[ شرح إبن عقيل - ابن عقيل ]
الكتاب : شرح إبن عقيل
المؤلف : بهاء الدين عبد الله بن عقيل العقيلي المصري الهمذاني
الناشر : دار الفكر - دمشق
الطبعة الثانية ، 1985
تحقيق : محمد محيي الدين عبد الحميد
عدد الأجزاء : 4 ( بالبا استعن وعد عوض ألصق ... ومثل مع ومن وعن بها انطق )
تقدم أن الباء تكون للظرفية وللسببية وذكر هنا أنها تكون للاستعانة نحو كتبت بالقلم وقطعت بالسكين وللتعدية نحو ذهبت بزيد ومنه قوله تعالى ( ذهب الله بنورهم ) وللتعويض نحو اشتريت الفرس بألف درهم ومنه قوله تعالى ( أولئك الذين اشتروا الحياة الدنيا بالآخرة ) وللإلصاق نحو مررت بزيد وبمعنى مع نحو بعتك الثوب بطرازه أي مع طرازه وبمعنى من كقوله
( شربن بماء البحر )
أي من ماء البحر وبمعنى عن نحو ( سأل سائل بعذاب ) أي عن عذاب وتكون الباء أيضا للمصاحبة نحو ( فسبح بحمد ربك ) أي مصاحبا حمد ربك
( علي للاستعلا ومعنى في وعن ... بعن تجاوزا عني من قد فطن )
(3/22)

( وقد تجيء موضع بعد وعلى ... كما على موضع من قد جعلا )
تستعمل على للاستعلاء كثيرا نحو زيد على السطح وبمعنى في نحو قوله تعالى ( ودخل المدينة على حين غفلة من أهلها ) أي في حين غفلة
وتسعتمل عن للمجاوزة كثيرا نحو رميت السهم عن القوس وبمعنى بعد نحو قوله تعالى ( لتركبن طبقا عن طبق ) أي بعد طبق وبمعنى على نحو قوله
208 - ( لاه ابن عمك لا أفضلت في حسب ... عني ولا أنت دياني فتخزوني )
(3/23)

أي لا أفضلت في حسب على كما استعملت على بمعنى عن في قوله
(3/24)

209 - ( إذا رضيت على بنو قشير ... لعمر الله أعجبني رضاها )
أي إذا رضيت عني
( شبه بكاف وبها التعليل قد ... يعني وزائدا لتوكيد ورد )
تأتي الكاف للتشبيه كثيرا كقولك زيد كالأسد وقد تأتى
(3/25)

للتعليل كقوله تعالى ( واذ كروه كما هداكم ) أي لهدايته إياكم وتأتى زائدة للتوكيد وجعل منه قوله تعالى ( ليس كمثله شيء ) أي مثله شيء ومما زيدت فيه قول رؤبة
210 - ( لواحق الأقراب فيها كالمقق ... )
أي فيها المقق أي الطول وما حكاه الفراء أنه قيل لبعض العرب كيف تصنعون الأقط فقال كهين أي هينا
(3/26)

( واستعمل اسما وكذا عن وعلى ... من أجل ذا عليهما من دخلا )
استعمل الكاف اسما قليلا كقوله
211 - ( أتنتهون ولن ينهى ذوى شطط ... كالطعن يذهب فيه الزيت والفتل )
(3/27)

فالكاف اسم مرفوع على الفاعلية والعامل فيه ينهى والتقدير ولن ينهى ذوى شطط مثل الطعن
واستعملت على وعن اسمين عند دخول من عليهما وتكون على بمعنى فوق وعن بمعنى جانب ومنه قوله
212 - ( غدت من عليه بعد ما تم ظمؤها ... تصل وعن قيض بزيزاء مجهل )
(3/28)

أي غدت من فوقه وقوله
213 - ( ولقد أراني للرماح دريثة ... من عن يميني تارة وأمامي )
أي من جانب يميني
(3/29)

( ومذ ومنذ أسمان حيث رفعا ... أو أوليا الفعل كجئت مذدعا )
وإن يجرا في مضى فكمن ... هما وفي الحضور معنى في استبن )
(3/30)

تستعمل مذ ومنذ اسمين إذا وقع بعدهما الاسم مرفوعا أو وقع بعدهما فعل فمثال الأول ما رأيته مذ يوم الجمعة أو مذ شهرنا فمذ اسم مبتدأ خبره ما بعده وكذلك منذ وجوز بعضهم أن يكونا خبرين لما بعدهما
ومثال الثاني جئت مذدعا فمذ اسم منصوب المحل على الظرفية والعامل فيه جئت
وإن وقع ما بعدهما مجرورا فهما حرفا جر بمعنى من إن كان المجرور ماضيا نحو ما رأيته مذ يوم الجمعة أي من يوم الجمعة وبمعنى في إن كان حاضرا نحو ما رأيته مذ يومنا أي في يومنا
( وبعد من وعن وباء زيد ما ... فلم يعق عن عمل قد علما )
تزاد ما بعد من وعن والباء فلا تكفها عن العمل كقوله تعالى
(3/31)

( مما خطيئاتهم أغرقوا ) وقوله تعالى ( عما قليل ليصبحن نادمين ) وقوله تعالى ( فبما رحمة من الله لنت لهم )
( وزيد بعد رب والكاف فكف ... وقد تليهما وجر لم يكف )
تزاد ما بعد الكاف ورب فتكفهما عن العمل كقوله
214 - ( فإن الحمر من شر المطايا ... كما الحبطان شر بني تميم )
(3/32)

وقوله
215 - ( ربما الجامل المؤبل فيهم ... وعناجيج بينهن المهار )
(3/33)

وقد تزاد بعدهما ولا تكفهما عن العمل وهو قليل كقوله
216 - ( ماوى لا ربتما غارة ... شعواء كاللذعة بالميسم )
(3/34)

وقوله
217 - ( وننصر مولانا ونعلم أنه ... كما الناس مجروم عليه وجارم )
( وحذفت رب فجرت بعد بل ... والفا وبعد الواو شاع ذا العمل )
(3/35)

لا يجوز حذف حرف الجر وإبقاء عمله إلا في رب بعد الواو وفيما سنذكره وقد ورد حذفها بعد الفاء وبل قليلا فمثاله بعد الواو قوله
( وقاتم الأعماق خاوى المخترقن ... )
ومثاله بعد الفاء قوله
218 - ( فمثلك حبلى فد طرقت ومرضع ... فألهيتها عن ذي تمائم محول )
(3/36)

ومثاله بعد بل قوله
219 - ( بل بلد ملء الفجاج قتمه ... لا يشترى كتانه وجهرمه )
(3/37)

والشائع من ذلك حذفها بعد الواو وقد شذ الجر برب محذوفة من غير أن يتقدمها شيء كقوله
220 - ( رسم دار وقفت في طلله ... كدت أقضى الحياة من جلله )
(3/38)

( وقد يجر بسوى رب لدى ... حذف وبعضه يرى مطردا )
الجر بغير رب محذوفا على قسمين مطرد وغير مطرد
فغير المطرد كقول رؤبة لمن قال له كيف أصبحت خير والحمد لله التقدير على خير وقول الشاعر
221 - ( إذا قيل أي الناس شر قبيلة ... أشارت كليب بالأكف الأصابع )
(3/39)

أي أشارت إلى كليب وقوله
222 - ( وكريمة من آل قيس ألفته ... حتى تبذخ فارتقى الأعلام )
أي فارتقى إلى الأعلام
(3/40)

والمطرد كقولك بكم درهم اشتريت هذا فدرهم مجرور بمن محذوفة عند سيبويه والخليل وبالإضافة عند الزجاج فعلى مذهب سيبويه والخليل يكون الجار قد حذف وأبقى عمله وهذا مطرد عندهما في مميز كم الاستفهامية إذا دخل عليها حرف الجر
(3/41)

الإضافة
( نونا تلى الإعراب أو تنوينا ... مما تضيف أحذف كطور سينا )
( والثاني أجرر وأنو من أو في إذا ... لم يصلح الا ذاك واللام خذا )
( لما سوى ذينك وأخصص أولا ... أو أعطه التعريف بالذي تلا )
(3/42)

إذا أريد أضافة اسم إلى آخر حذف ما في المضاف من نون تلي الإعراب وهي نون التثنية أو نون الجمع وكذا ما ألحق بهما أو تنوين وجر المضاف إليه فتقول هذان غلاما زيد وهؤلاء بنوه وهذا صاحبه
واختلف في الجار للمضاف إليه فقيل هو مجرور بحرف مقدر وهو اللام أو من أو في وقيل هو مجرور بالمضاف وهو الصحيح من هذه الأقوال
ثم الإضافة تكون بمعنى اللام عند جميع النحويين وزعم بعضهم أنها تكون أيضا بمعنى من أو في وهو اختيار المصنف وإلى هذا أشار بقوله وانو من أو فى إلى آخره
وضابط ذلك أنه إن لم يصلح إلا تقدير من أو في فالإضافة بمعنى ما تعين تقديره وإلا فالإضافة بمعنى اللام
فيتعين تقدير من إن كان المضاف إليه جنسا للمضاف نحو هذا ثوب خز وخاتم حديد والتقدير هذا ثوب من خز وخاتم من حديد
ويتعين تقدير في إن كان المضاف إليه ظرفا واقعا فيه المضاف نحو أعجبني ضرب اليوم زيدا أي ضرب زيد في اليوم ومنه قوله تعالى ( للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر ) وقوله تعالى ( بل مكر الليل والنهار )
(3/43)

فإن لم يتعين تقدير من أو في فالإضافة بمعنى اللام نحو هذا غلام زيد وهذه يد عمرو أي غلام لزيد ويد لعمرو
وأشار بقوله واخصص أولا إلى آخره إلى إن الإضافة على قسمين محضة وغير محضة
فالمحضة هي غير إضافة الوصف المشابه للفعل المضارع إلى معموله
وغير المحضة هي إضافة الوصف المذكور كما سنذكره بعد وهذه لا تفيد الاسم الأول تخصيصا ولا تعريفا على ما سنبين
والمحضة ليست كذلك وتفيد الاسم الأول تخصيصا إن كان المضاف إليه نكرة نحو هذا غلام امرأة وتعريفا إن كان المضاف إليه معرفة نحو هذا غلام زيد
( وإن يشابه المضاف يفعل ... وصفا فعن تنكيره لا يعذل )
( كرب راجينا عظيم الأمل ... مروع القلب قليل الحيل )
(3/44)

( وذي الإضافة اسمها لفظية ... وتلك محضة ومعنوية )
هذا هو القسم الثاني من قسمي الإضافة وهو غير المحضة وضبطها المصنف بما إذا كان المضاف وصفا يشبه يفعل أي الفعل المضارع وهو كل اسم فاعل أو مفعول بمعنى الحال أو الاستقبال أو صفة مشبهة ولا تكون إلا بمعنى الحال
فمثال اسم الفاعل هذا ضارب زيد الآن أو غدا وهذا راجينا
ومثال اسم المفعول عذا مضروب الأب وهذا مروع القلب
ومثال الصفة المشبهة هذا حسن الوجه وقليل الحيل وعظيم الأمل
فإن كان المضاف غير وصف أو وصفا غير عامل فالإضافة محضة كالمصدر نحو عجبت من ضرب زيد واسم الفاعل بمعنى الماضي نحو هذا ضارب زيد أمس
وأشار بقوله فعن تنكيره لا يعذل إلى أن هذا القسم من الإضافة أعنى غير المحضة لا يفيد تخصيصا ولا تعريفا ولذلك تدخل رب عليه وإن كان مضافا لمعرفة نحو رب راجينا وتوصف به النكرة
(3/45)

نحو قوله تعالى ( هديا بالغ الكعبة ) وإنما يفيد التخفيف وفائدته ترجع إلى اللفظ فلذلك سميت الإضافة فيه لفظية
وأما القسم الأول فيفيد تخصيصا أو تعريفا كما تقدم فلذلك سميت الإضافة فيه معنوية وسميت محضة أيضا لأنها خالصة من نية الانفصال بخلاف غير المحضة فإنها على تقدير الانفصال تقول هذا ضارب زيد الآن على تقدير هذا ضارب زيدا ومعناهما متحد وإنما أضيف طلبا للخفة
( ووصل أل بذا الضاف مغتفر ... إن وصلت بالثان كالجعد الشعر )
( أو بالذي له أضيف الثاني ... كزيد الضارب رأس الجانى )
لا يجوز دخول الألف واللام على المضاف الذي إضافته محضة فلا تقول هذا الغلام رجل لأن الإضافة منافية للألف واللام فلا يجمع بينهما
(3/46)

وأما ما كانت إضافته غير محضة وهو المراد بقوله بذا المضاف أي بهذا المضاف الذي تقدم الكلام فيه قبل هذا البيت فكان القياس أيضا يقتضى أن لا تدخل الألف واللام على المضاف لما تقدم من أنهما متعاقبان ولكن لما كانت الإضافة على فيه نية الانفصال اغتفر ذلك بشرط أن تدخل الألف واللام على المضاف إليه ك الجعد الشعر والضارب الرجل أو على ما أضيف إليه المضاف إليه
( ك زيد الضارب رأس الجانى ... )
فإن لم تدخل الألف واللام على المضاف إليه ولا على ما أضيف إليه المضاف إليه امتنعت المسألة فلا تقول هذا الضارب رجل ولا هذا الضارب زيد ولا هذا الضارب رأس جان
هذا إذا كان المضاف غير مثنى ولا مجموع جمع سلامة لمذكر ويدخل في هذا المفرد كما مثل وجمع التكسير نحو الضوارب أو الضراب الرجل أو غلام الرجل وجمع السلامة لمؤنث نحو الضاربات الرجل أو غلام الرجل
فإن كان المضاف مثنى أو مجموعا جمع سلامة لمذكر كفى وجودها في المضاف ولم يشترط وجودها في المضاف إليه وهو المراد بقوله
( وكونها في الوصف كاف إن وقع ... مثنى أو جمعا سبيله أتبع )
(3/47)

أي وجود الألف واللام في الوصف المضاف إذا كان مثنى أو جمعا أتبع سبيل المثنى أي على حد المثنى وهو جمع المذكر السالم يغنى عن وجودها في المضاف إليه فتقول هذان الضاربا زيد وهؤلاء الضاربو زيد وتحذف النون للاضافة
( ولا يضاف اسم لما به أتحد ... معنى وأول موهما إذا ورد )
(3/48)

المضاف بتخصص بالمضاف إليه أو يتعرف به فلا بد من كونه غيره إذ لا يتخصص الشيء أو يتعرف بنفسه ولا يضاف اسم لما به اتحد في المعنى كالمترادفين وكالموصوف وصفته فلا يقال قمح بر ولا رجل قائم وما ورد موهما لذلك مؤول كقولهم سعيد كرز فظاهر هذا أنه من إضافة الشيء إلى نفسه لأن المراد بسعيد وكرز فيه واحد فيؤول الأول بالمسمى والثاني بالاسم فكأنه قال جاءني مسمى كرز أي مسمى هذا الاسم وعلى ذلك يؤول ما أشبه هذا من إضافة المترادفين ك يوم الخميس
وأما ما ظاهره إضافة الموصوف إلى صفته فمؤول على حذف المضاف إليه الموصوف بتلك الصفة كقولهم حبة الحمقاء وصلاة الأولى والأصل حبة البقلة الحمقاء وصلاة الساعة الأولى فالحمقاء صفة للبقلة لا للحبة والأولى صفة للساعة لا للصلاة ثم حذف المضاف إليه وهو البقلة والساعة وأقيمت صفته مقامه فصار حبة الحمقاء وصلاة الأولى فلم يضف الموضوف إلى صفته بل إلى صفة غيره
( وربما أكسب ثان أولا ... تأنيثا أن كان لحذف موهلا )
قد يكتسب المضاف المذكر من المؤمث المضاف إليه التأنيث بشرط أن يكون المضاف صالحا للحذف وإقامة المضاف إليه مقامه ويفهم منه ذلك
(3/49)

المعنى نحوقطعت بعض أصابعه فصح تأنيث بعض لإضافته إلى أصابع وهو مؤنث لصحة الاستغناء بأصابع عنه فتقول قطعت أصابعه ومنه قوله
223 - ( مشين كما اهتزت رماح تسفهت ... أعاليها مر الرياح النواسم )
فأنث المر لإضافته إلى الرياح وجاز ذلك لصحة الاستغناء عن المر بالرياح نحو تسفهت الرياح
وربما كان المضاف مؤنثا فاكتسب التذكير من المذكر المضاف إليه بالشرط
(3/50)

