[ شرح إبن عقيل - ابن عقيل ]
الكتاب : شرح إبن عقيل
المؤلف : بهاء الدين عبد الله بن عقيل العقيلي المصري الهمذاني
الناشر : دار الفكر - دمشق
الطبعة الثانية ، 1985
تحقيق : محمد محيي الدين عبد الحميد
عدد الأجزاء : 4
الأصل وهل المعول إلا عليك فقدم الخبر
الرابع أن يكون خبرا لمبتدإ قد دخلت عليه لام الابتداء نحو لزيد قائم وهو المشار إليه بقوله أو كان مسندا لذي لام ابتدا فلا يجوز تقديم الخبر على اللام
(1/236)

فلا تقول قائم لزيد لأن لام الابتداء لها صدر الكلام وقد جاء التقديم شذوذا كقول الشاعر 53 -
( خالي لأنت ومن جرير خاله ... ينل العلاء ويكرم الأخوالا )
فلأنت مبتدأ مؤخر وخالي خبر مقدم
(1/237)

الخامس أن يكون المبتدأ له صدر الكلام كأسماء الاستفهام نحو من لي منجدا فمن مبتدأ ولي خبر ومنجدا حال ولا يجوز تقديم الخبر على من فلا تقول لي من منجدا
(1/238)

( ونحو عندى درهم ولي وطر ... ملتزم فيه تقدم الخبر )
( كذا إذا عاد عليه مضمر ... مما به عنه مبينا يخبر )
( كذا إذا يستوجب التصديرا ... كأين من علمته نصيرا )
(1/239)

( وخبر المحصور قدم أبدا ... كما لنا إلا اتباع أحمدا )
أشار في هذه الأبيات إلى القسم الثالث وهو وجوب تقديم الخبر فذكر أنه يجب في أربعة مواضع
الأول أن يكون المبتدأ نكرة ليس لها مسوغ إلا تقدم الخبر والخبر ظرف أو جار ومجرور نحو عندك رجل وفي الدار امرأة فيجب تقديم الخبر هنا فلا تقول رجل عندك ولا امرأة في الدار وأجمع النحاة والعرب على منع ذلك وإلى هذا أشار بقوله ونحو عندي درهم ولي وطر البيت فإن كان للنكرة مسوغ جاز الأمران نحو رجل ظريف عندي وعندي رجل ظريف
الثاني أن يشتمل المبتدأ على ضمير يعود على شيء في الخبر نحو في الدار صاحبها فصاحبها مبتدأ والضمير المتصل به راجع إلى الدار وهو جزء من الخبر فلا يجوز تأخير الخبر نحو صاحبها في الدار لئلا يعود الضمير على متأخر لفظا ورتبة
وهذا مراد المصنف بقوله كذا إذا عاد عليه مضمر البيت أي كذا يجب تقديم الخبر إذا عاد عليه مضمر مما يخبر بالخبر عنه وهو المبتدأ فكأنه قال يجب تقديم الخبر إذا عاد عليه ضمير من المبتدأ وهذه عبارة ابن عصفور في بعض كتبه وليست بصحيحة لأن الضمير في قولك في الدار
(1/240)

صاحبها إنما هو عائد على جزء من الخبر لا على الخبر فينبغي أن تقدر مضافا محذوفا في قول المصنف عاد عليه التقدير كذا إذا عاد على ملابسه ثم حذف المضاف الذي هو ملابس وأقيم المضاف إليه وهو الهاء مقامه فصار اللفظ كذا إذا عاد عليه
ومثل قولك في الدار صاحبها قولهم على التمرة مثلها زبدا وقوله 54 -
( أهابك إجلالا وما بك قدرة ... علي ولكن ملء عين حبيبها )
(1/241)

فحبيبها مبتدأ مؤخر وملء عين خبر مقدم ولا يجوز تأخيره لأن الضمير المتصل بالمبتدأ وهو ها عائد على عين وهو متصل بالخبر فلو قلت حبيبها ملء عين عاد الضمير على متأخر لفظا ورتبة
وقد جرى الخلاف في جواز ضرب غلامه زيدا مع أن الضمير فيه عائد على متأخر لفظا ورتبة ولم يجر خلاف فيما أعلم في منع صاحبها في الدار فما الفرق بينهما وهو ظاهر فليتأمل والفرق بينهما أن ما عاد عليه الضمير وما اتصل به الضمير اشتركا في العامل في مسألة ضرب غلامه زيدا بخلاف مسألة في الدار صاحبها فإن العامل فيما اتصل به الضمير وما عاد عليه الضمير مختلف
(1/242)

الثالث أن يكون الخبر له صدر الكلام وهو المراد بقوله كذا إذا يستوجب التصديرا نحو أين زيد فزيد مبتدأ مؤخر وأين خبر مقدم ولا يؤخر فلا تقول زيد أين لأن الاستفهام له صدر الكلام وكذلك أين من علمته نصيرا فأين خبر مقدم ومن مبتدأ مؤخر وعلمته نصيرا صلة من
الرابع أن يكون المبتدأ محصورا نحو إنما في الدار زيد وما في الدار إلا زيد ومثله ما لنا إلا اتباع أحمد
( وحذف ما يعلم جائز كما ... تقول زيد بعد من عندكما )
(1/243)

( وفى جواب كيف زيد قل دنف ... فزيد استغنى عنه إذ عرف )
يحذف كل من المبتدأ والخبر إذا دل عليه دليل جوازا أو وجوبا فذكر في هذين البيتين الحذف جوازا فمثال حذف الخبر أن يقال من عندكما فتقول زيد التقدير زيد عندنا ومثله في رأي خرجت فإذا السبع التقدير فإذا السبع حاضر قال الشاعر 55 -
( نحن بما عندنا وأنت بما ... عندك راض والرأي مختلف )
التقدير نحن بما عندنا راضون
(1/244)

ومثال حذف المبتدأ أن يقال كيف زيد فتقول صحيح أي هو صحيح
وإن شئت صرحت بكل واحد منهما فقلت زيد عندنا وهو صحيح
ومثله قوله تعالى ( من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها ) أي من عمل صالحا فعمله لنفسه ومن أساء فإساءته عليها
قيل وقد يحذف الجزآن أعني المبتدأ والخبر للدلالة عليهما كقوله تعالى ( واللائى يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن ) أى فعدتهن ثلاثة أشهر فحذف المبتدأ والخبر وهو فعدتهن ثلاثة أشهر لدلالة ما قبله عليه وإنما حذفا لوقوعهما موقع مفرد والظاهر أن المحذوف مفرد والتقدير واللائي لم يحضن كذلك وقوله ( واللائي لم يحضن ) معطوف على واللائي يئسن والأولى أن يمثل بنحو قولك نعم في جواب أزيد قائم إذ التقدير نعم زيد قائم
( وبعد لولا غالبا حذف الخبر ... حتم وفي نص يمين ذا استقر )
(1/246)

( وبعد واو عينت مفهوم مع ... كمثل كل صانع وما صنع )
( وقبل حال لا يكون خبرا ... عن الذي خبره قد أضمرا )
( كضربي العبد مسيئا وأتم ... تبينى الحق منوطا بالحكم )
(1/247)

حاصل ما في هذه الأبيات أن الخبر يجب حذفه في أربعة مواضع
الأول أن يكون خبرا لمبتدأ بعد لولا نحو لولا زيد لأتيتك التقدير لولا زيد موجود لأتيتك واحترز بقوله غالبا عما ورد ذكره فيه شذوذا كقوله 56 -
( لولا أبوك ولولا قبله عمر ... ألقت إليك معد بالمقاليد )
فعمر مبتدأ وقبله خبر
(1/248)

وهذا الذي ذكره المصنف في هذا الكتاب من أن الحذف بعد لولا واجب إلا قليلا هو طريقة لبعض النحويين والطريقة الثانية أن الحذف واجب دائما وأن ما ورد من ذلك بغير حذف فى الظاهر مؤول والطريقة الثالثة أن الخبر إما أن يكون كونا مطلقا أو كونا مقيدا فإن كان كونا مطلقا وجب حذفه نحو لولا زيد لكان كذا أي لولا زيد موجود وإن كان كونا مقيدا فإما أن يدل عليه دليل أولا فإن لم يدل عليه دليل وجب ذكره نحو لولا زيد محسن إلى ما أتيت وإن دل عليه دليل جاز إثباته وحذفه نحو أن يقال هل زيد محسن إليك فتقول لولا زيد لهلكت أي لولا زيد محسن إلي فإن شئت حذفت الخبر وإن شئت أثبته ومنه قول أبي العلاء المعري
(1/250)

-
( يذيب الرعب منه كل عضب ... فلولا الغمد يمسكه لسالا )
(1/251)

وقد اختار المصنف هذه الطريقة في غير هذا الكتاب
الموضع الثاني أن يكون المبتدأ نصا في اليمين نحو لعمرك لأفعلن التقدير لعمرك قسمي فعمرك مبتدأ وقسمي خبره ولا يجوز التصريح به
قيل ومثله يمين الله لأفعلن التقدير يمين الله قسمي وهذا لا يتعين أن يكون المحذوف فيه خبرا لجواز كونه مبتدأ والتقدير قسمي يمين
(1/252)

الله بخلاف لعمرك فإن المحذوف معه يتعين أن يكون خبرا لأن لام الابتداء قد دخلت عليه وحقها الدخول على المبتدأ
فإن لم يكن المبتدأ نصا في اليمين لم يجب حذف الخبر نحو عهد الله لأفعلن التقدير عهد الله علي فعهد الله مبتدأ وعلي خبره ولك إثباته وحذفه
الموضع الثالث أن يقع بعد المبتدأ واو هي نص في المعية نحو كل رجل وضيعته فكل مبتدأ وقوله وضيعته معطوف على كل والخبر محذوف والتقدير كل رجل وضيعته مقترنان ويقدر الخبر بعد واو المعية
وقيل لا يحتاج إلى تقدير الخبر لأن معنى كل رجل وضيعته كل رجل مع ضيعته وهذا كلام تام لا يحتاج إلى تقدير خبر واختار هذا المذهب ابن عصفور في شرح الإيضاح
فإن لم تكن الواو نصا في المعية لم يحذف الخبر وجوبا نحو زيد وعمرو قائمان
الموضع الرابع أن يكون المبتدأ مصدرا وبعده حال سدت مسد الخبر وهي لا تصلح أن تكون خبرا فيحذف الخبر وجوبا لسد الحال مسده وذلك نحو ضربي العبد مسيئا فضربي مبتدأ والعبد معمول
(1/253)

له ومسيئا حال سدت مسد الخبر والخبر محذوف وجوبا والتقدير ضربي العبد إذا كان مسيئا إذا أردت الاستقبال وإن أردت المضي فالتقدير ضربي العبد إذ كان مسيئا فمسيئا حال من الضمير المستتر في كان المفسر بالعبد وإذا كان أو إذ كان ظرف زمان نائب عن الخبر
ونبه المصنف بقوله وقبل حال على أن الخبر المحذوف مقدر قبل الحال التي سدت مسد الخبر كما تقدم تقريره
واحترز بقوله لا يكون خبرا عن الحال التي تصلح أن تكون خبرا عن المبتدأ المذكور نحو ما حكى الأخفش رحمه الله من قولهم زيد قائما فزيد مبتدأ والخبر محذوف والتقدير ثبت قائما وهذه الحال تصلح أن تكون خبرا فتقول زيد قائم فلا يكون الخبر واجب الحذف بخلاف ضربي العبد مسيئا فإن الحال فيه لا تصلح أن تكون خبرا عن المبتدأ الذي قبلها فلا تقول ضربي العبد مسيء لأن الضرب لا يوصف بأنه مسىء
والمضاف إلى هذا المصدر حكمه كحكم المصدر نحو أتم تبييني الحق منوطا بالحكم فأتم مبتدأ وتبييني مضاف إليه والحق مفعول لتبييني ومنوطا حال سدت مسد خبر أتم والتقدير أتم تبييني الحق إذا كان أو إذ كان منوطا بالحكم
ولم يذكر المصنف المواضع التي يحذف فيها المبتدأ وجوبا وقد عدها في غير هذا الكتاب أربعة
(1/254)

الأول النعت المقطوع إلى الرفع في مدح نحو مررت بزيد الكريم أو ذم نحو مررت بزيد الخبيث أو ترحم نحو مررت بزيد المسكين فالمبتدأ محذوف في هذه المثل ونحوها وجوبا والتقدير هو الكريم وهو الخبيث وهو المسكين
الموضع الثانية أن يكون الخبر مخصوص نعم أو بئس نحو نعم
(1/255)

الرجل زيد وبئس الرجل عمرو فزيد وعمرو خبران لمبتدإ محذوف وجوبا والتقدير هو زيد أي الممدوح زيد وهو عمرو أي المذموم عمرو
الموضع الثالث ما حكى الفارسي من كلامهم فى ذمتي لأفعلن ففي ذمتي خبر لمبتدإ محذوف واجب الحذف والتقدير في ذمتي يمين وكذلك ما أشبهه وهو ما كان الخبر فيه صريحا في القسم
الموضع الرابع أن يكون الخبر مصدرا نائبا مناب الفعل نحو صبر جميل التقدير صبري صبر جميل فصبري مبتدأ وصبر جميل خبره ثم حذف المبتدأ الذي هو صبري وجوبا
( وأخبروا باثنين أو بأكثرا ... عن واحد كهم سراة شعرا )
(1/256)

اختلف النحويون في جواز تعدد خبر المبتدأ الواحد بغير حرف عطف نحو زيد قائم ضاحك
فذهب قوم منهم المصنف إلى جواز ذلك سواء كان الخبران في معنى خبر واحد نحو هذا حلو حامض أي مز أم لم يكونا في معنى خبر واحد كالمثال الأول
وذهب بعضهم إلى أنه لا يتعدد الخبر إلا إذا كان الخبران في معنى خبر واحد فإن لم يكونا كذلك تعين العطف فإن جاء من لسان العرب شيء بغير عطف قدر له مبتدأ آخر كقوله تعالى ( وهو الغفور الودود ذو العرش المجيد ) وقول الشاعر 58 -
( من يك ذابت فهذا بتي ... مقيظ مصيف مشتي )
(1/257)

وقوله 59 -
( ينام بإحدى مقلتيه ويتقي ... بأخرى المنايا فهو يقظان نائم )
(1/259)

وزعم بعضهم أنه لا يتعدد الخبر إلا إذا كان من جنس واحد كأن يكون الخبران مثلا مفردين نحو زيد قائم ضاحك أو جملتين نحو زيد قام ضحك فأما إذا كان أحدهما مفردا والآخر جملة فلا يجوز ذلك فلا تقول زيد قائم ضحك هكذا زعم هذا القائل ويقع في كلام المعريين للقرآن الكريم وغيره تجويز ذلك كثيرا ومنه قوله تعالى ( فإذا هي حية تسعى ) جوزوا كون تسعى خبرا ثانيا ولا يتعين ذلك لجواز كونه حالا
(1/260)

كان وأخواتها
( ترفع كان المبتدا اسما والخبر ... تنصبه ككان سيدا عمر )
( ككان ظل بات أضحى أصبحا ... أمسى وصار ليس زال برحا )
( فتىء وانفك وهذي الأربعه ... لشبه نفي أو لنفي متبعه )
( ومثل كان دام مسبوقا بما ... كأعط ما دمت مصيبا درهما )
(1/261)

لما فرغ من الكلام على المبتدأ والخبر شرع في ذكر نواسخ الابتداء وهي قسمان أفعال وحروف فالأفعال كان وأخواتها وأفعال المقاربة وظن وأخواتها والحروف ما وأخواتها ولا التي لنفي الجنس وإن وأخواتها
فبدأ المصنف بذكر كان وأخواتها وكلها أفعال اتفاقا إلا ليس فذهب الجمهور إلى أنها فعل وذهب الفارسي في أحد قوليه وأبو بكر بن شقير في أحد قوليه إلى أنها حرف
(1/262)

وهي ترفع المبتدأ وتنصب خبره ويسمى المرفوع بها اسما لها والمنصوب بها خبرا لها
وهذه الأفعال قسمان منها ما يعمل هذا العمل بلا شرط وهي كان وظل وبات وأضحى وأصبح وأمسى وصار وليس ومنها ما لا يعمل هذا العمل إلا بشرط وهو قسمان أحدهما ما يشترط في عمله أن يسبقه نفي لفظا أو تقديرا أو شبه نفي وهو أربعة زال وبرح وفتىء وانفك فمثال النفي لفظا ما زال زيد قائما ومثاله تقديرا قوله تعالى ( قالوا تالله تفتؤ تذكر يوسف ) أي لا تفتؤ ولا يحذف النافي معها إلا بعد القسم كالآية الكريمة وقد شذ الحذف بدون القسم كقول الشاعر
(1/263)

