذف إنسان وأتى بالتنوين عوضا عنه
(1/17)

وقسم يكون عوضا عن حرف وهو اللاحق لجوار وغواش ونحوهما رفعا وجرا نحو هؤلاء جوار ومررت بجوار فحذفت الياء وأتي بالتنوين عوضا عنها
وتنوين الترنم وهو الذي يلحق القوافي المطلقة بحرف علة كقوله
( أقلى اللوم عاذل والعتابن ... وقولي إن أصبت لقد أصابن )
(1/18)

فجيء بالتنوين بدلا من الألف لأجل الترنم وكقوله
( أزف الترحل غير أن ركابنا ... لما تزل برحالنا وكأن قدن )
(1/19)

والتنوين الغالي وأثبته الأخفش وهو الذي يلحق القوافي المقيدة كقوله
( وقاتم الأعماق خاوي المخترقن ... )
(1/20)

وظاهر كلام المصنف أن التنوين كله من خواص الاسم وليس كذلك بل الذى يختص به الاسم إنما هو تنوين التمكين والتنكير والمقابلة والعوض وأما تنوين الترنم والغالي فيكونان في الاسم والفعل والحرف
ومن خواص الاسم النداء نحو يا زيد والألف واللام نحو الرجل والإسناد إليه نحو زبد قائم
فمعنى البيت حصل للاسم تمييز عن الفعل والحرف بالجر والتنوين والنداء والألف واللام والإسناد إليه أي الإخبار عنه
واستعمل المصنف أل مكان الألف واللام وقد وقع ذلك في عبارة بعض المتقدمين وهو الخليل واستعمل المصنف مسند مكان الإسناد له
(1/21)

( بتا فعلت وأتت ويا افعلى ... ونون أقبلن فعل ينجلي )
ثم ذكر المصنف أن الفعل يمتاز عن الاسم والحرف بتاء فعلت والمراد بها تاء الفاعل وهي المضمومة للمتكلم نحو فعلت والمفتوحة للمخاطب نحو تباركت والمكسورة للمخاطبة نحو فعلت
ويمتاز أيضا بتاء أتت والمراد بها تاء التأنيث الساكنة نحو نعمت وبئست فاحترزنا بالساكنة عن اللاحقة للأسماء فإنها تكون متحركة بحركة الإعراب نحو هذه مسلمة ورأيت مسلمة ومررت بمسلمة ومن اللاحقة للحرف نحو لات وربت وثمت وأما تسكينها مع رب وثم فقليل نحو ربت وثمت
(1/22)

ويمتاز أيضا بياء أفعلي والمراد بها ياء الفاعلة وتلحق فعل الأمر نحو اضربي والفعل المضارع نحو تضربين ولا تلحق الماضي
وإنما قال المصنف يا افعلى ولم يقل ياء الضمير لأن هذه تدخل فيها ياء المتكلم وهي لا تختص بالفعل بل تكون فيه نحو أكرمني وفى الاسم نحو غلامي وفى الحرف نحو إني بخلاف ياء افعلي فإن المراد بها ياء الفاعلة على ما تقدم وهي لا تكون إلا في الفعل
ومما يميز الفعل نون أقبلن والمراد بها نون التوكيد خفيفة كانت أو ثقيلة فالخفيفة نحو قوله تعالى ( لنسفعا بالناصية ) والثقيلة نحو قوله تعالى ( لنخرجنك يا شعيب )
فمعنى البيت ينجلي الفعل بتاء الفاعل وتاء التأنيث الساكنة وياء الفاعلة ونون التوكيد
( سواهما الحرف كهل وفي ولم ... فعل مضارع يلي لم كيشم )
(1/23)

شرح ابن عقيل الجزء الأول
( وماضي الأفعال بالتامز وسم ... بالنون فعل الأمر إن أمر فهم )
يشير إلى أن الحرف يمتاز عن الاسم والفعل بخلوه عن علامات الأسماء وعلامات الأفعال ثم مثل بهل وفي ولم منبها على أن الحرف ينقسم إلى قسمين مختص وغير مختص فأشار بهل إلى غير المختص وهو الذي يدخل على الأسماء والأفعال نحو هل زيد قائم وهل قام زيد وأشار بفي ولم إلى المختص وهو قسمان مختص بالأسماء كفي نحو زيد في الدار ومختص بالأفعال كلم نحو لم يقم زيد
ثم شرع في تبيين أن الفعل ينقسم إلى ماض ومضارع وأمر فجعل علامة
(1/24)

المضارع صحة دخول لم عليه كقولك في يشم لم يشم وفي يضرب لم يضرب وإليه أشار بقوله فعل مضارع يلي لم كيشم
ثم أشار إلى ما يميز الفعل الماضي بقوله وماضي الأفعال بالتامز أي ميز ماضي الأفعال بالتاء والمراد بها تاء الفاعل وتاء التأنيث الساكنة وكل منهما لا يدخل إلا على ماضي اللفظ نحو تباركت ياذا الجلال والإكرام ونعمت المرأة هند وبئست المرأة دعد
ثم ذكر في بقية البيت أن علامة فعل الأمر قبول نون التوكيد والدلالة على الأمر بصيغته نحو اضربن واخرجن
فإن دلت الكلمة على الأمر ولم تقبل نون التوكيد فهي اسم فعل وإلى ذلك أشار بقوله
( والأمر إن لم يك للنون محل ... فيه هو اسم نحو صه وحيهل )
(1/25)

فصه وحيهل اسمان وإن دلا على الأمر لعدم قبولهما نون التوكيد فلا تقول صهن ولا حيهلن وإن كانت صه بمعنى اسكت وحيهل بمعنى أقبل فالفارق بينهما قبول نون التوكيد وعدمه نحو اسكتن وأقبلن ولا يجوز ذلك في صه وحيهل
(1/26)

المعرب والمبني
( والاسم منه معرب ومبني ... لشبه من الحروف مدني )
يشير إلى أن الاسم ينقسم إلى قسمين أحدهما المعرب وهو ما سلم من شبه الحروف والثاني المبني وهو ما أشبه الحروف وهو المعني بقوله لشبه من الحروف مدني أي لشبه مقرب من الحروف فعلة البناء منحصرة عند المصنف رحمه الله تعالى في شبه الحرف ثم نوع المصنف وجوه الشبه في البيتين الذين بعد هذا البيت وهذا قريب من مذهب أبي علي الفارسي حيث جعل البناء منحصرا في شبه الحرف أو ما تضمن معناه وقد نص سيبويه رحمه الله على أن علة البناء كلها ترجع إلى شبه الحرف
(1/28)

وممن ذكره ابن أبي الربيع
(1/29)

( كالشبه الوضعى في اسمي جئتنا ... والمعنوي في متى وفي هنا )
( وكنياية عن الفعل بلا ... تأثر وكافتقار أصلا )
ذكر في هذين البيتين وجوه شبه الاسم بالحرف في أربعة مواضع
فالأول شبهه له في الوضع كأن يكون الاسم موضوعا على حرف
(1/30)

واحد كالتاء في ضربت أو على حرفين كنا في أكرمنا وإلى ذلك أشار بقوله في اسمي جئتنا فالتاء في جئتنا اسم لأنه فاعل وهو مبني لأنه أشبه الحرف في الوضع في كونه على حرف واحد وكذلك نا اسم لأنها مفعول وهو مبني لشبهه بالحرف في الوضع في كونه على حرفين
والثاني شبه الاسم له في المعنى وهو قسمان أحدهما ما أشبه حرفا موجودا والثاني ما أشبه حرفا غير موجود فمثال الأول متى فإنها مبنية لشبهها
(1/31)

الحرف في المعنى فإنها تستعمل للاستفهام نحو متى تقوم وللشرط نحو متى تقم أقم وفي الحالتين هي مشبهة لحرف موجود لأنها في الاستفهام كالهمزة وفي الشرط كإن ومثال الثاني هنا فإنها مبنية لشبهها حرفا كان ينبغي أن يوضع فلم يوضع
وذلك لأن الإشارة معنى من المعاني فحقها أن يوضع لها حرف يدل عليها كما وضعوا للنفى ما وللنهي لا وللتمني ليت وللترجي لعل ونحو ذلك فبنيت أسماء الإشارة لشبهها في المعنى حرفا مقدرا
والثالث شبهه له في النيابة عن الفعل وعدم التأثر بالعامل وذلك كأسماء الأفعال نحو دراك زيدا فدراك مبنى لشبهه بالحرف في كونه يعمل ولا يعمل فيه غيره كما أن الحرف كذلك
(1/32)

واحترز بقوله بلا تأثر عما ناب عن الفعل وهو متأثر بالعامل نحو ضربا زيدا فإنه نائب مناب اضرب وليس بمبني لتأثره بالعامل فإنه منصوب بالفعل المحذوف بخلاف دراك فإنه وإن كان نائبا عن أدرك فليس متأثرا بالعامل
وحاصل ما ذكره المصنف أن المصدر الموضوع موضع الفعل وأسماء الأفعال اشتركا في النيابة مناب الفعل لكن المصدر متأثر بالعامل فأعرب لعدم مشابهته الحرف وأسماء الأفعال غير متأثرة بالعامل فبنيت لمشابهتها الحرف في أنها نائبة عن الفعل وغير متأثرة به
وهذا الذي ذكره المصنف مبني على أن أسماء الأفعال لا محل لها من الإعراب والمسألة خلافية وسنذكر ذلك في باب أسماء الأفعال
(1/33)

والرابع شبه الحرف في الافتقار اللازم وإليه أشار بقوله وكافتقار أصلا وذلك كالأسماء الموصولة نحو الذي فإنها مفتقرة في سائر أحوالها إلى الصلة فأشبهت الحرف في ملازمة الافتقار فبنيت
وحاصل البيتين أن البناء يكون في ستة أبواب المضمرات وأسماء الشرط وأسماء الاستفهام وأسماء الإشارة وأسماء الأفعال والأسماء الموصولة
(1/34)

( ومعرب الأسماء ما قد سلما ... من شبه الحرف كأرض وسما )
يريد أن المعرب خلاف المبني وقد تقدم أن المبني ما أشبه الحرف فالمعرب ما لم يشبه الحرف وينقسم إلى صحيح وهو ما ليس آخره حرف علة كأرض وإلى معتل وهو ما آخره حرف علة كسما وسما لغة في الاسم وفيه ست لغات اسم بضم الهمزة وكسرها وسم بضم السين وكسرها وسما بضم السين وكسرها أيضا
وينقسم المعرب أيضا إلى متمكن أمكن وهو المنصرف كزيد وعمرو وإلى متمكن غير أمكن وهو غير المنصرف نحو أحمد ومساجد ومصابيح
(1/35)

فغير المتمكن هو المبني والمتمكن هو المعرب وهو قسمان متمكن أمكن ومتمكن غير أمكن
( وفعل أمر ومضي بنيا ... وأعربوا مضارعا إن عريا )
( من نون توكيد مباشر ومن ... نون إناث كير عن من فتن )
(1/36)

لما فرغ من بيان المعرب والمبني من الأسماء شرع فى بيان المعرب والمبني من الأفعال ومذهب البصريين أن الإعراب أصل في الأسماء فرع في الأفعال فالأصل في الفعل البناء عندهم وذهب الكوفيون إلى أن الإعراب أصل في الأسماء وفي الأفعال والأول هو الصحيح ونقل ضياء الدين بن العلج في البسيط أن بعض النحويين ذهب إلى أن الإعراب أصل في الأفعال فرع في الأسماء
(1/37)

والمبني من الأفعال ضربان
أحدهما ما اتفق على بنائه وهو الماضي وهو مبني على الفتح نحو ضرب وانطلق ما لم يتصل به واو جمع فيضم أو , ضمير رفع متحرك فيسكن
والثاني ما اختلف في بنائه والراجح أنه مبني وهو فعل الأمر نحو اضرب وهو مبني عند البصريين ومعرب عند الكوفيين
والمعرب من الأفعال هو المضارع ولا يعرب إلا إذا لم تتصل به نون التوكيد أو نون الإناث فمثال نون التوكيد المباشرة هل تضربن والفعل معها مبني على الفتح ولا فرق في ذلك بين الخفيفة والثقيلة فإن لم تتصل به لم يبن وذلك كما إذا
(1/38)

فصل بينه وبينها ألف اثنين نحو هل تضربان وأصله هل تضربانن فاجتمعت ثلاث نونات فحذفت الأولى وهى نون الرفع كراهة توالي الأمثال فصار هل تضربان
وكذلك يعرب الفعل المضارع إذا فصل بينه وبين نون التوكيد واو جمع أو ياء مخاطبة نحو هل تضربن يا زيدون وهل تضربن يا هند وأصل تضربن تضربونن فحذفت النون الأولى لتوالي الأمثال كما سبق فصار تضربون فحذفت الواو لالتقاء الساكنين فصار تضربن وكذلك تضربن أصله تضربينن ففعل به ما فعل بتضربونن
وهذا هو المراد بقوله وأعربوا مضارعا إن عريا من نون توكيد مباشر فشرط في إعرابه أن يعرى من ذلك ومفهومه أنه إذا لم يعر منه يكون مبنيا
فعلم أن مذهبه أن الفعل المضارع لا يبنى إلا إذا باشرته نون التوكيد نحو هل تضربن يا زيد فإن لم تباشره أعرب وهذا هو مذهب الجمهور
وذهب الأخفش إلى أنه مبني مع نون التوكيد سواء اتصلت به نون التوكيد أو لم تتصل ونقل عن بعضهم أنه معرب وإن اتصلت به نون التوكيد
ومثال ما اتصلت به نون الإناث الهندات يضربن والفعل معها مبني على السكون ونقل المصنف رحمه الله تعالى في بعض كتبه أنه لا خلاف في
(1/39)

بناء الفعل المضارع مع نون الإناث وليس كذلك بل الخلاف موجود وممن نقله الأستاذ أبو الحسن بن عصفور في شرح الإيضاح
( وكل حرف مستحق للبنا ... والأصل في المبني أن يسكنا )
( ومنه ذو فتح وذو كسر وضم ... كأين أمس حيث والساكن كم )
الحروف كلها مبنية إذ لا يعتورها ما تفتقر في دلالتها عليه إلى إعراب نحو أخذت من الدراهم فالتبعيض مستفاد من لفظ من بدون الإعراب
والأصل في البناء أن يكون على السكون لأنه أخف من الحركة ولا يحرك المبني إلا لسبب كالتخلص من التقاء الساكنين وقد تكون الحركة فتحة كأين وقام وإن وقد تكون كسرة كأمس وجير وقد تكون ضمة كحيث وهو اسم ومنذ وهو حرف إذا جررت به وأما السكون فنحو كم واضرب وأجل
(1/40)

وعلم مما مثلنا به أن البناء على الكسر والضم لا يكون في الفعل بل فى الاسم والحرف وأن البناء على الفتح أو السكون يكون في الاسم والفعل والحرف
( والرفع والنصب اجعلن إعرابا ... لاسم وفعل نحو لن أهابا )
( والاسم قد خصص بالجر كما ... قد خصص الفعل بأن ينجزما )
(1/41)

( فارفع بضم وانصبن فتحا وجر ... كسرا كذكر الله عبده يسر )
( واجزم بتسكين وغير ما ذكر ... ينوب نحو جا أخوبني نمر )
(1/42)

أنواع الإعراب أربعة الرفع والنصب والجر والجزم فأما الرفع والنصب فيشترك فيهما الأسماء والأفعال نحو زيد يقوم وإن زيدا لن يقوم وأما الجر فيختص بالأسماء نحو بزيد وأما الجزم فيختص بالأفعال نحو لم يضرب
والرفع يكون بالضمة والنصب يكون بالفتحة والجر يكون بالكسرة والجزم يكون بالسكون وما عدا ذلك يكون نائبا عنه كما نابت الواو عن الضمة في أخو والياء عن الكسرة في بني من قوله جا أخوبني نمر وسيذكر بعد هذا مواضع النيابة
( وارفع بواو وانصبن بالألف ... واجرر بياء ما من الأسما أصف )
شرع في بيان ما يعرب بالنيابة عما سبق ذكره والمراد بالأسماء التي سيصفها
(1/43)