الذي تقدم كقوله تعالى ( إن رحمة الله قريب من المحسنين ) ف رحمة مؤنث واكتسبت التذكير بإضافتها إلى الله تعالى
فإن لم يصلح المضاف للحذف والاستغناء بالمضاف إليه عنه لم يجز التأنيث فلا تقول خرجت غلام هند إذ لا يقال خرجت هند ويفهم منه خروج الغلام
( وبعض الأسماء يضاف أبدا ... وبعض ذا قد بأت لفظا مفردا )
من الأسماء ما يلزم الإضافة وهو قسمان
أحدها ما يلزم الإضافة لفظا ومعنى فلا يستعمل مفردا أي بلا إضافة وهو المراد بشطر البيت وذلك نحو عند ولدي وسوى وقصارى الشيء وحماداه بمعنى غايته
والثاني ما يلزم الإضافة معنى دون لفظ نحو كل وبعض وأي ويجوز أن يستعمل مفردا أي بلا إضافة وهو المراد بقوله وبعض ذا أي وبعض مالزم الإضافة معنى قد يستعمل مفردا لفظا وسيأتي كل من القسمين
(3/51)

( وبعض ما يضاف حتما امتنع ... إيلاؤه اسما ظاهرا حيث وقع )
( كوحد لبى ودوالى سعدى ... وشذ إيلاء يدى للبى )
من اللازم للإضافة لفظا مالا يضاف إلا إلى المضمر وهو المراد هنا نحو وحدك أي منفردا ولبيك أي إقامة على إجابتك بعد إقامة ودواليك أي إدالة بعد إدالة وسعد يك أي إسعادا بعد إسعاد وشذ إضافة لبى إلى ضمير الغيبة ومنه قوله
224 - ( إنك لو دعوتني ودوني ... زوراء ذات مترع بيون )
( لقلت لبيه لمن يدعوني ... )
(3/52)

وشذ إضافة لبى إلى الظاهر أنشد سيبويه
225 - ( دعوت لما نابني مسورا ... فلبى فلبى يدى مسور )
(3/53)

كذا ذكر المصنف ويفهم من كلام سيبويه أن ذلك غير شاذ في لبى وسعدى
ومذهب سيبويه أن لبيك وما ذكر بعده مثنى وأنه منصوب على المصدرية بفعل محذوف وأن تثنيته المقصود بها التكثير فهو على هذا ملحق بالمثنى كقوله تعالى ( ثم أرجع البصر كرتين ) أي كرات ف كرتين ليس المراد به مرتين فقط لقوله تعالى ( ينقلب إليك البصر خاسئا وهو حسير ) أي مزدجرا وهو كليل ولا ينقلب البصر مزدجرا كليلا من كرتين فقط فتعين أن يكون المراد بكرتين التكثير اثنين فقط وكذلك لبيك معناه إقامة بعد إقامة كما تقدم فليس المراد الاثنين فقط وكذا باقي أخواته على ما تقدم في تفسيرها
ومذهب يونس أنه ليس بمثنى وأن أصله لبى وأنه مقصور قلبت ألفه ياء مع المضمر كما قلبت ألف لدى وعلى مع الضمير في لديه وعليه
ورد عليه سيبويه بأنه لو كان الأمر كما ذكر لم تنقلب ألفه مع الظاهر ياء
(3/54)

كما لا تنقلب ألف لدى وعلى فكما تقول على زيد ولدى زيد كذلك كان ينبغي أن يقال لبى زيد لكنهم لما أضافوه إلى الظاهر قلبوا الألف ياء فقالوا
( فلبى يدى مسور ... )
فدل ذلك على أنه مثنى وليس بمقصور كما زعم يونس
( وألزموا إضافة إلى الجمل ... حيث وإذ وإن ينون يحتمل )
( إفراد إذ وما كإذ معنى كإذ ... أضف جوازا نحو حين جانبذ )
من الملازم للاضافة مالايضاف إلا إلى الجملة وهو حيث وإذ وإذا فأما حيث فتضاف إلى الجملة الاسمية نحو اجلس حيث زيد جالس
(3/55)

وإلى الجملة الفعلية نحو اجلس حيث جلس زيد أو حيث يجلس زيد وشذ إضافتها إلى مفرد كقوله
226 - ( أما ترى حيث سهيل طالعا ... نجما يضيء كالشهاب لامعا )
(3/56)

وأما إذ فتضاف أيضا إلى الجملة الاسمية نحو جئتك إذ زيد قائم وإلى الجملة الفعلية نحو جئتك إذ قام زيد ويجوز حذف الجملة المضاف إليها ويؤتى التنوين عوضا عنها كقوله تعالى ( وأنتم حينئذ تنظرون ) وهذا معنى قوله وإن ينون يحتمل إفراد إذ أي وإن ينون إذ يحتمل إفرادها أي عدم إضافتها لفظا لوقوع التنوين عوضا عن الجملة المضاف إليها
وأما إذا فلا تضاف إلا إلى جملة فعلية نحو آتيك إذا قام زيد ولا يجوز إضافتها إلى جملة اسمية فلاا تقول آتيك إذا زيد قائم خلافا لقوم وسيذكرها المصنف
وأشار بقوله وما كإذ معنى كإذ إلى أن ما كان مثل إذ في كونه ظرفا ماضيا غير محدود يجوز إضافته إلى ما تضاف إليه إذ من الجملة وهي الجمل الاسمية والفعلية وذلك نحو حين ووقت وزمان ويوم فتقول جئتك حين جاء زيد ووقت جاء عمرو وزمان قدم بكر ويوم خرج خالد وكذلك تقول جئتك حين زيد قائم كذلك الباقي
وإنما قال المصنف أضف جوازا ليعلم أن هذا النوع أي ما كان مثل إذ في المعنى يضاف إلى ما يضاف إليه إذ وهو الجملة جوازا لا وجوبا
(3/57)

فإن كان الظرف غير ماض أو محدودا لم يجر مجرى إذ بل يعامل غير الماضي وهو المستقبل معاملة إذا فلا يضاف إلى الجملة الاسمية بل إلى الفعلية فتقول أجيئك حين يجيء زيد ولا يضاف المحدود إلى جملة وذلك نحو شهر وحول بل لا يضاف إلا إلى مفرد نحو شهر كذا وحول كذا
( وابن أو أعرب ما كإذ قد أجريا ... واختر بنا متلو فعل بنيا )
( وقبل فعل معرب أو مبتدا ... أعرب ومن بنى فلن يفندا )
(3/58)

تقدم أن الأسماء المضافة إلى الجملة على قسمين أحدهما ما يضاف إلى الجملة لزوما والثاني ما يضاف إليها جوازا
وأشار في هذين البيتين إلى أن ما يضاف إلى الجملة جوازا يجوز فيه الإعراب والبناء سواء أضيف إلى جملة فعلية صدرت بماض أو جملة فعلية صدرت بمضارع أو جملة اسمية نحو هذا يوم جاء زيد ويوم يقوم عمرو أو يوم بكر قائم وهذا مذهب الكوفيين وتبعهم الفارسي والمصنف لكن المختار فيما أضيف إلى جملة فعلية صدرت بماض البناء وقد روى بالبناء والإعراب قوله
227 - ( ... على حين عاتبت المشيب على الصبا )
(3/59)

بفتح نون حين على البناء وكسرها على الأعراب
وما وقع قبل فعل معرب أو قبل مبتدأ فالمختار فيه الإعراب ويجوز البناء وهذا معنى قوله ومن بنى فلن يفندا أي فلن يغلط وقد قرئ في السبعة ( هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم ) بالرفع على الإعراب وبالفتح على البناء هذا ما اختاره المصنف
ومذهب البصريين أنه لا يجوز فيما أضيف إلى جملة فعلية صدرت بمضارع أو إلى جملة أسمية إلا الإعر اب ولا يجوز البناء إلا فيما أضيف إلى جملة فعلية صدرت بماض
هذا حكم ما يضاف إلى الجملة جوازا وأما ما يضاف إليها وجوبا فلازم للبناء لشبهه بالحرف في الافتقار إلى الجملة كحيث وإذ وإذا ( وألزموا إذا إضافة إلى ... جمل الأفعال كهن إذا اعتلى )
(3/60)

أشار في هذا البيت إلى ما تقدم ذكره من أن إذا تلزم الإضافة إلى الجملة الفعلية ولا تضاف إلى الجملة الاسمية خلافا للأخفش والكوفيين فلا تقول أجيئك إذا زيد قائم وأما أجيئك إذا زيد قام ف زيد مرفوع بفعل محذوف وليس مرفوعا على الابتداء هذا مذهب سيبويه
وخالفه الأخفش فجوز كونه مبتدأ خبره الفعل الذي بعده
وزعم السيرافي أنه لا خلاف بين سيبويه والأخفش في جواز وقوع المبتدأ بعد إذا وإنما الخلاف بينهما في خبره فسيبويه يوجب أن يكون فعلا والأخفش يجوز أن يكون اسما فيجوز في أجيئك إذا زيد قام جعل زيد مبتدأ عند سيبويه والأخفش ويجوز أجيئك إذا زيد قائم عند الأخفش فقط
( لمفهم اثنين معرف بلا ... تفرق أضيف كلتا وكلا )
(3/61)

من الأسماء الملازمة للاضافة لفظا ومعنى كلتا وكلا ولا يضافان إلا إلى معرفة مثنى لفظا ومعنى نحو جاءني كلا الرجلين وكلتا المرأتين أو معنى دون لفظ نحو جاءني كلاهما وكلتاهما ومنه قوله
228 - ( إن للخير وللشر مدى ... وكلا ذلك وجه وقبل )
وهذا هو المراد بقوله لمفهم اثنين معرف واحترز بقوله بلا تفرق من معرف أفهم الاثنين بتفرق فإنه لا يضاف إليه كلا وكلتا فلا تقول كلا زيد وعمرو جاء وقد جاء شاذا كقوله
(3/62)

229 - ( كلا أخي وخليلي واجدي عضدا ... في النائبات وإلمام الملمات )
( ولا تضف لمفرد معرف ... أيا وإن كررتها فأضف )
( أو تنو الأجزا واخصصن بالمعرفة ... موصولة أيا وبالعكس الصفة )
(3/63)

( وإن تكن شرطا أو استفهاما ... فمطلقا كمل بها الكلاما )
من الأسماء الملازمة للاضافة معنى أي ولا تضاف إلى مفرد معرفة إلا إذا تكررت ومنه قوله
230 - ( ألا تسألون الناس أيي وأيكم ... غداة التقينا كان خيرا وأكرما )
(3/64)

أو قصدت الأجزاء كقولك أي زيد أحسن أي أي أجزاء زيد أحسن ولذلك يجاب بالأجزاء فيقال عينه أو أنفه وهذا إنما يكون فيما إذا قصد بها الاستفهام
وأي تكون استفهامية وشرطية وصفة وموصولة
فأما الموصولة فذكر المصنف أنها لا تضاف إلا إلى معرفة فتقول يعجبني أيهم قائم وذكر غيره أنها تضاف أيضا إلى نكرة ولكنه قليل نحو يعجبني أي رجلين قاما
وأما الصفة فالمراد بها ما كان صفة لنكرة أو حالا من معرفة ولا تضاف إلا إلى نكرة نحو مررت برجل أي رجل ومررت بزيد أي فتى ومنه قوله
231 - ( فأومأت إيماء خفيا لحبتر ... فلله عينا حبتر أيما فتى )
(3/65)

وأما الشرطية والاستفهامية فيضافان إلى المعرفة وإلى النكرة مطلقا أي سواء كانا مثنيين أو مجموعين أو مفردين إلا المفرد المعرفة فإنهما لا يضافان إليه إلا الاستفهامية فإنها تضاف إليه كما تقدم ذكره
واعلم أن أيا إن كانت صفة أو حالا فهي ملازمة للإضافة لفظا ومعنى نحو مررت برجل أي رجل وبزيد أي فتى وإن كانت استفهامية أو شرطية أو موصولة فهي ملازمة للإضافة معنى لا لفظا نحو أي رجل عندك وأي عندك وأي رجل تضرب أضرب وأيا تضرب أضرب ويعجبني أيهم عندك وأي عندك ونحو أي الرجلين تضرب أضرب وأي رجلين تضرب أضرب وأي الرجال تضرب أضرب وأي رجال تضرب أضرب وأي الرجلين عندك وأي الرجال عندك وأي رجل وأي رجلين وأي رجال ( وألزموا إضافة لدن فجر ... ونصب غدوة بها عنهم ندر )
(3/66)

( ومع مع فيها قليل ونقل ... فتح وكسر لسكون يتصل )
من الأسماء الملازمة للاضافة لدن ومع
فأما لدن فلابتداء غاية زمان أو مكان وهي مبنية عند أكثر العرب لشبهها بالحرف في لزوم استعمال واحد وهو الظرفية وابتداء الغاية وعدم جواز الإخبار بها ولا تخرج عن الظرفية إلا بجرها بمن وهو الكثير فيها ولذلك لم ترد في القرآن إلا بمن كقوله تعالى ( وعلمناه من لدنا علما ) وقوله تعالى ( لينذر بأسا شديدا من لدنه ) وقيس تعربها ومنه قراءة أبي بكر عن عاصم ( لينذر بأسا شديدا من لدنه ) لكنه أسكن الدال وأشمها الضم
(3/67)

قال المصنف ويحتمل أن يكون منه قوله
232 - ( تنتهض الرعدة في ظهيري ... من لدن الظهر إلى العصير )
ويجز ما ولى لدن بالإضافة إلا غدوة فإنهم نصبوها بعد لدن كقوله
233 - ( وما زال مهري مزجر الكلب منهم ... لدن غدوة حتى دنت لغروب )
(3/68)

وهي منصوبة على التمييز وهو اختيار المصنف ولهذا قال ونصب غدوة بها عنهم ندر وقيل هي خبر لكان المحذوفة والتقدير لدن كانت الساعة غدوة
ويجوز في غدوة الجر وهو القياس ونصبها نادر في القياس فلو عطفت على غدوة المنصوبة بعد لدن جاز النصب عطفا على اللفظ والجر مراعاة للأصل فتقول لدن غدوة وعشية وعشية ذكر ذلك الأخفش
وحكى الكوفيون الرفع في غدوة بعد لدن وهو مرفوع بكان المحذوفة والتقدير لدن كانت غدوة وكان تامة
(3/69)

وأما مع قاسم لمكان الاصطحاب أو وقته نحو جلس زيد مع عمرو وجاء زيد مع بكر والمشهور فيها فتح العين وهي معربة وفتحتها فتحة إعراب ومن العرب من يسكنهاومنه قوله
234 - ( فريشي منكم وهواى معكم ... وإن كانت زيارتكم لماما )
وزعم سيبويه أن تسكينها ضرورة وليس كذلك بل هو لغة ربيعه وهي عندهم مبنية على السكون وزعم بعضهم أن الساكنة العين حرف وادعى النحاس الإجماع على ذلك وهو فاسد فإن سيبويه زعم أن ساكنة العين اسم
(3/70)

هذا حكمها إن وليها متحرك أعني أنها تفتح وهو المشهور وتسكن وهي لغة ربيعة فإن وليها ساكن فالذي ينصبها على الظرفية يبقى فتحها فيقول مع ابنك والذي يبنيها على السكون يكسر لالتقاء الساكنين فيقول مع ابنك
( واضمم بناء غيرا أن عدمت ما ... له أضيف ناويا ما عدما )
( قبل كغير بعد حسب أول ... ودون والجهات أيضا وعل )
( وأعربوا نصبا إذا ما نكرا ... قبلا وما من بعده قد ذكرا )
(3/71)

هذه الأسماء المذكورة وهي غير وقبل وبعد وحسب وأول ودون والجهات الست وهي أمامك وخلفك وفوقك وتحتك وبمينك وشمالك وعل لها أربعة أحوال تبنى في حالة منها وتعرب في بقيتها
فتعرب إذا أضيفت لفظا نحو أصبت درهما لا غيره وجئت من قبل زيد أو حذف المضاف إليه ونوى اللفظ كقوله
235 - ( ومن قبل نادى كل مولى قرابة ... فما عطفت مولى عليه العواطف )
وتبقى في هذه الحالة كالمضاف لفظا فلا تنون إلا إذا حذف ما تضاف إليه ولم ينو لفظه ولا معناه فتكون حينئذ نكرة ومنه قراءة من قرأ ( لله الأمر من قبل ومن بعد ) بجر قبل وبعد وتنوينهما وكقوله
(3/72)

236 - ( فساغ لي الشراب وكنت قبلا ... أكاد أغص بالماء الحميم )
هذه الأحوال الثلاثة التي تعرب فيها
(3/73)

أما الحالة الرابعة التي تبنى فيها فهي إذا حذف ما تضاف إليه ونوى معناه دون لفظه فإنها تبنى حينئذ على الضم نحو ( لله الأمر من قبل ومن بعد ) وقوله
237 - ( أقب من تحت عريض من عل ... )
وحكى أبو علي الفارسي أبدأ بذا من أول بضم اللام وفتحها وكسرها فالضم على النباء لنية المضاف إليه معنى والفتح على الإعراب لعدم نية المضاف
(3/74)