-
( وأبرح ما أدام الله قومي ... بحمد الله منتطقا مجيدا )
(1/264)

أي لا أبرح منتطقا مجيدا أي صاحب نطاق وجواد ما أدام الله قومي وعنى بذلك أنه لا يزال مستغنيا ما بقي له قومه وهذا أحسن ما حمل عليه البيت
ومثال شبه النفي والمراد به النهي كقولك لا تزل قائما ومنه قوله 61 -
( صاح شمر ولا تزل ذاكر الموت ... فنسيانه ضلال مبين )
والدعاء كقولك لا يزال الله محسنا إليك وقول الشاعر
(1/265)

-
( ألا يا اسلمي يا درامي على البلى ... ولا زال منهلا بجرعائك القطر )
(1/266)

وهذا هو الذي أشار إليه المصنف بقوله وهذي الأربعة إلى آخر البيت
القسم الثاني ما يشترط في عمله أن يسبقه ما المصدرية الظرفية وهو دام كقولك أعط ما دمت مصيبا درهما أي أعط مدة دوامك مصيبا درهما ومنه قوله تعالى ( وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيا ) أي مدة دوامي حيا
(1/267)

ومعنى ظل اتصاف المخبر عنه بالخبر نهارا ومعنى بات اتصافه به ليلا وأضحى اتصافه به في الضحى وأصبح اتصافه به في الصباح وأمسى اتصافه به في المساء ومعنى صار التحول من صفة إلى صفة أخرى ومعنى ليس النفي وهي عند الإطلاق لنفي الحال نحو ليس زيد قائما أي الآن وعند التقييد بزمن على حسبه نحو ليس زيد قائما غدا ومعنى زال وأخواتها ملازمة الخبر المخبر عنه على حسب ما يقتضيه الحال نحو ما زال زيد ضاحكا وما زال عمرو أزرق العينين ومعنى دام بقي واستمر
( وغير ماض مثله قد عملا ... إن كان غير الماض منه استعملا )
هذه الأفعال على قسمين أحدهما ما يتصرف وهو ما عدا ليس ودام )
(1/268)

والثاني ما لا يتصرف وهو ليس ودام فنبه المصنف بهذا البيت على أن ما يتصرف من هذه الأفعال يعمل غير الماضي منه عمل الماضي وذلك هو المضارع نحو يكون زيد قائما قال الله تعالى ( ويكون الرسول عليكم شهيدا ) والأمر نحو ( كونوا قوامين بالقسط ) وقال الله تعالى ( قل كونوا حجارة أو حديدا ) واسم الفاعل نحو زيد كائن أخاك وقال الشاعر 63 -
( وما كل من يبدي البشاشة كائنا ... أخاك إذا لم تلفه لك منجدا )
(1/269)

والمصدر كذلك واختلف الناس في كان الناقصة هل لها مصدر أم لا والصحيح أن لها مصدرا ومنه قوله 64 -
( ببذل وحلم ساد في قومه الفتى ... وكونك إياه عليك يسير )
(1/270)

وما لا يتصرف منها وهو دام وليس وما كان النفي أو شبهه شرطا فيه وهو زال وأخواتها لا يستعمل منه أمر ولا مصدر
( وفي جميعها توسط الخبر ... أجز وكل سبقه دام حظر )
(1/271)

مرده أن أخبار هذه الأفعال إن لم يجب تقديمها على الاسم ولا تأخيرها عنه يجوز توسطها بين الفعل والاسم فمثال وجوب تقديمها على الاسم قولك كان في الدار صاحبها فلا يجوز ههنا تقديم الاسم على الخبر لئلا يعود الضمير على متأخر لفظا ورتبة ومثال وجوب تأخير الخبر عن الاسم
(1/272)

قولك كان أخى رفيقي فلا يجوز تقديم رفيقي على أنه خبر لأنه لا يعلم ذلك لعدم ظهور الإعراب ومثال ما توسط فيه الخبر قولك كان قائما زيد قال الله تعالى ( وكان حقا علينا نصر المؤمنين ) وكذلك سائر أفعال هذا الباب من المتصرف وغيره يجوز توسط أخبارها بالشرط المذكور
ونقل صاحب الإرشاد خلافا في جواز تقديم خبر ليس على اسمها والصواب جوازه قال الشاعر 65 -
( سلي إن جهلت الناس عنا وعنهم ... فليس سواء عالم وجهول )
(1/273)

وذكر ابن معط أن خبر دام لا يتقدم على اسمها فلا تقول لا أصاحبك ما دام قائما زيد والصواب جوازه قال الشاعر 6 -
( لا طيب للعيش ما دامت منغصة ... لذاته بادكار الموت والهرم )
(1/274)

وأشار بقوله وكل سبقه دام حظر إلى أن كل العرب أو كل النحاة منع سبق خبر دام عليها وهذا إن أراد به أنهم منعوا تقديم خبر دام على ما المتصلة بها نحو لا أصحبك قائما ما دام زيد فمسلم وإن أراد أنهم منعوا تقديمه على دام وحدها نحو لا أصحبك ما قائما دام زيد وعلى ذلك حمله ولده في شرحه ففيه نظر والذي يظهر أنه لا يمتنع تقديم خبر
(1/275)

دام على دام وحدها فتقول لا أصحبك ما قائما دام زيد كما تقول لا أصحبك ما زيدا كلمت
( كذاك سبق خبر ما النافية ... فجيء بها متلوة لا تاليه )
يعني أنه لا يجوز أن يتقدم الخبر على ما النافية ويدخل تحت هذا قسمان أحدهما ما كان النفي شرطا في عمله نحو ما زال وأخواتها فلا تقول قائما ما زال زيد وأجاز ذلك ابن كيسان والنحاس والثاني ما لم يكن النفي شرطا في عمله نحو ما كان زيد قائما فلا تقول قائما ما كان زيد وأجازه بعضهم
ومفهوم كلامه أنه إذا كان النفي بغير ما يجوز التقديم فتقول قائما لم يزل زيد ومنطلقا لم يكن عمرو ومنعهما بعضهم
(1/276)

ومفهوم كلامه أيضا جواز تقديم الخبر على الفعل وحده إذا كان النفي بما نحو ما قائما زال زيد وما قائما كان زيد ومنعه بعضهم
( ومنع سبق خبر ليس اصطفى ... وذو تمام ما برفع يكتفي )
( وما سواه ناقص والنقص في ... فتىء ليس زال دائما قفي )
اختلف النحويون في جواز تقديم خبر ليس عليها فذهب الكوفيون
(1/277)

والمبرد والزجاج وابن السراج وأكثر المتأخرين ومنهم المصنف إلى المنع وذهب أبو علي الفارسي وابن برهان إلى الجواز فتقول قائما ليس زيد واختلف النقل عن سيبويه فنسب قوم إليه الجواز وقوم المنع ولم يرد من لسان العرب تقدم خبرها عليها وإنما ورد من لسانهم ما ظاهره تقدم معمول خبرها عليها كقوله تعالى ( ألا يوم يأتيهم ليس مصروفا عنهم ) وبهذا استدل من أجاز تقديم خبرها عليها وتقريره أن يوم يأتيهم معمول الخبر الذي هو مصروفا وقد تقدم على ليس قال ولا يتقدم المعمول إلا حيث يتقدم العامل
(1/278)

وقوله وذو تمام إلى آخره معناه أن هذه الأفعال انقسمت إلى قسمين أحدهما ما يكون تاما وناقصا والثاني ما لا يكون إلا ناقصا والمراد بالتام ما يكتفي بمرفوعه وبالناقص ما لا يكتفي بمرفوعه بل يحتاج معه إلى منصوب
وكل هذه الأفعال يجوز أن تستعمل تامة إلا فتىء وزال التي مضارعها يزال لا التي مضارعها يزول فإنها تامة نحو زالت الشمس وليس فإنها لاتستعمل إلا ناقصة
ومثال التام قوله تعالى ( وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة ) أي إن وجد ذو عسرة وقوله تعالى ( خالدين فيها ما دامت السموات والأرض ) وقوله تعالى ( فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون )
( ولا يلي العامل معمول الخبر ... إلا إذا ظرفا أتى أو حرف جر )
(1/279)

يعني أنه لا يجوز أن يلي كان وأخواتها معمول خبرها الذي ليس بظرف ولا جار ومجرور وهذا يشمل حالين
أحدهما أن يتقدم معمول الخبر وحده على الاسم ويكون الخبر مؤخرا عن الاسم نحو كان طعامك زيد آكلا وهذه ممتنعة عند البصريين وأجازها الكوفيون
الثاني أن يتقدم المعمول والخبر على الاسم ويتقدم المعمول على الخبر نحو كان طعامك آكلا زيد وهي ممتنعة عند سيبويه وأجازها بعض البصريين
ويخرج من كلامه أنه إذا تقدم الخبر والمعمول على الاسم وقدم الخبر على المعمول جازت المسألة لأنه لم يل كان معمول خبرها فتقول كان آكلا طعامك زيد ولا يمنعها البصريون
فإن كان المعمول ظرفا أو جارا ومجرورا جاز إيلاؤه كان عند البصريين والكوفيين نحو كان عندك زيد مقيما وكان فيك زيد راغبا
( ومضمر الشأن اسما انو إن وقع ... موهم ما استبان أنه امتنع )
(1/280)

يعني أنه إذا ورد من لسان العرب ما ظاهره أنه ولي كان وأخواتها معمول خبرها فأوله على أن في كان ضميرا مستترا هو ضمير الشأن وذلك نحو قوله 67 -
( قنافذ هداجون حول بيوتهم ... بما كان إياهم عطية عودا )
(1/281)

فهذا ظاهره أنه مثل كان طعامك زيد آكلا ويتخرج على أن في كان ضميرا مستترا هو ضمير الشأن وهو اسم كان
(1/283)

ومما ظاهره أنه مثل كان طعامك آكلا زيد قوله 68 -
( فأصبحوا والنوى عالى معرسهم ... وليس كل النوى تلقي المساكين )
(1/284)

إذا قرىء بالتاء المثناة من فوق فيخرج البيتان على إضمار الشأن
والتقدير في الأول بما كان هو أي الشأن فضمير الشأن اسم كان
(1/287)

وعطية مبتدأ وعود خبر وإياهم مفعول عود والجملة من المبتدأ وخبره خبر كان فلم يفصل بين كان واسمها معمول الخبر لأن اسمها مضمر قبل المعمول
والتقدير فى البيت الثاني وليس هو أي الشأن فضمير الشأن اسم ليس وكل النوى منصوب بتلقي وتلقي المساكين فعل وفاعل والمجموع خبر ليس هذا بعض ما قيل في البيتين
( وقد تزاد كان في حشو كما ... كان أصح علم من تقدما )
كان على ثلاثة أقسام أحدها الناقصة والثاني التامة وقد تقدم ذكرهما والثالث الزائدة وهي المقصودة بهذا البيت وقد ذكر ابن عصفور أنها تزاد بين الشيئين المتلازمين كالمبتدأ وخبره نحو زيد كان قائم والفعل ومرفوعه نحو لم يوجد كان مثلك والصلة والموصول نحو جاء الذي كان أكرمته والصفة والموصوف نحو مررت برجل كان قائم وهذا يفهم أيضا من إطلاق قول المصنف وقد تزاد كان في حشو وإنما تنقاس زيادتها بين ما
(1/288)

وفعل التعجب نحو ما كان أصح علم من تقدما ولا تزاد فى غيره إلا سماعا
وقد سمعت زيادتها بين الفعل ومرفوعه كقولهم ولدت فاطمة بنت الخرشب الأنمارية الكملة من بني عبس لم يوجد كان أفضل منهم
وقد سمع أيضا زيادتها بين الصفة والموصوف كقوله 69
( فكيف إذا مررت بدار قوم ... وجيران لنا كانوا كرام )
(1/289)

وشذ زيادتها بين حرف الجر ومجروره كقوله 70 -
( سراة بني أبي بكر تسامى ... على كان المسومة العراب )
(1/291)

وأكثر ما تزاد بلفظ الماضي وقد شذت زيادتها بلفظ المضارع في قول أم عقيل ابن أبي طالب 71 -
( أنت تكون ماجد نبيل ... إذا تهب شمأل بليل )
(1/292)

( ويحذفونها ويبقون الخبر ... وبعد إن ولو كثيرا ذا اشتهر )
تحذف كان مع اسمها ويبقى خبرها كثيرا بعد إن كقوله
(1/293)

-
( قد قيل ما قيل إن صدقا وإن كذبا ... فما اعتذارك من قول إذا قيلا )
(1/294)

التقدير إن كان المقول صدقا وإن كان المقول كذبا
وبعد لو كقولك ائتني بدابة ولو حمارا أي ولو كان المأتي به حمارا
وقد شذ حذفها بعد لدن كقوله 73 -
( من لد شولا فإلى إتلائها )
التقدير من لد أن كانت شولا )
(1/295)

( وبعد أن تعويض ما عنها ارتكب ... كمثل أما أنت برا فاقترب )
ذكر في هذا البيت أن كان تحذف بعد أن المصدرية ويعوض عنها ما ويبقى اسمها وخبرها نحو أما أنت برا فاقترب والأصل أن كنت برا فاقترب فحذفت كان فانفصل الضمير المتصل بها وهو التاء فصار أن أنت برا ثم أتى بما عوضا عن كان فصار
(1/296)

أن ما أنت برا ثم أدغمت النون في الميم فصار أما أنت برا ومثله قول الشاعر 74 -
( أبا خراشة أما أنت ذا نفر ... فإن قومي لم تأكلهم الضبع )
(1/297)

فأن مصدرية وما زائدة عوضا عن كان وأنت اسم كان المحذوفة وذا نفر خبرها ولا يجوز الجمع بين كان وما لكون ما عوضا عنها ولا يجوز الجمع بين العوض والمعوض وأجاز ذلك المبرد فيقول أما كنت منطلقا انطلقت
ولم يسمع من لسان العرب حذف كان وتعويض ما عنها وإبقاء اسمها وخبرها إلا إذا كان اسمها ضمير مخاطب كما مثل به المصنف ولم يسمع مع ضمير المتكلم نحو أما أنا منطلقا انطلقت والأصل أن كنت منطلقا ولا مع الظاهر نحو أما زيد ذاهبا انطلقت والقياس جوازهما كما جاز مع المخاطب والأصل أن كان زيد ذاهبا انطلقت وقد مثل سيبويه رحمه الله في كتابه بأما زيد ذاهبا
( ومن مضارع لكان منجزم ... تحذف نون وهو حذف ما التزم )
(1/298)

إذا جزم الفعل المضارع من كان قيل لم يكن والأصل يكون فحذف الجازم الضمة التي على النون فالتقى ساكنان الواو والنون فحذف الواو لالتقاء الساكنين فصار اللفظ لم يكن والقياس يقتضي أن لا يحذف منه بعد ذلك شيء آخر لكنهم حذفوا النون بعد ذلك تخفيفا لكثرة الاستعمال فقالوا لم يك وهو حذف جائز لا لازم ومذهب سيبويه ومن تابعه أن هذه
(1/299)

النون لا تحذف عنه ملاقاة ساكن فلا تقول لم يك الرجل قائما وأجاز ذلك يونس وقد قرىء شاذا ( لم يك الذين كفروا ) وأما إذا لاقت متحركا فلا يخلو إما أن يكون ذلك المتحرك ضميرا متصلا أولا فإن كان ضميرا متصلا لم تحذف النون اتفاقا كقوله لعمر رضي الله عنه في ابن صياد ( إن يكنه فلن تسلط عليه وإلا يكنه فلا خير لك في قتله ) فلا يجوز حذف النون فلا تقول إن يكه والإيكه وإن كان غير ضمير متصل جاز الحذف والإثبات نحو لم يكن زيد قائما ولم يك زيد قائما
وظاهر كلام المصنف أنه لا فرق في ذلك بين كان الناقصة والتامة وقد قرىء ( وإن تك حسنة يضاعفها ) برفع حسنة وحذف النون وهذه هي التامة
(1/300)