الأسماء الستة وهي أب وأخ وحم وهن وفوه وذو مال فهذه ترفع بالواو نحو جاء أبو زيد وتنصب بالألف نحو رأيت أباه وتجر بالياء نحو مررت بأبيه والمشهور أنها معربة بالحروف فالواو نائبة عن الضمة والألف نائبة عن الفتحة والياء نائبة عن الكسرة وهذا هو الذي أشار إليه المصنف بقوله وارفع بواو إلى آخر البيت والصحيح أنها معربة بحركات مقدرة على الواو والألف والياء فالرفع بضمة مقدرة على الواو والنصب بفتحة مقدرة على الألف والجر بكسرة مقدرة على الياء فعلى هذا المذهب الصحيح لم ينب شيء عن شيء مما سبق ذكره
(1/44)

( من ذاك ذو إن صحبة أبانا ... والفم حيث الميم منه يانا )
أى من الأسماء التي ترفع بالواو وتنصب بالألف وتجر بالياء ذو وفم ولكن يشترط في ذو أن تكون بمعنى صاحب نحو جائني ذو مال أي صاحب مال وهو المراد بقوله إن صحبة أبانا أي إن أفهم صحبة واحترز بذلك عن ذو الطائية فإنها لا تفهم صحبة بل هي بمعنى الذي فلا تكون مثل ذي بمعنى صاحب بل تكون مبنية وآخرها الواو رفعا ونصبا وجرا نحو جاءني ذو قام ورأيت ذو قام ومررت بذو قام ومنه قوله
( فإما كرام موسرون لقيتهم ... فحسبي من ذو عندهم ما كفانيا )
(1/45)

وكذلك يشترط في إعراب الفم بهذه الأحرف زوال الميم منه نحو هذا فوه ورأيت فاه ونظرت إلى فيه وإليه أشار بقوله والفم حيث الميم منه بانا أي انفصلت منه الميم أي زالت منه فإن لم تزل منه أعرب بالحركات نحو هذا فم ورأيت فما ونظرت إلى فم
( أب أخ حم كذاك وهن ... والنقص في هذا الأخير أحسن )
( وفي أب وتالييه يندر ... وقصرها من نقصهن أشهر )
يعني أن أبا وأخا وحما تجري مجرى ذو وفم اللذين سبق ذكرها
(1/48)

فترفع بالواو وتنصب بالألف وتجر بالياء نحو هذا أبوه وأخوه وحموها ورأيت أباه وأخاه وحماها ومررت بأبيه وأخيه وحميها وهذه هي اللغة المشهورة في هذه الثلاثة وسيذكر المصنف في هذه الثلاثة لغتين أخريين
وأما هن فالفصيح فيه أن يعرب بالحركات الظاهرة على النون ولا يكون في آخره حرف علة نحو هذا هن زيد ورأيت هن زيد ومررت بهن زيد وإليه أشار بقوله والنقص في هذا الأخير أحسن أي النقص في هن أحسن من الإتمام والإتمام جائز لكنه قليل جدا هذا هنوه ورأيت هناه ونظرت إلى هنيه وأنكر الفراء جواز إتمامه وهو محجوج بحكاية سيبويه الإتمام عن العرب ومن حفظ حجة على من لم يحفظ
وأشار المصنف بقوله وفي أب وتالييه يندر إلى آخر البيت إلى اللغتين الباقيتين في أب وتالييه وهما أخ وحم فإحدى اللغتين النقص وهو حذف الواو والألف والياء والإعراب بالحركات الظاهرة على الباء والخاء والميم نحو هذا أبه وأخه وحمها ورأيت أبه وأخه وحمها ومررت بأبه وأخه وحمها وعليه قوله
(1/49)

( بأبه اقتدى عدي في الكرم ... ومن يشابه أبه فما ظلم )
وهذه اللغة نادرة فى أب وتالييه ولهذا قال وفي أب وتالييه يندر أي يندر النقص
واللغة الأخرى في أب وتالييه أن يكون بالألف رفعا ونصبا وجرا نحو هذا اباه وأخاه وحماها ورأيت أباه وأخاه وحماها ومررت بأباه وأخاه وحماها وعليه قول الشاعر
(1/50)

( إن أباها وأبا أباها ... قد بلغا في المجد غايتاها )
(1/51)

فعلامة الرفع والنصب والجر حركة مقدرة على الألف كما تقدر في المقصور وهذه اللغة أشهر من النقص
وحاصل ما ذكره أن في أب وأخ وحم ثلاث لغات أشهرها أن تكون بالواو والألف والياء والثانية أن تكون بالألف مطلقا والثالثة أن تحذف منها الأحرف الثلاثة وهذا نادر وأن في هن لغتين إحداهما النقص وهو الأشهر والثانية الإتمام وهو قليل
( وشرط ذا الإعراب أن يضفن لا ... لليا كجا أخو أبيك ذا اعتلا )
(1/52)

ذكر النحويون لإعراب هذه الأسماء بالحروف شروطا أربعة
أحدها أن تكون مضافة واحترز بذلك من ألا تضاف فإنها حينئذ تعرب بالحركات الظاهرة نحو هذا أب ورأيت أبا ومررت بأب
الثاني أن تضاف إلى غير ياء المتكلم نحو هذا أبو زيد وأخوه وحموه فإن أضيفت إلى ياء المتكلم أعربت بحركات مقدرة نحو هذا أبي ورأيت أبي ومررت بأبي ولم تعرب بهذه الحروف وسيأتي ذكر ما تعرب به حينئذ
الثالث أن تكون مكبرة واحترز بذلك من أن تكون مصغرة فإنها حينئذ تعرب بالحركات الظاهرة نحو هذا أبي زيد وذوي مال ورأيت أبي زيد وذوي مال ومررت بأبي زيد وذوي مال
الرابع أن تكون مفردة واحترز بذلك من أن تكون مجموعة أو مثناة فإن كانت مجموعة أعربت بالحركات الظاهرة نحو هؤلاء آباء الزيدين
(1/53)

ورأيت آباءهم ومررت بآبائهم وإن كانت مثناة أعربت إعراب المثنى بالألف رفعا وبالياء جرا ونصبا نحو هذان أبوا زيد ورأيت أبويه ومررت بأبويه
ولم يذكر المصنف رحمه الله تعالى من هذه الأربعة سوى الشرطين الأولين ثم أشار إليهما بقوله وشرط ذا الإعراب أن يضفن لا لليا أي شرط إعراب هذه الأسماء بالحروف أن تضاف إلى غير ياء المتكلم فعلم من هذا أنه لا بد من إضافتها وأنه لا بد أن تكون إضافتها إلى غير ياء المتكلم
ويمكن أن يفهم الشرطان الآخران من كلامه وذلك أن الضمير في قوله يضفن راجع إلى الأسماء التي سبق ذكرها وهو لم يذكرها إلا مفردة مكبرة فكأنه قال وشرط ذا الإعراب أن يضاف أب وإخوته المذكورة إلى غير ياء المتكلم
واعلم أن ذو لا تستعمل إلا مضافة ولا تضاف إلى مضمر بل إلى اسم جنس ظاهر غير صفة نحو جاءني ذو مال فلا يجوز جاءني ذو قائم
(1/54)

( بالألف ارفع المثنى وكلا ... إذا بمضمر مضافا وصلا )
(1/55)

( كلتا كذاك اثنان واثنتان ... كابنين وابنتين يجريان )
( وتخلف اليا في جميعها الألف ... جرا ونصبا بعد فتح قد ألف )
ذكر المصنف رحمه الله تعالى أن مما تنوب فيه الحروف عن الحركات الأسماء الستة وقد تقدم الكلام عليها ثم ذكر المثنى وهو مما يعرب بالحروف
وحده لفظ دال على اثنين بزيادة في آخره صالح للتجريد وعطف مثله عليه فيدخل في قولنا لفظ دال على اثنين المثنى نحو الزيدان والألفاظ الموضوعة لاثنين نحو شفع وخرج بقولنا بزيادة نحو
(1/56)

شفع وخرج بقولنا صالح للتجريد نحو اثنان فإنه لا يصلح لإسقاط الزيادة منه فلا تقول اثن وخرج بقولنا وعطف مثله عليه ما صلح للتجريد وعطف غيره عليه كالقمرين فإنه صالح للتجريد فتقول قمر ولكن يعطف عليه مغايره لامثله نحو قمر وشمس وهو المقصود بقولهم القمرين
وأشار المصنف بقوله بالألف ارفع المثنى وكلا إلى أن المثنى يرفع بالألف وكذلك شبه المثنى وهو كل ما لا يصدق عليه حد المثنى وأشار إليه المصنف بقوله وكلا فما لا يصدق عليه حد المثنى مما دل على اثنين بزيادة أو شبهها فهو ملحق بالمثنى فكلا وكلتا واثنان واثنتان ملحقة بالمثنى لأنها لا يصدق عليها حد المثنى ولكن لا يلحق كلا وكلتا بالمثنى إلا إذا أضيفا إلى مضمر نحو جائني كلاهما ورأيت كليهما ومررت بكليهما وجاءتني كلتاهما ورأيت كلتيهما ومررت بكلتيهما فإن أضيفا إلى ظاهر كانا بالألف رفعا ونصبا وجرا نحو جائني كلا الرجلين وكلتا المرأتين ورأيت كلا الرجلين وكلتا المرأتين ومررت بكلا الرجلين وكلتا المرأتين فلهذا قال المصنف وكلا إذا بمضمر مضافا وصلا
(1/57)

ثم بين أن اثنين واثنتين يجريان مجرى ابنين وابنتين فاثنان واثنتان ملحقان بالمثنى كما تقدم وابنان وابنتان مثنى حقيقة
ثم ذكر المصنف رحمه الله تعالى أن الياء تخلف الألف في المثنى والملحق به في حالتي الجر والنصب وأن ما قبلها لا يكون إلا مفتوحا نحو رأيت الزيدين كليهما ومررت بالزيدين كليهما واحترز بذلك عن ياء الجمع فإن ما قبلها لا يكون إلا مكسورا نحو مررت بالزيدين وسيأتي ذلك
وحاصل ما ذكره أن المثنى وما ألحق به يرفع بالألف وينصب ويجر بالياء وهذا هو المشهور والصحيح أن الإعراب في المثنى والملحق به بحركة مقدرة على الألف رفعا والياء نصبا وجرا
وما ذكره المصنف من أن المثنى والملحق به يكونان بالألف رفعا والياء نصبا وجرا هو المشهور في لغة العرب ومن العرب من يجعل المثنى والملحق به
(1/58)

بالألف مطلقا رفعا ونصبا وجرا فيقول جاء الزيدان كلاهما ورأيت الزيدان كلاهما ومررت بالزيدان كلاهما
( وارفع بواو وبيا اجرر وانصب ... سالم جمع عامر ومذنب )
(1/59)

ذكر المصنف قسمين يعربان بالحروف أحدهما الأسماء الستة والثاني المثنى وقد تقدم الكلام عليهما ثم ذكر في هذا البيت القسم الثالث وهو جمع المذكر السالم وما حمل عليه وإعرابه بالواو رفعا وبالياء نصبا وجرا
وأشار بقوله عامر ومذنب إلى ما يجمع هذا الجمع وهو قسمان جامد وصفة
قيشترط في الجامد أن يكون علما لمذكر عاقل خاليا من تاء التأنيث ومن التركيب فإن لم يكن علما لم يجمع بالواو والنون فلا يقال في رجل رجلون نعم إذا صغر جاز ذلك نحو رجيل ورجيلون لأنه وصف وإن كان علما لغير مذكر لم يجمع بهما فلا يقال في زينب زينبون وكذا إن كان علما لمذكر غير عاقل فلا يقال في لاحق اسم فرس لاحقون وإن كان فيه تاء التأنيث فكذلك لا يجمع بهما فلا يقال في طلحة طلحون وأجاز ذلك الكوفيون وكذلك إذا كان مركبا فلا يقال في سيبويه سيبويهون وأجازه بعضهم
(1/60)

ويشترط في الصفة أن تكون صفة لمذكر عاقل خالية من تاء التأنيث ليست من باب أفعل فعلاء ولا من بان فعلان فعلى ولا مما يستوي فيه المذكر والمؤنث فخرج بقولنا صفة لمذكر ما كان صفة لمؤنث فلا يقال في حائض حائضون وخرج بقولنا عاقل ما كان صفة لمذكر غير عاقل فلا يقال في سابق صفة فرس سابقون وخرج بقولنا خالية من تاء التأنيث ما كان صفة لمذكر عاقل ولكن فيه تاء التأنيث نحو علامة فلا يقال فيه علامون وخرج بقولنا ليست من باب أفعل فعلاء ما كان كذلك نحو أحمر فإن مؤنثه حمراء فلا يقال فيه أحمرون وكذلك ما كان من باب فعلان فعلى نحو سكران وسكرى فلا يقال سكرانون وكذلك إذا استوى في الوصف المذكر والمؤنث نحو صبور وجريح فإنه يقال رجل صبور وامرأة صبور ورجل جريح وامرأة جريح فلا يقال في جمع المذكر السالم صبورون ولا جريحون
وأشار المصنف رحمه الله إلى الجامد الجامع للشروط التي سبق ذكرها بقوله عامر فإنه علم لمذكر عاقل خال من تاء التأنيث ومن التركيب فيقال فيه عامرون
(1/61)

وأشار إلى الصفة المذكورة أولا بقوله ومذنب فإنه صفة لمذكر عاقل خالية من تاء التأنيث وليست من باب أفعل فعلاء ولا من باب فعلان فعلى ولا مما يستوي فيه المذكر والمؤنث فيقال فيه مذنبون
( وشبه ذين وبه عشرونا ... وبابه ألحق والأهلونا )
( أولو وعالمون عليونا ... وأرضون شذ والسنونا )
( وبابه ومثل حين قد يرد ... ذا الباب وهو عند قوم يطرد )
(1/62)

أشار المصنف رحمه الله بقوله وشبه ذين إلى شبه عامر وهو كل علم مستجمع للشروط السابق ذكرها كمحمد وإبراهيم فتقول محمدون وإبراهيمون وإلى شبه مذنب وهو كل صفة اجتمع فيها الشروط كالأفضل والضراب ونحوهما فتقول الأفضلون والضرابون وأشار بقوله وبه عشرون إلى ما ألحق بجمع المذكر السالم في إعرابه بالواو رفعا وبالياء جرا ونصبا
وجمع المذكر السالم هو ما سلم فيه بناء الواحد ووجد فيه الشروط التي سبق ذكرها فمالا واحد له من لفظه أوله واحد غير مستكمل للشروط فليس بجمع مذكر سالم بل هو ملحق به فعشرون وبابه وهو ثلاثون إلى تسعين ملحق بجمع المذكر السالم لأنه لا واحد له من لفظه إذ لا يقال عشر وكذلك أهلون ملحق به لأن مفرده وهو أهل ليس فيه الشروط المذكورة لأنه اسم جنس جامد كرجل وكذلك أولو لأنه لا واحد له من لفظه وعالمون جمع عالم وعالم كرجل اسم جنس جامد وعليون اسم لأعلى الجنة وليس فيه الشروط المذكورة لكونه لما لايعقل وأرضون جمع أرض وأرض اسم جنس جامد مؤنث والسنون جمع سنة والسنة اسم جنس مؤنث فهذه كلها ملحقة بالجمع المذكر لما سبق من أنها غير مستكملة للشروط
(1/63)

وأشار بقوله وبابه إلى باب سنة وهو كل اسم ثلاثي حذفت لامه وعوض عنها هاء التأنيث ولم يكسر كمائة ومئتين وثبة وثبين وهذا الاستعمال شائع في هذا ونحوه فإن كسر كشفة وشفاه لم يستعمل كذلك إلا شذوذوا كظبة فإنهم كسروه على ظباة وجمعوه أيضا بالواو رفعا وبالياء نصبا وجرا فقالوا ظبون وظبين
وأشار بقوله ومثل حين قد يرد ذا الباب إلى أن سنين ونحوه قد
(1/64)

تلزمه الياء ويجعل الإعراب على النون فتقول هذه سنين ورأيت سنينا ومررت بسنين وإن شئت حذفت التنوين وهو أقل من إثباته واختلف في اطراد هذا والصحيح أنه لا يطرد وأنه مقصور على السماع ومنه قوله ( اللهم اجعلها عليهم سنينا كسنين يوسف ) في إحدى الروايتين ومثله قول الشاعر
( دعاني من نجد فإن سنينه ... لعبن بنا شيبا وشيبننا مردا )
(1/65)