إليه لفظا ومعنى وإعرابها إعراب مالا ينصرف للصفة ووزن الفعل والكسر على نية المضاف إليه لفظا
فقول المصنف واضمم بناء البيت إشارة إلى الحالة الرابعة
وقوله ناويا ما عدما مراده أنك تبنيها على الضم إذا حذفت ما تضاف إليه ونويته معنى لا لفظا
وأشار بقوله وأعربوا نصبا إلى الحالة الثالثة وهي ما إذا حذف المضاف إليه ولم ينو لفظه ولا معناه فإنها تكون حينئذ نكرة معربة
وقوله نصبا معناه أنها تنصب إذا لم يدخل عليها جار فإن دخل عليها جرت نحو من قبل ومن بعد
ولم يتعرض المصنف للحالتين الباقيتين أعني الأولى والثانية لأن حكمهما ظاهر معلوم من أول الباب وهو الإعراب وسقوط التنوين كما تقدم في كل ما يفعل بكل مضاف مثلها
( وما يلي المضاف يأتي خلفا ... عنه في الإعراب إذا ما حذفا )
(3/75)

يحذف المضاف لقيام قرينة تدل عليه ويقام المضاف إليه مقامه فيعرب بإعرابه كقوله تعالى ( وأشربوا في قلوبهم العجل بكفرهم ) أي حب العجل وكقوله تعالى ( وجاء ربك ) أي أمر ربك فحذف المضاف وهو حب وأمر وأعرب المضاف إليه وهو العجل وربك بإعرابه
( وربما جروا الذي أبقوا كما ... قد كان قبل حذف ما تقدما )
( لكن بشرط أن يكون ما حذف ... مماثلا لما عليه قد عطف )
(3/76)

قد يحذف المضاف ويبقى المضاف إليه مجرورا كما كان عند ذكر المضاف لكن بشرط أن يكون المحذوف مماثلا لما عليه قد عطف كقول الشاعر
238 - ( أكل أمرئ تحسبين امرأ ... ونار توقد بالليل نارا )
و التقدير وكل نار فحذف كل وبقى المضاف إليه مجرورا
(3/77)

كما كان عند ذكرها والشرط موجود وهو العطف على مماثل المحذوف وهو كل في قوله أكل امرئ
وقد يحذف المضاف ويبقى المضاف إليه على جره والمحذوف ليس مماثلا للملفوظ بل مقابل له كقوله تعالى ( تريدون عرض الدنيا والله يريد الآخرة ) في قراءة من جر الآخرة والتقدير والله يريد باقي الآخرة ومنهم من يقدره والله يريد عرض الآخرة فيكون المحذوف على هذا مماثلا للملفوظ به والأول أولى وكذا قدره ابن أبي الربيع في شرحه للايضاح
( ويحذف الثاني فيبقى الأول ... كحاله إذا به يتصل )
( بشرط عطف وإضافة إلى ... مثل الذي له أضفت الأولا )
يحذف المضاف إليه ويبقى المضاف كحاله لو كان مضافا فيحذف تنوينه
(3/78)

وأكثر ما يكون ذلك إذا عطف على المضاف اسم مضاف إلى مثل المحذوف من الاسم الأول كقولهم قطع الله يد ورجل من قالها التقدير قطع الله يد من قالها ورجل من قالها فحذف ما أضيف إليه يد وهو من قالها لدلالة ما أضيف إليه رجل عليه ومثله قوله
239 - ( سقى الأرضين الغيث سهل وحزنها ... )
(3/79)

التقدير سهلها وحرنها فحذف ما أضيف إليه سهل لدلالة ما أضيف إليه حزن عليه
هذا تقرير كلام المصنف وقد يفعل ذلك وإن لم يعطف مضاف إلى مثل المحذوف من الأول كقوله
( ومن قبل نادى كل مولى قرابة ... فما عطفت مولى عليه العواطف )
فحذف ما أضيف إليه قبل وأبقاه على حاله لو كان مضافا ولم يعطف عليه مضاف إلى مثل المحذوف والتقدير ومن قبل ذلك ومثله قراءة من قرأ شذوذا ( فلا خوف عليهم ) أي فلا خوف شيء عليهم
وهذا الذي ذكره المصنف من أن االحذف من الأول وأن الثاني هو المضاف إلى المذكور هو مذهب المبرد
(3/80)

ومذهب سيبويه أن الأصل قطع الله يد من قالها ورجل من قالها فحذف ما أضيف إليه رجل فصار قطع الله يد من قالها ورجل ثم أقحم قوله ورجل بين المضاف وهو يد والمضاف إليه الذي هو من قالها فصار قطع الله يد ورجل من قالها
فعلى هذا يكون الحذف من الثاني لا من الأول وعلى مذهب المبرد بالعكس قال بعض شراح الكتاب وعند الفراء يكون الأسمان مضافين إلى من قالها ولا حذف في الكلام لا من الأول ولا من الثاني
(3/81)

( فصل مضاف شبه فعل مانصب ... مفعولا أو ظرفا أجز ولم يعب )
( فصل يمين واضطرارا وجدا ... بأجنبي أو بنعت أو ندا )
أجاز المصنف أن يفصل في الاختيار بين المضاف الذي هو شبه الفعل والمراد به المصدر واسم الفاعل والمضاف إليه بما نصبه المضاف من مفعول به أو ظرف أو شبهه
فمثال ما فصل فيه بينهما بمفعول المضاف قوله تعالى ( وكذلك زين لكثير من المشركين قتل أولادهم شر كائهم ) في قراءة ابن عامر بنصب أولاد وجر الشركاء
ومثال ما فصل فيه بين المضاف والمضاف إليه بظرف نصبه المضاف الذي هو مصدر ما حكى عن بعض من يوثق بعربيته ترك يوما نفسك وهواها سعى لها في رداها
(3/82)

ومثال ما فصل فيه بين المضاف والمضاف إليه بمفعول المضاف الذي هو اسم فاعل قراءة بعض السلف ( فلاا تحسبن الله مخلف وعده رسله ) بنصب وعد وجر رسل
ومثال الفصل بشبه الظرف قوله في حديث أبي الدرداء هل أنتم تاركو لي صاحبي وهذا معنى قوله فصل مضاف إلى آخره
وجاء الفصل أيضا في الاختيار بالقسم حكى الكسائي هذا غلام والله زيد ولهذا قال المصنف ولم يعب فصل يمين
وأشار بقوله واضطرارا وجدا إلى أنه قد جاء الفصل بين المضاف والمضاف إليه في الضرورة بأجنبي من المضاف وبنعت المضاف وبالنداء
فمثال الأجنبي قوله
240 - ( كما خط الكتاب بكف يوما ... يهودى يقارب أو يزيل )
ففصل ب يوما بين كف ويهودى وهو أجنبي من كف لأنه معمول ل خط
(3/83)

ومثال النعت قوله
241 - ( نجوت وقد بل المرادي سيفه ... من ابن أبي شيخ الأباطح طالب )
(3/84)

الأصل من ابن أبي طالب شيخ الأباطح وقوله
242 - ( ولئن حلفت على يديك لأحلفن ... بيمين أصدق من يمينك مقسم )
الأصل بيمين مقسم أصدق من يمينك
(3/85)

ومثال النداء قوله
243 - ( وفاق كعب بجير منقذ لك من ... تعجيل تهلكة والخلد في سقر )
وقوله
244 - ( كأن برذون أبا عصام ... زيد حمار دق باللجام )
الأصل وفاق بجير يا كعب وكأن برذون زيد يا أبا عصام
(3/86)

المضاف إلى ياء المتكلم
( آخر ما أضيف لليا أكسر إذا ... لم يك معتلا كرام وقذى )
( أويك كابنين وزيدين فذى ... جميعها اليا بعد فتحها احتذى )
( وتدغم اليا فيه والواو وإن ... ما قبل واو ضم فاكسره يهن )
(3/88)

( وألفا سلم وفي المقصور عن ... هذيل انقلابها ياء حسن )
يكسر آخر المضاف إلى ياء المتكلم إن لم يكن مقصورا ولا منقوصا ولا مثنى ولا مجموعا جمع سلامة لمذكر كالمفرد وجمعى التكسير الصحيحين وجمع السلامة للمؤنث والمعتل الجاري مجرى الصحيح نحو غلامي وغلماني وفتياتي ودلوى وظبيي
(3/89)

وإن كان معتلا فإما أن يكون مقصورا أو منقوصا فإن كان منقوصا أدغمت ياؤه في ياء المتكلم وفتحت ياء المتكلم فتقول قاضي رفعا ونصبا وجرا وكذلك تفعل بالمثنى وجمع المذكر السالم في حالة الجر والنصب فتقول رأيت غلامي وزيدي ومررت بغلامي وزيدي والأصل بغلامين لي وزيدين لي فحذفت النون واللام للاضافة ثم أدغمت الياء في الياء وفتحت ياء المتكلم
وأما جمع المذكر السالم في حالة الرفع فتقول فيه أيضا جاء زيدي كما تقول في حالة النصب والجر والأصل زيدوي اجتمعت الواو والياء وسبقت إحداهما بالسكون فقلبت الواو ياء ثم قلبت الضمة كسرة لتصح الياء فصار اللفظ زيدي
وأما المثنى في حالة الرفع فتسلم ألفه وتفتح ياء المتكلم بعده فتقول زيداي وغلاماي عند جميع العرب
وأما المقصور فالمشهور في لغة العرب جعله كالمثنى المرفوع فتقول عصاي وفتاي
وهذيل تقلب ألفه ياء وتدغمها في ياء المتكلم وتفتح ياء المتكلم فتقول عصى ومنه قوله
245 - ( سبقوا هوى وأعنقوا لهواهم ... فتخرموا ولكل جنب مصرع )
(3/90)

فالحاصل أن ياء المتكلم تفتح مع المنقوص ك رامي والمقصور ك عصاى والمثنى ك غلاماي رفعا و غلامي نصبا وجرا وجمع المذكر السالم ك زيدي رفعا ونصبا وجرا
وهذا معنى قوله فذى جميعها اليا بعد فتحها احتذى
وأشار بقوله وتدغم إلى أن الواو في جمع المذكر السالم والياء في النقوص وجمع المذكر السالم والمثنى تذغم في ياء المتكلم
وأشار بقوله وإن ما قبل واوضم إلى أن ما قبل واو الجمع إن انضم عند وجود الواو يجب كسره عند قلبها ياء لنسلم الياء فإن لم ينضم بل انفتح بقي على فتحه نحو مصطفون فتقول مصطفى
(3/91)

وأشار بقوله وألفا سلم إلى أن ما كان آخره ألفا كالمثنى والمقصور لا تقلب ألفه ياء بل تسلم نحو غلاماي وعصاى
وأشار بقوله وفي المقصور إلى أن هذيلا تقلب ألف المقصور خاصة فتقول عصى
وأما ما عدا هذه الأربعة فيجوز في الياء معه الفتح والتسكين فتقول غلامى وغلامى
(3/92)

إعمال المصدر
( بفعله المصدر ألحق في العمل ... مضافا أو مجردا أو مع أل )
( إن كان فعل مع أن أو ما يحل ... محله ولأسم مصدر عمل )
يعمل المصدر عمل الفعل في موضعين
أحدها أن يكون نائبا مناب الفعل نحو ضربا زيدا ف زيدا منصوب ب ضربا لنيابته مناب اضرب وفيه ضمير مستتر مرفوع به كما في أضرب وقد تقدم ذلك في باب المصدر
والموضع الثاني أن يكون المصدر مقدرا ب أن والفعل أو ب ما والفعل وهو المراد بهذا الفصل فيقدر ب أن إذا أريد المضي أو الاستقبال
(3/93)

نحو عجبت من ضربك زيدا أمس أو غدا والتقدير من أن ضربت زيدا أمس أو من أن تضرب زيدا غدا ويقدر ب ما إذا أريد به الحال نحو عجبت من ضربك زيدا الآن التقدير مما تضرب زيدا الآن
وهذا المصدر المقدر يعمل في ثلاثة أحوال مضافا نحو عجبت من ضربك زيدا ومجردا عن الإضافة وأل وهو المنون نحو عجبت من ضرب زيدا ومحلى بالألف واللام نحو عجبت من الضرب زيدا
وإعمال المضاف أكثر من إعمال المنون وإعمال المنون أكثر من إعمال المحلى ب أل ولهذا بدأ المصنف بذكر المضاف ثم المجرد ثم المحلى
ومن إعمال المنون قوله تعالى ( أو إطعام في يوم ذى مسغبة يتيما ) ف يتيما منصوب ب إطعام وقول الشاعر
246 - ( بضرب بالسيوف رؤوس قوم ... أزلنا هامهن عن المقيل )
(3/94)

ف رؤوس منصوب ب ضرب
ومن إعماله وهو محلى ب أل قوله
247 - ( ضعيف النكاية أعداءه ... يخال الفرار يراخى الأجل )
(3/95)

وقوله
248 - ( فإنك والتأبين عروة بعدما ... دعاك وأيدينا إليه شوارع )
(3/96)

وقوله
249 - ( لقد علمت أولى المغيرة أنني ... كررت فلم أنكل عن الضرب مسمعا )
(3/97)

ف أعدءاه منصوب ب النكاية وعروة منصوب ب التأبين ومسمعا منصوب ب الضرب
وأشار بقوله ولاسم مصدر عمل إلى أن اسم المصدر قد يعمل عمل الفعل والمراد باسم المصدر ما ساوى المصدر في الدلالة على معناه وخالفه بخلوه لفظا وتقديرا من بعض ما في فعله دون تعويض كعطاء فإنه مساو لإعطاء معنى ومخالف له بخلوه من الهمزة الموجودة في فعله وهو خال منها لفظا وتقديرا ولم يعوض عنها شيء
(3/98)

واحترز بذلك مما خلا من بعض ما في فعله لفظا ولم يخل منه تقديرا فإنه لا يكون اسم مصدر بل يكون مصدرا وذلك نحو قتال فإنه مصدر قاتل وقد خلا من الألف التي قبل التاء في الفعل ولكن خلا منها لفظا ولم يخل منها تقديرا ولذلك نطق بها في بعض المواضع نحو قاتل قيتالا وضارب ضيرابا لكن انقلبت الألف ياء لكسر ما قبلها
واحترز بقوله دون تعويض مما خلا من بعض ما في فعله لفظا وتقديرا ولكن عوض عنه شيء فإنه لا يكون اسم مصدر بل هو مصدر وذلك نحو عدة فإنه مصدر وعد وقد خلا من الواو التي في فعله لفظا وتقديرا ولكن عوض عنها التاء
وزعم ابن المصنف أن عطاء مصدر وأن همزته حذفت تخفيفا وهو خلاف ماا صرح به غيره من النحويين
ومن إعمال اسم المصدر قوله
250 - ( أكفرا بعد رد الموت عنى ... وبعد عطائك المائة الرتاعا )
(3/99)

ف المائة منصوب ب عطائك ومنه حديث الموطأ من قبلة الرجل امرأته الوضوء ف امرأته منصوب ب قبلة وقوله ( إذا صح عون الخالق المرء لم يجد ... عسيرا من الآمال إلا ميسرا )
وقوله
252 - ( بعشرتك الكرام تعد منهم ... فلا ترين لغيرهم ألوفا )
(3/100)

وإعمال اسم المصدر قليل ومن ادعى الإجماع على جواز إعماله فقد وهم فإن الخلاف في ذلك مشهور وقال الصيمري إعماله شاذ وأنشد أكفرا البيت 250 وقال ضياء الدين بن العلج في البسيط ولا يبعد أن ما قام مقام المصدر يعمل عمله ونقل عن بعضهم أنه قد أجاز ذلك قياسا
( وبعد جره الذي أضيف له ... كمل بنصب أو برفع عمله )
(3/101)

يضاف المصدر إلى الفاعل فيجره ثم ينصب المفعول نحو عجبت من شرب زيد العسل وإلى المفعول ثم يرفع الفاعل نحو عجبت من شرب العسل زيد ومنه قوله
253 - ( تنفى يداها الحصى في كل هاجرة ... نفى الدراهيم تنقاد الصياريف )
(3/102)

وليس هذا الثاني مخصوصا بالضرورة خلافا لبعضهم وجعل منه قوله تعالى ( ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ) فأعرب من فاعلا بحج ورد بأنه يصير المعنى ولله على جميع الناس أن يحج البيت المستطيع وليس كذلك ف من بدل من الناس والتقدير ولله على الناس مستطيعهم حج البيت وقيل من مبتدأ والخبر محذوف والتقدير من استطاع منهم فعليه ذلك
ويضاف المصدر أيضا إلى الظرف ثم يرفع الفاعل وينصب المفعول نحو عجبت من ضرب اليوم زيد عمرا
( وجر ما يتبع ما جر ومن ... راعى في الاتباع المحل فحسن )
(3/103)

إذا أضيف المصدر إلى الفاعل ففاعله يكون مجرورا لفظا مرفوعا محلا فيجوز في تابعه من الصفة والعطف وغيرهما مراعاة اللفظ فيجر ومراعاة المحل فيرفع فتقول عجبت من شرب زيد الظريف والظريف
ومن إتباعه على المحل قوله
254 - ( حتى تهجر في الرواح وهاجها ... طلب المعقب حقه المظلوم )
فرفع المظلوم لكونه نعتا ل لمعقب على المحل
(3/104)