فصل في ما ولا ولات وإن المشبهات بليس
( إعمال ليس أعملت ما دون إن ... مع بقا النفي وترتيب زكن )
( وسبق حرف جر أو ظرف كما ... بي أنت معنيا أجاز العلما )
تقدم في أول باب كان وأخواتها أن نواسخ الابتداء تنقسم إلى أفعال
(1/301)

وحروف وسبق الكلام على كان وأخواتها وهي من الأفعال الناسخة وسيأتي الكلام على الباقي وذكر المصنف في هذا الفصل من الحروف الناسخة قسما يعمل عمل كان وهو ما ولا ولات وإن
أما ما فلغة بني تميم أنها لا تعمل شيئا فتقول ما زيد قائم فزيد مرفوع بالابتداء وقائم خبره ولا عمل لما في شيء منهما وذلك لأن ما حرف لا يختص لدخوله على الاسم نحو ما زيد قائم وعلى الفعل نحو ما يقوم زيد وما لا يختص فحقه ألا يعمل
ولغة أهل الحجاز إعمالها كعمل ليس لشبهها بها في أنها لنفي الحال عند الإطلاق فيرفعون بها الاسم وينصبون بها الخبر نحو ما زيد قائما قال الله تعالى ( ما هذا بشرا ) وقال تعالى ( ما هن أمهاتهم ) وقال الشاعر 75 -
( أبناؤها متكنفون أباهم ... حنقو الصدور وما هم أولادها )
(1/302)

لكن لا تعمل عندهم إلا بشروط ستة ذكر المصنف منها أربعة
الأول ألا يزاد بعدها إن فإن زيدت بطل عملها نحو ما إن زيد قائم برفع قائم ولا يجوز نصبه وأجاز ذلك بعضهم
الثاني ألا ينتقض النفي بإلا نحو ما زيد إلا قائم فلا يجوز نصب قائم وكقوله تعالى ( ما أنتم إلا بشر مثلنا ) وقوله ( وما أنا إلا نذير ) خلافا لمن أجازه
(1/303)

الثالث ألا يتقدم خبرها على اسمها وهو غير ظرف ولا جار ومجرور فإن تقدم وجب رفعه نحو ما قائم زيد فلا تقول ما قائما زيد وفي ذلك خلاف
(1/304)

فإن كان ظرفا أو جارا ومجرورا فقدمته فقلت ما في الدار زيد وما عندك عمرو فاختلف الناس في ما حينئذ هل هي عاملة أم لا فمن جعلها عاملة قال إن الظرف والجار والمجرور في موضع نصب بها ومن لم يجعلها عاملة قال إنهما في موضع رفع على أنهما خبران للمبتدأ الذي بعدهما وهذا الثاني هو ظاهركلام المصنف فإنه شرط في إعمالها أن يكون المبتدأ والخبر بعد ما على الترتيب الذي زكن وهذا هو المراد بقوله وترتيب زكن أي علم ويعني به أن يكون المبتدأ مقدما والخبر مؤخرا ومقتضاه أنه متى تقدم الخبر لا تعمل ما شيئا سواء كان الخبر ظرفا أو جارا ومجرورا أو غير ذلك وقد صرح بهذا في غير هذا الكتاب
الشرط الرابع ألا يتقدم معمول الخبر على الاسم وهو غير ظرف ولا جار ومجرور فإن تقدم بطل عملها نحو ما طعامك زيد آكل فلا يجوز نصب آكل ومن أجاز بقاء العمل مع تقدم الخبر يجيز بقاء العمل مع تقدم المعمول بطريق الأولى لتأخر الخبر وقد يقال لا يلزم ذلك لما في
(1/305)

الإعمال مع تقدم المعمول من الفصل بين الحرف ومعموله وهذا غير موجود مع تقدم الخبر
فإن كان المعمول ظرفا أو جارا ومجرورا لم يبطل عملها نحو ما عندك زيد مقيما وما بي أنت معنيا لأن الظروف والمجرورات يتوسع فيها ما لا يتوسع في غيرها
وهذا الشرط مفهوم من كلام المصنف لتخصيصه جواز تقديم معمول الخبر بما إذا كان المعمول ظرفا أو جارا ومجرورا
الشرط الخامس ألا تتكرر ما فإن تكررت بطل عملها نحو ما ما زيد قائم فالأولى نافية والثانية نفت النفي فبقي إثباتا فلا يجوز نصب قائم وأجازه بعضهم
الشرط السادس ألا يبدل من خبرها موجب فإن أبدل بطل عملها نحو ما زيد بشيء إلا شيء لا يعبأ به فبشيء في موضع رفع خبر عن المبتدأ الذي
(1/306)

هو زيد ولا يجوز أن يكون فى موضع نصب خبرا عن ما وأجازه قوم وكلام سيبويه رحمه الله تعالى في هذه المسألة محتمل للقولين المذكورين أعني القول باشتراط ألا يبدل من خبرها موجب والقول بعدم اشتراط ذلك فإنه قال بعد ذكر المثال المذكور وهو ما زيد بشيء إلى آخره استوت اللغتان يعني لغة الحجاز ولغة تميم واختلف شراح الكتاب فيما يرجع إليه قوله استوت اللغتان فقال قوم هو راجع إلى الاسم الواقع قبل إلا والمراد أنه لا عمل لما فيه فاستوت اللغتان في أنه مرفوع وهؤلاء هم الذين شرطوا في إعمال ما ألا يبدل من خبرها موجب وقال قوم هو راجع إلى الاسم الواقع بعد إلا والمراد أنه يكون مرفوعا سواء جعلت ما حجازية أو تميمية وهؤلاء هم الذين لم يشترطوا في إعمال ما ألا يبدل من خبرها موجب وتوجيه كل من القولين وترجيح المختار منهما وهو الثاني لا يليق بهذا المختصر
( ورفع معطوف بلكن أو ببل ... من بعد منصوب بما الزم حيث حل )
(1/307)

إذا وقع بعد خبر ما عاطف فلا يخلو إما أن يكون مقتضيا للإيجاب أولا
فإن كان مقتضيا للإيجاب تعين رفع الاسم الواقع بعده وذلك نحو بل ولكن فتقول ما زيد قائما لكن قاعد أو بل قاعد فيجب رفع الاسم على أنه خبر مبتدأ محذوف والتقدير لكن هو قاعد وبل هو قاعد ولا يجوز نصب قاعد عطفا على خبر ما لأن ما لا تعمل في الموجب
وإن كان الحرف العاطف غير مقتض للإيجاب كالواو ونحوها جاز النصب والرفع والمختار النصب نحو ما زيد قائما ولا قاعدا ويجوز الرفع فتقول ولا قاعد وهو خبر لمبتدأ محذوف والتقدير ولا هو قاعد
ففهم من تخصيص المصنف وجوب الرفع بما إذا وقع الاسم بعد بل ولكن أنه لا يجب الرفع بعد غيرهما
( وبعد ما وليس جر البا الخبر ... وبعد لا ونفي كان قد يجر )
(1/308)

تزاد الباء كثيرا في الخبر بعد ليس وما نحو قوله تعالى ( أليس الله بكاف عبده ) و ( أليس الله بعزيز ذي انتقام ) و ( ما ربك بغافل عما يعملون ) و ( وما ربك بظلام للعبيد ) ولا تختص زيادة الباء بعد ما بكونها حجازية خلافا لقوم بل تزاد بعدها وبعد التميمية وقد نقل سيبويه والفراء رحمهما الله تعالى زيادة الباء بعد ما عن بني تميم فلا التفات إلى من منع ذلك وهو موجود في أشعارهم
وقد اضطرب رأي الفارسي في ذلك فمرة قال لا تزاد الباء إلا بعد الحجازية ومرة قال تزاد في الخبر المنفي
وقد وردت زيادة الباء قليلا في خبر لا كقوله
(1/309)

-
( فكن لي شفيعا يوم لا ذو شفاعة ... بمغن فتيلا عن سواد بن قارب )
وفي خبر مضارع كان المنفية بلم كقوله 77 -
( وإن مدت الأيدي إلى الزاد لم أكن ... بأعجلهم إذ أجشع القوم أعجل )
(1/310)

( في النكرات أعملت كليس لا ... وقد تلي لات وإن ذا العملا )
(1/311)

( وما للات في سوى حين عمل ... وحذف ذي الرفع فشا والعكس قل )
تقدم أن الحروف العاملة عمل ليس أربعة وقد تقدم الكلام على ما وذكر هنا لا ولات وإن
أما لا فمذهب الحجازيين إعمالها عمل ليس ومذهب تميم إهمالها
(1/312)

ولا تعمل عند الحجازيين إلا بشروط ثلاثة
أحدها أن يكون الاسم والخبر نكرتين نحو لا رجل أفضل منك ومنه قوله 78 -
( تعز فلا شيء على الأرض باقيا ... ولا وزر مما قضى الله واقيا )
(1/313)

وقوله 79 -
( نصرتك إذ لا صاحب غير خاذل ... فبوئت حصنا بالكماة حصينا )
(1/314)

وزعم بعضهم أنها قد تعمل في المعرفة وأنشد للنابغة 80 -
( بدت فعل ذي ود فلما تبعتها ... تولت وبقت حاجتي في فؤاديا )
( وحلت سواد القلب لا أنا باغيا ... سواها ولا عن حبها متراخيا )
(1/315)

واختلف كلام المصنف في هذا البيت فمرة قال إنه مؤول ومرة قال إن القياس عليه سائغ
الشرط الثاني ألا يتقدم خبرها على اسمها فلا نقول لا قائما رجل
الشرط الثالث ألا ينتقض النفي بإلا فلا تقول لا رجل إلا أفضل من زيد ينصب أفضل بل يجب رفعه
ولم يتعرض المصنف لهذين الشرطين
(1/316)

وأما إن النافية فمذهب أكثر البصريين والفراء أنها لا تعمل شيئا ومذهب الكوفيين خلا الفراء أنها تعمل عمل ليس وقال به من البصريين أبو العباس المبرد وأبو بكر بن السراج وأبو علي الفارسي وأبو الفتح بن جنى واختاره المصنف وزعم أن في كلام سيبويه رحمه الله تعالى إشارة إلى ذلك وقد ورد السماع به قال الشاعر 81 -
( إن هو مستوليا على أحد ... إلا على أضعف المجانين )
(1/317)

وقال آخر 82 -
) إن المرء ميتا بانقضاء حياته ... ولكن بأن يبغى عليه فيخذلا )
(1/318)

وذكر ابن جنى في المحتسب أن سعيد بن جبير رضي الله عنه قرأ ( إن الذين تدعون من دون الله عبادا أمثالكم ) بنصب العباد
ولا يشترط في اسمها وخبرها أن يكونا نكرتين بل تعمل في النكرة والمعرفة فتقول إن رجل قائما وإن زيد القائم وإن زيد قائما
وأما لات فهي لا النافية زيدت عليها تاء التأنيث مفتوحة ومذهب الجمهور أنها تعمل عمل ليس فترفع الاسم وتنصب الخبر لكن اختصت بأنها لا يذكر معها الاسم والخبر معا بل إنما يذكر معها أحدهما والكثير في لسان العرب حذف اسمها وبقاء خبرها ومنه قوله تعالى ( ولات حين مناص ) بنصب الحين فحذف الاسم وبفي الخبر والتقدير ولات الحين حين مناص فالحين اسمها وحين مناص خبرها وقد قرىء شذوذا ( ولات حين مناص ) برفع الحين على أنه اسم لات والخبر محذوف والتقدير ولات حين مناص لهم أي ولات حين مناص كائنا لهم وهذا هو المراد بقوله وحذف ذي الرفع إلى آخر البيت
وأشار بقوله وما للات فى سوى حين عمل إلى ما ذكر سيبويه من أن
(1/319)

لات لا تعمل إلا في الحين واختلف الناس فيه فقال قوم المراد أنها لا تعمل إلا في لفظ الحين ولا تعمل فيما رادفه كالساعة ونحوها وقال قوم المراد أنها لا تعمل إلا في أسماء الزمان فتعمل في لفظ الحين وفيما رادفه من أسماء الزمان ومن عملها فيما رادفه قول الشاعر 83 -
( ندم البغاة ولات ساعة مندم ... والبغي مرتع مبتغيه وخيم )
(1/320)

وكلام المصنف محتمل للقولين وجزم بالثاني في التسهيل ومذهب الأخفش أنهالا تعمل شيئا وأنه إن وجد الاسم بعدها منصوبا فناصبه فعل مضمر والتقدير لات أرى حين مناص وإن وجد مرفوعا فهو مبتدأ والخبر محذوف والتقدير لات حين مناص كائن لهم والله أعلم
(1/321)

أفعال المقاربة
( ككان كاد وعسى لكن ندر ... غير مضارع لهذين خبر )
هذا هو القسم الثاني من الأفعال الناسخة للابتداء وهو كاد وأخواتها وذكر المصنف منها أحد عشر فعلا ولا خلاف في أنها أفعال إلا عسى فنقل الزاهد عن ثعلب أنها حرف ونسب أيضا إلى ابن السراج والصحيح أنها فعل
(1/322)

بدليل اتصال تاء الفاعل وأخواتها بها نحو عسيت وعسيت وعسيتما وعسيتم وعسيتن
وهذه الأفعال تسمى أفعال المقاربة وليست كلها للمقاربة بل هي على ثلاثة أقسام
أحدها ما دل على المقاربة وهي كاد وكرب وأوشك
والثاني ما دل على الرجاء وهي عسى وحرى واخلولق
والثالث ما دل على الإنشاء وهي جعل وطفق وأخذ وعلق وأنشأ
فتسميتها أفعال المقاربة من باب تسمية الكل باسم البعض
وكلها تدخل على المبتدأ والخبر فترفع المبتدأ اسما لها ويكون خبره خبرا لها في موضع نصب وهذا هو المراد بقوله ككان كاد وعسى لكن الخبر في
(1/323)

هذا الباب لا يكون إلا مضارعا نحو كاد زيد يقوم وعسى زيد أن يقوم وندر مجيئه اسما بعد عسى وكاد كقوله 84 -
( أكثرت في العذل ملحا دائما ... لاتكثرن إني عسيت صائما )
(1/324)

وقوله 85 -
( فأبت إلى فهم وما كدت آئبا ... وكم مثلها فارقتها وهي تصفر )
(1/325)

وهذا هو مراد المصنف بقوله لكن ندر إلى آخره لكن في قوله غير مضارع إيهام فإنه يدخل تحته الاسم والظرف والجار والمجرور والجملة الإسمية والجملة الفعلية بغير المضارع ولم يندر مجيء هذه كلها خبرا عن عسى وكاد بل الذي ندر مجيء الخبر اسما وأما هذه فلم يسمع مجيئها خبرا عن هذين
( وكونه بدون أن بعد عسى ... نزر وكاد الأمر فيه عكسا )
(1/326)

أي اقتران خبر عسى بأن كثير وتجريده من أن قليل وهذا مذهب سيبويه ومذهب جمهور البصريين أنه لا يتجرد خبرها من أن إلا في الشعر ولم يرد في القرآن إلا مقترنا بأن قال الله تعالى ( فعسى الله أن يأتي بالفتح ) وقال عز و جل ( عسى ربكم أن يرحمكم )
ومن وروده بدون أن قوله 86 -
( عسى الكرب الذي أمسيت فيه ... يكون وراءه فرج قريب )
(1/327)

وقوله 87 -
( عسى فرج يأتي به الله إنه ... له كل يوم في خليقته أمر )
وأما كاد فذكر المصنف أنها عكس عسى فيكون الكثير في
(1/329)

خبرها أن يتجرد من أن ويقل اقترانه بها وهذا بخلاف ما نص عليه الأندلسيون من أن اقتران خبرها بأن مخصوص بالشعر فمن تجريده من أن قوله تعالى ( فذبحوها وما كادوا يفعلون ) وقال ( من بعد ما كاد تزيغ قلوب فريق منهم ) ومن اقترانه بأن قوله ( ما كدت أن أصلي العصر حتى كادت الشمس أن تغرب ) وقوله 88 -
( كادت النفس أن تفيض عليه ... إذ غدا حشو ريطة وبرود )
(1/330)

( وكعسى حرى ولكن جعلا ... خبرها حتما بأن متصلا )
(1/331)