الشاهد فيه إجراء السنين مجرى الحين في الإعراب بالحركات وإلزام النون مع الإضافة
( ونون مجموع وما به التحق ... فافتح وقل من بكسره نطق )
(1/66)

( ونون ما ثني والملحق به ... بعكس ذاك استعملوه فانتبه ) حق نون الجمع وما ألحق به الفتح وقد تكسر شذوذا ومنه قوله
( عرفنا جعفرا وبني أبيه ... وأنكرنا زعانف آخرين )
(1/67)

وقوله
( أكل الدهر حل وارتحال ... أما يبقي علي ولا يقيني )
( وماذا تبتغي الشعراء مني ... وقد جاوزت حد الأربعين )
وليس كسرها لغة خلافا لمن زعم ذلك
(1/68)

وحق نون المثنى والملحق به الكسر وفتحها لغة ومنه قوله
( على أحوذيين استقلت عشية ... فما هي إلا لمحة وتغيب )
(1/69)

وظاهر كلام المصنف رحمه الله تعالى أن فتح النون في التثنية ككسر نون الجمع في القلة وليس كذلك بل كسرها في الجمع شاذ وفتحها في التثنية لغة كما قدمناه وهل يختص الفتح بالياء أو يكون فيها وفي الألف قولان وظاهر كلام المصنف الثاني
(1/70)

ومن الفتح مع الألف قول الشاعر
( أعرف منها الجيد والعينانا ... ومنخرين أشبها ظبيانا )
(1/71)

وقد قيل إنه مصنوع فلا يحتج به
(1/72)

( وما بتا وألف قد جمعا ... يكسر في الجر وفي النصب معا )
لما فرغ من الكلام على الذي تنوب فيه الحروف عن الحركات شرع في ذكر ما نابت فيه حركة عن حركة وهو قسمات أحدهما جمع المؤنث السالم نحو مسلمات وقيدنا بالسالم احترازا عن جمع التكسير وهو ما لم يسلم فيه بناء واحده نحو هنود وأشار إليه المصنف رحمه الله تعالى بقوله وما بتا وألف قد جمعا أي جمع بالألف والتاء المزيدتين فخرج نحو قضاة فإن ألفه غير زائدة بل هي منقلبة عن أصل وهو الياء لأن أصله
(1/73)

قضية ونحو أبيات فإن تاءه أصلية والمراد منه ما كانت الألف والتاء سببا في دلالته على الجمع نحو هندات فاحترز بذلك عن نحو قضاة وأبيات فإن كل واحد منهما جمع ملتبس بالألف والتاء وليس مما نحن فيه لأن دلالة كل واحد منهما على الجمع ليس بالألف والتاء وإنما هو بالصيغة فاندفع بهذا التقرير الاعتراض على المصنف بمثل قضاة وأبيات وعلم أنه لا حاجة إلى أن يقول بألف وتاء مزيدتين فالباء في قوله بتا متعلقة بقوله جمع
وحكم هذا الجمع أن يرفع بالضمة وينصب ويجر بالكسرة نحو جاءنى هندات ورأيت هندات ومررت بهندات فنابت فيه الكسرة عن الفتحة وزعم بعضهم أنه مبني في حالة النصب وهو فاسد إذ لا موجب لبنائه
(1/74)

( كذا أولات والذي اسما قد جعل ... كأذرعات فيه ذا أيضا قبل )
أشار بقوله كذا أولات إلى أن أولات تجرى مجرى جمع المؤنث السالم في أنها تنصب بالكسرة وليست بجمع مؤنث سالم بل هي ملحقة به وذلك لأنها لا مفرد لها من لفظها
ثم أشار بقوله والذي اسما قد جعل إلى أن ما سمي به من هذا الجمع والملحق به نحو أذرعات ينصب بالكسرة كما كان قبل التسمية به ولا يحذف منه التنوين نحو هذه أذرعات ورأيت أذرعات ومررت بأذرعات هذا هو المذهب الصحيح وفيه مذهبان آخران أحدهما أنه يرفع بالضمة وينصب ويجر بالكسرة ويزال منه التنوين نحو هذه أذرعات ورأيت أذرعات ومررت بأذرعات والثاني أنه يرفع بالضمة
(1/75)

وينصب ويجر بالفتحة ويحذف منه التنوين نحو هذه أذرعات ورأيت أذرعات ومررت بأذرعات ويروى قوله
( تنورتها من أذرعات وأهلها ... بيثرب أدنى دارها نظر عالي )
(1/76)

بكسر التاء منونة كالمذهب الأول وبكسرها بلا تنوين كالمذهب الثاني وبفتحها بلا تنوين كالمذهب الثالث
( وجر بالفتحة ما لا ينصرف ... ما لم يضف أو يك بعد أل ردف )
أشار بهذا البيت إلى القسم الثاني مما ناب فيه حركة عن حركة وهو الاسم الذي لا ينصرف وحكمه أنه يرفع بالضمة نحو جاء أحمد وينصب بالفتحة نحو رأيت أحمد ويجر بالفتحة أيضا نحو مررت بأحمد فنابت الفتحة عن الكسرة هذا إذا لم يضف أو يقع بعد الألف واللام فإن أضيف جر بالكسرة نحو مررت بأحمدكم وكذا إذا دخله الألف واللام
(1/77)

نحو مررت بالأحمد فإنه يجر بالكسرة
( واجعل لنحو يفعلان النونا ... رفعا وتدعين وتسألونا )
(1/78)

( وحذفها للجزم والنصب سمه ... كلم تكوني لترومي مظلمه )
لما فرغ من الكلام على ما يعرب من الأسماء بالنيابة شرع في ذكر ما يعرب من الأفعال بالنيابة وذلك الأمثلة الخمسة فأشار بقوله يفعلان إلى كل فعل اشتمل على ألف اثنين سواء كان في أوله الياء نحو يضربان أو التاء نحو تضربان وأشار بقوله وتدعين إلى كل فعل اتصل به ياء مخاطبة نحو أنت تضربين وأشار بقوله وتسألون إلى كل فعل اتصل به واو الجمع نحو أنتم تضربون سواء كان في أوله التاء كما مثل أو الياء نحو الزيدون يضربون
فهذه الأمثلة الخمسة وهي يفعلان وتفعلان ويفعلون وتفعلون وتفعلين ترفع بثبوت النون وتنصب وتجزم بحذفها فنابت النون فيه عن الحركة التي هى الضمة نحو الزيدان يفعلان فيفعلان فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه ثبوت النون وتنصب وتجزم بحذفها نحو الزيدان لن
(1/79)

يقوما ولم يخرجا فعلامة النصب والجزم سقوط النون من يقوما ويخرجا ومنه قوله تعالى ( فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا فاتقوا النار )
( وسم معتلا من الأسماء ما ... كالمصطفى والمرتقي مكارما )
( فالأول الإعراب فيه قدرا ... جميعه وهو الذي قد قصرا )
(1/80)

( والثان منقوص ونصبه ظهر ... ورفعه ينوى كذا أيضا يجر )
شرع في ذكر إعراب المعتل من الأسماء والأفعال فذكر أن ما كان مثل المصطفى والمرتقي يسمى معتلا وأشار بالمصطفى إلى ما في آخره ألف لازمة قبلها فتحة مثل عصا ورحى وأشار بالمرتقي إلى ما في آخره ياء مكسور ما قبلها نحو القاضي والداعي
ثم أشار إلى أن ما في آخره ألف مفتوح ما قبلها يقدر فيه جميع حركات الإعراب الرفع والنصب والجر وأنه يسمى المقصور فالمقصور هو الاسم المعرب الذي فى آخره ألف لازمة فاحترز بالاسم من الفعل نحو يرضى وبالمعرب من المبني نحو إذا وبالألف من المنقوص نحو القاضي كما سيأتى وبلازمة من المثنى في حالة الرفع نحو الزيدان فإن ألفه لا تلزمه إذ تقلب ياء في الجر والنصب نحو رأيت الزيدين
وأشار بقوله والثان منقوص إلى المرتقي فالمنقوص هو الاسم المعرب الذي آخره ياء لازمة قبلها كسرة نحو المرتقي فاحترز بالاسم عن الفعل نحو يرمي وبالمعرب عن المبني نحو الذي وبقولنا قبلها كسرة عن
(1/81)

التي قبلها سكون نحو ظبي ورمي فهذا معتل جار مجرى الصحيح في رفعه بالضمة ونصبه بالفتحة وجره بالكسرة
وحكم هذا المنقوص أنه يظهر فيه النصب نحو رأيت القاضي وقال الله تعالى ( يا قومنا أجيبوا داعي الله ) ويقدر فيه الرفع والجر لثقلهما على الياء
(1/82)

نحو جاء القاضي ومررت بالقاضي فعلامة الرفع ضمة مقدرة على الياء وعلامة الجر كسرة مقدرة على الياء
وعلم مما ذكر أن الاسم لا يكون في آخره واو قبلها ضمة نعم إن كان مبنيا وجد ذلك فيه نحو هو ولم يوجد ذلك في المعرب إلا في الأسماء الستة في حالة الرفع نحو جاء أبوه وأجاز ذلك الكوفيون في موضعين آخرين أحدهما ما سمي به من الفعل نحو يدعو ويغزو والثاني ما كان أعجميا نحو سمندو وقمندو
( وأي فعل آخر منه ألف ... أو واو أو ياء فمعتلا عرف )
(1/83)

أشار إلى أن المعتل من الأفعال هو ما كان في آخره واو قبلها صمة نحو يغزو أو ياء قبلها كسرة نحو يرمى أو ألف قبلها فتحة نحو يخشى
( فالألف انو فيه غير الجزم ... وأبد نصب ما كيدعو يرمي )
( والرفع فيهما انو واحذف جازما ... ثلاثهن تقض حكما لازما )
ذكر في هذين البيتين كيفية الإعراب في الفعل المعتل فذكر أن الألف يقدر فيها غير الجزم وهو الرفع والنصب نحو زيد يخشى فيخشى مرفوع
(1/84)

وعلامة رفعه ضمة مقدرة على الألف ولن يخشى فيخشى منصوب وعلامة النصب فتحة مقدرة على الألف وأما الجزم فيظهر لأنه يحذف له الحرف الآخر نحو لم يخش
وأشار بقوله وأبد نصب ما كيدعو يرمي إلى أن النصب يظهر فيما آخره واو أو ياء نحو لن يدعو ولن يرمي
وأشار بقوله والرفع فيهما انو إلى أن الرفع يقدر فى الواو والياء نحو يدعو ويرمي فعلامة الرفع ضمة مقدرة على الواو والياء
وأشار بقوله واحذف جازما ثلاثهن إلى أن الثلاث وهي الألف والواو والياء تحذف في الجزم نحو لم يخش ولم يغز ولم يرم فعلامة الجزم حذف الألف والواو والياء
وحاصل ما ذكره أن الرفع يقدر في الألف والواو والياء وأن الجزم يظهر في الثلاثة بحذفها وأن النصب يظهر في الياء والواو ويقدر في الألف
(1/85)

النكرة والمعرفة
( نكرة قابل أل مؤثرا ... أو واقع موقع ما قد ذكرا )
النكرة ما يقبل أل وتؤثر فيه التعريف أو يقع موقع ما يقبل أل فمثال ما يقبل أل وتؤثر فيه التعريف رجل فتقول الرجل واحترز بقوله وتؤثر فيه التعريف مما يقبل أل ولا تؤثر فيه التعريف كعباس علما فإنك تقول فيه العباس فتدخل عليه أل لكنها لم تؤثر فيه التعريف لأنه معرفة قبل دخلوها عليه ومثال ما وقع موقع ما يقبل أل ذو التي بمعنى صاحب نحو جاءني ذو مال أي صاحب مال فذو نكرة وهي لا تقبل أل لكنها واقعة موقع صاحب وصاحب يقبل أل نحو الصاحب
(1/86)

( وغيره معرفة كهم وذي ... وهند وابني والغلام والذي )
أي غير النكرة المعرفة وهي ستة أقسام المضمر كهم واسم الإشارة كذي والعلم كهند والمحلى بالألف واللام كالغلام والموصول كالذي وما أضيف إلى واحد منها كابني وسنتكلم على هذه الأقسام
(1/87)

( فما لذي غيبة أو حضور ... كأنت وهسم بالضمير )
يشير إلى أن الضمير ما دل على غيبة كهو أو حضور وهو قسمان أحدهما ضمير المخاطب نحو أنت والثاني ضمير المتكلم نحو أنا
( وذو اتصال منه ما لا يبتدا ... ولا يلي إلا اختيارا أبدا )
(1/88)

( كالياء والكاف من ابني أكرمك ... والياء والها من سليه ما ملك )
الضمير البارز بنقسم إلى متصل ومنفصل فالمتصل هو الذي لا يبتدأ به كالكاف من أكرمك ونحوه ولا يقع بعد إلا في الاختيار فلا يقال ما أكرمت إلاك وقد جاء شذوذا في الشعر كقوله
( أعوذ برب العرش من فئة بغت ... علي فما لي عوض إلاه ناصر )
(1/89)

وقوله 14
( وما علينا إذا ما كنت جارتنا ... أن لا يجاورنا إلاك ديار )
(1/90)

( وكل مضمر له البنا يجب ... ولفظ ما جر كلفظ ما نصب )
المضمرات كلها مبنية لشبهها بالحروف في الجمود ولذلك لا تصغر
(1/92)

ولا نثني ولا تجمع وإذا ثبت أنها مبنية فمنها ما يشترك فيه الجر والنصب وهو كل ضمير نصب أو جر متصل نحو أكرمتك ومررت بك وإنه وله فالكاف في أكرمتك في موضع نصب وفى بك في موضع جر والهاء في إنه في موضع نصب وفي له في موضع جر
ومنها ما يشترك فيه الرفع والنصب والجر وهو نا وأشار إليه بقوله
( للرفع والنصب وجر نا صلح ... كاعرف بنا فإننا نلنا المنح )
أي صلح لفظ نا للرفع نحو نلنا وللنصب نحو فإننا وللجر نحو بنا
ومما يستعمل للرفع والنصب والجر الياء فمثال الرفع نحو اضربي ومثال النصب نحو أكرمني ومثال الجر نحو مر بي
ويستعمل في الثلاثة أيضا هم فمثال الرفع هم قائمون ومثال النصب أكرمتهم ومثال الجر لهم
وإنما لم يذكر المصنف الياء وهم لأنهما لا يشبهان نا من كل وجه لأن نا تكون للرفع والنصب والجر والمعنى واحد وهي ضمير متصل
(1/93)

في الأحوال الثلاثة بخلاف الياء فإنها وإن استعملت للرفع والنصب والجر وكانت ضميرا متصلا في الأحوال الثلاثة لم تكن بمعنى واحد في الأحوال الثلاثة لأنها في حال الرفع للمخاطب وفي حالتي النصب والجر للمتكلم وكذلك هم لأنها وإن كانت بمعنى واحد في الأحوال الثلاثة فليست مثل نا لأنها في حالة الرفع ضمير منفصل وفي حالتي النصب والجر ضمير متصل
( وألف والواو والنون لما ... غاب وغيره كقاما واعلما )
الألف والواو والنون من ضمائر الرفع المتصلة وتكون للغائب وللمخاطب فمثال الغائب الزيدان قاما والزيدون قاموا والهندات قمن ومثال المخاطب اعلما واعلموا واعلمن ويدخل تحت قول المصنف وغيره المخاطب والمتكلم وليس هذا بجيد لأن هذه الثلاثة لا تكون للمتكلم أصلا بل إنما تكون للغائب أو المخاطب كما مثلنا
(1/94)

( ومن ضمير الرفع ما يستتر ... كافعل أوافق نغتبط إذ تشكر )
ينقسم الضمير إلى مستتر وبارز والمستتر إلى واجب الاستتار وجائزه
(1/95)