وإذا أضيف إلى المعفول فهو مجرور لفظا منصوب محلا فيجوز أيضا في تابعه مراعاة اللفظ والمحل ومن مراعاة المحل قوله
255 - ( قد كنت داينت بها حسانا ... مخافة الإفلاس والليانا )
ف الليانا معطوف على محل الإفلاس
(3/105)

إعمال اسم الفاعل
( كفعله اسم فاعل في العمل ... إن كان عن مضيه بمعزل )
لا يخلو اسم الفاعل من أن يكون معرفا بأل أو مجردا
فإن كان مجردا عمل عمل فعله من الرفع والنصب إن كان مستقبلا أو حالا نحو هذا ضارب زيدا الآن أو غدا
وإنما عمل لجريانه على الفعل الذي هو بمعناه وهو المضارع ومعنى جريانه عليه أنه موافق له في الحركات والسكنات لموافقة ضارب ل يضرب فهو مشبه للفعل الذي هو بمعناه لفظا ومعنى
وإن كان بمعنى الماضي لم يعمل لعدم جريانه على الفعل الذي هو بمعناه فهو مشبه له معنى لا لفظا فلا تقول هذا ضارب زيدا أمس بل يجب إضافته فتقول هذا ضارب زيد أمس وأجاز الكسائي إعماله وجعل منه قوله تعالى ( وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد )
(3/106)

ف ذراعيه منصوب ب باسط وهو ماض وخرجه غيره على أنه حكاية حال ماضية
( وولى استفهاما أو حرف ندا ... أو نفيا أو جاصفة أو مسندا )
أشار بهذا البيت إلى أن اسم الفاعل لا يعمل إلا إذا اعتمد على شيء قبله كأن يقع بعد الاستفهام نحو أضارب زيد عمرا أو حرف النداء نحو يا طالعا جبلا أو النفي نحو ما ضارب زيد عمرا أو يقع نعتا نحو مررت برجل ضارب زيدا أو حالا نحو جاء زيد راكبا فرسا ويشمل هذين النوعين قوله أو جاصفة وقوله أو مسندا معناه أنه يعمل إذا وقع خبرا وهذا يشمل خبر المبتدأ نحو زيد ضارب عمرا وخبر ناسخه أو مفعوله نحو كان زيد ضاربا عمرا وإن زيدا ضارب عمرا وظننت زيدا ضاربا عمرا وأعلمت زيدا عمرا ضاربا بكرا
(3/107)

( وقد يكون نعت محذوف عرف ... فيستحق العمل الذي وصف )
قد يعتمد اسم الفاعل على موصوف مقدر فيعمل عمل فعله كما لو اعتمد على مذكور ومنه قوله
256 - ( وكم مالئ عينيه من شيء غيره ... إذا راح نحو الجمرة البيض كالدمى )
(3/108)

فعينيه منصوب ب مالئ ومالئ صفة لموصوف محذوف وتقديره وكم شخص مالئ ومثله قوله
257 - ( كناطح صخرة يوما ليوهنها ... فلم يضرها وأوهى قرنه الوعل )
التقدير كوعل ناطح صخرة
(3/109)

( وإن يكن صلة أل ففي المضى ... وغيره إعماله قد ارتضى )
إذا وقع اسم الفاعل صلة للألف واللام عمل ماضيا ومستقبلا وحالا لوقوعه حينئذ موقع الفعل إذ حق الصلة أن تكون جملة فتقول هذا الضارب زيدا الآن أو غدا أو أمس
هذا هو المشهور من قول النحويين وزعم جماعة من النحويين منهم الرماني أنه إذا وقع صلة لأل لا يعمل إلا ماضيا ولا يعمل مستقبلا ولا حال وزعم بعضهم أنه لا يعمل مطلقا وأن المنصوب بعده منصوب بإضمار فعل والعجب أن هذين المذهبين ذكرهما المصنف في التسهيل وزعم ابنه بدر الدين في شرحه أن اسم الفاعل إذا وقع صلة للألف واللام عمل
(3/110)

ماضيا ومستقبلا وحالا باتفاق وقال بعد هذا أيضا ارتضى جميع النحويين إعماله يعني إذا كان صلة لأل
( فعال أو مفعال أو فعول ... في كثرة عن فاعل بديل )
( فيستحق ماله من عمل ... وفي فعيل قل ذا وفعل )
يصاغ للكثرة فعال ومفعال وفعول وفعيل وفعل فيعمل عمل الفعل على حد اسم الفاعل وإعمال الثلاثة الأول أكثر من إعمال فعيل وفعل وإعمال فعيل أكثر من إعمال فعل
فمن إعمال فعال ما سمعه سيبويه من قول بعضهم أما العسل فأنا شراب وقول الشاعر
(3/111)

258 - ( أخا الحرب لباسا إليها جلالها ... وليس بولاج الخوالف أعقلا )
ف العسل منصوب ب شراب وجلالها منصوب ب لباس
(3/112)

ومن إعمال مفعال قول بعض العرب إنه لمنحار بوائكها ف بوائكها منصوب ب منحار
ومن إعمال فعول قول الشاعر
259 - ( عشية سعدى لو تراءت لراهب ... بدومة تجر دونه وحجيج )
( قلى دينه واهتاج للشوق إنها ... على الشوق إخوان العزاء هيوج )
(3/113)

ف إخوان منصوب ب
ومن إعمال فعيل قول بعض العرب إن الله سميع دعاء من دعاه ف دعاء منصوب ب سميع
ومن إعمال فعل ما أنشده سيبويه
260 - ( حذر أمورا لا تضير وآمن ... ماا ليس منجيه من الأقدار )
(3/114)

وقوله
261 - ( أتاني أنهم مزقون عرضى ... جحاش الكرملين لها فدير )
ف أمورا منصوب ب حذر وعرضى منصوب ب مزق
(3/115)

( وما سوى المفرد مثله جعل ... في الحكم والشروط حيثما عمل )
ما سوى المفرد هو المثنى والمجموع نحو الضاربين والضاربتين والضاربين والضراب والضوارب والضاربات فحكمها حكم المفرد في العمل وسائر ما تقدم ذكره من الشروط فتقول هذان الضاربان زيدا وهؤلاء القاتلون بكرا وكذلك الباقي ومنه قوله
262 - ( أوالفا مكة من ورق الحمى ... )
(3/116)

أصله الحمام وقوله
263 - ( ثم زادوا أنهم في قومهم ... غفر ذنبهم غير فخر )
(3/117)

( وانصب بذى الإعمال تلوا واخفض ... وهو لنصب ما سواه مقتضى )
يجوز في اسم الفاعل العامل إضافته إلى ما يليه من مفعول ونصبه له فتقول هذا ضارب زيد وضارب زيدا فإن كان له مفعولان وأضفته إلى أحدهما وجب نصب الآخر فتقول هذا معطى زيد درهما ومعطى درهم زيدا
( واجرر أو انصب تابع الذي انخفض ... ك مبتغى جاه ومالا من نهض )
يجوز في تابع معمول اسم الفاعل المجرور بالإضافة الجر والنصب نحو
(3/118)

هذا ضارب زيد وعمرو وعمرا فالجر مراعاة للفظ والنصب على إضمار فعل وهو الصحيح والتقدير ويضرب عمرا أو مراعاة لمحل المخفوض وهو المشهور وقد روى بالوجهين قوله
264 - ( الواهب المائة الهجان وعبدها ... عوذا تزجى بينها أطفالها )
(3/119)

بنصب عبد وجره وقال الآخر
265 - ( هل أنت باعث دينار لحاجتنا ... أو عبد رب أخا عون بن مخراق )
بنصب عبد عطفا على محل دينار أو على إضمار فعل والتقدير أو تبعث عبد رب
(3/120)

( وكل ما قرر لأسم فاعل ... يعطى اسم مفعول بلا تفاضل )
( فهو كفعل صيغ للمفعول في ... معناه ك المعطى كفافا يكتفى )
جميع ما تقدم في اسم الفاعل من أنه إن كان مجردا عمل إن كان بمعنى الحال أو الاستقبال بشرط الاعتماد وإن كان بالألف واللام عمل مطلقا يثبت لاسم المفعول فتقول أمضروب الزيدان الآن أو غدا أو جاء المضروب أبوهما الآن أو غدا أو أمش
وحكمه في المعنى والعمل حكم الفعل المبني للمفعول فيرفع المفعول كما يرفعه فعله فكما تقول ضرب الزيدان تقول أمضروب الزيدان وإن كان له مفعولان رفع أحدهما ونصب الآخر نحو المعطى كفافا يكتفى
(3/121)

فالمفعول الأول ضمير مستتر عائد على الألف واللام وهو مرفوع لقيامه مقام الفاعل وكفافا المفعول الثاني
( وقد يضاف ذا إلى اسم مرتفع ... معنى ك محمود المقاصد الورع )
يجوز في اسم المفعول أن يضاف إلى ما كان مرفوعا به فتقول في قولك زيد مضروب عبده زيد مضروب العبد فتضيف اسم المفعول إلى ما كان مرفوعا به ومثله الورع محمود المقاصد والأصل الورع محمود مقاصده ولا يجوز ذلك في اسم الفاعل فلا تقول مررت برجل ضارب الأب زيدا تريد ضارب أبوه زيدا
(3/122)

أبنية المصادر
( فعل قياس مصدر المعدى ... من ذى ثلاثة ك ردردا )
الفعل الثلائي المتعدى يجيء مصدره على فعل قياسا مطردا نص على ذلك سيبويه في مواضع فتقول ردردا وضرب ضربا وفهم فهما وزعم بعضهم أنه لا ينقاس وهو غير سديد
( وفعل اللازم بابه فعل ... كفرح وكجوى وكشلل )
أي يجيء مصدر فعل اللازم على فعل قياسا كفرح فرحا وجوى جوى وشلت يده شللا
( وفعل اللازم مثل فعدا ... له فعول باطراد كغدا )
(3/123)

( مالم يكن مستوجبا فعالا ... أو فعلانا فادر أو فعالا )
( فأول لذى امتناع كأبى ... والثان للذي اقتضى تقلبا )
( للدا فعال أو كصوت وشمل ... سيرا وصوتا الفعيل كصهل )
يأتى مصدر فعل اللازم على فعول قياسا فتقول قعد قعودا وغدا غدوا وبكر بكورا
(3/124)

وأشار بقوله مالم يكن مستوجبا فعالا إلى آخره إلى أنه إنما يأتى مصدره على فعول إذا لم يستحق أن يكون مصدره على فعال أو فعلان أو فعال
فالذي استحق أن يكون مصدره على فعال هو كل فعل دل على امتناع كأبي إباء ونفر نفارا وشرد شرادا وهذا هو المراد بقوله فأول لذى امتناع
والذي استحق أن يكون مصدره على فعلان هو كل فعل دل على تقلب نحو طاف طوفانا وجال جولانا ونزا نزوانا وهذا معنى قوله والثان للذي اقتضى تقلبا
والذي استحق أن يكون مصدره على فعال هو كل فعل دل على داء أو صوت فمثال الأول سعل سعالا وزكم زكاما ومشى بطنه مشاء ومثال الثاني نعب الغراب نعاباونعق الراعي نعاقا وأزت القدر أزازا وهذا هو المراد بقوله للدا فعال أو لصوت
وأشار بقوله وشمل سيرا وصوتا الفعيل إلى أن فعيلا يأتى مصدرا لما دل على سير ولما دل على صوت فمثال الأول ذمل ذميلا ورحل رحيلا ومثال الثاني نعب نعيبا ونعق نعيقا وأزت القدر أزيزا وصهلت الخيل صهيلا
( فعولة فعالة لفعلا ... كسهل الأمر وزيد جزلا )
(3/125)

إذا كان الفعل على فعل ولا يكون إلا لازما يكون مصدره على فعولة أو على فعالة فمثال الأول سهل سهولة وصعب صعوبة وعذب عذوبة ومثال الثاني جزل جزالة وفصح فصاحة وضخم ضخامة
( وما أتى مخالفا لما مضى ... فبابه النقل كسخط ورضى )
يعني أن ما سبق ذكره في هذا الباب هو القياس الثابت في مصدر الفعل الثلاثي وما ورد على خلاف ذلك فليس بمقيس بل يقتصر فيه على السماع نحو سخط سخطا ورضى رضا وذهب ذهابا وشكر شكرا وعظم عظمة
( وغير ذى ثلاثة مقبس ... مصدره كقدس التقديس )
(3/126)

( وزكه تزكية وأجملا ... إجمال من تجملا تجملا )
( واستعذ استعاذة ثم أقم ... إقامة وغالبا ذا التا لزم )
( وما يلي الآخر مد وافتحا ... مع كسر تلو الثان مما افتتحا )
( بهمز وصل كاصطفى وضم ما ... يربع في أمثال قد تلملما )
(3/127)

ذكر في هذه الأبيات مصادر غير الثلاثي وهي مقيسة كلها
فما كان على وزن فعل فإما أن يكون صحيحا أو معتلا فإن كان صحيحا فمصدره على تفعيل نحو قدس تقديسا ومنه قوله تعالى ( وكلم الله موسى تكليما ) ويأتى أيضا على وزن فعال كقوله تعالى ( وكذبوا بآياتنا كذابا ) ويأتى على فعال بتخفيف العين وقد قرى ( وكذبوا بآياتنا كذابا ) بتخفيف الذال
وإن كان معتلا فمصدره كذلك لكن يحذف ياء التفعيل ويعوض عنها التاء فيصير مصدره على تفعلة نحو زكى تزكية وندر مجيئه على تفعيل كقوله
266 - ( باتت تنزى دلوها تنزيا ... كما تنزى شهلة صبيا )
(3/128)

وإن كان مهموزا ولم يذكره المصنف هنا فمصدره على تفعيل وعلى تفعلة نحو خطأ تخطيئا وتخطئة وجرأ تجزيئا وتجزئة ونبأ تنبيئا وتنبئة
وإن كان على أفعل فقياس مصدره على إفعال نحو أكرم إكراما وأجمل إجمالا وأعطى إعطاء
هذا إذا لم يكن معتل العين فإن كان معتل العين نقلت حركة عينه إلى فاء الكلمة وحذفت وعوض عنها تاء التأنيث غالبا نحو أقام إقامة والأصل إقواما فنقلت حركة الواو إلى القاف وحذفت وعوض عنها تاء التأنيث فصار إقامة
وهذا هو المراد بقوله ثم أقم إقامة وقوله وغالبا ذا التاء لزم
(3/129)

إشارة إلى ما ذكرناه من أن التاء تعوض غالبا وقد جاء حذفها كقوله تعالى ( وإقام الصلاة )
وإن كان على وزن تفعل فقياس مصدره تفعل بضم العين نحو تجمل تجملا وتعلم تعلما وتكرم تكرما
وإن كان في أوله همزة وصل كسر ثالثه وزيد ألف قبل آخره سواء كان على وزن انفعل أو افتعل أواستفعل نحو انطلق انطلاقا واصطفى اصطفاء واستخرج استخراجا وهذا معنى قوله وما يلي الآخر مد وافتحا
فإن كان استفعل معتل العين نقلت حركة عينه إلى فاء الكلمة وحذفت وعوض عنها تاء التأنيث لزوما نحو استعاذ استعاذة والأصل استعواذا فنقلت حركة الواو إلى العين وهي فاء الكلمة وحذفت وعوض عنها التاء فصار استعاذة وهذا معنى قوله واستعذ استعاذة
ومعنى قوله وضم ما يربع في أمثال قد تلملما أنه إن كان الفعل على وزن تفعلل يكون مصدره على تفعلل بضم رابعه نحو تلملم تلملما وتدحرج تدحرجا
( فعلال أو فعللة لفعللا ... واجعل مقيسا ثانيا لا أولا )
(3/130)

يأتى مصدر فعلل على فعلال كدحرج دحراجا وسرهف سرهافا وعلى فعللة وهو المقيس فيه نحو دحرج دحرجة وبهرج بهرجة وسرهق سرهفة
( لفاعل الفعال والمفاعلة ... وغير ما مر السماع عادله )
كل فعل على وزن فاعل فمصدره الفعال والمفاعلة نحو ضارب ضرابا ومضاربة وقاتل قتالا ومقاتلة وخاصم خصاما ومخاصمة
وأشار بقوله وغير ما مر إلخ إلى أن ما ورد من مصادر غير الثلاثي على خلاف ما مر يحفظ ولا يقاس عليه ومعنى قوله عادلة كان السماع له عديلا فلاا يقدم عليه إلا بثبت كقولهم في مصدر فعل المعتل تفعيلا نحو
( باتت تنزى دلوها تنزيا )
والقياس تنزية وقولهم في مصدر حوقل قل حيقالا وقياسه حوقلة نحو دحرج دحرجة ومن ورود حيقال قوله
267 - ( يا قوم قد حوقلت أو دنوت ... وشر حيقال الرجال الموت )
(3/131)