( وألزموا اخلولق أن مثل حرى ... وبعد أوشك انتفا أن نزرا )
يعني أن حرى مثل عسى في الدلالة على رجاء الفعل لكن يجب اقتران خبرها بأن نحو حرى زيد أن يقوم ولم يجرد خبرها من أن لا في الشعر ولا في غيره وكذلك اخلولق تلزم أن خبرها نحو اخلولقت السماء أن تمطر وهو من أمثلة سيبويه وأما أوشك فالكثير اقتران خبرها بأن ويقل حذفها منه فمن اقترانه بها قوله 89 -
( ولو سئل الناس التراب لأوشكوا ... إذا قيل هاتوا أن يملوا ويمنعوا )
(1/332)

ومن تجرده منها قوله 90 -
( يوشك من فر من منيته ... في بعض غراته يوافقها )
(1/333)

( ومثل كاد في الأصح كربا ... وترك أن مع ذي الشروع وجبا )
( كأنشأ السائق يحدو وطفق ... كذا جعلت وأخذت وعلق )
(1/334)

لم يذكر سيبويه في كرب إلا تجرد خبرها من أن وزعم المصنف أن الأصح خلافه وهو أنها مثل كاد فيكون الكثير تجريد خبرها من أن ويقل اقترانه بها فمن تجريده قوله 91 -
( كرب القلب من جواه يذوب حين قال الوشاة هند غضوب )
وسمع من اقترانه بها قوله 92 -
( سقاها ذوو الأحلام سجلا على الظما ... وقد كربت أعناقها أن تقطعا )
(1/335)

والمشهور في كرب فتح الراء ونقل كسرها أيضا
ومعنى قوله وترك أن مع ذي الشروع وجبا أن ما دل على الشروع في الفعل لا يجوز اقتران خبره بأن لما بينه وبين أن من المنافاة لأن المقصود به الحال وأن للاستقبال وذلك نحو أنشأ السائق يحدو وطفق زيد يدعو وجعل يتكلم وأخذ ينظم وعلق يفعل كذا
( واستعملوا مضارعا لأوشكا ... وكاد لا غير وزادوا موشكا )
(1/337)

أفعال هذا الباب لا تتصرف إلا كاد وأوشك فإنه قد استعمل منهما المضارع نحو قوله تعالى ( يكادون يسطون ) وقول الشاعر
( يوشك من فر من منيته ... )
وزعم الأصمعى أنه لم يستعمل يوشك إلا بلفظ المضارع ولم يستعمل أوشك بلفظ الماضي وليس بحيد بل قد حكى الخليل استعمال الماضي وقد ورد في الشعر كقوله
( ولو سئل الناس التراب لأوشكوا ... إذا قيل هاتوا أن يملوا ويمنعوا )
نعم الكثير فيها استعمال المضارع وقل استعمال الماضي
وقول المصنف وزادوا موشكا معناه أنه قد ورد أيضا استعمال اسم الفاعل من أوشك كقوله 93 -
( فموشكة أرضنا أن تعود ... خلاف الأنيس وحوشا يبابا )
(1/338)

وقد يشعر تخصيصه أوشك بالذكر أنه لم يستعمل اسم الفاعل من كاد وليس كذلك بل قد ورد استعماله في الشعر كقوله 94 -
( أموت أسى يوم الرجام وإنني ... يقينا لرهن بالذي أنا كائد )
وقد ذكر المصنف هذا في غير هذا الكتاب
(1/339)

وأفهم كلام المصنف أن غير كاد وأوشك من أفعال هذا الباب لم يرد منه المضارع ولا إسم الفاعل وحكى غيره خلاف ذلك فحكى صاحب
(1/340)

الإنصاف استعمال المضارع واسم الفاعل من عسى قال عسى يعسي فهو عاس وحكى الجوهري مضارع طفق وحكى الكسائي مضارع جعل
( بعد عسى اخلولق أوشك قد يرد ... غنى بأن يفعل عن ثان فقد )
اختصت عسى واخلولق وأوشك بأنها تستعمل ناقصة وتامة
فأما الناقصة فقد سبق ذكرها
وأما التامة فهى المسندة إلى أن والفعل نحو عسى أن يقوم واخلولق أن يأتى وأوشك أن يفعل فأن والفعل في موضع رفع فاعل عسى واخلولق وأوشك واستغنت به عن المنصوب الذي هو خبرها
وهذا إذا لم يل الفعل الذي بعد أن اسم ظاهر يصح رفعه به فإن وليه نحو عسى أن يقوم زيد فذهب الأستاذ أبو علي الشلوبين إلى أنه يجب أن يكون الظاهر مرفوعا بالفعل الذي بعد أن فأن وما بعدها فاعل لعسى وهي تامة ولا خبر لها وذهب المبرد والسيرافي والفارسي إلى تجويز ما ذكره الشلوبين وتجويز
(1/341)

وجه آخر وهو أن يكون ما بعد الفعل الذي بعد أن مرفوعا بعسى اسما لها وأن والفعل في موضع نصب بعسى وتقدم على الاسم والفعل الذي بعد أن فاعله ضمير يعود على فاعل عسى وجاز عوده عليه وإن تأخر لأنه مقدم في النية
وتظهر فائدة هذا الخلاف في التثنية والجمع والتأنيث
فتقول على مذهب غير الشلوبين عسى أن يقوما الزيدان وعسى أن يقوموا الزيدون وعسى أن يقمن الهندات فتأتي بضمير في الفعل لأن الظاهر ليس مرفوعا به بل هو مرفوع بعسى
وعلى رأى الشلوبين يجب أن تقول عسى أن يقوم الزيدان وعسى أن يقوم الزيدون وعسى أن تقوم الهندات فلا تأتي في الفعل بضمير لأنه رفع الظاهر الذي بعده
( وجردن عسى أو ارفع مضمرا ... بها إذا اسم قبلها قد ذكرا )
(1/342)

اختصت عسى من بين سائر أفعال هذا الباب بأنها إذا تقدم عليها اسم جاز أن يضمر فيها ضمير يعود على الاسم السابق وهذه لغة تميم وجاز تجريدها عن الضمير وهذه لغة الحجاز وذلك نحو زيد عسى أن يقوم فعلى لغة تميم يكون في عسى ضمير مستتر يعود على زيد وأن يقوم في موضع نصب بعسى وعلى لغة الحجاز لا ضمير فى عسى وأن يقوم في موضع رفع بعسى
ونظهر فائدة ذلك في التثنية والجمع والتأنيث
فتقول على لغة تميم هند عست أن تقوم والزيدان عسيا أن يقوما والزيدون عسوا أن يقوموا والهندان عستا أن تقوما والهندات عسين أن يقمن
وتقول على لغة الحجاز هند عسى أن تقوم والزيدان عسى أن يقوما والزيدون عسى أن يقوموا والهندان عسى أن تقوما والهندات عسى أن يقمن
وأما غير عسى من أفعال هذا الباب فيجب الإضمار فيه فتقول الزيدان جعلا ينظمان ولا يجوز ترك الإضمار فلا تقول الزيدان جعل ينظمان كما تقول الزيدان عسى أن يقوما
( والفتح والكسر أجز فى السين من ... نحو عسيت وانتقا الفتح زكن )
(1/343)

إذا اتصل بعسى ضمير موضوع للرفع وهو لمتكلم نحو عسيت أو لمخاطب نحو عسيت وعسيت وعسيتما وعسيتم وعسيتن أو لغائبات نحو عسين جاز كسر سينها وفتحها والفتح أشهر وقرأ نافع ( فهل عسيتم إن توليتم ) بكسر السين وقرأ الباقون بفتحها
(1/344)

إن وأخواتها
( لإن أن ليت لكن لعل ... كأن عكس مالكان من عمل )
( كإن زيدا عالم بأنى ... كفء ولكن ابنه ذو ضغن )
هذا هو القسم الثاني من الحروف الناسخة للابتداء وهي ستة أحرف
(1/345)

إن وأن وكأن ولكن وليت ولعل وعدها سيبويه خمسة فأسقط أن المفتوحة لأن أصلها إن المكسورة كما سيأتي
ومعنى إن وأن التوكيد ومعنى كأن التشبيه ولكن للاستدراك وليت للتمني ولعل للترجي والإشفاق والفرق بين الترجي والتمني أن التمني يكون في الممكن نحو ليت زيدا قائم وفي غير الممكن نحو ليت الشباب يعود يوما وأن الترجي لا يكون إلا في الممكن فلا تقول لعل الشباب يعود والفرق بين الترجي والإشفاق أن الترجي يكون في المحبوب نحو لعل الله يرحمنا والإشفاق في المكروه نحو لعل العدو يقدم
وهذه الحروف تعمل عكس عمل كان فتنصب الاسم وترفع الخبر
(1/346)

نحو إن زيدا قائم فهي عاملة في الجزءين وهذا مذهب البصريين
وذهب الكوفيون إلى أنها لا عمل لها في الخبر وإنما هو باق على رفعه الذي كان له قبل دخول إن وهو خبر المبتدأ
( وراع ذا الترتيب إلا في الذي ... كليت فيها أوهنا غير البذي )
أي يلزم تقديم الاسم في هذا الباب وتأخير الخبر إلا إذا كان الخبر ظرفا أو جارا ومجرورا فإنه لا يلزم تأخيره وتحت هذا قسمان
أحدهما أنه يجوز تقديمه وتأخيره وذلك نحو ليت فيها غير البذي
(1/348)

أو ليت هنا غير البذي أي الوقح فيجوز تقديم فيها وهنا على غير وتأخيرهما عنها
والثاني أنه يجب تقديمه نحو ليت في الدار صاحبها فلا يجوز تأخير في الدار لئلا يعود الضمير على متأخر لفظا ورتبة
ولا يجوز تقديم معمول الخبر على الاسم إذا كان غير ظرف ولا مجرور نحو إن زيدا آكل طعامك فلا يجوز إن طعامك زيدا آكل وكذا إن كان المعمول ظرفا أو جارا ومجرورا نحو إن زيدا واثق بك أو جالس عندك فلا يجوز تقديم المعمول على الاسم فلا تقول إن بك زيدا واثق أو إن عندك زيدا جالس وأجازه بعضهم وجعل منه قوله 95 -
( فلا تلحنى فيها فإن بحبها ... أخاك مصاب القلب جم بلابله )
(1/349)

( وهمز إن افتح لسد مصدر ... مسدها وفي سوى ذاك اكسر )
إن لها ثلاثة أحوال وجوب الفتح ووجوب الكسر وجواز الأمرين
فيجب فتحها إذا قدرت بمصدر كما إذا وقعت في موضع مرفوع فعل
(1/350)

نحو يعجبني أنك قائم أي قيامك أو منصوبه نحو عرفت أنك قائم أي قيامك أو في موضع مجرور حرف نحو عجبت من أنك قائم أي من قيامك وإنما قال لسد مصدر مسدها ولم يقل لسد مفرد مسدها لأنه قد يسد المفرد مسدها ويجب كسرها نحو ظننت زيدا إنه قائم فهذه يجب كسرها وإن سد مسدها مفرد لأنها في موضع المفعول الثاني ولكن لا تقدر بالمصدر إذ لا يصح ظننت زيدا قيامه
فإن لم يجب تقديرها بمصدر لم يجب فتحها بل تكسر وجوبا أو جوازا على ما سنبين وتحت هذا قسمان أحدهما وجوب الكسر والثاني جواز الفتح والكسر فأشار إلى وجوب الكسر بقوله
(1/351)

( فاكسر في الابتدا وفى بدء صله ... وحيث إن ليمين مكمله )
( أو حكيت بالقول أو حلت محل ... حال كزرته وإني ذو أمل )
( وكسروا من بعد فعل علقا ... باللام كاعلم إنه لذو تقى )
(1/352)

فذكر أنه يجب الكسر في ستة مواضع
الأول إذا وقعت إن ابتداء أي في أول الكلام نحو إن زيدا قائم ولا يجوز وقوع المفتوحة ابتداء فلا تقول أنك فاضل عندي بل يجب التأخير فتقول عندي أنك فاضل وأجاز بعضهم الابتداء بها
الثاني أن تقع إن صدر صلة نحو جاء الذي إنه قائم ومنه قوله تعالى ( واتيناه من الكنوز ما إن مفاتحه لتنوء )
الثالث أن تقع جوابا للقسم وفي خبرها اللام نحو والله إن زيدا لقائم وسيأتي الكلام على ذلك
الرابع أن تقع في جملة محكية بالقول نحو قلت إن زيدا قائم قال تعالى ( قال إني عبد الله ) فإن لم تحك به بل أجرى القول مجرى الظن فتحت نحو أتقول أن زيدا قائم أي أتظن
الخامس أن تقع في جملة في موضع الحال كقوله زرته وإني ذو أمل ومنه قوله تعالى ( كما أخرجك ربك من بيتك بالحق وإن فريقا من المؤمنين لكارهون ) وقول الشاعر 96 -
( ما أعطياني ولا سألتهما ... إلا وإني لحاجزى كرمي )
(1/353)

السادس أن تقع بعد فعل من أفعال القلوب وقد علق عنها باللام نحو علمت إن زيدا لقائم وسنبين هذا في باب ظن فإن لم يكن في خبرها اللام فتحت نحو علمت أن زيدا قائم
هذا ما ذكره المصنف وأورد عليه أنه نقص مواضع يجب كسر إن فيها
الأول إذا وقعت بعد ألا الاستفتاحية نحو ألا إن زيدا قائم ومنه قوله تعالى ( ألا إنهم هم السفهاء )
(1/354)

الثاني إن وقعت بعد حيث نحو اجلس حيث إن زيدا جالس
الثالث إذا وقعت في جملة هي خبر عن اسم عين نحو زيد إنه قائم
ولا يرد عليه شيء من هذه المواضع لدخولها تحت قوله فاكسر في الابتدا لأن هذه إنما كسرت لكونها أول جملة مبتدأ بها
( بعد إذا فجاءة أو قسم ... لا لام بعده بوجهين نمي )
( مع تلو فا الجزا وذا يطرد ... في نحو خير القول إني أحمد )
(1/355)

يعني أنه يجوز فتح إن وكسرها إذا وقعت بعد إذا الفجائية نحو خرجت فإذا إن زيدا قائم فمن كسرها جعلها جملة والتقدير خرجت فإذا زيد قائم ومن فتحها جعلها مع صلتها مصدرا وهو مبتدأ خبره إذا الفجائية والتقدير فإذا قيام زيد أي ففي الحضرة قيام زيد ويجوز أن يكون الخبر محذوفا والتقدير خرجت فإذا قيام زيد موجود ومما جاء بالوجهين قوله 97 -
( وكنت أرى زيدا كما قيل سيدا ... إذا أنه عبد القفا واللهازم )
(1/356)

روى بفتح أن وكسرها فمن كسرها جعلها جملة مستأنفة والتقدير إذا هو عبد القفا واللهازم ومن فتحها جعلها مصدرا مبتدأ وفي خبره الوجهان السابقان والتقدير على الأول فإذا عبوديته أي ففي الحضرة عبوديته وعلى الثاني فإذا عبوديته موجودة
وكذا يجوز فتح إن وكسرها إذا وقعت جواب قسم وليس فى خبرها اللام نحو حلفت أن زيدا قائم بالفتح والكسر وقد روى بالفتح والكسر قوله 98 -
( لتقعدن مقعد القصي ... مني ذي القاذورة المقلي )
( أو تحلفي بربك العلي ... أني أبو ذيالك الصبي )
(1/358)

ومقتضى كلام المصنف أنه يجوز فتح إن وكسرها بعد القسم إذا لم يكن في خبرها اللام سواء كانت الجملة المقسم بها فعلية والفعل فيها ملفوظ به نحو حلفت إن زيدا قائم أو غير ملفوظ به نحو والله إن زيدا قائم أو اسمية نحو لعمرك إن زيدا قائم
(1/360)

وكذلك يجوز الفتح والكسر إذا وقعت إن بعد فاء الجزاء نحو من يأتني فإنه مكرم فالكسر على جعل إن ومعموليها جملة أجيب بها الشرط فكأنه قال من يأتني فهو مكرم والفتح على جعل أن وصلتها مصدرا مبتدأ والخبر محذوف والتقدير من يأتني فإكرامه موجود ويجوز أن يكون خبرا والمبتدأ محذوفا والتقدير فجزاؤه الإكرام
ومما جاء بالوجهين قوله تعالى ( كتب ربكم على نفسه الرحمة أنه من عمل منكم سوءا بجهالة ثم تاب من بعده وأصلح فإنه غفور رحيم ) قرىء ( فإنه غفور رحيم ) بالفتح والكسر فالكسر على جعلها جملة جوابا لمن والفتح على جعل أن وصلتها مصدرا مبتدأ خبره محذوف والتقدير فالغفران جزاؤه أو على جعلها خبرا لمبتدأ محذوف والتقدير فجزاؤه الغفران
وكذلك يجوز الفتح والكسر إذا وقعت أن بعد مبتدأ هو في المعنى قول وخبر إن قول والقائل واحد نحو خير القول إني أحمد الله فمن فتح جعل أن وصلتها مصدرا خبرا عن خير والتقدير خير القول حمد الله فخير مبتدأ وحمد الله خبره ومن كسر جعلها جملة خبرا عن خير كما تقول أول قراءتي ( سبح اسم ربك الأعلى ) فأول مبتدأ و سبح اسم ربك الأعلى جملة خبر عن أول وكذلك خير القول مبتدأ وإني أحمد الله خبره ولا تحتاج هذه الجملة إلى رابط لأنها نفس المبتدأ في المعنى
(1/361)