والمراد بواجب الاستتار ما لا يحل محله الظاهر والمراد بجائز الاستتار ما يحل محله الظاهر
وذكر المصنف في هذا البيت من المواضع التي يجب فيها الاستتار أربعة
الأول فعل الأمر للواحد المخاطب كافعل التقدير أنت وهذا الضمير لا يجوز إبرازه لأنه لا يحل محله الظاهر فلا تقول افعل زيد فأما افعل أنت فأنت تأكيد للضمير المستتر في افعل وليس بفاعل لا فعل لصحة الاستغناء عنه فتقول افعل فإن كان الأمر لواحدة أو لاثنين أو لجماعة برز الضمير نحو اضربي واضربا واضربوا واضربن
الثاني الفعل المضارع الذي في أوله الهمزة نحو أوافق والتقدير أنا فإن قلت أوافق أنا كان أنا تأكيدا للضمير المستتر
الثالث الفعل المضارع الذي في أوله النون نحو نغتبط أي نحن
الرابع الفعل المضارع الذي في أوله التاء لخاطب الواحد نحو تشكر أي أنت فإن كان الخطاب لواحدة أو لاثنين أو لجماعة برز الضمير نحو أنت تفعلين وأنتما تفعلان وأنتم تفعلون وأننن تفعلن
هذا ما ذكره المصنف من المواضع التي يجب فيها استتار الضمير
(1/96)

ومثال جائز الاستتار زيد يقوم أي هو وهذا الضمير جائز الاستتار لأنه يحل محله الظاهر فتقول زيد يقوم أبوه وكذلك كل فعل أسند إلى غائب أو غائبة نحو هند تقوم وما كان بمعناه نحو زيد قائم أي هو
( وذو ارتفاع وانفصال أنا هو ... وأنت والفروع لا تشتبه )
تقدم أن الضمير ينقسم إلى مستتر وإلى بارز وسبق الكلام في المستتر والبارز ينقسم إلى متصل ومنفصل فالمتصل يكون مرفوعا ومنصوبا ومجرورا وسبق الكلام في ذلك والمنفصل يكون مرفوعا ومنصوبا ولا يكون مجرورا
وذكر المصنف في هذا البيت المرفوع المنفصل وهو اثنا عشر أنا للمتكلم وحده ونحن للمتكلم المشارك أو المعظم نفسه وأنت للمخاطب وأنت للمخاطبة وأنتما للمخاطبين أو المخاطبتين وأنتم للمخاطبين وأنتن للمخاطبات وهو للغائب
(1/97)

وهي للغائبة وهما للغائبين أو الغائبتين وهم للغائبين وهن للغائبات
( وذ انتصاب في انفصال جعلا ... إياي والتفريع ليس مشكلا )
أشار في هذا البيت إلى المنصوب المنفصل وهو اثنا عشر أياي للمتكلم وحده وإيانا للمتكلم المشارك أو المعظم نفسه وإياك للمخاطب وإياك للمخاطبة وإياكما للمخاطبين أو المخاطبتين وإياكم للمخاطبين وإياكن للمخاطبات وإياه للغائب وإياها للغائبة وإياهما للغائبين أو الغائبتين وإياهم للغائبين وإياهن للغائبات
(1/98)

( وفي اختيار لا يجيء المنفصل ... إذا تأتى أن يجيء المتصل )
كل موضع أمكن أن يؤتى فيه بالضمير المتصل لا يجوز العدول عنه إلى المنفصل إلا فيما سيذكره المصنف فلا تقول في أكرمتك أكرمت إياك لأنه يمكن الإتيان بالمتصل فتقول أكرمتك
(1/99)

فإن لم يمكن الإتيان بالمتصل تعين المنفصل نحو إياك أكرمت وقد
(1/100)

جاء الضمير في الشعر منفصلا مع إمكان الإتيان به متصلا كقوله
( بالباعث الوارث الأموات قد ضمنت ... إياهم الأرض في دهر الدهارير )
(1/101)

( وصل أو افصل هاء سلنيه وما ... أشبهه في كنته الخلف انتمى )
(1/102)

( كذاك خلتنيه واتصالا ... أختار غيري اختار الانفصالا )
أشار في هذين البيتين إلى المواضع التي يجوز أن يؤتى فيها بالضمير منفصلا مع إمكان أن يؤتى به متصلا
فأشار بقوله سلنيه إلى ما يتعدى إلى مفعولين الثاني منهما ليس خبرا في الأصل وهما ضميران نحو الدرهم سلنيه فيجوز لك في هاء سلنيه الاتصال نحو سلنيه والانفصال نحو سلني إياه وكذلك كل فعل أشبهه نحو الدرهم أعطيتكه وأعطيتك إياه
وظاهر كلام المصنف أنه يجوز في هذه المسألة الانفصال والاتصال على السواء وهو ظاهر كلام أكثر النحويين وظاهر كلام سيبويه أن الاتصال فيها واجب وأن الانفصال مخصوص بالشعر
وأشار بقوله في كنته الخلف انتمى إلى أنه إذا كان خبر كان وأخواتها ضميرا فإنه يجوز اتصاله وانفصاله واختلف في المختار منهما فاختار المصنف
(1/103)

الاتصال نحو كنته واختار سيبويه الانفصال نحو كنت إياه تقول الصديق كنته وكنت إياه
وكذلك المختار عند المصنف الاتصال في نحو خلتنيه وهو كل فعل تعدى إلى مفعولين الثاني منهما خبر في الأصل وهما ضميران ومذهب سيبويه أن المختار في هذا أيضا الانفصال نحو خلتني إياه ومذهب سيبويه أرجح لأنه هو الكثير في لسان العرب على ما حكاه سيبويه عنهم وهو المشافه لهم قال الشاعر
(1/104)

( إذا قالت حذام فصدقوها ... فإن القول ما قالت حذام )
(1/105)

( وقدم الأخص في اتصال ... وقدمن ما شئت في انفصال )
ضمير المتكلم أخص من ضمير المخاطب وضمير المخاطب أخص من ضمير الغائب فإن اجتمع ضميران منصوبان أحدهما أخص من الآخر فإن كانا متصلين وجب تقديم الأخص منهما فتقول الدرهم أعطيتكه وأعطيتنيه بتقديم الكاف والياء على الهاء لأنهما أخص من الهاء لأن الكاف للمخاطب والياء للمتكلم والهاء للغائب ولا يجوز تقديم الغائب مع الاتصال فلا تقول أعطيتهوك ولا أعطيتهمونى وأجازه قوم ومنه ما رواه ابن الأثير في غريب الحديث من قول عثمان رضي الله عنه أراهمني الباطل شيطانا فإن فصل أحدهما كنت بالخيار فإن شئت قدمت الأخص فقلت الدرهم أعطيتك إياه وأعطيتني إياه وإن شئت قدمت غير الأخص فقلت أعطيته إياك وأعطيته إياي وإليه أشار بقوله وقدمن
(1/106)

ما شئت في انفصال وهذا الذي ذكره ليس على إطلاقه بل إنما يجوز تقديم غير الأخص في الانفصال عند أمن اللبس فإن خيف لبس لم يجز فإن قلت زيد أعطيتك إياه لم يجز تقديم الغائب فلا تقول زيد أعطيته إياك لأنه لا يعلم هل زيد مأخوذ أو آخذ
( وفي اتحاد الرتبة الزم فصلا ... وقد يبيح الغيب فيه وصلا )
إذا اجتمع ضميران وكانا منصوبين واتحدا في الرتبة كأن يكونا لمتكلمين أو مخاطبين أو غائبين فإنه يلزم الفصل في أحدهما فتقول أعطيتني إياي وأعطيتك إياك وأعطيته إياه ولا يجوز اتصال الضميرين فلا تقول أعطيتني ولا أعطيتكك ولا أعطيتهوه نعم إن كانا غائبين واختلف لفظهما فقد يتصلان نحو الزيدان الدرهم أعطيتهماه وإليه أشار بقوله في الكافية
(1/107)

( مع اختلاف ما ونحو ضمنت ... إياهم الأرض الضرورة اقتضت )
وربما أثبت هذا البيت في بعض نسخ الألفية وليس منها وأشار بقوله ونحو ضمنت إلى آخر البيت إلى أن الإتيان بالضمير منفصلا في موضع يجب فيه اتصاله ضرورة كقوله
( بالباعث الوارث الأموات قد ضمنت ... إياهم الأرض في دهر الدهارير ) وقد تقدم ذكر ذلك
( وقبل يا النفس مع الفعل التزم ... نون وقاية وليسى قد نظم )
إذا اتصل بالفعل ياء المتكلم لحقته لزوما نون تسمى نون الوقاية وسميت بذلك لأنها تقي الفعل من الكسر وذلك نحو أكرمني ويكرمني وأكرمني وقد جاء حذفها مع ليس شذوذوا كما قال الشاعر
(1/108)

-
( عددت قومي كعديد الطيس ... إذ ذهب القوم الكرام ليسى )
(1/109)

واختلف في أفعل في التعجب هل تلزمه نون الوقاية أم لا فتقول ما أفقرني إلى عفو الله وما أفقري إلى عفو الله عند من لا يلتزمها فيه والصحيح أنها تلزم
( وليتني فشاوليتي ندرا ... ومع لعل اعكس وكن مخبرا )
( في البقايات واضطرارا خففا ... مني وعني بعض من قد سلفا )
(1/110)

ذكر في هذين البيتين حكم نون الوقاية مع الحروف فذكر ليت وأن نون الوقاية لا تحذف منها إلا ندورا كقوله
( كمنية جابر إذ قال ليتي ... أصادفه وأتلف جل مالي )
(1/111)

والكثير في لسان العرب ثبوتها وبه ورد القرآن قال الله تعالى ( يا ليتنى كنت معهم )
وأما لعل فذكر أنها بعكس ليت فالفصيح تجريدها من النون كقوله تعالى حكاية عن فرعون ( لعلي أبلغ الأسباب ) ويقل ثبوت النون كقول الشاعر
(1/112)

( فقلت أعيراني القدوم لعلني ... أخط بها قبرا لأبيض ماجد )
(1/113)

ثم ذكر أنك بالخيار في الباقيات أي في باقي أخوات ليت ولعل وهي إن وأن وكأن ولكن فتقول إني وإنني وأني وأنني وكأني وكأنني ولكني ولكنني
ثم ذكر أن من وعن تلزمهما نون الوقاية فتقول مني وعني بالتشديد ومنهم من يحذف النون فيقول مني وعني بالتخفيف وهو شاذ قال الشاعر
( أيها السائل عنهم وعني ... لست من قيس ولا قيس مني )
(1/114)

( وفي لدني لدني قل وفي ... قدني وقطني الحذف أيضا قد يفي )
أشار بهذا إلى أن الفصيح في لدني إثبات النون كقوله تعالى ( قد بلغت من لدني عذرا ) ويقل حذفها كقراءة من قرأ من لدني بالتخفيف
والكثير في قد وقط ثبوت النون نحو قدني وقطني ويقل الحذف نحو قدي وقطي أى حسبي وقد اجتمع الحذف والإثبات في قوله
( قدني من نصر الخبيبين قدي ... ليس الإمام بالشحيح الملحد )
(1/115)

العلم
( اسم يعين المسمى مطلقا ... علمه كجعفر وخرنقا )
( وقرن وعدن ولاحق ... وشذقم وهيلة وواشق )
العلم هو الاسم الذي يعين مسماه مطلقا أي بلا قيد التكلم أو الخطاب أو الغيبة فالاسم جنس يشمل النكرة والمعرفة ويعين مسماه فصل أخرج النكرة وبلا قيد أخرج بقية المعارف كالمضمر فإنه يعين مسماه بقيد التكلم كأنا أو الخطاب كأنت أو الغيبة كهو ثم مثل الشيخ بأعلام الأناسي وغيرهم تنبيها على أن مسميات الأعلام العقلاء وغيرهم من المألوفات فجعفر اسم رجل وخرنق اسم امرأة من شعراء العرب
(1/118)

وهي أخت طرفة بن العبد لأمه وقرن اسم قبيلة وعدن اسم مكان ولاحق اسم فرس وشذقم اسم جمل وهيلة اسم شاة وواشق اسم كلب
( واسما أتى وكنية ولقبا ... وأخرن ذا إن سواه صحبا )
ينقسم العلم إلى ثلاثة أقسام إلى اسم وكنية ولقب والمراد بالاسم هنا ما ليس بكنية ولا لقب كزيد وعمرو وبالكنية ما كان في أوله أب أو أم كأبي عبد الله وأم الخير وباللقب ما أشعر بمدح كزين العابدين أو ذم كأنف الناقة
وأشار بقوله وأخرن ذا إلخ إلى أن اللقب إذا صحب الاسم وجب تأخيره كزيد أنف الناقة ولا يجوز تقديمه على الاسم فلا تقول أنف الناقة زيد إلا قليلا ومنه قوله
(1/119)

( بأن ذا الكلب عمرا خيرهم حسبا ... ببطن شريان يعوي حوله الذيب )
(1/120)

وظاهر كلام المصنف أنه يجب تأخير اللقب إذا صحب سواه ويدخل تحت قوله سواه الاسم والكنية وهو إنما يجب تأخيره مع الاسم فأما مع الكنية فأنت بالخيار بين أن تقدم الكنية على اللقب فتقول أبو عبد الله زين
(1/121)

العابدين وبين أن تقدم اللقب على الكنية فتقول زين العابدين أبو عبد الله ويوجد في بعض النسخ بدل قوله وأخرن ذا إن سواه صحبا وذا اجعل آخرا إذا اسما صحبا وهو أحسن منه لسلامته مما ورد على هذا فإنه نص في أنه إنما يجب تأخير اللقب إذا صحب الاسم ومفهومه أنه لا يجب ذلك مع الكنية وهو كذلك كما تقدم ولو قال وأخرن ذا إن سواها صحبا لما ورد عليه شيء إذ يصير التقدير وأخر اللقب إذا صحب سوى الكنية وهو الاسم فكأنه قال وأخر اللقب إذا صحب الاسم
( وإن يكونا مفردين فأضف ... حتما وإلا أتبع الذي ردف )
إذا اجتمع الاسم واللقب فإما أن يكونا مفردين أو مركبين أو الاسم مركبا واللقب مفردا أو الاسم مفردا واللقب مركبا
(1/122)

فإن كانا مفردين وجب عند البصريين الإضافة نحو هذا سعيد كرز ورأيت سعيد كرز ومررت بسعيد كرز وأجاز الكوفيون الإتباع فتقول هذا سعيد كرز ورأيت سعيدا كرزا ومررت بسعيد كرز ووافقهم المصنف على ذلك في غير هذا الكتاب
وإن لم يكونا مفردين بأن كانا مركبين نحو عبد الله أنف الناقة أو مركبا ومفردا نحو عبد الله كرز وسعيد أنف الناقة وجب الإتباع فتتبع الثاني الأول في إعرابه ويجوز القطع إلى الرفع أو النصب نحو مررت بزيد أنف الناقة وأنف الناقة فالرفع على إضمار مبتدأ والتقدير هو أنف الناقة والنصب على إضمار فعل والتقدير أعني أنف الناقة فيقطع مع المرفوع إلى النصب ومع المنصوب إلى الرفع ومع المجرور إلى النصب أو الرفع نحو هذا زيد أنف الناقة ورأيت زيدا أنف الناقة ومررت بزيد أنف الناقة وأنف الناقة
(1/123)

( ومنه منقول كفضل وأسد ... وذو ارتجال كسعاد وأدد )
( وجملة وما بمزج ركبا ... ذا إن بغير ويه تم أعراب )
( وشاع في الأعلام ذو الإضافة ... كعبد شمس وأبي قحافه )
(1/124)

ينقسم العلم إلى مرتجل وإلى منقول فالمرتجل هو ما لم يسبق له استعمال قبل العلمية في غيرها كسعاد وأدد والمنقول ما سبق له استعمال في غير العلمية والنقل إما من صفة كحارث أو من مصدر كفضل أو من اسم جنس كأسد وهذه تكون معربة أو من جملة كقام زيد وزيد قائم وحكمها أنها تحكى فتقول جاءني زيد قائم ورأيت زيد قائم ومررت بزيد قائم وهذه من الأعلام المركبة
ومنها أيضا ما ركب تركيب مزج كبعلبك ومعدي كرب وسيبويه وذكر المصنف أن المركب تركيب مزج إن ختم بغير ويه أعرب ومفهومه أنه إن ختم بويه لا يعرب بل يبنى وهو كما ذكره فتقول جاءني بعلبك ورأيت بعلبك ومررت ببعلبك فتعربه إعراب ما لا ينصرف ويجوز فيه أيضا البناء على الفتح فتقول جاءني بعلبك ورأيت بعلبك ومررت ببعلبك ويجوز أيضا أن يعرب أيضا إعراب المتضايفين فتقول جاءني حضرموت ورأيت حضرموت ومررت بحضرموت
وتقول فيما ختم بويه جاءني سيبويه ورأيت سيبويه ومررت بسيبويه فتبنيه على الكسر وأجاز بعضهم إعرابه إعراب ما لا ينصرف نحو جاءنى سيبويه ورأيت سيبوية ومررت بسيبوية
(1/125)