وقولهم في مصدر تفعل تفعالا نحو تملق تملاقا والقياس تفعل تفعلا نحو تملق تملقا
( وفعلة لمرة كجلسه ... وفعلة لهيئة كجلسه )
إذا أريد بيان المرة من مصدر الفعل الثلاثي قيل فعلة بفتح الفاء نحو ضربته ضربة وقتلته قتلة
(3/132)

هذا إذا لم يبن المصدر على تاء التأنيث فإن بنى عليها وصف بما يدل على الوحدة نحو نعمة ورحمة فإذا أريد المرة وصف بواحدة
وإن أريد بيان الهيئة منه قيل فعلة بكسر الفاء نحو جلس جلسة حسنة وقعد قعدة ومات ميتة
( في غير ذى الثلاث بالتا المره ... وشذ فيه هيئة كالخمرة )
إذا أريد بيان المرة من مصدر المزيد على ثلاثة أحرف زيد علي المصدر تاء التأنيث نحو أكرمته إكرامة ودحرجته دحراجة
وشذ بناء فعلة للهيئة من غير الثلاثي كقولهم هي حسنة الخمرة فبنوا فعلة من اختمر وهو حسن العمة فبنوا فعلة من تعمم
(3/133)

أبنية أسماء الفاعلين والمفعولين
والصفات المشبهات بها
( كفاعل صغ اسم فاعل إذا ... من ذى ثلاثة يكون كغذا )
إذا أريد بناء اسم الفاعل من الفعل الثلاثي جيء به على مثال فاعل وذلك مقيس في كل فعل كان على وزن فعل بفتح العين متعديا كان أو لازما نحو ضرب فهو ضارب وذهب فهو ذاهب وغذا فهو غاذ
فإن كان الفعل على وزن فعل بكسر العين فإما أن يكون متعديا أو لازما فإن كان متعديا فقياسه أيضا أن يأتي اسم فاعله على فاعل نحو ركب فهو راكب وعلم فهو عالم وإن كان لازما أو كان الثلاثي على فعل بضم العين فلا يقال في اسم الفاعل منهما فاعل إلا سماعا وهذا هو المراد بقوله
( وهو قليل في فعلت وفعل ... غير معدى بل قياسه فعل )
(3/134)

( وأفعل فعلان نحو أشر ... ونحو صديان ونحو الأجهر )
أي إتيان اسم الفاعل على وزن فاعل قليل في فعل بضم العين كقولهم حمض فهو حامض وفي فعل بكسر العين غير متعد نحو أمن فهو آمن وسلم فهو سالم وعقرت المرأة فهي عاقر
بل قياس اسم الفاعل من فعل المكسور العين إذا كان لازما أن يكون على فعل بكسر العين نحو نضر فهو نضر وبطر فهو بطر وأشر فهو أشر أو على فعلان نحو عطش فهو عطشان وصدى فهو صديان أو على أفعل نحو سود فهو أسود وجهر فهو أجهر
( وفعل أولى وفعيل بفعل ... كالضخم والجميل والفعل جمل )
( وأفعل فيه قليل وفعل ... وبسوى الفاعل قد يغنى فعل )
إذا كان الفعل على وزن فعل بضم العين كثر مجيء اسم الفاعل منه على وزن فعل ك ضخم فهو ضخم وشهم فهو شهم وعلى فعيل نحو جمل
(3/135)

فهو جميل وشرف فهو شريف
ويقل مجيء اسم فاعله على أفعل نحو خطب فهو أخظب وعلى فعل نحو بطل فهو بطل
وتقدم أن قياس اسم الفاعل من فعل المفتوح العين أن يكون على فاعل وقد يأتى اسم الفاعل منه على غير فاعل قليلا نحو طاب فهو طيب وشاخ فهو شيخ وشاب فهو أشيب وهذا معنى قوله ( وبسوى الفاعل قد يغنى فعل ... )
( وزنة المضارع اسم فاعل ... من غير ذى الثلاث كالمواصل )
( مع كسر متلو الأخير مطلقا ... وضم ميم زائد قد سبقا )
(3/136)

( وإن فتحت منه ما كان انكسر ... صار اسم مفعول كمثل المنتظر )
يقول زنة اسم الفاعل من الفعل الزائد على ثلاثة أحرف زنة المضارع منه بعد زيادة الميم في أوله مضمومة ويكسر ما قبل آخره مطلقا أي سواء كان مكسورا من المضارع أو مفتوحا فتقول قاتل يقاتل فهو مقاتل ودحرج يدحرج فهو مدحرج وواصل يواصل فهو مواصل وتدحرج يتدحرج فهو متدحرج وتعلم يتعلم فهو متعلم
فإن أردت بناء اسم المفعول من الفعل الزائد على ثلاثة أحرف أتيت به على وزن اسم الفاعل ولكن تفتح منه ما كان مكسورا وهو ما قبل الآخر نحو مضارب ومقاتل ومنتظر
( وفي اسم مفعول الثلاثي أطرد ... زنة مفعول كآت من قصد )
(3/137)

إذا أريد بناء اسم المفعول من الفعل الثلاثي جيء به على زنة مفعول قياسا مطردانحو قصدته فهو مقصود وضربته فهو مضروب ومررت به فهو ممروربه
( وناب نقلا عنه ذو فعيل ... نحو فتاة أو فتى كحيل )
ينوب فعيل عن مفعول في الدلالة على معناه نحو مررت برجل جريح وامرأة جريح وفتاة كحيل وفتى كحيل وامرأة قتيل ورجل قتيل فناب جريح وكحيل وقتيل عن مجروح ومكحول ومقتول
ولا ينقاس ذلك في شيء بل يقتصر فيه على السماع وهذا معنى قوله
( وناب نقلا عنه ذو فعيل ... )
وزعم ابن المصنف أن نيابة فعيل عن مفعول كثيرة وليست مقيسة بالإجماع وفي دعواه الإجماع على ذلك نظر فقد قال والده في التسهيل في باب اسم الفاعل عند ذكره نيابة فعيل عن مفعول وليس مقيسا خلافا لبعضهم وقال في شرحه وزعم بعضهم أنه مقيس في كل فعل ليس له فعيل بمعنى فاعل كجريح فإن كان للفعل فعيل بمعنى فاعل لم يتب قياسا كعليم وقال في باب التذكير والتأنيث وصوغ فعيل بمعنى مفعول على كثرته غير مقيس فجزم بأصح القولين كما جزم به هنا وهذا لا يقتضي نفي الخلاف
(3/138)

وقد يعتذر عن ابن المصنف بأنه ادعى الإجماع على أن فعيلا لا ينوب عن مفعول يعني نيابة مطلقة أي من كل فعل وهو كذلك بناء على ما ذكره والده في شرح التسهيل من أن القائل بقياسه يخصه بالفعل الذي ليس له فعيل بمعنى فاعل
ونبه المصنف بقوله نحو فتاة أو فتى كحيل على أن فعيلاا بمعنى مفعول يستوى فيه المذكر والمؤنث وستأتي هذه المسألة مبينة في باب التأنيث إن شاء الله تعالى
وزعم المصنف في التسهيل أن فعيلا ينوب عن مفعول في الدلالة على معناه لا في العمل فعلى هذا لا تقول مررت برجل جريح عبده فترفع عبد بجريح وقد صرح غيره بجواز هذه المسألة
(3/139)

الصفة المشبهة باسم الفاعل
( صفة استحسن جر فاعل ... معنى بها المشبهة اسم الفاعل )
قد سبق أن المراد بالصفة ما دل على معنى وذات وهذا يشمل اسم الفاعل واسم المفعول وأفعل التفضيل والصفة المشبهة
وذكر المصنف أن علامة الصفة المشبهة استحسان جر فاعلها بها نحو حسن الوجه ومنطلق اللسان وطاهر القلب والأصل حسن وجهه ومنطلق لسانه وطاهر قلبه فوجهه مرفوع بحسن على الفاعلية ولسانه مرفوع بمنطلق وقلبه مرفوع بطاهر وهذا لا يجوز في غيرها من الصفات فلا تقول زيد ضارب الأب عمرا تريد ضارب أبوه عمرا ولا زيد قائم الأب غدا تريد زيد قائم أبوه غدا وقد تقدم أن اسم المفعول يجوز إضافته إلى مرفوعه فتقول زيد مضروب الأب وهو حينئذ جار مجرى الصفة المشبهة
(3/140)

( وصوغها من لازم لحاضر ... كطاهر القلب جميل الظاهر )
يعني أن الصفة المشبهة لا تصاغ من فعل متعد فلا تقول زيد قاتل الأب بكرا تريد قاتل أبوه بكرا بل لا تصاغ إلا من فعل لازم نحو طاهر القلب وجميل الظاهر ولا تكون إلا للحال وهو المراد بقوله لحاضر فلا تقول زيد حسن الوجه غدا أو أمس
ونبه بقوله
( كطاهر القلب جميل الظاهر ... ) على أن الصفة المشبهة إذا كانت من فعل ثلاثي تكون على نوعين أحدهما ما وازن المضارع نحو طاهر القلب وهذا قليل فيها والثاني مالم يوازنه وهو الكثير نحو جميل الظاهر وحسن الوجه وكريم الأب وإن كانت من غير ثلاثي وجب موازنتها المضارع نحو منطلق اللسان
( وعمل اسم فاعل المعدى ... لها على الحد الذي قد حدا )
(3/141)

أي يثبت لهذه الصفة عمل اسم الفاعل المتعدى وهو الرفع والنصب نحو زيد حسن الوجه ففي حسن ضمير مرفوع هو الفاعل والوجه منصوب على التشبيه بالمفعول به لأن حسنا شبيه بضارب فعمل عمله
وأشار بقوله على الحد الذي قد حدا إلى أن الصفة المشبهة تعمل على الحد الذي سبق في اسم الفاعل وهو أنه لا بد من اعتمادها كما أنه لا بد من اعتماده
( وسبق ما تعمل فيه مجتنب ... وكونه ذا سببية وجب )
(3/142)

لما كانت الصفة المشبهة فرعا في العمل عن اسم الفاعل قصرت عنه فلم يجز تقديم معمولها عليها كما جاز في اسم الفاعل فلا تقول زيد الوجه حسن كما تقول زيد عمرا ضارب ولم تعمل إلا في سببى نحو زيد حسن وجهه ولا تعمل في أجنبي فلا تقول زيد حسن عمرا واسم الفاعل يعمل في السببى والأجنبي نحو زيد ضارب غلامه وضارب عمرا
( فارفع بها وأنصب وجر مع أل ... ودون أل مصحوب أل وما اتصل )
( بها مضافا أو مجردا ولا ... تجرر بها مع أل سما من أل خلا )
(3/143)

( ومن إضافة لتاليها وما ... لم يخل فهو بالجواز وسما )
الصفة المشبهة إما أن تكون بالألف واللام نحو الحسن أو مجردة عنهما نحو حسن وعلى كل من التقديرين لا يخلو المعمول من أحوال ستة
الأول أن يكون المعمول بأل نحو الحسن الوجه وحسن الوجه
الثاني أن يكون مضافا لما فيه أل نحو الحسن وجه الأب وحسن وجه الأب
الثالث أن يكون مضافا إلى ضمير الموصوف نحو مررت بالرجل الحسن وجهه وبرجل حسن وجهه
الرابع أن يكون مضافا إلى مضاف إلى ضمير الموصوف نحو مررت بالرجل الحسن وجه غلامه وبرجل حسن وجه غلامه
الخامس أن يكون مجردا من أل دون الإضافة نحو الحسن وجه أب وحسن وجه أب
(3/144)

السادس أن يكون المعمول مجردا من أل والإضافة نحو الحسن وجها وحسن وجها
فهذه اثنتا عشرة مسألة والمعمول في كل واحدة من هذه المسائل المذكورة إما أن يرفع أو ينصب أو يجر
فيتحصل حينئذ ست وثلاثون صورة
وإلى هذا أشار بقوله فارفع بها أي بالصفة المشبهة وانصب وجر مع أل أي إذا كانت الصفة بأل نحو الحسن ودون أل أي إذا كانت الصفة بغير أل نحو حسن مصحوب أل أي المعمول المصاحب لأل نحو الوجه وما اتصل بها مضافا أو مجردا أي والمعمول المتصل بها أي بالصفة إذا كان المعمول مضافا أو مجردا من الألف واللام والإضافة ويدخل تحت قوله مضافا المعمول المضاف إلى ما فيه أل نحو وجه الأب والمضاف إلى ضمير الموصوف نحو وجهه والمضاف إلى ما أضيف إلى ضمير الموصوف نحو وجه غلامه والمضاف إلى المجرد من أل دون الإضافة نحو وجه أب
وأشار بقوله ولا تجرر بها مع أل إلى آخره إلى أن هذه المسائل ليست كلها على الجواز بل يمتنع منها إذا كانت الصفة بأل أربع مسائل
الأولى جر المعمول المضاف إلى ضمير الموصوف نحو الحسن وجهه
الثانية جر المعمول المضاف إلى ما أضيف إلى ضمير الموصوف نحو الحسن وجه غلامه
(3/145)

الثالثة جر المعمول المضاف إلى المجرد من أل دون الإضافة نحو الحسن وجه أب
الرابعة جر المعمول المجرد من أل والإضافة نحو الحسن وجه
فمعنى كلامه ولا تجرر بها أي بالصفة المشبهة إذا كانت الصفة مع أل اسما خلا من أل أو خلا من الإضافة لما فيه أل وذلك كالمسائل الأربع
وما لم يخل من ذلك يجوز جره كما يجوز رفعه ونصبه كالحسن الوجه والحسن وجه الأب وكما يجوز جر المعمول ونصبه ورفعه إذا كانت الصفة بغير أل على كل حال
(3/146)

التعجب
( بأفعل انطق بعد ما تعجبا ... أو جيء ب أفعل قبل مجرور ببا )
( وتلو أفعل انصبنه كما ... أوفى خليلينا وأصدق بهما )
للتعجب صيغتان إحداهما ما أفعله والثانية أفعل به وإليهما أشار
(3/147)

المصنف بالبيت الأول أي أنطق بأفعل بعد ما للتعجب نحو ما أحسن زيدا وما أوفى خليلينا أو جيء بأفعل قبل مجرور ببا نحو أحسن بالزيدين وأصدق بهما
فما مبتدأ وهي نكرة تامة عند سيبويه وأحسن فعل ماض فاعله ضمير مستتر عائد على ما وزيدا مفعول أحسن والجملة خبر عن ما والتقدير شيء أحسن زيدا أي جعله حسنا وكذلك ما أوفى خليلينا
وأما أفعل ففعل أمر ومعناه التعجب لا الأمر وفاعله المجرور بالباء والباء زائدة
واستدل على فعلية أفعل بلزوم نون الوقاية له إذا اتصلت به ياء المتكلم نحو ما أفقرني إلى عفو الله وعلى فعلية أفعل بدخول نون التوكيد عليه في قوله
268 - ( ومستبدل من بعد غضبي صريمة ... فأحر به من طول فقر وأحريا )
(3/148)

أراد وأحرين بنون التوكيد الخفيفة فأبدلها ألفا في الوقف
وأشار بقوله وتلو أفعل إلى أن تالى أفعل ينصب لكونه مفعولا نحو ما أوفى خليلينا
ثم مثل بقوله وأصدق بهما للصيغة الثانية
وما قدمناه من أن ما نكرة تامة هو الصحيح والجملة التي بعدها خبر عنها والتقدير شيء أحسن زيدا أي جعله حسنا وذهب الأخفش إلى أنها موصولة والجملة التي بعدها صلتها والخبر محذوف والتقدير الذي أحسن زيدا شيء عظيم وذهب بعضهم إلى أنها استفهامية والجملة التي بعدها خبر عنها والتقدير أي شيء أحسن زيدا وذهب بعضهم إلى أنها نكرة موصوفة والجملة التي بعدها صفة لها والخبر محذوف والتقدير شيء أحسن زيدا عظيم
( وحذف مامنه تعجبت استبح ... إن كان عند الحذف معناه يضح )
(3/150)

يجوز حذف المتعجب منه وهو المنصوب بعد أفعل والمجرور بالباء بعد أفعل إذا دل عليه دليل فمثال الأول قوله
269 - ( أرى أم عمرو دمعها قد تحدرا ... بكاء على عمرو وما كان أصبرا )
(3/151)

التقدير وما كان أصبرها فحذف الضمير وهو مفعول أفعل للدلالة عليه بما تقدم ومثال الثاني قوله تعالى ( أسمع بهم وأبصر ) التقدير والله أعلم وأبصر بهم فحذف بهم لدلالة ما قبله عليه وقول الشاعر
270 - ( فذلك إن يلق المنية يلقها ... حميدا وإن يستغن يوما فأجدر )
(3/152)