فهي مثل نطقي الله حسبي ومثل سيبويه هذه المسألة بقوله أول ما أقول أني أحمد الله وخرج الكسر على الوجه الذي تقدم ذكره وهو أنه من باب الإخبار بالجمل وعليه جرى جماعة من المتقدمين والمتأخرين كالمبرد والزجاج والسيرافي وأبي بكر بن طاهر وعليه أكثر النحويين
( وبعد ذات الكسر تصحب الخبر ... لام ابتداء نحو إني لوزر )
يجوز دخول لام الابتداء على خبر إن المكسورة نحو إن زيدا لقائم
(1/362)

وهذه اللام حقها أن تدخل على أول الكلام لأن لها صدر الكلام فحقها أن تدخل على إن نحو لإن زيدا قائم لكن لما كانت اللام للتأكيد وإن للتأكيد كرهوا الجمع بين حرفين بمعنى واحد فأخروا اللام إلى الخبر
ولا تدخل هذه اللام على خبر باقي أخوات إن فلا تقول لعل زيدا لقائم وأجاز الكوفيون دخولها في خبر لكن وأنشدوا 99 -
( يلومونني في حب ليلى عواذلي ... ولكنني من حبها لعميد )
(1/363)

وخرج على أن اللام زائدة كما شذ زيادتها في خبر أمسى نحو قوله 100 -
( مروا عجالى فقالوا كيف سيدكم ... فقال من سألوا أمسى لمجهودا )
(1/365)

أي أمسى مجهودا وكما زيدت في خبر المبتدأ شذوذا كقوله 101 -
( أم الحليس لعجوز شهربه ... ترضى من اللحم بعظم الرقبة )
(1/366)

وأجاز المبرد دخولها في خبر أن المفتوحة وقد قرىء شاذا إلا أنهم ليأكلون الطعام بفتح أن ويتخرج أيضا على زيادة اللام
( ولا يلي ذي اللام ما قد نفيا ... ولا من الأفعال ما كرضيا )
(1/367)

( وقد يليها مع قد كإن ذا ... لقد سما على العدا مستحوذا )
إذا كان خبر إن منفيا لم تدخل عليه اللام فلا تقول إن زيدا لما يقوم وقد ورد في الشعر كقوله 102 -
( وأعلم إن تسليما وتركا ... للا متشابهان ولا سواء )
(1/368)

وأشار بقوله ولا من الأفعال ما كرضيا إلى أنه إذا كان الخبر ماضيا متصرفا غير مقرون بقد لم تدخل عليه اللام فلا تقول إن زيدا لرضي وأجاز ذلك الكسائي وهشام فإن كان الفعل مضارعا دخلت اللام عليه ولا فرق
(1/369)

بين المتصرف نحو إن زيدا ليرضى وغير المتصرف نحو إن زيدا ليذر الشر هذا إذا لم تقترن به السين أو سوف فإن اقترنت به نحو إن زيدا سوف يقوم أو سيقوم ففي جواز دخول اللام عليه خلاف فيجوز إذا كان سوف على الصحيح وأما إذا كان السين فقليل
وإذا كان ماضيا غير متصرف فظاهر كلام المصنف جواز دخول اللام عليه فتقول إن زيدا لنعم الرجل وإن عمرا لبئس الرجل وهذا مذهب الأخفش والفراء والمنقول أن سيبويه لا يجيز ذلك فإن قرن الماضي المتصرف بقد جاز دخول اللام عليه وهذا هو المراد بقوله وقد يليها مع قد نحو إن زيدا لقد قام
( وتصحب الواسط معمول الخبر ... والفصل واسما حل قبله الخبر )
تدخل لام الابتداء على معمول الخبر إذا توسط بين اسم إن والخبر نحو إن زيدا لطعامك آكل وينبغي أن يكون الخبر حينئذ مما يصح دخول اللام عليه كما مثلنا فإن كان الخبر لا يصح دخول اللام عليه لم يصح دخولها
(1/370)

على المعمول كما إذا كان الخبر فعلا ماضيا متصرفا غير مقرون بقد لم يصح دخول اللام على المعمول فلا تقول إن زيدا لطعامك أكل وأجاز ذلك بعضهم وإنما قال المصنف وتصحب الواسط أي المتوسط تنبيها على أنها لا تدخل على المعمول إذا تأخر فلا تقول إن زيدا آكل لطعامك
وأشعر قوله بأن اللام إذا دخلت على المعمول المتوسط لا تدخل على الخبر فلا تقول إن زيدا لطعامك لآكل وذلك من جهة أنه خصص دخول اللام بمعمول الخبر المتوسط وقد سمع ذلك قليلا وحكى من كلامهم إني لبحمد الله لصالح
(1/371)

وأشار بقوله والفصل إلى أن لام الابتداء تدخل على ضمير الفصل نحو إن زيدا لهو القائم وقال الله تعالى ( إن هذا لهو القصص الحق ) فهذا اسم إن وهو ضمير الفصل ودخلت عليه اللام والقصص خبر إن
وسمي ضمير الفصل لأنه يفصل بين الخبر والصفة وذلك إذا قلت زيد هو القائم فلو لم تأت بهو لاحتمل أن يكون القائم صفة لزيد وأن يكون خبرا عنه فلما أتيت بهو تعين أن يكون القائم خبرا عن زيد
وشرط ضمير الفصل أن يتوسط بين المبتدأ والخبر نحو زيد هو القائم أو بين ما أصله المبتدأ والخبر نحو إن زيدا لهو القائم
(1/372)

وأشار بقوله واسما حل قبله الخبر إلى أن لام الابتداء تدخل على الاسم إذا تأخر عن الخبر نحو إن في الدار لزيدا قال الله تعالى ( وإن لك لأجرا غير ممنون )
وكلامه يشعر أيضا بأنه إذا دخلت اللام على ضمير الفصل أو على الاسم المتأخر لم تدخل على الخبر وهو كذلك فلا تقول إن زيدا لهو لقائم ولا إن لفي الدار لزيدا
ومقتضى إطلاقه في قوله إن لام الابتداء تدخل على المعمول المتوسط بين الاسم والخبر أن كل معمول إذا توسط جاز دخول اللام عليه كالمفعول الصريح والجار والمجرور والظرف والحال وقد نص النحويون على منع دخول اللام على الحال فلا تقول إن زيدا لضاحكا راكب
( ووصل ما بذي الحروف مبطل ... إعمالها وقد يبقي العمل )
(1/373)

إذا اتصلت ما غير الموصولة بإن وأخواتها كفتها عن العمل إلا ليت فإنه يجوز فيها الإعمال والإهمال فتقول إنما زيد قائم ولا يجوز نصب زيد وكذلك أن وكأن ولكن ولعل وتقول ليتما زيد قائم وإن شئت نصبت زيدا فقلت ليتما زيدا قائم وظاهر كلام المصنف رحمه الله تعالى أن ما إن اتصلت بهذه الأحرف كفتها عن العمل وقد تعمل قليلا وهذا مذهب جماعة من النحويين كالزجاجي وابن السراج وحكى الأخفش
(1/374)

والكسائى إنما زيدا قائم والصحيح المذهب الأول وهو أنه لا يعمل منها مع ما إلا ليت وأما ما حكاه الأخفش والكسائي فشاذ واحترزنا بغير الموصولة من الموصولة فإنها لا تكفها عن العمل بل تعمل معها والمراد من الموصولة التي بمعنى الذي نحو إن ما عندك حسن أي إن الذي عندك حسن والتي هي مقدرة بالمصدر نحو إن ما فعلت حسن أي إن فعلك حسن
( وجائز رفعك معطوفا على ... منصوب إن بعد أن تستكملا )
أي إذا أتي بعد اسم إن وخبرها بعاطف جاز في الاسم الذي بعده وجهان أحدهما النصب عطفا على اسم إن نحو إن زيدا قائم وعمرا
(1/375)

والثاني الرفع نحو إن زيدا قائم وعمرو واختلف فيه فالمشهور أنه معطوف علىمحل اسم إن فإنه في الأصل مرفوع لكونه مبتدأ وهذا يشعر به ظاهر كلام المصنف وذهب قوم إلى أنه مبتدأ وخبره محذوف والتقدير وعمرو كذلك وهو الصحيح
فإن كان العطف قبل أن تستكمل إن أي قبل أن تأخذ خبرها تعين النصب عند جمهور النحويين فتقول إن زيدا وعمرا قائمان وإنك وزيدا ذاهبان وأجاز بعضهم الرفع
(1/376)

( وألحقت بإن لكن وأن ... من دون ليت ولعل وكأن )
حكم أن المفتوحة ولكن في العطف على اسمهما حكم إن المكسورة فتقول علمت أن زيدا قائم وعمرو برفع عمرو ونصبه وتقول علمت أن زيدا وعمرا قائمان بالنصب فقط عند الجمهور وكذلك تقول ما زيد قائما لكن عمرا منطلق وخالدا بنصب خالد ورفعه وما زيد قائما لكن عمرا وخالدا منطلقان بالنصب فقط
وأما ليت ولعل وكأن فلا يجوز معها إلا النصب سواء تقدم المعطوف أو تأخر فتقول ليت زيدا وعمرا قائمان وليت زيدا قائم وعمرا بنصب عمرو في المثالين ولا يجوز رفعه وكذلك كأن ولعل وأجاز الفراء الرفع فيه متقدما ومتأخرا مع الأحرف الثلاثة
( وخففت إن فقل العمل ... وتلزم اللام إذا ما تهمل )
(1/377)

( وربما استغني عنها إن بدا ... ما ناطق أراده معتمدا )
إذا خففت إن فالأكثر في لسان العرب إهمالها فتقول إن زيد لقائم وإذا أهملت لزمتها اللام فارقة بينها وبين إن النافية ويقل إعمالها فتقول إن زيدا قائم وحكى الإعمال سيبويه والأخفش رحمهما الله تعالى فلا تلزمها حينئذ اللام لأنها لا تلتبس والحالة هذه
(1/378)

بالنافية لأن النافية لا تنصب الاسم وترفع الخبر وإنما تلتبس بإن النافية إذا أهملت ولم يظهر المقصود بها فإن ظهر المقصود بها فقد يستغنى عن اللام كقوله 103 -
( ونحن أباة الضيم من آل مالك ... وإن مالك كانت كرام المعادن )
(1/379)

التقدير وإن مالك لكانت فحذفت اللام لأنها لا تلتبس بالنافية لأن المعنى على الإثبات وهذا هو المراد بقوله وربما استغنى عنها إن بدا إلى آخر البيت
واختلف النحويون في هذه اللام هل هي لام الابتداء أدخلت للفرق بين إن النافية وإن المخففة من الثقيلة أم هي لام أخرى اجتلبت للفرق وكلام سيبويه يدل على أنها لام الابتداء دخلت للفرق
وتظهر فائدة هذا الخلاف في مسألة جرت بين ابن أبي العافية وابن الأخضر وهى قوله ( قد علمنا إن كنت لمؤمنا ) فمن جعلها لام الابتداء أوجب كسر إن ومن جعلها لاما أخرى اجتلبت للفرق فتح أن وجرى الخلاف في هذه المسألة قبلهما بين أبي الحسن علي بن سليمان البغدادي الأخفش الصغير وبين أبي علي الفارسي فقال الفارسي هي لام غير لام الابتداء اجتلبت للفرق
(1/380)

وبه قال ابن أبي العافية وقال الأخفش الصغير إنما هي لام الابتداء أدخلت للفرق وبه قال ابن الأخضر
( والفعل إن لم يك ناسخا فلا ... تلفيه غالبا بإن ذي موصلا )
(1/381)

إذا خففت إن فلا يليها من الأفعال إلا الأفعال الناسخة للابتداء نحو كان وأخواتها وظن وأخواتها قال الله تعالى ( وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله ) وقال الله تعالى ( وإن يكاد الذين كفروا ليزلقونك بأبصارهم ) وقال الله تعالى ( وإن وجدنا أكثرهم لفاسقين ) ويقل أن يليها غير الناسخ وإليه أشار بقوله غالبا ومنه قول بعض العرب إن يزينك لنفسك وإن يشينك لهيه وقولهم إن قنعت كاتبك لسوطا وأجاز الأخفش إن قام لأنا ومنه قول الشاعر 204 -
( شلت يمينك إن قتلت لمسلما ... حلت عليك عقوبة المتعمد )
(1/382)

( وإن تخفف أن فاسمها استكن ... والخبر اجعل جملة من بعد أن )
إذا خففت أن المفتوحة بقيت على ما كان لها من العمل لكن لا يكون اسمها إلا ضمير الشأن محذوفا وخبرها لا يكون إلا جملة وذلك نحو علمت أن زيد قائم فأن مخففة من الثقيلة واسمها ضمير الشأن وهو محذوف والتقدير أنه وزيد قائم جملة في موضع رفع خبر أن والتقدير علمت أنه زيد قائم وقد يبرز اسمها وهو غير ضمير الشأن كقوله
(1/383)

-
( فلو أنك في يوم الرخاء سألتني ... طلاقك لم أبخل وأنت صديق )
(1/384)

( وإن يكن فعلا ولم يكن دعا ... ولم يكن تصريفه ممتنعا )
( فالأحسن الفصل بقد أو نفي أو ... تنفيس اولو وقليل ذكر لو )
(1/385)

إذا وقع خبر أن المخففة جملة اسمية لم يحتج إلى فاصل فتقول علمت أن زيد قائم من غير حرف فاصل بين أن وخبرها إلا إذا قصد النفي فيفصل بينهما بحرف النفي كقوله تعالى ( وأن لا إله إلا هو فهل أنتم مسلمون )
وإن وقع خبرها جملة فعلية فلا يخلو إما أن يكون الفعل متصرفا أو غير متصرف فإن كان غير متصرف لم يؤت بفاصل نحو قوله تعالى ( وأن ليس للإنسان إلا ما سعى ) وقوله تعالى ( وأن عسى أن يكون قد اقترب أجلهم ) وإن كان متصرفا فلا يخلو إما أن يكون دعاء أولا فإن كان دعاء لم يفصل كقوله تعالى ( والخامسة أن غضب الله عليها ) في قراءة من قرأ ( غضب ) بصيغة الماضي وإن لم يكن دعاء فقال قوم يجب أن يفصل بينهما إلا قليلا وقالت فرقة منهم المصنف يجوز الفصل وتركه والأحسن الفصل والفاصل أحد أربعة أشياء
(1/386)

الأول قد كقوله تعالى ( ونعلم أن قد صدقتنا )
الثاني حرف التنفيس وهو السين أو سوف فمثال السين قوله تعالى ( علم أن سيكون منكم مرضى ) ومثال سوف قول الشاعر 106 -
( واعلم فعلم المرء ينفعه ... أن سوف يأتي كل ما قدرا )
(1/387)

الثالث النفي كقوله تعالى ( أفلا يرون أن لا يرجع إليهم قولا ) وقوله تعالى ( أيحسب الإنسان أن لن نجمع عظامه ) وقوله تعالى ( أيحسب أن لم يره أحد )
الرابع لو وقل من ذكر كونها فاصلة من النحويين ومنه قوله تعالى ( وأن لو استقاموا على الطريقة ) وقوله ( أولم يهد للذين يرثون الأرض من بعد أهلها أن لو نشاء أصبناهم بذنوبهم )
ومما جاء بدون فاصل قوله 107 -
( علموا أن يؤملون فجادوا ... قبل أن يسألوا بأعظم سؤل )
(1/388)

