الكتاب : شرح ابن عقيل
مصدر الكتاب : الإنترنت
[ ترقيم الكتاب موافق للمطبوع ]

فإن اختلف الحرفان لم يجز الحذف، نحو: " مررت بالذي غضبت عليه " فلا يجوز حذف " عليه " وكذلك " مررت بالذي مررت به على زيد " فلا يجوز حذف " به " منه، لاختلاف معنى الحرفين، لان الباء الداخلة على الموصول للالصاق، والداخلة على الضمير للسببية، وإن اختلف العاملان لم يجز الحذف أيضا، نحو: " مررت بالذي فرحت به " فلا يجوز حذف " به ".
وهذا كله هو المشار إليه بقوله: " كذا الذي جر بما الموصول جر " أي كذلك يحذف الضمير الذي جر بمثل ما جر الموصول به (1)، نحو: " مررت.
__________
= المخاطب اسمه مبني على الفتح في محل رفع " تخفي " فعل مضارع، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت، والجملة من تخفي وفاعله خبر " كان " في محل نصب " حب " مفعول به لتخفي، وحب مضاف و " سمراء " مضاف إليه " حقبة " ظرف زمان متعلق بتخفي " فبح " فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت " لان " ظرف زمان متعلق ببح " بالذي " جار ومجرور متعلق ببح أيضا " أنت بائح " مبتدأ وخبر، والجملة منهما لا محل لها صلة الموصول المجرور محلا بالباء، والعائد محذوف، وتقدير الكلام: فبح الآن بالذي أنت بائح به.
الشاهد فيه: قوله " بالذي أنت بائح " حيث استساغ الشاعر حذف العائد المجرور على الموصول من جملة الصلة، لكونه مجرورا بمثل الحرف الذي جر الموصول وهو الباء والعامل في الموصول متحد مع العامل في العائد مادة: الاول " بح " والثاني " بائح " ومعنى: لانهما جميعا من البوح بمعنى الاظهار والاعلان.
(1) ومثله أن يكون الموصول وصفا لاسم، وقد جر هذا الموصوف بحرف مثل الذي مع العائد، ومنه قول كعب بن زهير: إن تعن نفسك بالامر الذي عنيت نفوس قوم سموا تظفر بما ظفروا لا تركنن إلى الامر الذي ركنت أبناء يعصر حين اضطرها القدر = (*)
(1/175)

بالذي مررت فهو بر " أي: " بالذي مررت به " فاستغنى بالمثال عن ذكر بقية الشروط التسبق ذكرها.
* * *.
__________
= ففي كل بيت من هذين البيتين شاهد لما ذكرناه.
أما البيت الاول فإن الشاهد فيه قوله " بالامر الذي عنيت " فإن التقدير فيه: بالامر الذي عنيت به، فحذف المجرور ثم الجار، لكون الموصوف بالموصول مجرورا بمثل الذي جر ذلك العائد.
وأما البيت الثاني فالشاهد فيه قوله " إلى الامر الذي ركنت " فإن تقدير الكلام: إلى الامر الذي ركنت إليه، فحذف المجرور، ثم حذف الجار، لكون الموصوف - وهو الامر - مجرورا بحرف مماثل للحرف الذي جر به ذلك العائد.
* * * (*)
(1/176)