ومنها ما ركب تركيب إضافة كعبد شمس وأبي قحافة وهو معرب فتقول جاءني عبد شمس وأبو قحافة ورأيت عبد شمس وأبا قحافة ومررت بعبد شمس وأبي قحافة
ونبه بالمثالين على أن الجزء الأول يكون معربا بالحركات كعبد وبالحروف كأبي وأن الجزء الثاني يكون منصرفا كشمس وغير منصرف كقحافة
( ووضعوا لبعض الاجناس علم ... كعلم الأشخاص لفظا وهو عم )
( من ذاك أم عريط للعقرب ... وهكذا ثعالة للثعلب )
(1/126)

( ومثله برة للمبره ... كذا فجار علم للفجرة )
العلم على قسمين علم شخص وعلم جنس
فعلم الشخص له حكمان معنوي وهو أن يراد به واحد بعينه كزيد وأحمد ولفظي وهو صحة مجيء الحال متأخرة عنه نحو جاءني زيد ضاحكا ومنعه من الصرف مع سبب آخر غير العلمية نحو هذا أحمد ومنع دخول الألف واللام عليه فلا تقول جاء العمرو
(1/127)

وعلم الجنس كعلم الشخص في حكمه اللفظي فتقول هذا أسامه مقبلا فتمنعه من الصرف وتأتى بالحال بعده ولا تدخل عليه الألف واللام فلا تقول هذا الأسامة
(1/128)

وحكم علم الجنس في المعنى كحكم النكرة من جهة أنه لا يخص واحدا بعينه فكل أسد يصدق عليه أسامة وكل عقرب يصدق عليها أم عريط وكل ثعلب يصدق عليه ثعالة
وعلم الجنس يكون للشخص كما تقدم ويكون للمعنى كما مثل بقوله برة للمبرة وفجار للفجرة
(1/129)

اسم الإشارة
( بذا لمفرد مذكر أشر ... بذي وذه تي تا على الأنثى اقتصر )
يشار إلى المفرد المذكر بذا ومذهب البصريين أن الألف من نفس الكلمة وذهب الكوفيون إلى أنها زائدة
(1/130)

ويشار إلى المؤنثة بذي وذه بسكون الهاء وتي وتا وذه بكسر الهاء باختلاس وبإشباع وته بسكون الهاء وبكسرها باختلاس وإشباع وذات
( وذان تان للمثنى المرتفع ... وفى سواه ذين تين اذكر تطع )
يشار إلى المثنى المذكر في حالة الرفع بذان وفى حالة النصب والجر بذين وإلى المؤنثتين بتان في الرفع وتين في النصب والجر
( وبأولى أشر لجمع مطلقا ... والمد أولى ولدى البعد انطقا )
(1/131)

( بالكاف حرفا دون لام أو معه ... واللام إن قدمت ها ممتنعه )
يشار إلى الجمع مذكرا كان أو مؤنثا بأولي ولهذا قال المصنف أشر لجمع مطلقا ومقتضى هذا أنه يشار بها إلى العقلاء وغيرهم وهو كذلك ولكن الأكثر استعمالها في العاقل ومن ورودها في غير العاقل قوله
( ذم المنازل بعد منزلة اللوى ... والعيش بعد أولئك الأيام )
(1/132)

وفيها لغتان المد وهي لغة أهل الحجاز وهي الواردة في القرآن العزيز والقصر وهي لغة بني تميم
وأشار بقوله ولدى البعد انطقا بالكاف إلى آخر البيت إلى أن المشار إليه له رتبتان القرب والبعد فجميع ما تقدم يشار به إلى القريب
(1/133)

فإذا أريد الإشارة إلى البعيد أتي بالكاف وحدها فتقول ذاك أو الكاف واللام نحو ذلك
وهذه الكاف حرف خطاب فلا موضع لها من الإعراب وهذا لا خلاف فيه
فإن تقدم حرف التنبيه الذي هو ها على اسم الإشارة أتيت بالكاف وحدها فتقول هذاك وعلي قوله
( رأيت بني غبراء لا ينكرونني ... ولا أهل هذاك الطراف الممدد )
(1/134)

ولا يجوز الإتيان بالكاف واللام فلا تقول هذالك
وظاهر كلام المصنف أنه ليس للمشار إليه إلا رتبتان قربى وبعدى كما قررناه والجمهور على أن له ثلاث مراتب قربى ووسطى وبعدى فيشار إلى من في القربى بما ليس فيه كاف ولا لام كذا وذى وإلى من
(1/135)

في الوسطى بما فيه الكاف وحدها نحو ذاك وإلى من في البعدى بما فيه كاف ولام نحو ذلك
( وبهنا أو ههنا أشر إلى ... داني المكان وبه الكاف صلا )
( في البعد أو بثم فه أو هنا ... أو بهنالك انطقن أو هنا )
يشار إلى المكان القريب بهنا ويتقدمها هاء التنبيه فيقال ههنا ويشار إلى البعيد على رأى المصنف بهناك وهنالك وهنا بفتح الهاء وكسرها مع تشديد النون وبثم وهنت وعلى مذهب غيره هناك للمتوسط وما بعده للبعيد
(1/136)

الموصول
( موصول الاسماء الذي الأنثى التي ... واليا إذا ما ثنيا لا تثبت )
( بل ما تليه أوله العلامه ... والنون إن تشدد فلا ملامه )
(1/137)

( والنون من ذين وتين شددا ... أيضا وتعويض بذاك قصدا )
ينقسم الموصول إلى اسمي وحرفي
ولم يذكر المصنف الموصولات الحرفية وهي خمسة أحرف
أحدها أن المصدرية وتوصل بالفعل المنصرف ماضيا مثل عجبت من أن قام زيد ومضارعا نحو عجبت من أن يقوم زيد وأمرا نحو أشرت إليه بأن قم فإن وقع بعدها فعل غير متصرف نحو قوله تعالى ( وأن ليس للإنسان إلا ما سعى ) وقوله تعالى ( وأن عسى أن يكون قد اقترب أجلهم ) فهي مخففة من الثقيلة
ومنها أن وتوصل باسمها وخبرها نحو عجبت من أن زيدا قائم ومنه قوله تعالى ( أولم يكفهم أنا أنزلنا ) وأن المخففة كالمثقلة وتوصل باسمها وخبرها لكن اسمها يكون محذوفا واسم المثقلة مذكورا
ومنها كي وتوصل بفعل مضارع فقط مثل جئت لكي تكرم زيدا
(1/138)

ومنها ما وتكون مصدرية ظرفية نحو لا أصحبك ما دمت منطلقا أي مدة دوامك منطلقا وغير ظرفية نحو عجبت مما ضربت زيدا وتوصل بالماضي كما مثل وبالمضارع نحو لا أصحبك ما يقوم زيد وعجبت مما تضرب زيدا ومنه ( بما نسوا يوم الحساب ) وبالجملة الإسمية نحو عجبت مما زيد قائم ولا أصحبك ما زيد قائم وهو قليل وأكثر ما توصل الظرفية المصدرية بالماضي أو بالمضارع المنفي بلم نحو لا أصحبك ما لم تضرب زيدا ويقل وصلها أعني المصدرية بالفعل المضارع الذي ليس منفيا بلم نحو لا أصحبك ما يقوم زيد ومنه قوله
( أطوف ما أطوف ثم آوي ... إلى بيت قعيدته لكاع )
(1/139)

ومنها لو وتوصل بالماضي نحو وددت لو قام زيد والمضارع نحو وددت لو يقوم زيد
فقول المصنف موصول الاسماء احتراز من الموصول الحرفي وهو
(1/140)

أن وأن زكى وما ولو وعلامته صحة وقوع المصدر موقعه نحو وددت لو تقوم أي قيامك وعجبت مما تصنع وجئت لكي أقرأ ويعجبني أنك قائم وأريد أن تقوم وقد سبق ذكره
وأما الموصول الاسمي فالذي للمفرد المذكر والتي للمفرد المؤنثة فإن ثنيت أسقطت الياء وأتيت مكانها بالألف في حالة الرفع نحو اللذان واللتان والياء في حالتي الجر والنصب فتقول اللذين واللتين
وإن شئت شددت النون عوضا عن الياء المحذوفة فقلت اللذان واللتان وقد قرىء ( واللذان يأتيانها منكم ) ويجوز التشديد أيضا مع الياء وهو مذهب الكوفيين فتقول اللذين واللتين وقد قرىء ( ربنا أرنا اللذين ) بتشديد النون
وهذا التشديد يجوز أيضا في تثنية ذا وتا اسمي الإشارة فتقول ذان وتان وكذلك مع الياء فتقول ذين وتين وهو مذهب الكوفيين والمقصود بالتشديد أن يكون عوضا عن الألف المحذوفة كما تقدم في الذي والتي
( جمع الذي الألى الذين مطلقا ... وبعضهم بالواو رفعا نطقا )
(1/141)

( باللات واللاء التي قد جمعا ... واللاء كالذين نزرا وقعا )
يقال في جمع المذكر الألى مطلقا عاقلا كان أو غيره نحو جاءني الألى فعلوا وقد يستعمل في جمع المؤنث وقد اجتمع الأمران في قوله
( وتبلى الألى يستلئمون على الألى ... تراهن يوم الروع كالحدإ القبل )
(1/142)

فقال يستلئمون ثم قال تراهن
ويقال للمذكر العاقل في الجمع الذين مطلقا أي رفعا ونصبا وجرا فتقول جاءني الذين أكرموا زيدا ورأيت الذين أكرموه ومررت بالذين أكرموه
وبعض العرب يقول الذون في الرفع والذين في النصب والجر وهم بنو هذيل ومنه قوله 27 -
( نحن الذون صبحوا الصباحا ... يوم النخيل غارة ملحاحا )
(1/144)

ويقال في جمع المؤنث اللات واللاء بحذف الياء فتقول جاءني اللات فعلن واللاء فعلن ويجوز إثبات الياء فتقول اللاتي واللائي
وقد ورد اللاء بمعنى الذين قال الشاعر 28 -
( فما آباؤنا بأمن منه ... علينا اللاء قد مهدوا الحجورا ) كما قد تجيء الأولى بمعنى اللاء كقوله
( فأما الأولى يسكن غور تهامه ... فكل فتاة تترك الحجل أقصما )
(1/145)

( ومن وما وأل تساوي ما ذكر ... وهكذا ذو عند طييء شهر )
( وكالتي أيضا لديهم ذات ... وموضع اللاتي أتى ذوات )
(1/146)

أشار بقوله تساوي ما ذكر إلى أن من وما والألف واللام تكون بلفظ واحد للمذكر والمؤنث المفرد والمثنى والمجموع فتقول جاءني من قام ومن قامت ومن قاما ومن قامتا ومن قاموا ومن قمن وأعجبني ما ركب وما ركبت وما ركبا وما ركبتا وما ركبوا وما ركبن وجاءني القائم والقائمة والقائمان والقائمتان والقائمون والقائمات
وأكثر ما تستعمل ما في غير العاقل وقد تستعمل في العاقل ومنه قوله تعالى ( فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى ) وقولهم سبحان ما سخركن لنا و سبحان ما يسبح الرعد بحمده
و من بالعكس فأكثر ما تستعمل في العاقل وقد تستعمل في غيره
(1/147)

كقوله تعالى ( ومنهم من يمشي على أربع يخلق الله ما يشاء ) ومنه قول الشاعر 29 -
( بكيت على سرب القطا إذ مررن بي ... فقلت ومثلي بالبكاء جدير )
( أسرب القطا هل من يعير جناحه ... لعلي إلى من قد هويت أطير )
(1/148)

وأما الألف واللام فتكون للعاقل ولغيره نحو جاءنى القائم والمركوب واختلف فيها فذهب قوم إلى أنها اسم موصول وهو الصحيح وقيل إنها حرف موصول وقيل إنها حرف تعريف وليست من الموصولية في شيء
وأما من وما غير المصدرية فاسمان اتفاقا وأما ما المصدرية فالصحيح أنها حرف وذهب الأخفش إلى أنها اسم
ولغة طييء استعمال ذو موصولة وتكون للعاقل ولغيره وأشهر لغاتهم فيها أنها تكون بلفظ واحد للمذكر والمؤنث مفردا ومثنى ومجموعا
(1/149)

فتقول جاءني ذو قام وذو قامت وذو قاما وذو قامتا وذو قاموا وذو قمن ومنهم من يقول في المفرد المؤنث جاءني ذات قامت وفى جمع المؤنث جاءني ذوات قمن وهو المشار إليه بقوله وكالتي أيضا البيت ومنهم من يثنيها ويجمعها فيقول ذوا وذوو في الرفع و ذوى وذوي في النصب والجر وذواتا في الرفع وذواتى في الجر والنصب وذوات في الجمع وهي مبنية على الضم وحكى الشيخ بهاء الدين ابن النحاس أن إعرابها كإعراب جمع المؤنث السالم
والأشهر في ذو هذه أعني الموصولة أن تكون مبنية ومنهم من يعربها بالواو رفعا وبالألف نصبا وبالياء جرا فيقول جاءني ذو قام ورأيت ذا قام ومررت بذي قام فتكون مثل ذي بمعنى صاحب وقد روى قوله
( فإما كرام موسرون لقيتهم ... فحسبي من ذي عندهم ما كفانيا )
(1/150)

بالياء على الإعراب وبالواو على البناء
وأما ذات فالفصيح فيها أن تكون مبنية على الضم رفعا ونصبا وجرا مثل ذوات ومنهم من يعربها إعراب مسلمات فيرفعها بالضمة وينصبها ويجرها بالكسرة
( ومثل ما ذا بعد ما استفهام ... أو من إذا لم تلغ في الكلام )
(1/151)

يعني أن ذا اختصت من بين سائر أسماء الإشارة بأنها تستعمل موصولة وتكون مثل ما في أنها تستعمل بلفظ واحد للمذكر والمؤنث مفردا كان أو مثنى أو مجموعا فتقول من ذا عندك و ماذا عندك سواء كان ما عنده مفردا مذكرا أو غيره
وشرط استعمالها موصولة أن تكون مسبوقة بما أو من الاستفهاميتين نحو من ذا جاءك وماذا فعلت فمن اسم استفهام وهو مبتدأ وذا موصولة بمعنى الذي وهو خبر من وجاءك صلة الموصول والتقدير من الذي جاءك وكذلك ما مبتدأ وذا موصول بمعنى الذي وهو خبر ما وفعلت صلته والعائد محذوف وتقديره ماذا فعلته أي ما الذي فعلته
واحترز بقوله إذا لم تلغ في الكلام من أن تجعل ما مع ذا أو من مع ذا كلمة واحدة للاستفهام نحو ماذا عندك أي أي شيء عندك وكذلك من ذا عندك فماذا مبتدأ وعندك خبره وكذلك من ذا مبتدأ وعندك خبره فذا في هذين الموضعين ملغاة لأنها جزء كلمة لأن المجموع استفهام
( وكلها يلزم بعده صله ... على ضمير لائق مشتمله )
(1/152)

الموصولات كلها حرفية كانت أو اسمية يلزم أن يقع بعدها صلة تبين معناها
ويشترط في صلة الموصول الاسمي أن تشتمل على ضمير لائق بالموصول إن كان مفردا فمفرد وإن كان مذكرا فمذكر وإن كان غيرهما فغيرهما نحو جاءني الذي ضربته وكذلك المثنى والمجموع نحو جاءني اللذان ضربتهما والذين ضربتهم وكذلك المؤنث تقول جاءت التي ضربتها واللتان ضربتهما واللاتي ضربتهن
وقد يكون الموصول لفظه مفردا مذكرا ومعناه مثنى أو مجموعا أو غيرهما وذلك نحو من وما إذا قصدت بهما غير المفرد المذكر فيجوز حينئذ مراعاة اللفظ ومراعاة المعنى فتقول أعجبني من قام ومن قامت ومن قاما ومن قامتا ومن قاموا ومن قمن على حسب ما يعنى بهما
( وجملة أو شبهها الذي وصل ... به كمن عندي الذي ابنه كفل )
(1/153)