وقوله تعالى ( لمن أراد أن يتم الرضاعة ) في قراءة من رفع ( يتم ) في قول والقول الثاني أن أن ليست مخففة من الثقيلة بل هي الناصبة للفعل المضارع وارتفع يتم بعده شذوذا
( وخففت كأن أيضا فنوي ... منصوبها وثابتا أيضا روي )
(1/389)

إذا خففت كأن نوي اسمها وأخبر عنها بجملة اسمية نحو كأن زيد قائم أو جملة فعلية مصدره بلم كقوله تعالى ( كأن لم تغن بالأمس ) أو مصدرة بقد كقول الشاعر
( أفد الترحل غير أن ركابنا ... لما تزل برحالنا وكأن قد )
(1/390)

أي وكأن قد زالت فاسم كأن في هذه الأمثلة محذوف وهو ضمير الشأن والتقدير كأنه زيد قائم وكأنه لم تغن بالأمس وكأنه قد زالت والجملة التي بعدها خبر عنها وهذا معنى قوله فنوي منصوبها وأشار بقوله وثابتا أيضا روي إلى أنه قد روى إثبات منصوبها ولكنه قليل ومنه قوله 108 -
( وصدر مشرق النحر ... كأن ثدييه حقان )
(1/391)

فثدييه اسم كأن وهو منصوب بالياء لأنه مثنى وحقان خبر كأن وروي كأن ثدياه حقان فيكون اسم كأن محذوفا وهو ضمير الشأن والتقدير كأنه ثدياه حقان وثدياه حقان مبتدأ وخبر في موضع رفع خبر كأن ويحتمل أن يكون ثدياه اسم كأن وجاء بالألف على لغة من يجعل المثنى بالألف في الأحوال كلها
(1/392)

لا التي لنفي الجنس
( عمل إن اجعل للا في نكره ... مفردة جاءتك أو مكرره )
هذا هو القسم الثالث من الحروف الناسخة للابتداء وهي لا التي لنفي الجنس والمراد بها لا التي قصد بها التنصيص على استغراق النفي للجنس كله
وإنما قلت التنصيص احترازا عن التي يقع الاسم بعدها مرفوعا نحو لا رجل قائما فإنها ليست نصا في نفي الجنس إذ يحتمل نفي الواحد ونفي لجنس فبتقدير إرادة نفي الجنس لا يجوز لا رجل قائما بل رجلان وبتقدير إرادة نفي الواحد يجوز لا رجل قائما بل رجلان وأما لا هذه فهي لنفي الجنس ليس إلا فلا يجوز لا رجل قائم بل رجلان
وهي تعمل عمل إن فتنصب المبتدأ اسما لها وترفع الخبر خبرا لها ولا فرق في هذا العمل بين المفردة وهي التي لم تتكرر نحو لا غلام رجل قائم وبين المكررة نحو لا حول ولا قوة إلا بالله
(2/5)

ولا يكون اسمها وخبرها إلا نكرة فلا تعمل في المعرفة وما ورد من ذلك مؤول بنكرة كقولهم قضية ولا أبا حسن لها فالتقدير ولا مسمى بهذا الاسم لها ويدل على أنه معامل معاملة النكرة وصفه بالنكرة كقولك لا أبا حسن حلالا لها ولا يفصل بينها وبين اسمها فإن فصل بينهما ألغيت كقوله تعالى ) ( لا فيها غول )
( فانصب بها مضافا أو مضارعه ... وبعد ذاك الخبر اذكر رافعه )
(2/6)

( وركب المفرد فاتحا كلا ... حول ولا قوة والثاني اجعلا )
( مرفوعا أو منصوبا أو مركبا ... وإن رفعت أولا لا تنصبا )
(2/7)

لا يخلو اسم لا هذه من ثلاثة أحوال الحال الأول أن يكون مضافا نحو لا غلام رجل حاضر الحال الثاني أن يكون مضارعا للمضاف أي مشابها له والمراد به كل اسم له تعلق بما بعده إما بعمل نحو لا طالعا جبلا ظاهر ولا خيرا من زيد راكب وإما بعطف نحو لا ثلاثة وثلاثين عندنا ويسمى المشبه بالمضاف مطولا وممطولا أي ممدودا وحكم المضاف والمشبه به النصب لفظا كما مثل والحال الثالث أن يكون مفردا والمراد به هنا ما ليس بمضاف ولا مشبه بالمضاف فيدخل فيه المثنى والمجموع وحكمه البناء على ما كان ينصب به لتركبه مع لا وصيرورته معها كالشيء الواحد فهو معها كخمسة عشر ولكن محله النصب بلا لأنه اسم لها فالمفرد الذي لبس بمثنى ولا مجموع يبنى على الفتح لأن نصبه بالفتحة نحو لا حول ولا قوة إلا بالله والمثنى وجمع المذكر السالم يبنيان على ما كانا ينصبان به وهو الياء نحو لا مسلمين لك ولا مسلمين فمسلمين ومسلمين مبنيان لتركبهما مع لا كما بنى رجل لتركبه معها
وذهب الكوفيون والزجاج إلى أن رجل في قولك لا رجل معرب وأن فتحته فتحة إعراب لا فتحة بناء وذهب المبرد إلى أن مسلمين ومسلمين معربان
(2/8)

وأما جمع المؤنث السالم فقال قوم مبني على ما كان ينصب به وهو الكسر فتقول لا مسلمات لك بكسر التاء ومنه قوله 109 -
( إن الشباب الذي مجد عواقبه ... فيه نلذ ولا لذات للشيب )
(2/9)

وأجاز بعضهم الفتح نحو لا مسلمات لك
(2/10)

وقول المصنف وبعد ذاك الخبر اذكر رافعه معناه أنه يذكر الخبر بعد اسم لا مرفوعا والرافع له لا عند المصنف وجماعة وعند سيبويه الرافع له إن كان اسمها مضافا أو مشبها بالمضاف وإن كان الاسم مفردا فاختلف في رافع الخبر فذهب سيبويه إلى أنه ليس مرفوعا بلا وإنما هو مرفوع على أنه خبر المبتدأ لأن مذهبه أن لا واسمها المفرد في موضع رفع بالابتداء والاسم المرفوع بعدهما خبر عن ذلك المبتدأ ولم تعمل لا عنده في هذه الصورة إلا في الاسم وذهب الأخفش إلى أن الخبر مرفوع بلا فتكون لا عاملة في الجزءين كما علمت فيهما مع المضاف والمشبه به
وأشار بقوله والثاني اجعلا إلى أنه إذا أتى بعد لا والاسم الواقع بعدها بعاطف ونكرة مفردة وتكررت لا نحو لا حول ولا قوة إلا بالله يجوز فيهما خمسة أوجه وذلك لأن المعطوف عليه إما أن يبنى مع لا على الفتح أو ينصب أو يرفع
فإن بني معها على الفتح جاز في الثاني ثلاثة أوجه
الأول البناء على الفتح لتركبه مع لا الثانية وتكون لا الثانية عاملة عمل إن نحو لا حول ولا قوة إلا بالله
(2/11)

الثاني النصب عطفا على محل اسم لا وتكون لا الثانية زائدة بين العاطف والمعطوف نحو لا حول ولا قوة إلا بالله ومنه قوله 110 -
( لا نسب اليوم ولا خلة ... اتسع الخرق على الراقع )
(2/12)

الثالث الرفع وفيه ثلاثة أوجه الأول أن يكون معطوفا على محل لا واسمها لأنهما في موضع رفع بالابتداء عند سيبويه وحينئذ تكون لا زائدة الثاني أن تكون لا الثانية عملت عمل ليس الثالث أن يكون مرفوعا بالابتداء وليس للاعمل فيه وذلك نحو لا حول ولا قوة إلا بالله ومنه قوله 111 -
( هذا لعمركم الصغار بعينه ... لا أم لي إن كان ذاك ولا أب )
(2/13)

وإن نصب المعطوف عليه جاز في المعطوف الأوجه الثلاثة المذكورة أعني البناء والرفع والنصب نحو لا غلام رجل ولا امرأة ولا امرأة ولا امرأة
وإن رفع المعطوف عليه جاز في الثاني وجهان الأول البناء على الفتح نحو لا رجل ولا امرأة ولا غلام رجل ولا امرأة ومنه قوله 112 -
( فلا لغو ولا تأثيم فبها ... وما فاهوا به أبدا مقم )
(2/15)

والثاني الرفع نحو لا رجل ولا امرأة ولا غلام رجل ولا امرأة
ولا يجوز النصب للثاني لأنه إنما جاز فيما تقدم للعطف على محل اسم لا و لا هنا ليست بناصبة فيسقط النصب ولهذا قال المصنف وإن رفعت أولا لا تنصبا
( ومفردا نعتا لمبني بلي ... فافتح أو انصبن أو ارفع تعدل )
(2/16)

إذا كان اسم لا مبنيا ونعت بمفرد يليه أي لم يفصل بينه وبينه بفاصل جاز في النعت ثلاثة أوجه
الأول البناء على الفتح لتركبه مع اسم لا نحو لا رجل ظريف
الثاني النصب مراعاة لمحل اسم لا نحو لا رجل ظريفا
الثالث الرفع مراعاة لمحل لا واسمها لأنهما في موضع رفع عند سيبويه كما تقدم نحو لا رجل ظريف
( وغير ما يلي وغير المفرد ... لا تبن وانصبه أو الرفع اقصد )
(2/17)

تقدم في البيت الذي قبل هذا أنه إذا كان النعت مفردا والمنعوت مفردا ووليه النعت جاز في النعت ثلاثة أوجه وذكر في هذا البيت أنه إن لم يل النعت المفرد المنعوت المفرد بل فصل بينهما بفاصل لم يجز بناء النعت فلا تقول لا رجل فيها ظريف ببناء ظريف بل يتعين رفعه نحو لا رجل فيها ظريف أو نصبه نحو لا رجل فيها ظريفا وإنما سقط البناء على الفتح لأنه إنما جاز عند عدم الفصل لتركب النعت مع الاسم ومع الفصل لا يمكن التركيب كما لا يمكن التركيب إذا كان المنعوت غير مفرد نحو لا طالعا جبلا ظريفا ولا فرق في امتناع البناء على الفتح في النعت عند الفصل بين أن يكون المنعوت مفردا كما مثل أو غير مفرد
وأشار بقوله وغير المفرد إلى أنه إن كان النعت غير مفرد كالمضاف والمشبه بالمضاف تعين رفعه أو نصبه فلا يجوز بناؤه على الفتح ولا فرق في ذلك بين أن يكون المنعوت مفردا أو غير مفرد ولا بين أن يفصل بينه وبين النعت أو لا يفصل وذلك نحو لا رجل صاحب بر فيها ولا غلام رجل فيها صاحب بر
وحاصل ما في البيتين أنه إن كان النعت مفردا والمنعوت مفردا ولم يفصل بينهما جاز في النعت ثلاثة أوجه نحو لا رجل ظريف وظريفا وظريف وإن لم يكن كذلك تعين الرفع أو النصب ولا يجوز البناء
(2/18)

( والعطف إن لم تتكرر لا احكما ... له بما للنعت ذي الفصل انتمى )
تقدم أنه إذا عطف على اسم لا نكرة مفردة وتكررت لا يجوز في المعطوف ثلاثة أوجه الرفع والنصب والبناء على الفتح نحو لا رجل ولا امرأة ولا امرأة ولا امرأة وذكر في هذا البيت أنه إذا لم تتكرر لا يجوز في المعطوف ما جاز في النعت المفصول وقد تقدم في البيت الذي قبله أنه يجوز فيه الرفع والنصب ولا يجوز فيه البناء على الفتح فتقول لا رجل
(2/19)

وامرأة وامرأة ولا يجوز البناء على الفتح وحكى الأخفش لا رجل وامرأة بالبناء على الفتح على تقدير تكرر لا فكأنه قال لا رجل ولا امرأة ثم حذفت لا
وكذلك إذا كان المعطوف غير مفرد لا يجوز فيه إلا الرفع والنصب سواء تكررت لا نحو لا رجل ولا غلام امرأة أو لم تتكرر نحو لا رجل وغلام امرأة
هذا كله إذا كان المعطوف نكرة فإن كان معرفة لا يجوز فيه إلا الرفع على كل حال نحو لا رجل ولا زيد فيها أو لا رجل وزيد فيها
( وأعط لا مع همزة استفهام ... ما تستحق دون الاستفهام )
(2/20)

إذا دخلت همزة الاستفهام على لا النافية للجنس بقيت على ما كان لها من العمل وسائر الأحكام التي سبق ذكرها فتقول ألا رجل قائم وألا غلام رجل قائم وألا طالعا جبلا ظاهر وحكم المعطوف والصفة بعد دخول همزة الاستفهام كحكمها قبل دخولها
هكذا أطلق المصنف رحمه الله تعالى هنا وفي كل ذلك تفصيل
وهو أنه إذا قصد بالاستفهام التوبيخ أو الاستفهام عن النفي فالحكم كما ذكر من أنه يبقى عملها وجميع ما تقدم ذكره من أحكام العطف والصفة وجواز الإلغاء
فمثال التوبيخ قولك ألا رجوع وقد شبت ومنه قوله 113 -
( ألا ارعواء لمن ولت شبيبته ... وآذنت بمشيب بعده هرم )
(2/21)

ومثال الاستفهام عن النفى قولك ألا رجل قائم ومنه قوله 114 -
( ألا اصطبار لسلمى أم لها جلد ... إذا ألاقي الذي لاقاه أمثالي )
(2/22)

وإذا قصد بألا التمني فمذهب المازني أنها تبقى على جميع ما كان لها من الأحكام وعليه يتمشى إطلاق المصنف ومذهب سيبويه أنه يبقى لها عملها في الاسم ولا يجوز إلغاؤها ولا الوصف أو العطف بالرفع مراعاة للابتداء
ومن استعمالها للتمني قولهم ألا ماء ماء باردا وقول الشاعر 115 -
( ألا عمر ولى مستطاع رجوعه ... فيرأب ما أثأت يد الغفلات )
(2/23)

( وشاع في ذا الباب إسقاط الخبر ... إذا المراد مع سقوطه ظهر )
(2/24)

إذا دل دليل على خبر لا النافية للجنس وجب حذفه عند التميميين والطائيين وكثر حذفه عند الحجازيين ومثاله أن يقال هل من رجل قائم فتقول لا رجل وتحذف الخبر وهو قائم وجوبا عند التميميين والطائيين وجوازا عند الحجازيين ولا فرق في ذلك بين أن يكون الخبر غير ظرف ولا جار ومجرور كما مثل أو ظرفا أو جارا ومجرورا نحو أن يقال هل عندك رجل أو هل في الدار رجل فتقول لا رجل
فإن لم يدل على الخبر دليل لم يجز حذفه عند الجميع نحو قوله ( لا أحد أغير من الله ) وقول الشاعر 116 -
( ولا كريم من الولدان مصبوح ... )
(2/25)

وإلى هذا أشار المصنف بقوله إذا المراد مع سقوطه ظهر واحترز بهذا مما لا يظهر المراد مع سقوطه فإنه لا يجوز حينيذ الحذف كما تقدم
(2/26)

ظن وأخواتها
( انصب بفعل القلب جزءي ابتدا ... أعني رأى خال علمت وجدا )
( ظن حسبت وزعمت مع عد ... حجا درى وجعل اللذ كاعتقد )
( وهب تعلم والتي كصيرا ... أيضا بها انصب مبتدا وخبرا )
هذا هو القسم الثالث من الأفعال الناسخة للابتداء وهو ظن وأخواتها
وتنقسم إلى قسمين أحدهما أفعال القلوب والثاني أفعال التحويل
فأما أفعال القلوب فتنقسم إلى قسمين أحدهما ما يدل على اليقين وذكر المصنف منها خمسة رأى وعلم ووجد ودرى وتعلم والثاني منهما
(2/28)

ما يدل على الرجحان وذكر المصنف منها ثمانية خال وظن وحسب وزعم وعد وحجا وجعل وهب
فمثال رأى قول الشاعر 117 -
( رأيت الله أكبر كل شيء ... محاولة وأكثرهم جنودا )
فاستعمل رأى فيه لليقين وقد تستعمل رأى بمعنى ظن
كقوله تعالى ( إنهم يرونه بعيدا ) أي يظنونه
(2/29)

ومثال علم علمت زيدا أخاك وقول الشاعر 118 -
( علمتك الباذل المعروف فانبعثت ... إليك بي واجفات الشوق والأمل )
(2/30)