المعرف بأداة التعريف
أل حرف تعريف، أو اللام فقط، فنمط عرفت قل فيه: " النمط " (1) اختلف النحويون في حرف التعريف في " الرجل " ونحوه، فقال الخليل المعرف هو " أل "، وقال سيبويه: هو اللام وحدها، فالهمزة عند الخليل همزة قطع، وعند سيبويه همزة وصل اجتلبت للنطق بالساكن (2)..
__________
(1) " أل " مبتدأ " حرف " خبر المبتدأ، وحرف مضاف و " تعريف " مضاف إليه " أو " عاطفة " اللام " مبتدأ، وخبره محذوف يدل عليه ما قبله، والتقدير: أو اللام حرف تعريف " فقط " الفاء حرف زائد (لتزيين) ؟ اللفظ، وقط: اسم بمعنى حسب - أي كاف - حال من " اللام " وتقدير الكلام: أو اللام حال كونه كافيك، أو الفاء داخلة في جواب شرط محذوف و " قط " على هذا إما اسم فعل أمر بمعنى انته، وتقدير الكلام " إذا عرفت ذلك فانته " وإما اسم بمعنى كاف خبر لمبتدأ محذوف، أي إذا عرفت ذلك فهو كافيك، وقوله " نمط " مبتدأ " عرفت " فعل وفاعل، والجملة في محل رفع نعت لنمط " قل " فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت، والجملة في محل رفع خبر المبتدأ " فيه " جار ومجرور متعلق بقل " النمط " مفعول به لقل، لانه مقصود لفظه، وقيل: إن " عرفت " فعل شرط حذفت أداته، وجملة " قل " جواب الشرط حذفت منه الفاء، والتقدير: نمط إن عرفته فقل فيه النمط، أي إن أردت تعريفه، وجملة الشرط وجوابه على هذا خبر المبتدأ، وهو تكلف لا داعي له.
(2) ذهب الخليل إلى أن أداة التعريف هي " أل " برمتها، وأن الهمزة همزة أصلية، وأنها همزة قطع، بدليل أنها مفتوحة، إذ لو كانت همزة وصل لكسرت، لان الاصل في همزة الوصل الكسر، ولا تفتح أو تضم إلا لعارض، وليس هنا عارض يقتضي ضمها أو فتحها، وبقي عليه أن يجيب عما دعا إلى جعلها في الاستعمال همزة وصل، = (12 - شرح ابن عقيل 1)
(1/177)

والالف واللام المعرفة تكون للعهد، كقولك: " لقيت رجلا فأكرمت الرجل " وقوله تعالى: (كما أرسلنا إلى فرعون رسولا، فعصى فرعون الرسول) ولاستغراق الجنس، نحو: (إن الانسان لفي خسر) وعلامتها أن يصلح موضعها " كل " ولتعريف الحقيقة، نحو: " الرجل خير من المرأة " أي: هذه الحقيقة خير من هذه الحقيقة.
و " النمط " ضرب من البسط، والجمع أنماط مثل سبب وأسباب والنمط أيضا الجماعة من الناس الذين أمرهم واحد، كذا قاله الجوهري.
* * * وقد تزاد لازما: كاللات، والآن، والذين، ثم اللات (1) ولاضطرار: كبنات الاوبر كذا، " وطبت النفس يا قيس " السري (2).
__________
= والجواب عنده أنها إنما صارت همزة وصل في الاستعمال، لقصد التخفيف الذي اقتضاه كثرة استعمال هذا اللفظ.
وذهب سيبويه رحمه الله إلى أن أداة التعريف هي اللام وحدها، وأن الهمزة زائدة، وأنها همزة وصل أتى بها توصلا إلى النطق بالساكن، فإن قيل: فلماذا أتى بالهمزة ليتوصل بها إلى النطق بالساكن ولم تتحرك اللام ؟ أجيب عن ذلك بأنها لو حركت لكانت إما أن تحرك بالكسر فتلتبس بلام الجر، أو بالفتح فتلتبس بلام الابتداء، أو بالضم فتكون مما لا نظير له في العربية، فلاجل ذلك عدل عن تحريك اللام، وأبقيت على أصل وضعها، وجئ بهمزة الوصل قبلها.
(1) " قد " حرف تقليل " تزاد " فعل مضارع مبني للمجهول، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هي يعود إلى " أل " " لازما " حال من مصدر الفعل السابق، وتقديره: تزاد حال كون الزيد لازما، وقيل: هو مفعول مطلق، وهو
وصف لمصدر محذوف: أي زيدا لازما، وأنكر هذا ابن هشام على المعربين " كاللات " جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر لمبتدأ محذوف، والتقدير: وذلك كائن كاللات " والآن، والذين، ثم اللات " معطوفات على اللات.
(2) " لاضطرار " جار ومجرور متعلق بتزاد " كبنات " الكاف جارة لقول = (*)
(1/178)