صلة الموصول لا تكون إلا جملة أو شبه جملة ونعني بشبه الجملة الظرف والجار والمجرور وهذا في غير صلة الألف واللام وسيأتي حكمها
ويشترط في الجملة الموصول بها ثلاثة شروط أحدها أن تكون خبرية الثاني كونها خالية من معنى التعجب الثالث كونها غير مفتقرة إلى كلام
(1/154)

قبلها واحترز بالخبرية من غيرها وهي الطلبية والإنشائية فلا يجوز جاءني الذي اضربه خلافا للكسائي ولا جاءني الذي ليته قائم خلافا لهشام واحترز بخالية من معنى التعجب من جملة التعجب فلا يجوز جاءني الذي ما أحسنه وإن قلنا إنها خبرية واحترز بغير مفتقرة إلى كلام قبلها من نحو جاءني الذي لكنه قائم فإن هذه الجملة تستدعي سبق جملة أخرى نحو ما قعد زيد لكنه قائم
ويشترط في الظرف والجار والمجرور أن يكونا تامين والمعنى بالتام أن يكون في الوصل به فائدة نحو جاء الذي عندك والذي في الدار والعامل فيهما فعل محذوف وجوبا والتقدير جاء الذي استقر عندك أو الذي استقر في الدار فإن لم يكونا تامين لم يجز الوصل بهما فلا تقول جاء الذي بك ولا جاء الذي اليوم
( وصفة صريحة صلة أل ... وكونها بمعرب الأفعال قل )
(1/155)

الألف واللام لا توصل إلا بالصفة الصريحة قال المصنف في بعض كتبه وأعني بالصفة الصريحة اسم الفاعل نحو الضارب واسم المفعول نحو المضروب والصفة المشبهة نحو الحسن الوجه فخرج نحو القرشي والأفضل وفي كون الألف واللام الداخلتين على الصفة المشبهة موصولة خلاف وقد اضطرب اختيار الشيخ أبي الحسن بن عصفور في هذه المسألة فمرة قال إنها موصولة ومرة منع ذلك
وقد شذ وصل الألف واللام بالفعل المضارع وإليه أشار بقوله وكونها بمعرب الأفعال قل ومنه قوله
(1/156)

-
( ما أنت بالحكم الترضى حكومته ... ولا الأصيل ولا ذي الرأي والجدل )
(1/157)

وهذا عند جمهور البصريين مخصوص بالشعر وزعم المصنف في غير هذا الكتاب أنه لا يختص به بل يجوز في الاختيار وقد جاء وصلها بالجملة الإسمية وبالظرف شذوذا فمن الأول قوله 31 -
( من القوم الرسول الله منهم ... لهم دانت رقاب بني معد )
(1/158)

ومن الثاني قوله 32 -
( من لا يزال شاكرا على المعه ... فهو حر بعيشة ذات سعه )
(1/160)

( أي كما وأعربت ما لم تضف ... وصدر وصلها ضمير انحذف )
يعني أن أيا مثل ما في أنها تكون بلفظ واحد للمذكر والمؤنث مفردا كان أو مثنى أو مجموعا نحو يعجبني أيهم هو قائم
ثم إن أيا لها أربعة أحوال أحدها أن تضاف ويذكر صدر صلتها نحو يعجبني أيهم هو قائم الثاني أن لا تضاف ولا يذكر صدر صلتها نحو يعجبني أي قائم الثالث أن لا تضاف ويذكر صدر صلتها نحو يعجبني أي هو قائم وفي هذه الأحوال الثلاثة تكون معربة بالحركات الثلاث نحو يعجبني أيهم هو قائم ورأيت أيهم وهو قائم ومررت بأيهم هو قائم وكذلك أي قائم وأيا قائم وأي قائم وكذا أي هو قائم وأيا هو قائم وأي هوقائم
(1/161)

الرابع أن تضاف ويحذف صدر الصلة نحو يعجبني أيهم قائم ففي هذه الحالة تبنى على الضم فتقول يعجبني أيهم قائم ورأيت أيهم قائم ومررت بأيهم قائم وعليه قوله تعالى ( ثم لننزعن من كل شيعة أيهم أشد على الرحمن عتيا ) وقول الشاعر 33 -
( إذا ما لقيت بني مالك ... فسلم على أيهم أفضل )
(1/162)

وهذا مستفاد من قوله وأعربت ما لم تضف إلى آخر البيت أي وأعربت أي إذا لم تضف في حالة حذف صدر الصلة فدخل في هذه الأحوال الثلاثة السابقة وهي ما إذا أضيفت وذكر صدر الصلة أو لم تضف ولم يذكر صدر الصلة أو لم تضف وذكر صدر الصلة وخرج الحالة الرابعة وهي ما إذا أضيفت وحذف صدر الصلة فإنها لا تعرب حينئذ
( وبعضهم أعرب مطلقا وفي ... ذا الحذف أيا غير أي يقتفي )
( إن يستطل وصل وإن لم يستطل ... فالحذف نزر وأبوا أن يختزل )
(1/163)

( إن صلح الباقي لوصل مكمل ... والحذف عندهم كثير منجلي )
( في عائد متصل إن انتصب ... بفعل أو وصف كمن نرجو يهب )
يعني أن بعض العرب أعرب أيا مطلقا أي وإن أضيفت وحذف
(1/164)

صدر صلتها فيقول يعجبني أيهم قائم ورأيت أيهم قائم ومررت بأيهم قائم وقد قرىء ( ثم لننزعن من كل شيعة أيهم أشد ) بالنصب وروى فسلم على أيهم أفضل بالجر
وأشار بقوله وفي ذا الحذف إلى آخره إلى المواضع التي يحذف فيها العائد على الموصول وهو إما أن يكون مرفوعا أو غيره فإن كان مرفوعا لم يحذف إلا إذا كان مبتدأ وخبره مفرد نحو ( وهو الذي في السماء إله ) وأيهم أشد فلا تقول جاءني اللذان قام ولا اللذان ضرب لرفع الأول بالفاعلية والثاني بالنيابة بل يقال قاما وضربا وأما المبتدأ فيحذف مع أى وإن لم تطل الصلة كما تقدم من قولك يعجبني أيهم قائم ونحوه ولا يحذف صدر الصلة مع غير أي إلا إذا طالت الصلة نحو جاء الذي هو ضارب زيدا فيجوز حذف هو فتقول جاء الذي ضارب زيدا ومنه قولهم ما أنا بالذي قائل لك سوءا التقدير بالذي هو قائل لك سوءا فإن لم تطل الصلة فالحذف قليل وأجازه الكوفيون قياسا نحو جاء الذى قائم التقدير جاء الذي هو قائم ومنه قوله تعالى ( تماما على الذي أحسن ) في قراءة الرفع والتقدير هو أحسن
(1/165)

وقد جوزوا في لاسيما زيد إذا رفع زيد أن تكون ما موصولة وزيد خبرا لمبتدأ محذوف والتقدير لاسي الذي هو زيد فخذف العائد الذي هو المبتدأ وهو قولك هو وجوبا فهذا موضع حذف فيه صدر الصلة مع غير أي وجوبا ولم تطل الصلة وهو مقيس وليس بشاذ
(1/166)

وأشار بقوله وأبوا أن يختزل إن صلح الباقي لوصل مكمل إلى أن شرط حذف صدر الصلة أن لا يكون ما بعده صالحا لأن يكون صلة كما إذا وقع بعده جملة نحو جاء الذي هو أبوه منطلق أو هو ينطلق أو ظرف أو جار ومجرور تامان نحو جاء الذي هو عندك أو هو في الدار فإنه لا يجوز في هذه المواضع حذف صدر الصلة فلا تقول جاء الذي أبوه منطلق تعني الذي هو أبوه منطلق لأن الكلام يتم دونه فلا يدرى أحذف منه شيء أم لا وكذا بقية الأمثلة المذكورة ولا فرق في ذلك بين أي وغيرها فلا تقول في يعجبني أيهم هو يقوم يعجبني أيهم يقوم لأنه لا يعلم الحذف ولا يختص هذا الحكم بالضمير إذا كان مبتدأ بل الضابط أنه متى احتمل الكلام الحذف وعدمه لم يجز حذف العائد وذلك كما إذا كان في الصلة ضمير غير ذلك الضمير المحذوف صالح لعوده على الموصول نحو جاء الذي ضربته في داره فلا يجوز حذف الهاء من ضربته فلا تقول جاء الذي ضربت في داره لأنه لا يعلم المحذوف
وبهذا يظهر لك ما في كلام المصنف من الإبهام فإنه لم يبين أنه متى صلح ما بعد الضمير لأن يكون صلة لا يحذف سواء أكان الضمير مرفوعا أو منصوبا أو مجرورا وسواء أكان الموصول أيا أم غيرها بل ربما يشعر ظاهر كلامه بأن الحكم مخصوص بالضمير المرفوع وبغير أي من الموصولات لأن كلامه في ذلك والأمر ليس كذلك بل لا يحذف مع أي ولا مع غيرها متى صلح ما بعدها لأن يكون صلة كما تقدم نحو جاء الذي هو أبوه منطلق ويعجبني أيهم هو أبوه منطلق وكذلك المنصوب والمجرور نحو جاءني الذي ضربته في داره ومررت بالذي مررت به في داره ويعجبني أيهم ضربته في داره ومررت بأيهم مررت به في داره
(1/168)

وأشار بقوله والحذف عندهم كثير منجلي إلى آخره إلى العائد المنصوب
وشرط جواز حذفه أن يكون متصلا منصوبا بفعل تام أو بوصف نحو جاء الذي ضربته والذي أنا معطيكه درهم
فيجوز حذف الهاء من ضربته فتقول جاء الذي ضربت ومنه قوله تعالى ( ذرني ومن خلقت وحيدا ) وقوله تعالى ( أهذا الذي بعث الله رسولا ) التقدير خلقته وبعثه
وكذلك يجوز حذف الهاء من معطيكه فتقول الذي أنا معطيك درهم ومنه قوله 340
( ما الله موليك فضل فاحمدنه به ... فما لدى غيره نفع ولا ضرر ) تقديره الذي الله موليكه فضل فحذفت الهاء
(1/169)

وكلام المصنف يقتضي أنه كثير وليس كذلك بل الكثير حذفه من الفعل المذكور وأما مع الوصف فالحذف منه قليل
فإن كان الضمير منفصلا لم يجز الحذف نحو جاء الذي إياه ضربت فلا يجوز حذف إياه وكذلك يمتنع الحذف إن كان متصلا منصوبا بغير فعل أو وصف وهو الحرف نحو جاء الذي إنه منطلق فلا يجوز حذف
(1/171)

الهاء وكذلك يمتنع الحذف إذا كان منصوبا متصلا بفعل ناقص نحو جاء الذي كانه زيد
( كذاك حذف ما بوصف خفضا ... كأنت قاض بعد أمر من قضى )
( كذا الذي جر بما الموصول جر ... كمر بالذي مررت فهو بر )
(1/172)

لما فرغ من الكلام على الضمير المرفوع والمنصوب شرع في الكلام على المجرور وهو إما أن يكون مجرورا بالإضافة أو بالحرف
فإن كان مجرورا بالإضافة لم يحذف إلا إذا كان مجرورا بإضافة اسم فاعل بمعنى الحال أو الاستقبال نحو جاء الذي أنا ضاربه الآن أو غدا فتقول جاء الذي أنا ضارب بحذف الهاء
وإن كان مجرورا بغير ذلك لم يحذف نحو جاء الذي أنا غلامه أو أنا مضروبه أو أنا ضاربه أمس وأشار بقوله كأنت قاض إلى قوله تعالى ( فاقض ما أنت قاض ) التقدير ما أنت قاضيه فحذفت الهاء وكأن المصنف استغنى بالمثال عن أن يقيد الوصف بكونه اسم فاعل بمعنى الحال أو الاستقبال
وإن كان مجرورا بحرف فلا يحذف إلا إن دخل على الموصول حرف مثله لفظا ومعنى واتفق العامل فيهما مادة نحو مررت بالذي مررت به أو أنت مار به فيجوز حذف الهاء فتقول مررت بالذي مررت قال الله تعالى ( ويشرب مما تشربون ) أي منه وتقول مررت بالذي أنت مار أي به ومنه قوله
(1/173)

-
( وقد كنت تخفي حب سمراء حقبة ... فبح لان منها بالذي أنت بائح ) أي أنت بائح به
(1/174)

فإن اختلف الحرفان لم يجز الحذف نحو مررت بالذي غضبت عليه فلا يجوز حذف عليه وكذلك مررت بالذي مررت به على زيد فلا يجوز حذف به منه لاختلاف معنى الحرفين لأن الباء الداخلة على الموصول للإلصاق والداخلة على الضمير للسببية وإن اختلف العاملان لم يجز الحذف أيضا نحو مررت بالذي فرحت به فلا يجوز حذف به
وهذا كله هو المشار إليه بقوله كذا الذي جر بما الموصول جر أي كذلك يحذف الضمير الذي جر بمثل ما جر الموصول به نحو مررت
(1/175)

بالذي مررت فهو بر أي الذى مررت به فاستغنى بالمثال عن ذكر بقية الشروط التي سبق ذكرها
(1/176)

المعرف بأداة التعريف
( أل حرف تعريف أو اللام فقط ... فنمط عرفت قل فيه النمط )
اختلف النحويون في حرف التعريف في الرجل ونحوه فقال الخليل المعرف هو أل وقال سيبويه هو اللام وحدها فالهمزة عند الخليل همزة قطع وعند سيبويه همزة وصل اجتلبت للنطق بالساكن
(1/177)

والألف واللام المعرفة تكون للعهد كقولك لقيت رجلا فأكرمت الرجل وقوله تعالى ( كما أرسلنا إلى فرعون رسولا فعصى فرعون الرسول ) ولاستغراق الجنس نحو ( إن الإنسان لفي خسر ) وعلامتها أن يصلح موضعها كل ولتعريف الحقيقة نحو الرجل خير من المرأة أي هذه الحقيقة خير من هذه الحقيقة
والنمط ضرب من البسط والجمع أنماط مثل سبب وأسباب والنمط أيضا الجماعة من الناس الذين أمرهم واحد كذا قاله الجوهري
( وقد تزاد لازما كاللات ... والآن والذين ثم اللات )
( ولاضطرار كبنات الأوبر ... كذا وطبت النفس يا قيس السري )
(1/178)

ذكر المصنف في هذين البيتين أن الألف واللام تأتي زائدة وهي في زيادتها على قسمين لازمة وغير لازمة
ثم مثل الزائدة اللازمة باللات وهو اسم صنم كان بمكة وبالان وهو ظرف زمان مبني على الفتح واختلف في الألف واللام الداخلة عليه
(1/179)

فذهب قوم إلى أنها لتعريف الحضور كما في قولك مررت بهذا الرجل لأن قولك الآن بمعنى هذا الوقت وعلى هذا لا تكون زائدة وذهب قوم منهم المصنف إلى أنها زائدة وهو مبني لتضمنه معنى الحرف وهو لام الحضور
ومثل أيضا بالذين واللات والمراد بهما ما دخل عليه أل من الموصولات وهو مبني على أن تعريف الموصول بالصلة فتكون الألف واللام زائدة وهو مذهب قوم واختاره المصنف وذهب قوم إلى أن تعريف الموصول بأل إن كانت فيه نحو الذي فإن لم تكن فيه فبنيتها نحو من وما إلا أيا فإنها تتعرف بالإضافة فعلى هذا المذهب لا تكون الألف واللام زائدة وأما حذفها في قراءة من قرأ ( صراط لذين أنعمت عليهم ) فلا يدل على أنها زائدة إذ يحتمل أن تكون حذفت شذوذا وإن كانت معرفة كما حذفت من قولهم سلام عليكم من غير تنوين يريدون السلام عليكم
وأما الزائدة غير اللازمة فهي الداخلة اضطرارا على العلم كقولهم فى بنات أوبر علم لضرب من الكمأة بنات الأوبر ومنه قوله
(1/180)