أي فأجدر به فحذف المتعجب منه بعد أفعل وإن لم يكن معطوفا على أفعل مثله وهو شاذ
( وفي كلا الفعلين قدما لزما ... منع تصرف بحكم حتما )
لا يتصرف فعلا التعجب بل يلزم كل منهما طريقة واحدة فلا يستعمل من أفعل غير الماضي ولا من أفعل غير الأمر قال المصنف وهذا مما لا خلاف فيه
( وصغهما من ذي ثلاث صرفا ... قابل فضل تم غير ذي انتفا )
( وغير ذي وصف يضاهي أشهلا ... وغير سالك سبيل فعلا )
(3/153)

يشترط في الفعل الذي يصاغ منه فعلا التعجب شروط سبعة
أحدهما أن يكون ثلاثيا فلا يبنيان مما زاد عليه نحو دحرج وانطلق واستخرج
الثاني أن يكون متصرفا فلا يبنيان من فعل غير متصرف كنعم وبئس وعسى وليس
الثالث أن يكون معناه قابلا للمفاضلة فلا يبنيان من مات وفنى ونحوهما إذ لا مزية فيهما لشيء على شيء
الرابع أن يكون تاما واحترز بذلك من الأفعال الناقصة نحو كان وأخواتها فلا تقول ما أكون زيدا قائما وأجازه الكوفيون
الخامس أن لا يكون منفيا واحترز بذلك من المنفي لزوما نحو ما عاج فلان بالدواء أي ما انتفع به أو جوازا نحو ما ضربت زيدا
السادس أن لا يكون الوصف منه على أفعل واحترز بذلك من الأفعال الدالة على الألوان كسود فهو أسود وحمر فهو أحمر والعيوب كحول فهو أحول وعور فهو أعور فلا تقول ما أسوده ولا ما أحمره ولا ما أحوله ولا ما أعوره ولا أعور به ولا أحول به
السابع أن لا يكون مبنيا للمفعول نحو ضرب زيد فلا تقول ما أضرب زيدا تريد التعجب من ضرب أوقع به لئلا يلتبس بالتعجب من ضرب أوقعه
( وأشدد أو أشد أو شبههما ... يخلف ما بعض الشروط عدما )
(3/154)

( ومصدر العادم بعد ينتصب ... وبعد أفعل جره بالبا يجب )
يعني أنه يتوصل إلى التعجب من الأفعال التي لم تستكمل الشروط بأشدد ونحوه وبأشد ونحوه وينصب مصدر ذلك الفعل العادم الشروط بعد أفعل مفعولا ويجر بعد أفعل بالباء فتقول ما أشد دحرجته واستخراجه وأشدد بدحرجته واستخراجه وما أقبح عوره وأقبح بعوره وما أشد حمرته وأشدد بحمرته
( وبالندور أحكم لغير ما ذكر ... ولا تقس على الذي منه أثر )
(3/155)

يعني أنه إذا ورد بناء فعل التعجب من شيء من الأفعال التي سبق أنه لا يبنى منها حكم بندوره ولا يقاس على ما سمع منه كقولهم ما أخصره من اختصر فبنوا أفعل من فعل زائد على ثلاثة أحرف وهو مبني للمفعول وكقولهم ما أحمقه فبنوا أفعل من فعل الوصف منه على أفعل نحو حمق فهو أحمق وقولهم ما أعساه وأعس به فبنوا أفعل وأفعل به من عسى وهو فعل غير متصرف
( وفعل هذا الباب لن يقدما ... معموله ووصله بما ألزما )
( وفصله بظرف أو بحرف جر ... مستعمل والخلف في ذاك استقر )
لا يجوز تقديم معمول فعل التعجب عليه فلا تقول زيدا ما أحسن
(3/156)

ولا ما زيدا أحسن ولا بزيد أحسن ويجب وصله بعامله فلا يفصل بينهما بأجنبى فلا تقول في ما أحسن معطيك الدرهم ما أحسن الدرهم معطيك ولا فرق في ذلك بين المجرور وغيره فلا تقول ما أحسن بزيد مارا تريد ما أحسن مارا بزيد ولا ما أحسن عندك جالسا تريد ما أحسن جالسا عندك فإن كان الظرف أو المجرور معمولا لفعل التعجب ففي جواز الفصل بكل منهما بين فعل التعجب ومعموله خلاف والمشهور جوازه خلافا للأخفش والمبرد ومن وافقهما ونسب الصيمرى المنع إلى سيبويه ومما ورد فيه الفصل في النثر قول عمرو بن معد يكرب لله در بني سليم ما أحسن في الهيجاء لقاءها وأكرم في اللزبات عطاءها وأثبت في المكرمات بقاءها وقول علي كرم الله وجهه وقد مر بعمار فمسح التراب عن وجهه أعزز على أبا اليقظان أن أراك صريعا مجدلا ومما ورد منه من النظم قول بعض الصحابة رضي الله عنهم
271 - ( وقال نبي المسلمين تقدموا ... وأحبب إلينا أن تكون المقدما )
(3/157)

وقوله
272 - ( خليلي ما أحرى بذي اللب أن يرى ... صبورا ولكن لا سبيل إلى الصبر )
(3/158)

( نعم وبئس وما جرى مجراهما ... )
( فعلان غير متصرفين ... نعم وبئس رافعان اسمين )
( مقارنى أل أو مضافين لما ... قارنها ك عقبى الكرما )
( ويرفعان مضمرا يفسره ... مميز ك نعم قوما معشره )
مذهب جمهور النحويين أن نعم وبئس فعلان بدليل دخول تاء التأنيث الساكنة عليهما نحو نعمت المرأة هند وبئست المرأة دعد
وذهب جماعة من الكوفيين ومنهم الفراء إلى أنهما أسمان واستدلوا بدخول حرف الجر عليهما في قول بعضهم نعم السير على بئس العير وقول
(3/160)

الآخر والله ما هي بنعم الولد نصرها بكاء وبرها سرقة وخرج على جعل نعم وبئس مفعولين لقول محذوف واقع صفة لموصوف محذوف وهو المجرور بالحرف لا نعم وبئس والتقدير نعم السير على غير مقول فيه بئس العير وما هي بولد مقول فيه نعم الولد فحذف الموصوف والصفة وأقيم المعمول مقامهما مع بقاء نعم وبئس على فعليتهما
وهذان الفعلان لا يتصرفان فلا يستعمل منهما غير الماضي ولا بد لهما من مرفوع هو الفاعل وهو على ثلاثة أقسام
الأول أن يكون محلى بالألف واللام نحو نعم الرجل زيد ومنه قوله تعالى ( نعم المولى ونعم النصير ) واختلف في هذه اللام فقال قوم هي للجنس حقيقة فمدحت الجنس كله من أجل زيد ثم خصصت زيدا بالذكر فتكون قد مدحته مرتين وقيل هي للجنس مجازا وكأنك قد جعلت زيدا الجنس كله مبالغة وقيل هي للعهد
الثاني أن يكون مضافا إلى ما فيه أل كقوله نعم عقبى الكرما ومنه قوله تعالى ( ولنعم دار المتقين )
الثالث أن يكون مضمرا مفسرا بنكرة بعده منصوبة على التمييز نحو
(3/161)

نعم قوما معشره ففي نعم ضمير مستتر يفسره قوما ومعشره مبتدأ وزعم بعضهم أن معشره مرفوع بنعم وهو الفاعل ولا ضمير فيها وقال بعض هؤلاء إن قوما حال وبعضهم إنه تمييز ومثل نعم قوما معشره قوله تعالى ( بئس للظالمين بدلا ) وقول الشاعر
273 - ( لنعم موئلا المولى إذا حذرت ... بأساء ذي البغى واستيلاء ذي الإحن )
وقول الآخر
274 - ( تقول عرسى وهي لي في عومره ... بئس أمرأ وإنني بئس المره )
(3/162)

( وجمع تميز وفاعل ظهر ... فيه خلاف عنهم قد اشتهر )
اختلف النحويون في جواز الجمع بين التمييز والفاعل الظاهر في نعم وأخواتها فقال قوم لا يجوز ذلك وهو المنقول عن سيبويه فلا تقول نعم الرجل رجلا زيد وذهب قوم إلى الجواز واستدلوا بقوله
(3/163)

275 - ( والتغلبيون بئس الفحل فحلهم ... فحلا وأمهم زلاء منطيق )
وقوله
276 - ( تزود مثل زاد أبيك فينا ... فنعم الزاد زاد أبيك زادا )
(3/164)

وفصل بعضهم فقال إن أفاد التمييز فائدة زائدة على الفاعل جاز الجمع بينهما نحو نعم الرجل فارسا زيد وإلا فلا نحو نعم الرجل رجلا زيد
فإن كان الفاعل مضمرا جاز الجمع بينه وبين التمييز اتفاقا نحو نعم رجلا زيد
(3/165)

( وما مميز وقيل فاعل ... في نحو نعم ما يقول الفاضل )
تقع ما بعد نعم وبئس فتقول نعم ما أو نعما وبئس ما ومنه قوله تعالى ( إن تبدو الصدقات فنعما هي ) وقوله تعالى ( بئسما اشتروا به أنفسهم )
واختلف في ما هذه فقال قوم هي نكرة منصوبة على التمييز وفاعل نعم ضمير مستتر وقيل هي الفاعل وهي اسم معرفة وهذا مذهب ابن خروف ونسبه إلى سيبويه
( ويذكر المخصوص بعد مبتدا ... أو خبر أسم ليس يبدو أبدا )
(3/166)

يذكر بعد نعم وبئس وفاعلهما اسم مرفوع هو المخصوص بالمدح أو الذم وعلامته أن يصلح لجعله مبتدأ وجعل الفعل والفاعل خبرا عنه نحو نعم الرجل زيد وبئس الرجل عمرو ونعم غلام القوم زيد وبئس غلام القوم عمرو ونعم رجلا زيد وبئس رجلا عمرو وفي إعرابه وجهان مشهوران
أحدهما أنه مبتدأ والجملة قبله خبر عنه
والثاني أنه خبر مبتدأ محذوف وجوبا والتقدير هو زيد وهو عمرو أي الممدوح زيد والمذموم عمرو
ومنع بعضهم الوجه الثاني وأوجب الأول
وقيل هو مبتدأ خبره محذوف والتقدير زيد الممدوح
( وإن يقدم مشعر به كفى ... ك العلم نعم المقتنى والمقتفى )
إذا تقدم ما يدل على المخصوص بالمدح أو الذم أغنى عن ذكره آخرا كقوله تعالى في أيوب ( إنا وجدناه صابرا نعم العبد إنه أواب ) أي نعم العبد أيوب فحذف المخصوص بالمدح وهو أيوب لدلالة ما قبله عليه
(3/167)

( واجعل كبئس ساء واجعل فعلا ... من ذي ثلاثة كنعم مسجلا )
تستعمل ساء في الذم استعمال بئس فلا يكون فاعلها إلا ما يكون فاعلا لبئس وهو المحلى بالألف واللام نحو ساء الرجل زيد والمضاف إلى ما فيه الألف واللام نحو ساء غلام القوم زيد والمضمر المفسر بنكرة بعده نحو ساء رجلا زيد ومنه قوله تعالى ( ساء مثلا القوم الذين كذبوا ) ويذكر بعدها المخصوص بالذم كما يذكر بعد بئس وإعرابه كما تقدم
وأشار بقوله واجعل فعلا إلى أن كل فعل ثلاثي يجوز أن يبنى منه فعل على فعل لقصد المدح أو الذم ويعامل معاملة نعم وبئس في جميع ما تقدم لهما من الأحكام فتقول شرف الرجل زيد ولؤم الرجل بكر وشرف غلام الرجل زيد وشرف رجلا زيد
ومقتضى هذا الإطلاق أنه يجوز في علم أن يقال علم الرجل زيد بضم عين الكلمة وقد مثل هو وابنه به وصرح غيره أنه لا يجوز تحويل علم وجهل وسمع إلى فعل بضم العين لأن العرب حين استعملتها هذا الاستعمال أبقتها على كسرة عينها ولم تحولها إلى الضم فلا يجوز لنا تحويلها
(3/168)

بل نبقيها على حالها كما أبقوها فتقول علم الرجل زيد وجهل الرجل عمرو وسمع الرجل بكر
( ومثل نعم حبذا الفاعل ذا ... وإن ترد ذما فقل لا حبذا )
يقال في المدح حبذا زيد وفي الذم لا حبذا زيد كقوله
277 - ( ألا حبذا أهل الملا غير أنه ... إذا ذكرت مى فلا حبذا هيا )
(3/169)

واختلف في إعرابها فذهب أبو علي الفارسي في البغداديات وابن برهان وابن خروف وزعم أنه مذهب سيبويه وأن من نقل عنه غيره فقد أخطأ عليه واختاره المصنف إلى أن حب فعل ماض وذا فاعله وأما المخصوص فجوز أن يكون مبتدأ والجملة قبله خبره وجوز أن يكون خبرا لمبتدإ محذوف وتقديره هو زيد أي الممدوح أو المذموم زيد واختاره المصنف
وذهب المبرد في المقتضب وابن السراج في الأصول وابن هشام اللخمى واختاره ابن عصفور إلى أن حبذا اسم وهو مبتدأ والمخصوص خبره أو خبر مقدم والمخصوص مبتدأ مؤخر فركبت حب مع ذا وجعلتا اسما واحدا
(3/170)

وذهب قوم منهم ابن درستويه إلى أن حبذا فعل ماض وزيد فاعله فركبت حب مع ذا وجعلتا فعلا وهذا أضعف المذاهب
( وأول ذا المخصوص أيا كان لا ... تعدل بذا فهو يضاهى المثلا )
أي أوقع المخصوص بالمدح أو الذم بعد ذا على أي حال كان من الإفراد والتذكير والتأنيث والتثنية والجمع ولا تغير ذا لتغير المخصوص بل يلزم الإفراد والتذكير وذلك لأنها أشبهت المثل والمثل لا يغير فكما تقول الصيف ضيعت اللبن للمذكر والمؤنث والمفرد والمثنى والجمع بهذا اللفظ تقول حبذا زيد وحبذا هند والزيدان والهندان والزيدون والهندات فلا تخرج ذا عن الإفراد والتذكير ولو خرجت لقيل حبذى هند وحبذان الزيدان وحبتان الهندان وحب أولئك الزيدون أو الهندات
(3/171)

( وما سوى ذا أرفع بحب أو فجر ... بالبا ودون ذا انضمام الحا كثر )
يعني أنه إذا وقع بعد حب غير ذا من الأسماء جاز فيه وجهان الرفع بحب نحو حب زيد والجر بباء زائدة نحو حب بزيد وأصل حب حبب ثم أدغمت الباء في الباء فصار حب
ثم إن وقع بعد حب ذا وجب فتح الحاء فتقول حب ذا وإن وقع بعدها غير ذا جاز ضم الحاء وفتحها فتقول حب زيد وحب زيد وروى بالوجهين قوله
278 - ( فقلت أقتلوها عنكم بمزاجها ... وحب بها مقتولة حين تقتل )
(3/172)

أفعل التفضيل
( صغ من مصوغ منه للتعجب ... أفعل للتفضيل وأب اللذ أبى )
يصاغ من الأفعال التي يجوز التعجب منها للدلالة على التفضيل وصف على وزن أفعل فتقول زيد أفضل من عمرو وأكرم من خالد كما تقول ما أفضل زيدا وما أكرم خالدا
وما امتنع بناء فعل التعجب منه امتنع بناء أفعل التفضيل منه فلا يبنى من فعل زائد على ثلاثة أحرف كدحرج واستخرج ولا من فعل غير متصرف
(3/174)

كنعم وبئس ولا من فعل لا يقبل المفاضلة كمات وفنى ولا من فعل ناقص ككان وأخواتها ولا من فعل منفى نحو ما عاج بالدواء وما ضرب ولا من فعل يأتى الوصف منه على أفعل نحو حمر وعور ولا من فعل مبنى للمفعول نحو ضرب وجن وشذ منه قولهم هو أخصر من كذا فبنوا أفعل التفضيل من اختصر وهو زائد على ثلاثة أحرف ومبني للمفعول وقالوا أسود من حلك الغراب وأبيض من اللبن فبنوا أفعل التفضيل شذوذا من فعل الوصف منه على أفعل
( وما به إلى تعجب وصل ... لمانع به إلى التفضيل صل )
تقدم في باب التعجب أنه يتوصل إلى التعجب من الأفعال التي لم تستكمل الشروط بأشد ونحوها وأشار هنا إلى أنه يتوصل إلى التفضيل من الأفعال التي لم تستكمل الشروط بما يتوصل به في التعجب فكما تقول ما أشد استخراجه تقول هو أشد استخراجا من زيد وكما تقول ما أشد حمرته تقول هو أشد حمرة من زيد لكن المصدر ينتصب في باب التعجب بعد أشد مفعولا وههنا ينتصب تمييزا
(3/175)