ذكر المصنف في هذين البيتين أن الالف واللام تأتي زائدة، وهي - في زيادتها - على قسمين: لازمة، وغير لازمة.
ثم مثل الزائدة اللازمة ب " اللات " (1) وهو اسم صنم كان بمكة، وب " الآن " وهو ظرف زمان مبني على الفتح (2)، واختلف في الالف واللام الداخلة عليه،.
__________
= محذوف، وهي ومجرورها يتعلقان بمحذوف خبر لمبتدأ محذوف، أي: وذلك كائن كقولك إلخ، وبنات مضاف و " الاوبر " مضاف إليه " كذا " جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر لمبتدأ من مادة القول محذوف أيضا " طبت " فعل وفاعل " النفس " تمييز " يا " حرف نداء " قيس " منادى مبني على الضم في محل نصب " السري " نعت له، وتقدير الكلام: وقولك: " طبت النفس يا قيس " كذلك.
(1) مثل اللات كل علم قارنت " أل " وضعه لمعناه العلمي، سواء أكان مرتجلا أم كان منقولا، فمثال المرتجل من الاعلام التي فيها " أل " وقد قارنت وضعه: السموأل، وهو اسم شاعر جاهلي مشهور يضرب به المثل في الوفاء، ومثال المنقول من الاعلام التي فيها " أل " وقد قارنت وضعه للعلمية أيضا: العزى، وهو في الاصل مؤنث الاعز وصف من العزة، ثم سمى به صنم أو شجرة كانت غطفان تعبدها، ومنه اللات، وهو في الاصل اسم فاعل من لت السويق بلته، ثم سمى به صنم، وأصله بتشديد التاء، فلما سمى به خففت تاؤه، لان الاعلام كثيرا ما يغير فيها، ومنه " اليسع " فإن أصله فعل مضارع ماضيه وسع ثم سمى به.
(2) أكثر النحاة على أن " الآن " مبني على الفتح، ثم اختلفوا في سبب بنائه ؟ فذهب قوم إلى أن علة بنائه تضمنه معنى " أل " الحضورية، وهذا الرأي هو الذي نقله الشارح عن المصنف وجماعة، وهؤلاء يقولون: إن " أل " الموجودة فيه زائدة، وبناؤه لتضمنه معنى " أل " أخرى غير موجودة، ونظير ذلك بناء " الامس " في قول نصيب بن رباح: وإني وقفت اليوم والامس قبله ببابك حتى كادت الشمس تغرب فإنهم جعلوا بناءه في هذا وما أشبهه لتضمنه معنى " أل " غير الموجودة فيه، وهذا = (*)
(1/179)

فذهب قوم إلى أنها لتعريف الحضور كما في قولك: " مررت بهذا الرجل "، لان قولك: " الآن " بمعنى هذا الوقت، وعلى هذا لا تكون زائدة، وذهب قوم - منهم المصنف - إلى أنها زائدة، وهو مبني لتضمنه معنى الحرف، وهو لام الحضور.
ومثل - أيضا - ب " الذين "، و " اللات " والمراد بهما ما دخل عليه " أل " من الموصولات، وهو مبني على أن تعريف الموصول بالصلة، فتكون الالف واللام زائدة، وهو مذهب قوم، واختاره المصنف، وذهب قوم إلى أن تعريف الموصول ب " أل " إن كانت فيه نحو: " الذي " فإن لم تكن فيه فبنيتها نحو: " من، وما " إلا " أيا " فإنها تتعرف بالاضافة، فعلى هذا المذهب لا تكون الالف واللام زائدة، وأما حذفها في قراءة من قرأ: (صراط الذين أنعمت عليهم) فلا يدل على أنها زائدة، إذ يحتمل أن تكون حذفت شذوذا وإن كانت معرفة، كما حذفت من قولهم: " سلام عليكم " من غير تنوين يريدون " السلام عليكم ".
وأما الزائدة غير اللازمة فهي الداخلة اضطرارا على العلم، كقولهم في " بنات أوبر " علم لضرب من الكمأة " بنات الاوبر " ومنه قوله:.
__________
= عجيب منهم، لانهم ألغوا الموجود، واعتبروا المعدوم، وقال قوم: بني " الآن " لضمنه معنى الاشارة، فإنه بمعنى هذا الوقت، وهذا قول الزجاج، وقيل: بني " الآن " لشبهه بالحرف شبها جموديا، ألا ترى أنه لا يثنى ولا يجمع ولا يصغر ؟ بخلاف غيره من أسماء الزمان كحين ووقت وزمن وساعة، ومن الناس من يقول: الآن اسم إشارة إلى الزمان، كما أن هنا اسم إشارة إلى المكان، فبناؤه على هذا لتضمنه معنى كان حقه أن يؤدى بالحرف، ومن النحاة من ذهب إلى أنه معرب، وأنه ملازم للنصب على الظرفية وقد يخرج عنها إلى الجر بمن، فيقال: سأحالفك من الآن، بالجر، ويقول صاحب النكت: " وهذا قول لا يمكن القدح فيه، وهو الراجح عندي، والقول ببنائه لا توجد له علة صحيحة " اه.
(*)
(1/180)