ومثال وجد قوله تعالى ( وإن وجدنا أكثرهم لفاسقين ) ومثال درى قوله 119 -
( دريت الوفي العهد يا عرو فاغتبط ... فإن اغتباطا بالوفاء حميد )
(2/31)

ومثال تعلم وهي التي بمعنى اعلم قوله 120 -
( تعلم شفاء النفس قهر عدوها ... فبالغ بلطف في التحيل والمكر )
(2/32)

وهذه مثل الأفعال الدالة على اليقين
ومثال الدالة على الرجحان قولك خلت زيدا أخاك وقد تستعمل خال لليقين كقوله 121 -
( دعانى الغواني عمهن وخلتني ... لي اسم فلا أدعى به وهو أول )
(2/33)

وظننت زيدا صاحبك وقد تستعمل لليقين كقوله تعالى ( وظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه ) وحسبت زيدا صاحبك وقد تستعمل لليقين كقوله 122 -
( حسبت التقى والجود خير تجارة ... رباحا إذا ما المرء أصبح ثاقلا )
(2/34)

ومثال زعم قوله 123 -
( فإن تزعميني كنت أجهل فيكم ... فإني شريت الحلم بعدك بالجهل )
(2/35)

ومثال عد قوله 124 -
( فلا تعدد المولى شريكك في الغنى ... ولكنما المولى شريكك فى العدم )
(2/37)

ومثال حجا قوله 125 -
( قد كنت أحجو أبا عمرو أخا ثقة ... حتى ألمت بنا يوما ملمات )
(2/38)

ومثال جعل قوله تعالى ( وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثا )
وقيد المصنف جعل بكونها بمعنى اعتقد احترازا من جعل التي بمعنى صير فإنها من أفعال التحويل لا من أفعال القلوب
ومثال هب قوله 126 -
( فقلت أجرنى أبا مالك ... وإلا فهبني امرأ هالكا )
(2/39)

ونبه المصنف بقوله أعني رأى على أن أفعال القلوب منها ما ينصب مفعولين وهو رأى وما بعده مما ذكره المصنف في هذا الباب ومنها ما ليس كذلك وهو قسمان لازم نحو جبن زيد ومتعد إلى واحد نحو كرهت زيدا
هذا ما يتعلق بالقسم الأول من أفعال هذا الباب وهو أفعال القلوب
وأما أفعال التحويل وهي المرادة بقوله والتي كصيرا إلى آخره فتتعدى أيضا إلى مفعولين أصلهما المبتدأ والخبر وعدها بعضهم سبعة صير نحو صيرت الطين خزفا وجعل نحو قوله تعالى ( وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا ) وهب كقولهم وهبني الله
(2/40)

فداك أي صيرني وتخذ كقوله تعالى ( لتخذت عليه أجرا ) واتخذ كقوله تعالى ( واتخذ الله إبراهيم خليلا ) وترك كقوله تعالى ( وتركنا بعضهم يومئذ يموج في بعض ) وقول الشاعر 127 -
( وربيته حتى إذا ما تركته ... أخا القوم واستغنى عن المسح شاربه )
(2/41)

ورد كقوله 128 -
( رمى الحدثان نسوة آل حرب ... بمقدار سمدن له سمودا )
( فرد شعورهن السود بيضا ... ورد وجوههن البيض سودا )
(2/42)

( وخص بالتعليق والإلغاء ما ... من قبل هب والأمر هب قد ألزما )
( كذا تعلم ولغير الماض من ... سواهما اجعل كل ماله زكن )
(2/43)

تقدم أن هذه الأفعال قسمان أحدهما أفعال القلوب والثاني أفعال التحويل فأما أفعال القلوب فتنقسم إلى متصرفة وغير متصرفة
فالمتصرفة ما عدا هب وتعلم فيستعمل منها الماضي نحو ظننت زيدا قائما وغير الماضي وهو المضارع نحو أظن زيدا قائما والأمر نحو ظن زيدا قائما واسم الفاعل نحو أنا ظان زيدا قائما واسم المفعول نحو زيد مظنون أبوه قائما فأبوه هو المفعول الأول وارتفع لقيامه مقام الفاعل وقائما المفعول الثاني والمصدر نحو عجبت من ظنك زيدا قائما ويثبت لها كلها من العمل وغيره ما ثبت للماضى
وغير المتصرف اثنان وهما هب وتعلم بمعنى اعلم فلا يستعمل منهما إلا صيغة الأمر كقوله
( تعلم شفاء النفس قهر عدوها ... فبالغ بلطف في التحيل والمكر ) وقوله
( فقلت أجرني أبا مالك ... وإلا فهبني امرأ هالكا )
واختصت القلبية المتصرفة بالتعليق والإلغاء فالتعليق هو ترك العمل
(2/44)

لفظا دون معنى لمانع نحو ظننت لزيد قائم فقولك لزيد قائم لم تعمل فيه ظننت لفظا لأجل المانع لها من ذلك وهو اللام ولكنه في موضع نصب بدليل أنك لو عطفت عليه لنصبت نحو ظننت لزيد قائم وعمرا منطلقا فهي عاملة في لزيد قائم في المعنى دون اللفظ
والإلغاء هو ترك العمل لفظا ومعنى لا لمانع نحو زيد ظننت قائم فليس لظننت عمل في زيد قائم لا في المعنى ولا في اللفظ
ويثبت للمضارع وما بعده من التعليق وغيره ما ثبت للماضي نحو أظن لزيد قائم وزيد أظن قائم وأخواتها
(2/45)

وغير المتصرفة لا يكون فيها تعليق ولا إلغاء وكذلك أفعال التحويل نحو صير وأخواتها
( وجوز الإلغاء لا في الابتدا ... وانو ضمير الشأن أو لام ابتدا )
( في موهم إلغاء ما تقدما ... والتزم التعليق قبل نفي ما )
( وإن و لا لام ابتداء أو قسم ... كذا والاستفهام ذا له انحتم )
(2/46)

يجوز إلغاء هذه الأفعال المتصرفة إذا وقعت في غير الابتداء كما إذا وقعت وسطا نحو زيد ظننت قائم أو آخرا نحو زيد قائم ظننت وإذا توسطت فقيل الإعمال والإلغاء سيان وقيل الإعمال أحسن من الإلغاء وإن تأخرت فالإلغاء أحسن وإن تقدمت امتنع الإلغاء عند البصريين فلا تقول ظننت زيد قائم بل يجب الإعمال فتقول ظننت زيدا قائما فإن جاء من لسان العرب ما يوهم إلغاءها متقدمة أول على إضمار ضمير الشأن كقوله 129 -
( أرجو وآمل أن تدنو مودتها ... وما إخال لدينا منك تنويل )
(2/47)

فالتقدير وما إخاله لدينا منك تنويل فالهاء ضمير الشأن وهي المفعول الأول ولدينا منك تنويل جملة في موضع المفعول الثاني وحينئذ فلا إلغاء أو على تقدير لام الابتداء كقوله
(2/48)

-
( كذاك أدبت حتى صار من خلقي ... أني وجدت ملاك الشيمة الأدب )
التقدير أني وجدت لملاك الشيمة الأدب فهو من باب التعليق وليس من باب الإلغاء في شيء
(2/49)

وذهب الكوفيون وتبعهم أبو بكر الزبيدي وغيره إلى جواز إلغاء المتقدم فلا يحتاجون إلى تأويل البيتين
وإنما قال المصنف وجوز الإلغاء لينبه على أن الإلغاء ليس بلازم بل هو جائز فحيث جاز الإلغاء جاز الإعمال كما تقدم وهذا بخلاف التعليق فإنه لازم ولهذا قال والتزم التعليق
فيجب التعليق إذا وقع بعد الفعل ما النافية نحو ظننت ما زيد قائم
أو إن النافية نحو علمت إن زيد قائم ومثلوا له بقوله تعالى ( وتظنون إن لبثتم إلاقليلا ) وقال بعضهم ليس هذا من باب التعليق في شيء لأن شرط التعليق أنه إذا حذف المعلق تسلط العامل على مابعده فينصب مفعولين نحو ظننت ما زيد قائم فلو حذفت ما لقلت ظننت زيدا قائما والآية الكريمة لا يتأتى فيها ذلك لأنك لو حذفت المعلق وهو إن لم يتسلط تظنون على لبثتم إذ لا يقال وتظنون لبثتم هكذا زعم هذا القائل ولعله مخالف لما هو كالمجمع عليه من أنه لا يشترط في التعليق هذا الشرط الذي ذكره وتمثيل النحويين للتعليق بالآية الكريمة وشبهها يشهد لذلك
(2/50)

وكذلك يعلق الفعل إذا وقع بعده لا النافية نحو ظننت لا زيد قائم ولا عمرو أو لام الابتداء نحو ظننت لزيد قائم أو لام القسم نحو علمت ليقومن زيد ولم يعدها أحد من النحويين من المعلقات أو الاستفهام ولو صور ثلاث أن يكون أحد المفعولين اسم استفهام نحو علمت أيهم أبوك الثانية أن يكون مضافا إلى اسم استفهام نحو علمت غلام أيهم أبوك الثالثة أن تدخل عليه أداة الاستفهام نحو علمت أزيد عندك أم عمرو وعلمت هل زيد قائم أم عمرو
(2/51)

( لعلم عرفان وظن تهمه ... تعدية لواحد ملتزمه )
إذا كانت علم بمعنى عرف تعدت إلى مفعول واحد كقولك علمت زيدا أي عرفته ومنه قوله تعالى ( والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا )
وكذلك إذا كانت ظن بمعنى اتهم تعدت إلى مفعول واحد كقولك ظننت زيدا أي اتهمته ومنه قوله تعالى ( وما هو على الغيب بظنين ) أي بمتهم
( ولرأى الرؤيا انم ما لعلما ... طالب مفعولين من قبل انتمى )
إذا كانت رأى حلمية أي للرؤيا في المنام تعدت إلى المفعولين كما تتعدى إليهما علم المذكورة من قبل وإلى هذا أشار بقوله ولرأى
(2/52)

الرؤيا انم أي انسب لرأى التي مصدرها الرؤيا ما نسب لعلم المتعدية إلى اثنين فعبر عن الحلمية بما ذكر لأن الرؤيا وإن كانت تقع مصدرا لغير رأى الحلمية فالمشهور كونها مصدرا لها
ومثال استعمال رأى الحلمية متعدية إلى اثنين قوله تعالى ( إني أراني أعصر خمرا ) فالياء مفعول أول وأعصر خمرا جملة فى موضع المفعول الثاني وكذلك قوله 131 -
( أبو حنش يؤرقني وطلق ... وعمار وآونة أثالا )
( أراهم رفقتي حتى إذا ما ... تجافى الليل وانخزل انخزالا )
( إذا أنا كالذي يجري لورد ... إلى آل فلم يدرك بلالا )
فالهاء والميم في أراهم المفعول الأول ورفقتي هو المفعول الثاني
(2/53)

( ولا تجز هنا بلا دليل ... سقوط مفعولين أو مفعول )
لا يجوز في هذا الباب سقوط المفعولين ولا سقوط أحدهما إلا إذا دل دليل على ذلك
فمثال حذف المفعولين للدلالة أن يقال هل ظننت زيدا قائما فتقول ظننت التقدير ظننت زيدا قائما فحذفت المفعولين لدلالة ما قبلهما عليهما ومنه قوله 132 -
( بأي كتاب أم بأية سنة ... ترى حبهم عارا علي وتحسب )
أي وتحسب حبهم عارا علي فحذف المفعولين وهما حبهم وعارا علي لدلالة ما قبلهما عليهما
(2/55)

ومثال حذف أحدهما للدلالة أن يقال هل ظننت أحدا قائما فتقول ظننت زيدا أى ظننت زيدا قائما فتحذف الثاني للدلالة عليه ومنه قوله 132 -
( ولقد نزلت فلا تظني غيره ... مني بمنزلة المحب المكرم )
أي فلا تطني غيره واقعا فغيره هو المفعول الأول وواقعا هو المفعول الثاني
(2/56)

وهذا الذي ذكره المصنف هو الصحيح من مذاهب النحويين
فإن لم يدل دليل على الحذف لم يجز لا فيهما ولا في أحدهما فلا تقول ظننت ولا ظننت زيدا ولا ظننت قائما تريد ظننت زيدا قائما
( وكتظن اجعل تقول إن ولي ... مستفهما به ولم ينفصل )
(2/57)

( بغير ظرف أو كظرف أو عمل ... وإن ببعض ذي فصلت يحتمل )
القول شأنه إذا وقعت بعده جملة أن تحكى نحو قال زيد عمرو منطلق وتقول زيد منطلق لكن الجملة بعده في موضع نصب على المفعولية
ويجوز إجراؤه مجرى الظن فينصب المبتدأ والخبر مفعولين كما تنصبهما ظن
والمشهور أن للعرب في ذلك مذهبين أحدهما وهو مذهب عامة العرب أنه لا يجرى القول مجرى الظن إلا بشروط ذكرها المصنف أربعة وهي التي ذكرها عامة النحويين الأول أن يكون الفعل مضارعا الثاني أن يكون للمخاطب وإليهما أشار بقوله اجعل تقول فإن تقول مضارع وهو للمخاطب الشرط الثالث أن يكون مسبوقا باستفهام وإليه أشار بقوله إن ولى مستفهما به
(2/58)

الشرط الرابع أن لا يفصل بينهما أي بين الاستفهام والفعل بغير ظرف ولا مجرور ولا معمول الفعل فإن فصل بأحدها لم يضر وهذا هو المراد بقوله ولم ينفصل بغير ظرف إلى آخره
فمثال ما اجتمعت فيه لا الشروط قولك أتقول عمرا منطلقا فعمرا مفعول أول ومنطلقا مفعول ثان ومنه قوله 134 -
( متى تقول القلص الرواسما ... يحملن أم قاسم وقاسما )
(2/59)

فلو كان الفعل غير مضارع نحو قال زيد عمرو منطلق لم ينصب القول مفعولين عند هؤلاء وكذا إن كان مضارعا بغير تاء نحو يقول زيد عمرو منطلق أو لم يكن مسبوقا باستفهام نحو أنت تقول عمرو منطلق أو سبق باستفهام ولكن فصل بغير ظرف ولا جار و مجرور ولا معمول له نحو أأنت تقول زيد منطلق فإن فصل بأحدها لم يضر نحو أعندك تقول زيدا منطلقا وأفي الدار تقول زيدا منطلقا وأعمرا تقول منطلقا ومنه قوله 135 -
( أجهالا تقول بني لؤي ... لعمر أبيك أم متجاهلينا )
فبني لؤي مفعول أول وجهالا مفعول ثان
(2/60)