( وأفعل التفضيل صله أبدا ... تقديرا أو لفظا بمن إن جردا )
لا يخلو أفعل التفضيل عن أحد ثلاثة أحوال الأول أن يكون مجردا الثاني أن يكون مضافا الثالث أن يكون بالألف واللام
فإن كان مجردا فلا بد أن يتصل به من لفظا أو تقديرا جارة للمفضل نحو زيد أفضل من عمرو وقد تحذف من ومجرورها للدلالة عليهما كقوله تعالى ( أنا أكثر منك مالا وأعز نفرا ) أي وأعز منك نفرا
وفهم من كلامه أن أفعل التفضيل إذا كان بأل أو مضافا لا تصحبه من فلا تقول زيد الأفضل من عمرو ولا زيد أفضل الناس من عمرو
(3/176)

وأكثر ما يكون ذلك إذا كان أفعل التفضيل خبرا كالآية الكريمة ونحوها وهو كثير في القرآن وقد تحذف منه وهو غير خبر كقوله
279 - ( دنوت وقد خلناك كالبدر أجملا ... فظل فؤادي في هواك مضللا )
ف أجمل أفعل تفضيل وهو منصوب على الحال من التاء في دنوت وحذفت منه من والتقدير دنوت أجمل من البدر وقد خلناك كالبدر
(3/177)

ويلزم أفعل التفضيل المجرد الإفراد والتذكير وكذلك المضاف إلى نكرة وإلى هذا أشار بقوله
( وإن لمنكور يضف أو جردا ... ألزم تذكيرا وأن يوحدا )
فتقول زيد أفضل من عمرو وأفضل رجل وهند أفضل من عمرو وأفضل امرأة والزيدان أفضل من عمرو وأفضل رجلين والهندان أفضل من عمرو وأفضل امرأتين والزيدون أفضل من عمرو وأفضل رجال والهندات أفضل من عمرو وأفضل نساء فيكون أفعل في هاتين الحالتين مذكرا ومفردا ولا يؤنث ولا يثنى ولا يجمع
( وتلو أل طبق وما لمعرفه ... أضيف ذو وجهين عن ذي معرفه )
(3/178)

( هذا إذا نويت معنى من وإن ... لم تنو فهو طبق ما به قرن )
إذا كان أفعل التفضيل ب أل لزمت مطابقته لما قبله في الإفراد والتذكير وغيرهما فتقول زيد الأفضل والزيدان الأفضلان والزيدون الأفضلون وهند الفضلى والهندان الفضليان والهندات الفضل أو الفضليات ولا يجوز عدم مطابقته لما قبله فلا تقول الزيدون الأفضل ولا الزيدان الأفضل ولا هند الأفضل ولا الهندان الأفضل ولا الهندات الأفضل ولا يجوز أن تقترن به من فلا تقول زيد الأفضل من عمرو فأما قوله
(3/179)

280 - ( ولست بالأكثر منهم حصى ... وإنما العزة للكاثر )
فيخرج على زيادة الألف واللام والأصل ولست بأكثر منهم أو جعل منهم متعلقا بمحذوف مجرد عن الألف واللام لا بما دخلت عليه الألف واللام والتقدير ولست بالأكثر أكثر منهم
(3/180)

وأشار بقوله وما لمعرفة أضيف إلخ إلى أن أفعل التفضيل إذا أضيف إلى معرفة وقصد به التفضيل جاز فيه وجهان أحدهما استعماله كالمجرد فلا يطابق ما قبله فتقول الزيدان أفضل القوم والزيدون أفضل القوم وهند أفضل النساء والهندان أفضل النساء والهندات أفضل النساء والثاني استعماله كالمقرون بالألف واللام فتجب مطابقته لما قبله فتقول الزيدان أفضلا القوم والزيدون أفضلوا القوم وأفاضل القوم وهند فضلى النساء والهندان فضليا النساء والهندات فضل النساء أو فضليات النساء ولا يتعين الاستعمال الأول خلافا لابن السراج وقد ورد الاستعمالان في القرآن فمن استعماله غير مطابق قوله تعالى ( ولتجدنهم أحرص الناس على حياة ) ومن استعماله مطابقا قوله تعالى ( وكذلك جعلنا في كل قرية أكابر مجرميها ) وقد اجتمع الاستعمالان في قوله ألا أخبركم بأحبكم إلي وأقربكم مني منازل يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا الموطئون أكنافا الذين يألفون ويؤلفون
والذين أجازوا الوجهين قالوا الأفصح المطابقة ولهذا عيب على صاحب الفصيح في قوله فاخترنا أفصحهن قالوا فكان ينبغي أن يأتي بالفصحى فيقول فصحاهن
فإن لم يقصد التفضيل تعينت المطابقة كقولهم الناقص والأشج أعدلا بني مروان أي عادلا بني مروان
وإلى ما ذكرناه من قصد التفضيل وعدم قصده أشار المصنف بقوله هذا إذا نويت معنى من البيت أي جواز الوجهين أعني المطابقة وعدمها
(3/181)

مشروط بما إذا نوى بالإضافة معنى من أي إذا نوى التفضيل وأما إذا لم ينو ذلك فيلزم أن يكون طبق ما اقترن به
قيل ومن استعمال صيغة أفعل التفضيل قوله تعالى ( وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه ) وقوله تعالى ( ربكم أعلم بكم ) أي وهو هين عليه وربكم عالم بكم وقول الشاعر
( وإن مدت الأيدي إلى الزاد لم أكن ... بأعجلهم إذ أجشع القوم أعجل )
أي لم أكن بعجلهم وقوله
281 - ( إن الذي سمك السماء بنى لنا ... بيتا دعائمه أعز وأطول )
(3/182)

أي دعائمه عزيزة طويلة وهل ينقاس ذلك أم لا قال المبرد ينقاس وقال غيره لا ينقاس وهو الصحيح وذكر صاحب الواضح أن النحويين لا يرون ذلك وأن أبا عبيدة قال في قوله تعالى ( وهو أهون عليه ) إنه بمعنى هين وفي بيت الفرزدق وهو الثاني إن المعنى عزيزة طويلة وإن النحويين ردوا على أبي عبيدة ذلك وقالوا لا حجة في ذلك له
( وإن تكن بتلو من مستفهما ... فلهما كن أبدا مقدما )
( كمثل ممن أنت خير ولدى ... إخبار التقديم نزرا وردا )
(3/183)

تقدم أن أفعل التفضيل إذا كان مجردا جيء بعده بمن جارة للمفضل عليه نحو زيد أفضل من عمرو ومن ومجرورها معه بمنزلة المضاف إليه من المضاف فلا يجوز تقديمهما عليه كما لا يجوز تقديم المضاف إليه على المضاف إلا إذا كان المجرور بها اسم استفهام أو مضافا إلى اسم استفهام فإنه يجب حينئذ تقديم من ومجرورها نحو ممن أنت خير ومن أيهم أنت أفضل ومن غلام أيهم أنت أفضل وقد ورد التقديم شذوذا في غير الاستفهام وإليه أشار بقوله ولدى إخبار التقديم نزرا وردا ومن ذلك قوله
282 - ( فقالت لنا أهلا وسهلا وزودت ... جنى النحل بل ما زودت منه أطيب )
(3/184)

والتقدير بل ما زودت أطيب منه وقول ذي الرمة يصف نسوة بالسمن والكسل
383 - ( ولا عيب فيها غير أن سريعها ... قطوف وأن لا شيء منهن أكسل )
(3/185)

التقدير وأن لا شيء أكسل منهن وقوله
284 - ( إذا سايرت أسماء يوما ظعينة ... فأسماء من تلك الظعينة أملح )
التقدير فأسماء أصلح من تلك الظعينة
(3/186)

( ورفعه الظاهر نزر ومتى ... عاقب فعلا فكثيرا ثبتا )
( كلن ترى في الناس من رفيق ... أولى به الفضل من الصديق )
لا يخلو أفعل التفضيل من أن يصلح لوقوع فعل بمعناه موقعه أولا
فإن لم يصلح لوقوع فعل بمعناه موقعه لم يرفع ظاهرا وإنما يرفع ضميرا مستترا نحو زيد أفضل من عمرو ففي أفضل ضمير مستتر عائد على زيد
(3/187)

فلا تقول مررت برجل أفضل منه أبوه فترفع أبوه ب أفضل إلا في لغة ضعيفة حكاها سيبويه
فإن صلح لوقوع فعل بمعناه موقعه صح أن يرفع ظاهرا قياسا مطردا وذلك في كل موضع وقع فيه أفعل بعد نفي أو شبهه وكان مرفوعه أجنبيا مفضلا على نفسه باعتبارين نحو ما رأيت رجلا أحسن في عينه الكحل منه في عين زيد ف الكحل مرفوع ب أحسن لصحة وقوع فعل بمعناه موقعه نحو ما رأيت رجلا يحسن في عينه الكحل كزيد ومثله قوله ما من أيام أحب إلى الله فيها الصوم منه في عشر ذي الحجة وقول الشاعر أنشده سيبويه
285 - ( مررت على وادي السباع ولا أرى ... كوادي السباع حين يظلم واديا )
(3/188)

( أقل به ركب أتوه تثية ... وأخوف إلا ما وقى الله ساريا )
ف ركب مرفوع بأقل فقول المصنف ورفعه الظاهر نزر إشارة إلى الحالة الأولى وقوله ومتى عاقب فعلا إشارة إلى الحالة الثانية
(3/189)

التوابع
النعت
( يتبع في الإعراب الأسماء الأول ... نعت وتوكيد وعطف وبدل )
التابع هو الاسم المشارك لما قبله في إعرابه مطلقا
فيدخل في قولك الاسم المشارك لما قبله في إعرابه سائر التوابع وخبر المبتدأ نحو زيد قائم وحال المنصوب نحو ضربت زيدا مجردا
ويخرج بقولك مطلقا الخبر وحال المنصوب فإنهما لا يشاركان ما قبلهما في إعرابه مطلقا بل في بعض أحواله بخلاف التابع فإنه يشارك ما قبله في سائر أحواله من الإعراب نحو مررت بزيد الكريم ورأيت زيدا الكريم وجاء زيد الكريم
(3/190)

والتابع على خمسة أنواع النعت والتوكيد وعطف البيان وعطف النسق والبدل
( فالنعت تابع متم ما سبق ... بوسمه أو وسم ما به أعتلق )
عرف النعت بأنه التابع المكمل متبوعه ببيان صفة من صفاته نحو مررت برجل كريم أو من صفات ما تعلق به وهو سببيه نحو مررت برجل كريم أبوه
فقوله التابع يشمل التوابع كلها وقوله المكمل إلى آخره مخرج لما عدا النعت من التوابع
والنعت يكون للتخصيص نحو مررت بزيد الخياط وللمدح نحو مررت بزيد الكريم ومنه قوله تعالى ( بسم الله الرحمن الرحيم ) وللذم نحو مررت بزيد الفاسق ومنه قوله تعالى ( فاستعذ بالله
(3/191)

من الشيطان الرجيم ) وللترحم نحو مررت بزيد المسكين وللتأكيد نحو أمس الدابر لايعود وقوله تعالى ( فإذا نفخ في الصور نفخة واحدة )
( وليعط في التعريف والتنكير ما ... لما تلا ك امرر بقوم كرما )
النعت يجب فيه أن يتبع ما قبله في إعرابه وتعريفه أو تنكيره نحو مررت بقوم كرماء ومررت بزيد الكريم فلا تنعت المعرفة بالنكرة فلا تقول مررت بزيد كريم ولا تنعت النكرة بالمعرفة فلا تقول مررت برجل الكريم
(3/192)

( وهو لدى التوحيد والتذكير أو ... سواهما كالفعل فأقف ما قفوا )
تقدم أن النعت لا بد من مطابقته للمنعوت في الإعراب والتعريف أو التنكير وأما مطابقته للمنعوت في التوحيد وغيره وهي التثنية والجمع والتذكير وغيره وهو التأنيث فحكمه فيها حكم الفعل
فإن رفع ضميرا مستترا طابق المنعوت مطلقا نحو زيد رجل حسن والزيدان رجلان حسنان والزيدون رجال حسنون وهند امرأة حسنة والهندان امرأتان حسنتان والهندات نساء حسنات فيطابق في التذكير والتأنيث والإفراد والتثنية والجمع كما يطابق الفعل لو جئت مكان النعت بفعل ف قلت رجل حسن ورجلان حسنا ورجال حسنوا وامرأة حسنت وامرأتان حسنتا ونساء حسن
وإن رفع أي النعت اسما ظاهرا كان بالنسبة إلى التذكير والتأنيث على حسب ذلك الظاهر وأما في التثنية والجمع فيكون مفردا فيجري مجرى الفعل إذا رفع ظاهرا فتقول مررت برجل حسنة أمه كما تقول حسنت أمه وبامرأتين حسن أبواهما وبرجال حسن آباؤهم كما تقول حسن أبواهما وحسن آباؤهم
(3/193)

فالحاصل أن النعت إذا رفع ضميرا طابق المنعوت في أربعة من عشرة واحد من ألقاب الإعراب وهي الرفع والنصب والجر وواحد من التعريف والتنكير وواحد من التذكير والتأنيث وواحد من الإفراد والتثنية والجمع
وإذا رفع ظاهرا طابقه في اثنين من خمسة واحد من ألقاب الإعراب وواحد من التعريف والتنكير وأما الخمسة الباقية وهي التذكير والتأنيث والإفراد والتثنية والجمع فحكمه فيها حكم الفعل إذا رفع ظاهرا فإن أسند إلى مؤنث أنث وإن كان المنعوت مذكرا وإن أسند إلى مذكر ذكر وإن كان المنعوت مؤنثا وإن أسند إلى مفرد أو مثنى أو مجموع أفرد وإن كان المنعوت بخلاف ذلك
( وأنعت بمشتق كصعب وذرب ... وشبهه كذا وذى والمنتسب )
(3/194)

لا ينعت إلا بمشتق لفظا أو تأويلا
والمراد بالمشتق هنا ما أخذ من المصدر للدلالة على معنى وصاحبه كاسم الفاعل واسم المفعول والصفة المشبهة باسم الفاعل وأفعل التفضيل
والمؤول بالمشتق كاسم الإشارة نحو مررت بزيد هذا أي المشار إليه وكذا ذو بمعنى صاحب والموصولة نحو مررت برجل ذي مال أي صاحب مال وبزيد ذو قام أي القائم والمنتسب نحو مررت برجل قرشي أي منتسب إلى قريش
( ونعتوا بجملة منكرا ... فأعطيت ما أعطيته خبرا )
تقع الجملة نعتا كما تقع خبرا وحالا وهي مؤولة بالنكرة ولذلك لا ينعت بها إلا النكرة نحو مررت برجل قام أبوه أو أبوه قائم ولا تنعت بها المعرفة فلا تقول مررت بزيد قام أبوه أو أبوه قائم وزعم بعضهم
(3/195)

أنه يجوز نعت المعرف بالألف واللام الجنسية بالجملة وجعل منه قوله تعالى ( وآية لهم الليل نسلخ منه النهار ) وقول الشاعر
286 - ( ولقد أمر على اللئيم يسبني ... فمضيت ثمت قلت لا يعنيني )
(3/196)

فنسلخ صفة لليل ويسبنى صفة للئيم ولا يتعين ذلك لجواز كون نسلخ ويسبني حالين
وأشار بقوله فأعطيت ما أعطيته خبرا إلى أنه لا بد للجملة الواقعة صفة من ضمير يربطها بالموصوف وقد يحذف للدلالة عليه كقوله
287 - ( وما أدرى أغيرهم تناء ... وطول الدهر أم مال أصابوا )
(3/197)

التقدير أم مال أصابوه فحذف الهاء وكقوله عز و جل ( واتقوا يوما لا تجزى نفس عن نفس شيئا ) أي لا تجزى فيه فحذف فيه
وفي كيفية حذفه قولان أحدهما أنه حذف بجملته دفعة واحدة والثاني أنه حذف على التدريج فحذف في أولا فاتصل الضمير بالفعل فصار تجزيه ثم حذف هذا الضمير المتصل فصار تجزى
( وامنع هنا إبقاع ذات الطلب ... وإن أتت فالقول أضمر تصب )
(3/198)

لا تقع الجملة الطلبية صفة فلا تقول مررت برجل أضربه وتقع خبرا خلافا لابن الأنباري فتقول زيد أضربه ولما كان قوله فأعطيت ما أعطيته خبرا يوهم أن كل جملة وقعت خبرا يجوز أن تقع صفة قال ( وامنع هنا إيقال ذات الطلب ... ) أي امنع وقوع الجملة الطلبية في باب النعت وإن كان لا يمتنع في باب الخبر ثم قال فإن جاء ما ظاهره أنه نعت فيه بالجملة الطلبية فيخرج على إضمار القول ويكون القول المضمر صفة والجملة الطلبية معمول القول المضمر وذلك كقوله
288 - ( حتى إذا جن الظلام واختلط ... جاءوا بمذق هل رأيت الذئب قط )
(3/199)