-
( ولقد جنيتك أكمؤا وعساقلا ... ولقد نهيتك عن بنات الأوبر )
(1/181)

والأصل بنات أوبر فزيدت الألف واللام وزعم المبرد أن بنات أوبر ليس بعلم فالألف واللام عنده غير زائدة ومنه الداخلة اضطرارا على التمييز كقوله 37 -
( رأيتك لما أن عرفت وجوهنا ... صددت وطبت النفس يا قيس عن عمرو )
(1/182)

والأصل وطبت نفسا فزاد الألف واللام وهذا بناء على أن التمييز لا يكون إلا نكرة وهو مذهب البصريين وذهب الكوفيون إلى جواز كونه معرفة فالألف واللام عندهم غير زائدة
وإلى هذين البيتين اللذين أنشدناهما أشار المصنف بقوله كبنات الأوبر وقوله وطبت النفس يا قيس السرى
( وبعض الاعلام عليه دخلا ... للمح ما قد كان عنه نقلا )
(1/183)

( كالفضل والحارث والنعمان ... فذكر ذا وحذفه سيان )
ذكر المصنف فيما تقدم أن الألف واللام تكون معرفة وتكون زائدة وقد تقدم الكلام عليهما ثم ذكر في هذين البيتين أنها تكون للمح الصفة والمراد بها الداخلة على ما سمي به من الأعلام المنقولة مما يصلح دخول أل عليه كقولك في حسن الحسن وأكثر ما تدخل على المنقول من صفة كقولك في حارث الحارث وقد تدخل على المنقول من مصدر كقولك في فضل الفضل وعلى المنقول من اسم جنس غير مصدر كقولك في نعمان النعمان وهو في الأصل من أسماء الدم فيجوز دخول أل في هذه الثلاثة نظرا إلى الأصل وحذفها نظرا إلى الحال
وأشار بقوله للمح ما قد كان عنه نقلا إلى أن فائدة دخول الألف واللام الدلالة على الالتفات إلى ما نقلت عنه من صفة أو ما في معناها
(1/184)

وحاصله أنك إذا أردت بالمنقول من صفة ونحوه أنه إنما سمي به تفاؤلا بمعناه أتيت بالألف واللام للدلالة على ذلك كقولك الحارث نظرا إلى أنه إنما سمي به للتفاؤل وهو أنه يعيش ويحرث وكذا كل ما دل على معنى وهو مما يوصف به في الجملة كفضل ونحوه وإن لم تنظر إلى هذا ونظرت إلى كونه علما لم تدخل الألف واللام بل تقول فضل وحارث ونعمان فدخول الألف واللام أفاد معنى لا يستفاد بدونهما فليستا بزائدتين خلافا لمن زعم ذلك وكذلك أيضا ليس حذفهما وإثباتهما على السواء كما هو ظاهر كلام المصنف بل الحذف والإثبات ينزل على الحالتين اللتين سبق ذكرهما وهو أنه إذا لمح الأصل جيء بالألف واللام وإن لم يلمح لم يؤت بهما
( وقد يصير علما بالغلبه ... مضاف او مصحوب أل كالعقبه )
( وحذف أل ذى إن تناد أو تضف ... أوجب وفي غيرهما قد تنحذف )
(1/185)

من أقسام الألف واللام أنها تكون للغلبة نحو المدينة والكتاب فإن حقهما الصدق على كل مدينة وكل كتاب لكن غلبت المدينة على مدينة الرسول والكتاب على كتاب سيبويه رحمه الله تعالى حتى إنهما إذا أطلقا لم يتبادر إلى الفهم غيرهما
وحكم هذه الألف واللام أنها لا تحذف إلا في النداء أو الإضافة نحو يا صعق في الصعق وهذه مدينة رسول الله
وقد تحذف في غيرهما شذوذا سمع من كلامهم هذا عيوق طالعا والأصل العيوق وهو اسم نجم
وقد يكون العلم بالغلبة أيضا مضافا كابن عمر وابن عباس وابن مسعود
(1/186)

فإنه غلب على العبادلة دون غيرهم من أولادهم وإن كان حقه الصدق عليهم لكن غلب على هؤلاء حتى إنه إذا أطلق ابن عمر لا يفهم منه غير عبد الله وكذا ابن عباس وابن مسعود رضي الله عنهم أجمعين وهذه الإضافة لا تفارقه لا في نداء ولا في غيره نحو يا ابن عمر
(1/187)

الابتداء
( مبتدأ زيد وعاذر خبر ... إن قلت زيد عاذر من اعتذر )
( وأول مبتدأ والثاني ... فاعل اغنى في أسار ذان )
( وقس وكاستفهام النفي وقد ... يجوز نحو فائز أولوا الرشد )
(1/188)

ذكر المصنف أن المبتدأ على قسمين مبتدأ له خبر ومبتدأ له فاعل سد مسد الخبر فمثال الأول زيد عاذر من اعتذر والمراد به ما لم يكن المبتدأ فيه وصفا مشتملا على ما يذكر في القسم الثاني فزيد مبتدأ وعاذر خبره ومن اعتذر مفعول لعاذر ومثال الثاني أسار ذان فالهمزة للاستفهام وسار مبتدأ وذان فاعل سد مسد الخبر ويقاس على هذا ما كان مثله وهو كل وصف اعتمد على استفهام أو نفي نحو أقائم الزيدان وما قائم الزيدان فإن لم يعتمد الوصف لم يكن مبتدأ وهذا مذهب البصريين إلا الأخفش ورفع فاعلا ظاهرا كما مثل أو ضميرا منفصلا نحو أقائم أنتما وتم الكلام به فإن لم يتم به الكلام لم يكن مبتدأ نحو أقائم أبواه زيد فزيد مبتدأ مؤخر وقائم خبر مقدم وأبواه فاعل بقائم ولا يجوز أن يكون قائم مبتدأ لأنه لا يستغني بفاعله حينئذ إذ لا يقال أقائم أبواه فيتم الكلام وكذلك لا يجوز أن يكون الوصف مبتدأ إذا رفع ضميرا مستترا فلا يقال في ما زيد قائم ولا قاعد إن قاعدا مبتدأ والضمير المستتر فيه فاعل أغنى عن الخبر لأنه ليس بمنفصل على أن في المسألة خلافا ولا فرق بين أن يكون الاستفهام بالحرف كما مثل أو بالاسم كقولك كيف جالس
(1/189)

العمران وكذلك لا فرق بين أن يكون النفي بالحرف كما مثل أو بالفعل كقولك ليس قائم الزيدان فليس فعل ماض ناقص وقائم اسمه والزيدان فاعل سد مسد خبر ليس وتقول غير قائم الزيدان فغير مبتدأ وقائم مخفوض بالإضافة والزيدان فاعل بقائم سد مسد خبر غير لأن المعنى ما قائم الزيدان فعومل غير قائم معاملة ما قائم ومنه قوله 38 -
( غير لاه عداك فاطرح ... اللهو ولا تغترر بعارض سلم )
(1/190)

فغير مبتدأ ولاه مخفوض بالإضافة وعداك فاعل بلاه سد مسد خبر غير ومثله قوله 39 -
( غير مأسوف على زمن ... ينقضي بالهم والحزن )
(1/191)

فغير مبتدأ ومأسوف مخفوض بالإضافة وعلى زمن جار ومجرور فى موضع رفع بمأسوف لنيابتة مناب الفاعل وقد سد مسد خبر غير
وقد سأل أبو الفتح بن جنى ولده عن إعراب هذا البيت فارتبك في إعرابه
ومذهب البصريين إلا الأخفش أن هذا الوصف لا يكون مبتدأ إلا إذا اعتمد على نفي أو استفهام وذهب الأخفش والكوفيون إلى عدم اشتراط
(1/192)

ذلك فأجازوا قائم الزيدان فقائم مبتدأ والزيدان فاعل سد مسد الخبر
(1/193)

وإلى هذا أشار المصنف بقوله وقد يجوز نحو فائز أولو الرشد أي وقد يجوز استعمال هذا الوصف مبتدأ من غير أن يسبقه نفي أو استفهام
وزعم المصنف أن سيبويه يجيز ذلك على ضعف ومما ورد منه قوله 40 -
( فخير نحن عند الناس منكم ... إذا الداعي المثوب قال يالا )
(1/194)

فخير مبتدأ ونحن فاعل سد مسد الخبر ولم يسبق خير نفي ولا استفهام وجعل من هذا قوله 41 -
( حبير بنو لهب فلا تك ملغيا ... مقالة لهبي إذا الطير مرت )
فخبير مبتدأ وبنو لهب فاعل سد مسد الخبر
(1/195)

( والثان مبتدأ وذا الوصف خبر ... إن في سوى الإفراد طبقا استقر )
(1/196)

الوصف مع الفاعل إما أن يتطابقا إفرادا أو تثنية أو جمعا أو لايتطابقا وهو قسمان ممنوع وجائز
فإن تطابقا إفرادا نحو أقائم زيد جاز فيه وجهان أحدهما أن
(1/197)

يكون الوصف مبتدأ وما بعده فاعل سد مسد الخبر والثاني أن يكون ما بعده مبتدأ مؤخرا ويكون الوصف خبرا مقدما ومنه قوله تعالى ( أراغب أنت عن آلهتي يا إبراهيم ) فيجوز أن يكون أراغب مبتدأ وأنت فاعل سد مسد الخبر ويحتمل أن يكون أنت مبتدأ مؤخرا وأراغب خبرا مقدما
والأول في هذه الآية أولى لأن قوله عن آلهتي معمول لراغب فلا يلزم في الوجه الأول الفصل بين العامل والمعمول بأجنبي لأن أنت على هذا التقدير فاعل لراغب فليس بأجنبي منه وأما على الوجه الثاني فيلزم فيه الفصل بين العامل والمعمول بأجنبي لأن أنت أجنبي من راغب على هذا التقدير لأنه مبتدأ فليس لراغب عمل فيه لأنه خبر والخبر لا يعمل في المبتدأ على الصحيح
وإن تطابقا تثنية نحو أقائمان الزيدان أو جمعا نحو أقائمون الزيدون فما بعد الوصف مبتدأ والوصف خبر مقدم وهذا معنى قول المصنف والثان مبتدا وذا الوصف خبر إلى آخر البيت أي والثاني وهو ما بعد الوصف مبتدأ والوصف خبر عنه مقدم عليه إن تطابقا في غير الإفراد وهو التثنية والجمع
(1/198)

هذا على المشهور من لغة العرب ويجوز على لغة أكلوني البراغيث أن يكون الوصف مبتدأ وما بعده فاعل أغنى عن الخبر
وإن لم يتطابقا وهو قسمان ممتنع وجائز كما تقدم فمثال الممتنع أقائمان زيد وأقائمون زيد فهذا التركيب غير صحيح ومثال الجائز أقائم الزيدان وأقائم الزيدون وحينئذ يتعين أن يكون الوصف مبتدأ وما بعده فاعل سد مسد الخبر
(1/199)

( ورفعوا مبتدأ بالابتدا ... كذاك رفع خبر بالمبتدا )
مذهب سيبويه وجمهور البصريين أن المبتدأ مرفوع بالابتداء وأن الخبر مرفوع بالمبتدأ
(1/200)

فالعامل في المبتدأ معنوي وهو كون الاسم مجردا عن العوامل اللفظية غير الزائدة وما أشبهها واحترز بغير الزائدة من مثل بحسبك درهم فبحسبك مبتدأ وهو مجرد عن العومل اللفظية غير الزائدة ولم يتجرد عن الزائدة فإن الباء الداخلة عليه زائدة واحترز بشبهها من مثل رب رجل قائم فرجل مبتدأ وقائم خبره ويدل على ذلك رفع المعطوف عليه نحو رب رجل قائم وامرأة
والعامل في الخبر لفظي وهو المبتدأ وهذا هو مذهب سيبويه رحمه الله
وذهب قوم إلى أن العامل في المبتدأ والخبر الابتداء فالعامل فيهما معنوي
وقيل المبتدأ مرفوع بالابتداء والخبر مرفوع بالابتداء والمبتدإ
وقيل ترافعا ومعناه أن الخبر رفع المبتدأ وأن المبتدأ رفع الخبر
وأعدل هذه المذاهب مذهب سيبويه وهو الأول وهذا الخلاف مما لا طائل فيه
( والخبر الجزء المتم الفائده ... كالله بر والأيادي شاهده )
عرف المصنف الخبر بأنه الجزء المكمل للفائدة ويرد عليه الفاعل نحو قام زيد فإنه يصدق على زيد أنه الجزء المتم للفائدة وقيل في تعريفه إنه الجزء المنتظم منه مع المبتدأ جملة ولا يرد الفاعل على هذا التعريف لأنه لا ينتظم منه مع المبتدأ
(1/201)

جملة بل ينتظم منه مع الفعل جملة وخلاصة هذا أنه عرف الخبر بما يوجد فيه وفي غيره والتعريف ينبغي أن يكون مختصا بالمعرف دون غيره
( ومفردا يأتي ويأتي جمله ... حاوية معنى الذي سيقت له )
( وإن تكن إياه معنى اكتفى ... بها كنطقي الله حسبي وكفى )
ينقسم الخبر إلى مفرد وجملة وسيأتي الكلام على المفرد
فأما الجملة فإما أن تكون هي المبتدأ في المعنى أو لا
(1/202)

فإن لم تكن هي المبتدأ في المعنى فلا بد فيها من رابط يربطها بالمبتدأ وهذا معنى قوله حاوية معنى الذي سيقت له والرابط إما ضمير يرجع إلى المبتدأ نحو زيد قام أبوه وقد يكون الضمير مقدرا نحو السمن منوان بدرهم التقدير منوان منه بدرهم أو إشارة إلى المبتدأ
(1/203)

كقوله تعالى ( ولباس التقوى ذلك خير ) في قراءة من رفع اللباس أو تكرار المبتدأ بلفظه وأكثر ما يكون في مواضع التفخيم كقوله تعالى ( الحاقة ما الحاقة ) و ( القارعة ما القارعة ) وقد يستعمل في غيرها كقولك زيد ما زيد أو عموم يدخل تحته المبتدأ نحو زيد نعم الرجل
وإن كانت الجملة الواقعة خبرا هي المبتدأ في المعنى لم تحتج إلى رابط وهذا معنى قوله وإن تكن إلى آخر البيت أى وإن تكن الجملة إياه أي المبتدأ في المعنى اكتفى بها عن الرابط كقوله نطقي الله حسبي فنطقي مبتدأ أول والاسم الكريم مبتدأ ثان وحسبي خبر عن المبتدإ الثاني والمبتدأ الثاني وخبره خبر عن المبتدإ الأول واستغنى عن الرابط لأن قولك الله حسبي هو معنى نطقي وكذلك قولي لا إله إلا الله
(1/204)

( والمفرد الجامد فارغ وإن ... يشتق فهو ذو ضمير مستكن ) تقدم الكلام في الخبر إذا كان جملة وأما المفرد فإما أن يكون جامدا أو مشتقا
فإن كان جامدا فذكر المصنف أنه يكون فارغا من الضمير نحو زيد أخوك وذهب الكسائي والرماني وجماعة إلى أنه يتحمل الضمير والتقدير عندهم زيد أخوك هو وأما البصريون فقالوا إما أن يكون الجامد متضمنا معنى المشتق أولا فإن تضمن معناه نحو زيد أسد أي شجاع تحمل الضمير وإن لم يتضمن معناه لم يتحمل الضمير كما مثل
وإن كان مشتقا فذكر المصنف أنه يتحمل الضمير نحو زيد قائم أي هو هذا إذا لم يرفع ظاهرا
(1/205)