وإذا اجتمعت الشروط المذكورة جاز نصب المبتدأ والخبر مفعولين لتقول نحو أتقول زيدا منطلقا وجاز رفعهما على الحكاية نحو أتقول زيد منطلق
( وأجري القول كظن مطلقا ... عند سليم نحو قل ذا مشفقا )
أشار إلى المذهب الثاني للعرب في القول وهو مذهب سليم فيجرون القول مجرى الظن فى نصب المفعولين مطلقا أي سواء كان مضارعا أم غير مضارع وجدت فيه الشروط المذكورة أم لم توجد وذلك نحو قل ذا مشفقا
(2/61)
فذا مفعول أول ومشفقا مفعول ثان ومن ذلك قوله 126 -
( قالت وكنت رجلا فطينا ... هذا لعمر الله إسرائينا )
فهذا مفعول أول لقالت وإسرائينا مفعول ثان
(2/62)
أعلم وأرى
( إلى ثلاثة رأى وعلما ... عدوا إذا صارا أرى وأعلما )
أشار بهذا الفصل إلى ما يتعدى من الأفعال إلىثلاثة مفاعيل فذكر سبعة أفعال منها أعلم وأرى فذكر أن أصلهما علم ورأى وأنهما بالهمزة يتعديان إلى ثلاثة مفاعيل لأنهما قبل دخول الهمزة عليهما كانا يتعديان إلى مفعولين نحو علم زيد عمرا منطلقا ورأى خالد بكرا أخاك فلما دخلت عليهما همزة النقل زادتهما مفعولا ثالثا وهو الذي كان فاعلا قبل دخول الهمزة وذلك نحو أعلمت زيدا عمرا منطلقا وأريت خالدا بكرا أخاك فزيدا وخالدا مفعول أول وهو الذي كان فاعلا حين قلت علم زيد ورأى خالد
وهذا هو شأن الهمزة وهو أنها تصير ما كان فاعلا مفعولا فإن كان الفعل قبل دخولها لازما صار بعد دخولها متعديا إلى واحد نحو خرج زيد وأخرجت زيدا وإن كان متعديا إلى واحد صار بعد دخولها متعديا إلى اثنين نحو لبس زيد جبة فتقول ألبست زيدا جبة وسيأتي الكلام عليه وإن كان متعديا إلى اثنين صار متعديا إلى ثلاثة كما تقدم في أعلم وأرى
(2/64)
( وما لمفعولي علمت مطلقا ... للثان والثالث أيضا حققا )
أي يثبت للمفعول الثاني والمفعول الثالث من مفاعيل أعلم وأرى ما ثبت لمفعولي علم ورأى من كونهما مبتدأ وخبرا في الأصل ومن جواز الإلغاء والتعليق بالنسبة إليهما ومن جواز حذفهما أو حذف أحدهما إذا دل على ذلك دليل
ومثال ذلك أعلمت زيدا عمرا قائما فالثاني والثالث من هذه المفاعيل أصلهما المبتدأ والخبر وهما عمرو قائم ويجوز إلغاء العامل بالنسبة إليهما نحو عمرو أعلمت زيدا قائم ومنه قولهم البركة أعلمنا الله مع الأكابر فنا مفعول أول والبركة مبتدأ ومع الأكابر ظرف في موضع الخبر وهما اللذان كانا مفعولين والأصل أعلمنا الله البركة مع الأكابر ويجوز التعليق عنهما فتقول أعلمت زيدا لعمرو قائم
ومثال حذفهما للدلالة أن يقال هل أعلمت أحدا عمرا قائما فتقول أعلمت زيدا
ومثال حذف أحدهما للدلالة أن تقول في هذه الصورة أعلمت زيدا عمرا أي قائما أو أعلمت زيدا قائما أي عمرا قائما
( وإن تعديا لواحد بلا ... همز فلاثنين به توصلا )
(2/65)
( والثاني منهما كثاني اثني كسا ... فهو به في كل حكم ذو ائتسا )
تقدم أن رأى وعلم إذا دخلت عليهما همزة النقل تعديا إلى ثلاثة مفاعيل وأشار في هذين البيتين إلى أنه إنما يثبت لهما هذا الحكم إذا كانا قبل الهمزة يتعديان إلى مفعولين وأما إذا كانا قبل الهمزة يتعديان إلى واحد كما إذا كانت رأى بمعنى أبصر نحو رأى زيد عمرا وعلم بمعنى عرف نحو علم زيد الحق فإنهما يتعديان بعد الهمزة إلى مفعولين نحو أريت زيدا عمرا وأعلمت زيدا الحق والثاني من هذين المفعولين كالمفعول الثاني من مفعولي كسا وأعطى نحو كسوت زيدا جبة وأعطيت زيدا درهما
(2/66)
في كونه لا يصح الإخبار به عن الأول فلا تقول زيد الحق كما لا تقول زيد درهم وفى كونه يجوز حذفه مع الأول وحذف الثاني وإبقاء الأول وحذف الأول وإبقاء الثاني وإن لم يدل على ذلك دليل فمثال حذفهما أعلمت وأعطيت ومنه قوله تعالى ( فأما من أعطى وأتقى ) ومثال حذف الثاني وإبقاء الأول أعلمت زيدا وأعطيت زيدا ومنه قوله تعالى ( ولسوف يعطيك ربك فترضى ) ومثال حذف الأول وإبقاء الثاني نحو أعلمت الحق وأعطيت درهما ومنه قوله تعالى ( حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون ) وهذا معنى قوله والثاني منهما إلى آخر البيت
( وكأرى السابق نبا أخبرا ... حدث أنبأ كذاك خبرا )
(2/67)
تقدم أن المصنف عد الأفعال المتعدية إلى ثلاثة مفاعيل سبعة وسبق ذكر أعلم وأرى وذكر في هذا البيت الخمسة الباقية وهي نبأ كقولك نبأت زيدا عمرا قائما ومنه قوله 137 -
( نبئت زرعة والسفاهة كاسمها ... يهدي إلى غرائب الأشعار )
(2/68)
وأخبر كقولك أخبرت زيدا أخاك منطلقا ومنه قوله 138 -
( وما عليك إذا أخبرتني دنفا ... وغاب بعلك يوما أن تعوديني )
(2/69)
وحدث كقولك حدثت زيدا بكرا مقيما ومنه قوله 139 -
( أو منعتم ما تسألون فمن حدثتموه ... له علينا الولاء )
(2/70)
وأنبأ كقولك أنبأت عبد الله زيدا مسافرا ومنه قوله 140 -
( وأنبئت قبسا ولم أبله ... كما زعموا خير أهل اليمن )
وخبر كقولك خبرت زيدا عمرا غائبا ومنه قوله 141 -
( وخبرت سوداء الغميم مريضة ... فأقبلت من أهلي بمصر أعودها )
(2/71)
وإنما قال المصنف وكأرى السابق لأنه تقدم في هذا الباب أن أرى تارة تتعدى إلى ثلاثة مفاعيل وتارة تتعدى إلى اثنين وكان قد ذكر أولا أرى المتعدية إلى ثلاثة فنبه على أن هذه الأفعال الخمسة مثل أرى السابقة وهي المتعدية إلى ثلاثة لا مثل أرى المتأخرة وهي المتعدية إلى اثنين
(2/73)
الفاعل
( الفاعل الذي كمرفوعي أتى ... زيد منيرا وجهه نعم الفتى )
لما فرغ من الكلام على نواسخ الابتداء شرع في ذكر ما يطلبه الفعل التام من المرفوع وهو الفاعل أو نائبه وسيأتي الكلام على نائبه في الباب الذي يلي هذا الباب
فأما الفاعل فهو الاسم المسند إليه فعل على طريقة فعل أو شبهه وحكمه الرفع والمراد بالاسم ما يشمل الصريح نحو قام زيد والمؤول به نحو بعجبني أن تقوم أي قيامك
(2/74)
فخرج بالمسند إليه فعل ما أسند إليه غيره نحو زيد أخوك أو جملة نحو زيد قام أبوه أو زيد قام أو ما هو في قوة الجملة نحو زيد قائم غلامه أو زيد قائم أي هو
وخرج بقولنا على طريقة فعل ما أسند إليه فعل على طريقة فعل وهو النائب عن الفاعل نحو ضرب زيد
(2/75)
والمراد بشبه الفعل المذكور اسم الفاعل نحو أقائم الزيدان والصفة المشبهة نحو زيد حسن وجهه والمصدر نحو عجبت من ضرب زيد عمرا واسم الفعل نحو هيهات العقيق والظرف والجار والمجرور نحو زيد عندك أبوه أو في الدار غلاماه وأفعل التفضيل نحو مررت بالأفضل أبوه فأبوه مرفوع بالأفضل وإلى ما ذكر أشار المصنف بقوله كمرفوعي أتى إلخ
والمراد بالمرفوعين ما كان مرفوعا بالفعل أو بما يشبه الفعل كما تقدم ذكره ومثل للمرفوع بالفعل بمثالين أحدهما ما رفع بفعل متصرف نحو أتى زيد والثاني ما رفع بفعل غير متصرف نحو نعم الفتى ومثل للمرفوع بشبه الفعل بقوله منيرا وجهه
( وبعد فعل فاعل فإن ظهر ... فهو وإلا فضمير استتر )
(2/76)
حكم الفاعل التأخر عن رافعه وهو الفعل أو شبهه نحو قام الزيدان وزيد قائم غلاماه وقام زيد ولا يجوز تقديمه على رافعه فلا تقول الزيدان قام ولا زيد غلاماه قائم ولا زيد قام على أن يكون زيد فاعلا مقدما بل على أن يكون مبتدأ والفعل بعده رافع لضمير مستتر والتقدير زيد قام هو وهذا مذهب البصريين وأما الكوفيون فأجازوا التقديم في ذلك كله
(2/77)
وتظهر فائدة الخلاف في غير الصورة الأخيرة وهي صورة الإفراد نحو زيد قام فتقول على مذهب الكوفيين الزيدان قام والزيدون قام وعلى مذهب البصريين يجب أن تقول الزيدان قاما والزيدون قاموا فتأتي بألف وواو في الفعل ويكونان هما الفاعلين وهذا معنى قوله وبعد فعل فاعل
وأشار بقوله فإن ظهر إلخ إلى أن الفعل وشبهه لا بد له من مرفوع فإن ظهر فلا إضمار نحو قام زيد وإن لم يظهر فهو ضمير نحو زيد قام أي هو
(2/78)
( وجرد الفعل إذا ما أسندا ... لاثنين أو جمع كفاز الشهدا )
( وقد يقال سعدا وسعدوا ... والفعل للظاهر بعد مسند )
مذهب جمهور العرب أنه إذا أسند الفعل إلى ظاهر مثنى أو مجموع وجب تجريده من علامة تدل على التثنية أو الجمع فيكون كحاله إذا أسند إلى مفرد فتقول قام الزيدان وقام الزيدون وقامت الهندات كما تقول قام زيد ولا تقول على مذهب هؤلاء قاما الزيدان
(2/79)
ولا قاموا الزيدون ولا قمن الهندات فتأتي بعلامة في الفعل الرافع للظاهر على أن يكون ما بعد الفعل مرفوعا به وما اتصل بالفعل من الألف والواو والنون حروف تدل على تثنية الفاعل أو جمعه بل على أن يكون الاسم الظاهر مبتدأ مؤخرا والفعل المتقدم وما اتصل به اسما في موضع رفع به والجملة في موضع رفع خبرا عن الاسم المتأخر
ويحتمل وجها آخر وهو أن يكون ما اتصل بالفعل مرفوعا به كما تقدم وما بعده بدل مما اتصل بالفعل من الأسماء المضمرة أعني الألف والواو والنون
ومذهب طائفة من العرب وهم بنو الحارث بن كعب كما نقل الصفار في شرح الكتاب أن الفعل إذا أسند إلى ظاهر مثنى أو مجموع أتى فيه بعلامة تدل على التثنية أو الجمع فتقول قاما الزيدان وقاموا الزيدون وقمن الهندات فتكون الألف والواو والنون حروفا تدل على التثنية والجمع كما كانت التاء في قامت هند حرفا تدل على التأنيث عند جميع العرب والاسم الذي بعد المذكور مرفوع به كما ارتفعت هند بقامت ومن ذلك قوله
(2/80)
-
( تولى قتال المارقين بنفسه ... وقد أسلماه مبعد وحميم )
(2/81)
وقوله 143 -
( يلوموننى فى اشتراء النخيل ... أهلي فكلهم يعذل )
(2/82)
وقوله 144 -
( رأين الغواني الشيب لاح بعارضي ... فأعرضن عني بالخدود النواضر )
(2/83)
فمبعد وحميم مرفوعان بقوله أسلماه والألف في أسلماه حرف يدل على كون الفاعل اثنين وكذلك أهلي مرفوع بقوله يلومونني والواو حرف يدل على الجمع والغواني مرفوع برأين والنون حرف يدل على جمع المؤنث وإلى هذه اللغة أشار المصنف بقوله وقد يقال سعدا وسعدوا إلى آخر البيت
ومعناه أنه قد يؤتى في الفعل المسند إلى الظاهر بعلامة تدل على التثنية أو الجمع فأشعر قوله وقد يقال بأن ذلك قليل والأمر كذلك
وإنما قال والفعل للظاهر بعد مسند لينبه على أن مثل هذا التركيب إنما يكون
(2/84)
قليلا إذا جعلت الفعل مسندا إلى الظاهر الذي بعده وأما إذا جعلته مسندا إلى المتصل به من الألف والواو والنون وجعلت الظاهر مبتدأ أو بدلا من الضمير فلا يكون ذلك قليلا وهذه اللغة القليلة هي التي يعبر عنها النحويون بلغة أكلوني البراغيث ويعبر عنها المصنف في كتبه بلغة يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار فالبراغيث فاعل أكلوني وملائكة فاعل يتعاقبون هكذا زعم المصنف
( ويرفع الفاعل فعل أضمرا ... كمثل زيد في جواب من قرا )
(2/85)
إذا دل دليل على الفعل جاز حذفه وإبقاء فاعله كما إذا قيل لك من قرأ فتقول زيد التقدير قرأ زيد
وقد يحذف الفعل وجوبا كقوله تعالى ( وإن أحد من المشركين استجارك ) فأحد فاعل بفعل محذوف وجوبا والتقدير وإن استجارك أحد استجارك وكذلك كل اسم مرفوع وقع بعد إن أو إذا فإنه مرفوع بفعل محذوف وجوبا ومثال ذلك في إذا قوله تعالى ( إذا السماء انشقت ) فالسماء فاعل بفعل محذوف والتقدير إذا انشقت السماء انشقت وهذا مذهب جمهور النحويين وسيأتي الكلام على هذه المسألة في باب الاشتغال إن شاء الله تعالى
(2/86)
( وتاء تأنيث تلي الماضي إذا ... كان لأنئي كأبت هند الأذى )
(2/87)
إذا أسند الفعل الماضي إلى مؤنث لحقته تاء ساكنة تدل على كون الفاعل مؤنثا ولا فرق في ذلك بين الحقيقي والمجازي نحو قامت هند وطلعت الشمس لكن لها حالتان حالة لزوم وحالة جواز وسيأتي الكلام على ذلك
( وإنما تلزم فعل مضمر ... متصل أو مفهم ذات حر )
تلزم تاء التأنيث الساكنة الفعل الماضي في موضعين
أحدهما أن يسند الفعل إلى ضمير مؤنث متصل ولا فرق في ذلك بين المؤنث الحقيقي والمجازي فتقول هند قامت والشمس طلعت ولا تقول قام ولا طلع فإن كان الضمير منفصلا لم يؤت بالتاء نحو هند ما قام إلا هي
الثاني أن يكون الفاعل ظاهرا حقيقي التأنيث نحو قامت هند وهو المراد بقوله أو مفهم ذات حر وأصل حر حرح فحذفت لام الكلمة
وفهم من كلامه أن التاء لا تلزم في غير هذين الموضعين فلا تلزم في المؤنث
(2/88)
المجازي الظاهر فتقول طلع الشمس وطلعت الشمس ولا في الجمع على ما سيأتي تفصيله
( وقد يبيح الفصل ترك التاء في ... نحو أتى القاضي بنت الواقف )
إذا فصل بين الفعل وفاعله المؤنث الحقيقي بغير إلا جاز إثبات التاء وحذفها والأجود الإثبات فتقول أتى القاضي بنت الواقف والأجود أتت وتقول قام اليوم هند والأجود قامت
( والحذف مع فصل بإلا فضلا ... كما زكا إلا فتاة ابن العلا )
وإذا فصل بين الفعل والفاعل المؤنث بإلا لم يجز إثبات التاء عند الجمهور فتقول ما قام إلا هند وما طلع إلا الشمس ولا يجوز
(2/89)
ما قامت إلا هند ولا ما طلعت إلا الشمس وقد جاء في الشعر كقوله 145 -
( وما بقيت إلا الضلوع الجراشع ... )
(2/90)
فقول المصنف إن الحذف مفضل على الإثبات يشعر بأن الإثبات أيضا جائز وليس كذلك لأنه إن أراد به أنه مفضل عليه باعتبار أنه ثابت في النثر والنظم وأن الإثبات إنما جاء في الشعر فصحيح وإن أراد أن الحذف أكثر من الإثبات فغير صحيح لأن الإثبات قليل جدا
( والحذف قد يأتي بلا فصل ومع ... ضمير ذي المجاز في شعر وقع )
(2/91)
وقد تحذف التاء من الفعل المسند إلى مؤنث حقيقي من غير فصل وهو قليل جدا حكى سيبويه قال فلانة وقد تحذف التاء من الفعل المسند إلى ضمير المؤنث المجازي وهو مخصوص بالشعر كقوله 146 -
( فلا مزنة ودقت ودقها ... ولا أرض أبقل إبقالها )
(2/92)
( والتاء مع جمع سوى السالم من ... مذكر كالتاء مع إحدى اللبن )
( والحذف في نعم الفتاة استحسنوا ... لأن قصد الجنس فيه بين )
(2/93)
إذا أسند الفعل إلى جمع فإما أن يكون جمع سلامة لمذكر أولا فإن كان جمع سلامة لمذكر لم يجز اقتران الفعل بالتاء فتقول قام الزيدون ولا يجوز قامت الزيدون وإن لم يكن جمع سلامة لمذكر بأن كان
(2/94)