فظاهر هذا أن قوله هل رأيت الذئب قط صفة ل مذق وهي جملة طلبية ولكن ليس هو على ظاهره بل هل رأيت الذئب قط مقول لقول مضمرهو صفة ل مذق والتقدير بمذق مقول فيه هل رأيت الذئب قط
فإن قلت هل يلزم هذا التقدير في الجملة الطلبية إذا وقعت في باب الخبر فيكون تقدير قولك زيد اضربه زيد مقول فيه اضربه
فالجواب أن فيه خلافا فمذهب ابن السراج والفارسي التزام ذلك ومذهب الأكثرين عدم التزامه
( ونعتوا بمصدر كثيرا ... فالتزموا الإفراد والتذكيرا )
(3/200)

يكثر استعمال المصدر نعتا نحو مررت برجل عدل وبرجلين عدل وبرجال عدل وبامرأة عدل وبأمرأتين عدل وبنساء عدل ويلزم حينئد الإفراد والتذكير والنعت به على خلاف الأصل لأنه يدل على المعنى لا على صاحبه وهو مؤول إما على وضع عدل موضع عادل أو على حذف مضاف والأصل مررت برجل ذي عدل ثم حذف ذي وأقيم عدل مقامه وإما على المبالغة بجعل العين نفس المعنى مجازا أو ادعاء
( ونعت غير واحد إذا اختلف ... فعاطفا فرقه لا إذا ائتلف )
(3/201)

إذا نعت غير الواحد فإما أن يختلف النعت أو يتفق
فإن اختلف وجب التفريق بالعطف فتقول مررت بالزيدين الكريم والبخيل وبرجال فقيه وكاتب وشاعر
وإن اتفق جيء به مثنى أو مجموعا نحو مررت برجلين كريمين وبرجال كرماء
( ونعت معمولى وحيدى معنى ... وعمل أتبع بغير استثنا )
إذا نعت معمولان لعاملين متحدى المعنى والعمل أتبع النعت المنعوت رفعا ونصبا وجرا نحو ذهب زيد وانطلق عمرو العاقلان وحدثت زيدا وكلمت عمرا الكريمين ومررت بزيد وجزت على عمرو الصالحين
فإن اختلف معنى العاملين أو عملهما وجب القطع وامتنع الإتباع فتقول جاء زيد وذهب عمرو العاقلين بالنصب على إضمار فعل أي أعنى العاقلين وبالرفع على إضمار مبتدأ أي هما العاقلان وتقول انطلق زيد وكلمت عمرا الظريفين أي أعنى الظريفين أو الظريفان
(3/202)

أي هما الظريفان ومررت بزيد وجاوزت خالدا الكاتبين أو الكاتبان
( وإن نعوت كثرت وقد تلت ... مفتقرا لذكرهن أنبعت )
إذا تكررت النعوت وكان المنعوت لا يتضح إلا بها جميعا وجب إتباعها كلها فتقول مررت بزيد الفقيه الشاعر الكاتب
( واقطع أو أتبع إن يكن معينا ... بدونها أو بعضها اقطع معلنا )
(3/203)

إذا كان المنعوت متضحا بدونها كلها جاز فيها جميعها الإتباع والقطع وإن كان معينا ببعضها دون بعض وجب فيما لا يتعين إلا به الإتباع وجاز فيما يتعين بدونه الإتباع والقطع
( وأرفع أو أنصب إن قطعت مضمرا ... مبتدأ أو ناصبا لن يظهرا )
أي إذا قطع النعت عن المنعوت رفع على إضمار مبتدأ أو نصب على إضمار فعل نحو مررت بزيد الكريم أو الكريم أي هو الكريم أو أعني الكريم
(3/204)

وقول المصنف لن يظهرا معناه أنه يجب إضمار الرافع أو الناصب ولا يجوز إظهاره وهذا صحيح إذا كان النعت لمدح نحو مررت بزيد الكريم أو ذم نحو مررت بعمرو الخبيث أو ترحم نحو مررت بزيد المسكين فأما إذا كان لتخصيص فلا يجب الإضمار نحو مررت بزيد الخياط أو الخياط وإن شئت أظهرت فتقول هو الخياط أو أعنى الخياط والمراد بالرافع والناصب لفظة هو أو أعنى
( وما من المنعوت والنعت عقل ... يجوز حذفه وفي النعت يقل )
أي يجوز حذف المنعوت وإقامة النعت مقامه إذا دل عليه دليل نحو قوله تعالى ( أن أعمل سابغات ) أي دروعا سابغات وكذلك يحذف النعت إذ دل عليه دليل لكنه قليل ومنه قوله تعالى ( قالوا الآن جئت بالحق أي البين وقوله تعالى ( إنه ليس من أهلك ) أي الناجين
(3/205)

التوكيد
( بالنفس أو بالعين الاسم أكدا ... مع ضمير طابق المؤكدا )
( واجمعهما بأفعل إن تبعا ... ما ليس واحد تكن متبعا )
التوكيد قسمان أحدهما التوكيد اللفظي وسيأتي والثاني التوكيد المعنوي وهو على ضربين
أحدهما ما يرفع توهم مضاف إلى المؤكد وهو المراد بهذين البيتين وله لفظان النفس والعين وذلك نحو جاء زيد نفسه فنفسه
(3/206)

توكيد لزيد وهو يرفع توهم أن يكون التقدير جاء خبر زيد أو رسوله وكذلك جاء زيد عينه
ولا بد من إضافة النفس أو العين إلى ضمير يطابق المؤكد نحو جاء زيد نفسه أو عينه وهند نفسها أو عينها
ثم إن كان للمؤكد بهما مثنى أو مجموعا جمعتهما على مثال أفعل فتقول جاء الزيدان أنفسهما أو أعينهما والهندان أنفسهما أو أعينهما والزيدون أنفسهم أو أعينهم والهندات أنفسهن أو أعينهن
( وكلا اذكر في الشمول وكلا ... كلتا جميعا بالضمير موصلا )
هذا هو الضرب الثاني من التوكيد المعنوي وهو ما يرفع توهم عدم إرادة الشمول والمستعمل لذلك كل وكلا وكلتا وجميع
(3/207)

فيؤكد بكل وجميع ما كان ذا أجزاء يصح وقوع بعضها موقعه نحو جاء الركب كله أو جميعه والقبيلة كلها أو جميعها والرجال كلهم أو جميعهم والهندات كلهن أو جميعهن ولا تقول جاء زيد كله
ويؤكد بكلا المثنى المذكر نحو جاء الزيدان كلاهما وبكلتا المثنى المؤنث نحو جاءت الهندان كلتاهما
ولا بد من إضافتها كلها إلى ضمير يطابق المؤكد كما مثل
( واستعملوا أيضا ككل فاعله ... من عم في التوكيد مثل النافله )
أي استعمل العرب للدلالة على الشمول ككل عامة مضافا إلى ضمير المؤكد نحو جاء القوم عامتهم وقل من عدها من النحويين في ألفاظ التوكيد وقد عدها سيبويه وإنما قال مثل النافلة لأن عدها من ألفاظ التوكيد يشبه النافلة أي الزيادة لأن أكثر النحويين لم يذكرها
(3/208)

( وبعد كل أكدوا بأجمعا ... جمعاء أجمعين ثم جمعا )
أي يجاء بعد كل بأجمع وما بعدها لتقوية قصد الشمول فيؤتى ب أجمع بعد كله نحو جاء الركب كله أجمع وبجمعاء بعد كلها نحو جاءت القبيلة كلها جمعاء وبأجمعين بعد كلهم نحو جاء الرجال كلهم أجمعون وبجمع بعد كلهن نحو جاءت الهندات كلهن جمع
( ودون كل قد يجيء أجمع ... جمعاء أجمعون ثم جمع )
أي قد ورد استعمال العرب أجمع في التوكيد غير مسبوقة بكله نحو جاء الجيش أجمع واستعمال جمعاء غير مسبوقة بكلها نحو جاءت القبيلة جمعاء واستعمال أجمعين غير مسبوقة ب كلهم نحو جاء القوم أجمعون واستعمال جمع غير مسبوقة بكلهن نحو جاء النساء جمع وزعم المصنف أن ذلك قليل ومنه قوله
(3/209)

289 - ( يا ليتني كنت صبيا مرضعا ... تحملني الذلفاء حولا أكتعا )
( إذا بكيت قبلتني أربعا ... إذا ظللت الدهر أبكي أجمعا )
(3/210)

( وإن يفد كيد منكور قبل ... وعن نحاة البصرة المنع شمل )
مذهب البصريين أنه لا يجوز توكيد النكرة سواء كانت محدودة كيوم وليلة وشهر وحول أو غير محدودة كوقت وزمن وحين
ومذهب الكوفيين واختاره المصنف جواز توكيد النكرة المحدودة لحصول الفائدة بذلك نحو صمت شهرا كله ومنه قوله
( تحملني الذلفاء حولا أكتعا ... )
وقوله
290 - ( قد صرت البكرة يوما أجمعا ... )
(3/211)

( وأغن بكلتا في مثنى وكلا ... عن وزن فعلاء ووزن أفعلا )
قد تقدم أن المثنى يؤكد بالنفس أو العين وبكلا وكلتا ومذهب البصريين أنه لا يؤكد بغير ذلك فلا تقول جاء الجيشان أجمعان ولا جاء القبيلتان جمعاوان استغناء بكلا وكلتا عنهما وأجاز ذلك الكوفيون
( وإن تؤكد الضمير المتصل ... بالنفس والعين فبعد المنفصل )
(3/212)

( عينت ذا الرفع وأكدوا بما ... سواهما والقيد لن يلتزما )
لا يجوز توكيد الضمير المرفوع المتصل بالنفس أو العين إلا بعد تأكيده بضمير منفصل فتقول قوموا أنتم أنفسكم أو أعينكم ولا تقل قوموا أنفسكم
فإذا أكدته بغير النفس والعين لم يلزم ذلك تقول قوموا كلكم أو قوموا أنتم كلكم
وكذا إذا كان المؤكد غير ضمير رفع بأن كان ضمير نصب أو جز فتقول مررت بك نفسك أو عينك ومررت بكم كلكم ورأيتك نفسك أو عينك ورأيتكم كلكم
( وما من التوكيد لفظي يجى ... مكررا كقولك أدرجى أدرجي )
(3/213)

هذا هو القسم ا لثاني من قسمى التوكيد وهو التوكيد اللفظي وهو تكرار اللفظ الأول بعينه اعتناء به نحو أدرجى أدرجى وقوله
291 - ( فأين إلى أين النجاة ببغلتي ... أتاك أتاك اللاحقون أحبس أحبس )
وقوله تعالى ( كلا إذا دكت الأرض دكا دكا )
(3/214)

( ولا تعد لفظ ضمير متصل ... إلا مع اللفظ الذي به وصل )
أي إذا أريد تكرير لفظ الضمير المتصل للتوكيد لم يجز ذلك إلا بشرط اتصال المؤكد بما اتصل بالمؤكد نحو مررت بك بك ورغبت فيه فيه ولا تقول مررت بكك
( كذا الحروف غير ما تحصلا ... به جواب كنعم وكبلى )
(3/215)

أي كذلك إذا أريد توكيد الحرف الذي ليس للجواب يجب أن يعاد مع الحرف المؤكد ما يتصل بالمؤكد نحو إن زيدا إن زيدا قائم وفي الدار زيد ولا يجوز إن إن زيدا قائم ولا في في الدار زيد ولا يجوز إن إن زيدا قائم ولا في في الدار زايد
فإن كان الحرف جوابا كنعم وبلى وجير وأجل وإي ولا جاز إعادته وحده فيقال لك أقام زيد فتقول نعم نعم أو لا لا وألم يقم زيد فتقول بلى بلى
( ومضمر الرفع الذي قد انفصل ... أكد به كل ضمير اتصل )
(3/216)

أي يجوز أن يؤكد بضمير الرفع المنفصل كل ضمير متصل مرفوعا كان نحو قمت أنت أو منصوبا نحو أكرمتني أنا أو مجرورا نحو مررت به هو والله أعلم
(3/217)

العطف
( العطف إما ذو بيان أو نسق ... والغرض الآن بيان ما سبق )
( فذو البيان تابع شبه الصفه ... حقيقة القصد به منكشفه )
العطف كما ذكر ضربان أحدهما عطف النسق وسيأتي والثاني عطف البيان وهو المقصود بهذا الباب
وعطف البيان هو التابع الجامد المشبه للصفة في إيضاح متبوعه وعدم استقلاله نحو
(3/218)

292 - ( أقسم بالله أبو حفص عمر ... )
فعمر عطف بيان لأنه موضح لأبي حفص
فخرج بقوله الجامد الصفة لأنها مشتقة أو مؤولة به وخرج بما بعد ذلك التوكيد وعطف النسق لأنهما لا يوضحان متبوعهما والبدل الجامد لأنه مستقل
(3/219)

( فأولينه من وفاق الأول ... ما من وفاق الأول النعت ولي )
لما كان عطف البيان مشبها للصفة لزم فيه موافقة المتبوع كالنعت فيوافقه في إعرابه وتعريفه أو تنكيره وتذكيره أو تأنيثه وإفراده أو تثنيته أو جمعه
( فقد يكونان منكرين ... كما يكونان معرفين )
ذهب أكثر النحويين إلى امتناع كون عطف البيان ومتبوعه نكرتين وذهب قوم منهم المصنف إلى جواز ذلك فيكونان منكرين كما يكونان معرفين قيل ومن تنكيرهما قوله تعالى ( توقد من شجرة مباركة زيتونة ) وقوله تعالى ( ويسقى من ماء صديد ) فزيتونة عطف بيان لشجرة وصديد عطف بيان لماء
(3/220)

فبشر عطف بيان ولا يجوز كونه بدلا إذ لا يصح أن يكون التقدير أنا ابن التارك بشر
وأشار بقوله وليس أن يبدل بالمرضى إلى أن تجويز كون بشر بدلا غير مرضى وقصد بذلك التنبيه على مذهب الفراء والفارسي
(3/221)

الأولى أن يكون التابع مفردا معرفه معربا والمتبوع منادى نحو يا غلام يعمرا فيتعين أن يكون يعمرا عطف بيان ولا يجوز أن يكون بدلا لأن البدل على نية تكرار العامل فكان يجب بناء يعمرا على الضم لأنه لو لفظ بيا معه لكان كذلك
الثانية أن يكون التابع خاليا من أل والمتبوع بأل وقد أضيفت إليه صفة بأل نحو أنا الضارب الرجل زيد فيتعين كون زيد عطف بيان ولا يجوز كونه بدلا من الرجل لأن البدل على نية تكرار العامل فيلزم أن يكون التقدير أنا الضارب زيد وهو لا يجوز لما عرفت في باب الإضافة من أن الصفة إذا كانت بأل لا تضاف إلا إلى ما فيه أل أو ما أضيف إلى ما فيه أل ومثل أنا الضارب الرجل زيد قوله
293 - ( أنا ابن التارك البكري بشر ... عليه الطير ترقبه وقوعا )
(3/222)
فبشر عطف بيان ولا يجوز كونه بدلا إذ لا يصح أن يكون التقدير أنا ابن التارك بشر
وأشار بقوله وليس أن يبدل بالمرضى إلى أن تجويز كون بشر بدلا غير مرضى وقصد بذلك التنبيه على مذهب الفراء والفارسي
(3/223)
عطف النسق
( تال بحرف متبع عطف النسق ... كاخصص بود وثناء من صدق )
عطف النسق هو التابع المتوسط بينه وبين متبوعه أحد الحروف التي سنذكرها كاخصص بود وثناء من صدق
فخرج بقوله المتوسط إلى آخره بقية التوابع
( فالعطف مطلقا بواو ثم فا ... حتى أم أو كفيك صدق ووفا )
(3/224)
حروف العطف على قسمين
أحدهما ما يشرك المعطوف مع المعطوف عليه مطلقا أي لفظا وحكما وهي الواو نحو جاء زيد وعمرو وثم نحو جاء زيد ثم عمرو والفاء نحو جاء زيد فعمرو وحتى نحو قدم الحجاج حتى المشاة وأم نحو أزيد عندك أم عمرو وأو نحو جاء زيد أو عمرو
والثاني ما يشرك لفظا فقط وهو المراد بقوله
( وأتبعت لفظا فحسب بل ولا ... لكن ك لم يبد أمرؤ لكن طلا )
هذه الثلاثة تشرك الثاني مع الأول في إعرابه لا في حكمه نحو ما قام زيد بل عمرو وجاء زيد لا عمرو ولا تضرب زيدا لكن عمرا
(3/225)
( فاعطف بواو لاحقا أو سابقا ... في الحكم أو مصاحبا موافقا )
لما ذكر حروف العطف التسعة شرع في ذكر معانيها
فالواو لمطلق الجمع عند البصريين فإذا قلت جاء زيد وعمرو دل ذلك على اجتماعهما في نسبة المجيء إليهما واحتمل كون عمرو جاء بعد زيد أو جاء قبله أو جاء مصاحبا له وإنما يتبين ذلك بالقرينة نحو جاء زيد وعمرو بعده وجاء زيد وعمرو قبله وجاء زيد وعمرو معه فيعطف بها اللاحق والسابق والمصاحب
ومذهب الكوفيين أنها للترتيب ورد بقوله تعالى ( إن هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيى )
(3/226)