وهذا الحكم إنما هو للمشتق الجاري مجرى الفعل كاسم الفاعل واسم المفعول والصفة المشبهة واسم التفضيل فأما ما ليس جاريا مجرى الفعل من المشتقات فلا يتحمل ضميرا وذلك كأسماء الآلة نحو مفتاح فإنه مشتق من الفتح ولا يتحمل ضميرا فإذا قلت هذا مفتاح لم يكن فيه ضمير وكذلك ما كان على صيغة مفعل وقصد به الزمان أو المكان كمرمى فإنه مشتق من الرمي ولا يتحمل ضميرا فإذا قلت هذا مرمى زيد تريد مكان رميه أو زمان رميه كان الخبر مشتقا ولا ضمير فيه
وإنما يتحمل المشتق الجاري مجرى الفعل الضمير إذا لم يرفع ظاهرا فإن رفعه لم يتحمل ضميرا وذلك نحو زيد قائم غلاماه فغلاماه مرفوع بقائم فلا يتحمل ضميرا
وحاصل ما ذكر أن الجامد يتحمل الضمير مطلقا عند الكوفيين ولا يتحمل ضميرا عند البصريين إلا إن أول بمشتق وأن المشتق إنما يتحمل الضمير إذا لم يرفع ظاهرا وكان جاريا مجرى الفعل نحو زيد منطلق أي هو فإن لم يكن جاريا مجرى الفعل لم يتحمل شيئا نحو هذا مفتاح وهذا مرمى زيد
( وأبرزنه مطلقا حيث تلا ... ما ليس معناه له محصلا )
(1/206)

إذا جرى الخبر المشتق على من هو له استتر الضمير فيه نحو زيد قائم أي هو فلو أتيت بعد المشتق بهو ونحوه وأبرزته فقلت زيد قائم هو فقد جوز سيبويه فيه وجهين أحدهما أن يكون هو تأكيدا للضمير المستتر في قائم والثاني أن يكون فاعلا بقائم هذا إذا جرى على من هو له
فإن جرى على غير من هو له وهو المراد بهذا البيت وجب إبراز الضمير سواء أمن اللبس أو لم يؤمن فمثال ما أمن فيه اللبس زيد هند ضاربها هو ومثال ما لم يؤمن فيه اللبس لولا الضمير زيد عمرو ضاربه هو فيجب إبراز الضمير في الموضعين عند البصريين وهذا معنى قوله وأبرزنه مطلقا أي سواء أمن اللبس أو لم يؤمن
وأما الكوفيون فقالوا إن أمن اللبس جاز الأمران كالمثال الأول وهو
(1/207)

زيد هند ضاربها هو فإن شئت أتيت بهو وإن شئت لم تأت به وإن خيف اللبس وجب الإبراز كالمثال الثاني فإنك لو لم تأت بالضمير فقلت زيد عمرو ضاربه لاحتمل أن يكون فاعل الضرب زيدا وأن يكون عمرا فلما أتيت بالضمير فقلت زيد عمرو ضاربه هو تعين أن يكون زيد هو الفاعل
واختار المصنف في هذا الكتاب مذهب البصريين ولهذا قال وأبرزنه مطلقا يعني سواء خيف اللبس أو لم يخف واختار في غير هذا الكتاب مذهب الكوفيين وقد ورد السماع بمذهبهم فمن هذا قول الشاعر 42 -
( قومي ذرا المجد بانوها وقد علمت ... بكنه ذلك عدنان وقحطان )
التقدير بانوها هم فحذف الضمير لأمن اللبس
(1/208)

( وأخبروا بظرف أو بحرف جر ... ناوين معنى كائن أو استقر )
(1/209)

تقدم أن الخبر يكون مفردا ويكون جملة وذكر المصنف في هذا البيت أنه يكون ظرفا أو جارا ومجرورا نحو زيد عندك وزيد في الدار فكل منهما متعلق بمحذوف واجب الحذف وأجاز قوم منهم
(1/210)

المصنف أن يكون ذلك المحذوف اسما أو فعلا نحو كائن أو استقر فإن قدرت كائنا كان من قبيل الخبر بالمفرد وإن قدرت استقر كان من قبيل الخبر بالجملة
واختلف النحويون في هذا فذهب الأخفش إلى أنه من قبيل الخبر بالمفرد وأن كلا منهما متعلق بمحذوف وذلك المحذوف اسم فاعل التقدير زيد كائن عندك أو مستقر عندك أ , في الدار وقد نسب هذا لسيبويه
وقيل إنهما من قبيل الجملة وإن كلا منهما متعلق بمحذوف هو فعل والتقدير زيد استقر أو يستقر عندك أو في الدار ونسب هذا إلى جمهور البصريين وإلى سيبويه أيضا
وقيل يجوز أن يجعلا من قبيل المفرد فيكون المقدر مستقرا ونحوه وأن يجعلا من قبيل الجملة فيكون التقدير استقر ونحوه وهذا ظاهر قول المصنف ناوين معنى كائن أو استقر
وذهب أبو بكر بن السراج إلى أن كلا من الظرف والمجرور قسم برأسه وليس من قبيل المفرد ولا من قبيل الجملة نقل عن هذا المذهب تلميذه أبو علي الفارسي في الشيرازيات
والحق خلاف هذا المذهب وأنه متعلق بمحذوف وذلك المحذوف واجب الحذف وقد صرح به شذوذا كقوله 43
( لك العز إن مولاك عز وإن يهن ... فأنت لدى بحبوحة الهون كائن )
(1/211)

وكما يجب حذف عامل الظرف والجار والمجرور إذا وقعا خبرا كذلك يجب حذفه إذا وقعا صفة نحو مررت برجل عندك أو في الدار أو حالا نحو مررت بزيد عندك أو في الدار أو صلة نحو جاء الذي عندك أو في الدار لكن يجب فى الصلة أن يكون المحذوف فعلا والتقدير جاء الذي استقر عندك أو في الدار وأما الصفه والحال فحكمهما حكم الخبر كما تقدم
( ولا يكون اسم زمان خبرا ... عن جثة وإن يفد فأخبرا )
(1/213)

ظرف المكان يقع خبرا عن الجثة نحو زيد عندك وعن المعنى نحو القتال عندك وأما ظرف الزمان فيقع خبرا عن المعنى منصوبا أو مجرورا بفي نحو القتال يوم الجمعة أو في يوم الجمعة ولا يقع خبرا عن الجثة قال المصنف إلا إذا أفاد نحو الليلة الهلال والرطب شهري ربيع فإن لم يفد لم يقع خبرا عن الجثة نحو زيد اليوم وإلى هذا ذهب قوم منهم المصنف وذهب غير هؤلاء إلى المنع مطلقا فإن جاء شيء من ذلك يؤول نحو قولهم الليلة الهلال والرطب شهري ربيع التقدير طلوع الهلال الليلة ووجود الرطب شهري ربيع هذا مذهب جمهور البصريين وذهب قوم منهم المصنف إلى جواز ذلك من غير شذوذ لكن بشرط أن يفيد كقولك نحن في يوم طيب وفي شهر كذا
(1/214)

وإلى هذا أشار بقوله وإن يفد فأخبرا فإن لم يفد امتنع نحو زيد يوم الجمعة
( ولا يجوز الابتدا بالنكرة ... ما لم تفد كعند زيد نمره )
( وهل فتى فيكم فما خل لنا ... ورجل من الكرام عندنا )
(1/215)

( ورغبة في الخير خير وعمل ... بر يزين وليقس ما لم يقل )
الأصل في المبتدأ أن يكون معرفة وقد يكون نكرة لكن بشرط أن تفيد وتحصل الفائدة بأحد أمور ذكر المصنف منها ستة
أحدها أن يتقدم الخبر عليها وهو ظرف أو جار ومجرور نحو في
(1/216)

الدار رجل وعند زيد نمرة فإن تقدم وهو غير ظرف ولا جار ومجرور لم يجز نحو قائم رجل
الثاني أن يتقدم على النكرة استفهام نحو هل فتى فيكم الثالث أن يتقدم عليها نفي نحو ما خل لنا
(1/217)
الرابع أن توصف نحو رجل من الكرام عندنا
الخامس أن تكون عاملة نحو رغبة في الخير خير
السادس أن تكون مضافة نحو عمل بر يزين
هذا ما ذكره المصنف في هذا الكتاب وقد أنهاها غير المصنف إلى نيف وثلاثين موضعا وأكثر من ذلك فذكر هذه الستة المذكورة
(1/218)
والسابع أن تكون شرطا نحو من يقم أقم معه
الثامن أن تكون جوابا نحو أن يقال من عندك فتقول رجل التقدير رجل عندي
التاسع أن تكون عامة نحو كل يموت
العاشر أن يقصد بها التنويع كقوله 44 -
( فأقبلت زحفا على الركبتين ... فثوب لبست وثوب أجر )
فقوله ثوب مبتدأ ولبست خبره وكذلك ثوب أجر
(1/219)
الحادي عشر أن تكون دعاء نحو ( سلام على آل ياسين )
الثاني عشر أن يكون فيها معنى التعجب نحو ما أحسن زيدا
(1/220)
الثالث عشر أن تكون خلفا من موصوف نحو مؤمن خير من كافر
الرابع عشر أن تكون مصغرة نحو رجيل عندنا لأن التصغير فيه فائدة معنى الوصف تقديره رجل حقير عندنا
الخامس عشر أن تكون في معنى المحصور نحو شر أهر ذا ناب وشيء جاء بك التقدير ما أهر ذا ناب إلا شر وما جاء بك إلا شيء على أحد القولين والقول الثاني أن التقدير شر عظيم أهر ذا ناب وشيء عظيم جاء بك فيكون داخلا في قسم ما جاز الابتداء به لكونه موصوفا لأن الوصف أعم من أن يكون ظاهرا أو مقدرا وهو ها هنا مقدر
السادس عشر أن يقع قبلها واو الحال كقوله 45 -
( سرينا ونجم قد أضاء فمذ بدا ... محياك أخفى ضوؤه كل شارق )
(1/221)
السابع عشر أن تكون معطوفة على معرفة نحو زيد ورجل قائمان
الثامن عشر أن تكون معطوفة على وصف نحو تميمي ورجل في الدار
التاسع عشر أن يعطف عليها موصوف نحو رجل وامرأة طويلة في الدار
العشرون أن تكون مبهمة كقول امرىء القيس 46 -
( مرسعة بين أرساغه ... به عسم يبتغي أرنبا )
(1/222)
الحادي والعشرون أن تقع بعد لولا كقوله 47 -
( لولا اصطبار لأودى كل ذي مقة ... لما استقلت مطاياهن للظعن )
(1/224)
الثاني والعشرون أن تقع بعد فاء الجزاء كقولهم إن ذهب عير فعير في الرباط
الثالث والعشرون أن تدخل على النكرة لام الابتداء نحو لرجل قائم
(1/225)
الرابع والعشرون أن تكون بعد كم الخبرية نحو قوله 48 -
( كم عمة لك يا جرير وخالة ... فدعاء قد حلبت علي عشاري )
(1/226)
وقد أنهى بعض المتأخرين ذلك إلى نيف وثلاثين موضعا وما لم أذكره منها اسقطته لرجوعه إلى ما ذكرته أو لأنه ليس بصحيح
( والأصل في الأخبار أن تؤخرا ... وجوزوا التقديم إذ لا ضررا )
الأصل تقديم المبتدأ وتأخير الخبر وذلك لأن الخبر وصف في المعنى للمبتدأ فاستحق التأخير كالوصف ويجوز تقديمه إذا لم يحصل بذلك لبس أو نحوه على ما سيبين فتقول قائم زيد وقائم أبوه زيد وأبوه منطلق زيد وفى الدار زيد وعندك عمرو وقد وقع في كلام بعضهم أن
(1/227)
مذهب الكوفيين منع تقدم الخبر الجائز التأخير عند البصريين وفيه نظر فإن بعضهم نقل الإجماع من البصريين والكوفيين على جواز في داره زيد فنقل المنع عن الكوفيين مطلقا ليس بصحيح هكذا قال بعضهم وفيه بحث نعم منع الكوفيون التقديم في مثل زيد قائم وزيد قام أبوه
(1/228)
وزيد أبوه منطلق والحق الجواز إذ لا مانع من ذلك وإليه أشار بقوله وجوزوا التقديم إذ لا ضررا فتقول قائم زيد ومنه قولهم مشنوء من يشنؤك فمن مبتدأ ومشنوء خبر مقدم وقام أبوه زيد ومنه قوله 49 -
( قد ثكلت أمه من كنت واحده ... وبات منتشبا في برثن الأسد )
فمن كنت واحده مبتدأ مؤخر وقد ثكلت أمه خبر مقدم وأبوه منطلق زيد ومنه قوله
(1/229)
-
( إلى ملك ما أمه من محارب ... أبوه ولا كانت كليب تصاهره ) فأبوه مبتدأ مؤخر وهو ما أمه من محارب خبر مقدم
(1/230)
ونقل الشريف أبو السعادات هبة الله بن الشجري الإجماع من البصريين والكوفيين على جواز تقديم الخبر إذا كان جملة وليس بصحيح وقد قدمنا نقل الخلاف في ذلك عن الكوفيين
( فامنعه حين يستوي الجزآن ... عرفا ونكرا عادمي بيان )
( كذا إذا ما الفعل كان الخبرا ... أو قصد استعماله منحصرا )
(1/231)
( أو كان مسندا لذي لام ابتدا ... أو لازم الصدر كمن لي منجدا )
ينقسم الخبر بالنظر إلى تقديمه على المبتدأ أو تأخيره عنه ثلاثة أقسام قسم يجوز فيه التقديم والتأخير وقد سبق ذكره وقسم يجب فيه تأخير الخبر وقسم يجب فيه تقديم الخبر
فأشار بهذه الأبيات إلى الخبر الواجب التأخير فذكر منه خمسة مواضع
الأول أن يكون كل من المبتدأ والخبر معرفة أو نكرة صالحة لجعلها مبتدأ ولا مبين للمبتدأ من الخبر نحو زيد أخوك وأفضل من زيد أفضل من عمرو ولا يجوز تقديم الخبر في هذا ونحوه لأنك لو قدمته فقلت أخوك زيد وأفضل من عمرو أفضل من زيد لكان المقدم مبتدأ وأنت
(1/232)
تريد أن يكون خبرا من غير دليل يدل عليه فإن وجد دليل يدل على أن المتقدم خبر جاز كقولك أبو يوسف أبو حنيفة فيجوز تقدم الخبر وهو أبو حنيفة لأنه معلوم أن المراد تشبيه أبي يوسف بأبي حنيفة ولا تشبيه أبي حنيفة بأبي يوسف ومنه قوله 51 -
( بنونا بنو أبنائنا وبناتنا ... بنوهن أبناء الرجال الأباعد )
(1/233)
فقوله بنونا خبر مقدم وبنو أبنائنا مبتدأ مؤخر لأن المراد الحكم على بني أبنائهم بأنهم كبنيهم وليس المراد الحكم على بنيهم بأنهم كبني أبنائهم
والثاني أن يكون الخبر فعلا رافعا لضمير المبتدأ مستترا نحو زيد قام فقام وفاعله المقدر خبر عن زيد ولا يجوز التقديم فلا يقال قام زيد على أن يكون زيد مبتدأ مؤخرا والفعل خبرا مقدما بل يكون زيد فاعلا لقام فلا يكون من باب المبتدأ والخبر بل من باب الفعل والفاعل فلو كان الفعل رافعا لظاهر نحو زيد قام أبوه جاز التقديم فتقول
(1/234)
قام أبوه زيد وقد تقدم ذكر الخلاف في ذلك وكذلك يجوز التقديم إذا رفع الفعل ضميرا بارزا نحو الزيدان قاما فيجوز أن تقدم الخبر فتقول قاما الزيدان ويكون الزيدان مبتدأ مؤخرا وقاما خبرا مقدما ومنع ذلك قوم
وإذا عرفت هذا فقول المصنف كذا إذا ما الفعل كان الخبر يقتضي وجوب تأخير الخبر الفعلي مطلقا وليس كذلك بل إنما يجب تأخيره إذا رفع ضميرا للمبتدأ مستترا كما تقدم
الثالث أن يكون الخبر محصورا بإنما نحو إنما زيد قائم أو بإلا نحو ما زيد إلا قائم وهو المراد بقوله أو قصد استعماله منحصرا فلا يجوز تقديم قائم على زيد في المثالين وقد جاء التقديم مع إلا شذوذا كقول الشاعر 52
( فيارب هل إلا بك النصر يرتجى ... عليهم وهل إلا عليك المعول )
(1/235)