36 - ولقد جنيتك أكمؤا وعساقلا ولقد نهيتك عن بنات الاوبر.
__________
36 - هذا البيت من الشواهد التي لم يعرفوا لها قائلا، وممن استشهد به أبو زيد في النوادر.
اللغة: " جنيتك " معناه جنيت لك، ومثله - في حذف اللام وإيصال الفعل إلى ما كان مجرورا - قوله تعالى: (وإذا كالوهم أو وزنوهم) و (يبغونها عوجا) و (والقمر قدرناه منازل) " أكمؤا " جمع كم ء - بزنة فلس - ويجمع الكم ء على كمأة، أيضا، فيكون المفرد خاليا من التاء وهي في جمعه، على عكس تمرة وتمر، وهذا من نوادر اللغة، " وعساقلا " جمع عسقول - بزنة عصفور - وهو نوع من الكمأة، وكان أصله عساقيل، فحذفت الياء كما حذفت في قوله تعالى: (وعنده
مفاتح الغيب) فإنه جمع مفتاح، وكان قياسه مفاتيح، فحذفت الياء، ويقال: المفاتح جمع مفتح، وليس جمع مفتاح، فلا حذف، وكذا يقال: العساقل جمع عسقل بزنة منبر و " بنات الاوبر " كمأة صغار مزغبة كلون التراب، وقال أبو حنيفة الدينوري: بنات أوبر كمأة كأمثال الحصي صغار، وهي رديئة الطعم.
الاعراب: " ولقد " الواو للقسم، واللام للتأكيد، وقد: حرف تحقيق " جنيتك " فعل وفاعل ومفعول أول " أكمؤا " مفعول ثان " وعساقلا " معطوف على قوله أكمؤا " ولقد " الواو عاطفة، واللام موطئة للقسم، و " قد " حرف تحقيق " نهيتك " فعل وفاعل ومفعول " عن " حرف جر " بنات " مجرور بعن، وبنات مضاف و " الاوبر " مضاف إليه.
الشاهد فيه: قوله " بنات الاوبر " حيث زاد " أل " في العلم مضطرا، لان " بنات أوبر " علم على نوع من الكمأة ردئ، والعلم لا تدخله " أل "، فرارا من اجتماع معرفين، وهما حينئذ العلمية وأل، فزادها هنا ضرورة، قال الاصمعي: " وأما قول الشاعر: * ولقد نهيتك عن بنات الاوبر * فإنه زاد الالف واللام للضرورة، وكقول الراجز: باعد أم العمرو من أسيرها حراس أبواب لدى قصورها = (*)
(1/181)

والاصل " بنات أوبر " فزيدت الالف واللام، وزعم المبرد أن " بنات أوبر " ليس بعلم، فالالف واللام - عنده - غير زائدة.
ومنه الداخلة اضطرارا على التمييز، كقوله: 37 - رأيتك لما أن عرفت وجوهنا صددت، وطبت النفس يا قيس عن عمرو
.
__________
(وقد سبق لنا ذكر هذا البيت في باب العلم، ونسبناه هناك لابي النجم العجلي) وقول آخر: يا ليت أم العمرو كانت صاحبي مكان من أشتى على الركائب قال: وقد يجوز أن أوبر نكرة فعرفه باللام، كما حكى سيبويه أن عرسا من ابن عرس قد نكره بعضهم فقال: هذا ابن عرس مقبل " اه كلام الاصمعي.
37 - البيت لرشيد بن شهاب اليشكري، وزعم التوزي - نقلا عن بعضهم - أنه مصنوع لا يحتج به، وليس كذلك، لان العلماء عرفوا قائله ونسبوه إليه.
اللغة: " رأيتك " الخطاب لقيس بن مسعود بن قيس بن خالد اليشكري، وهو المذكور في آخر البيت " وجوهنا " أراد بالوجوه ذواتهم، ويروى " لما أن عرفت جلادنا " أي: ثباتنا في الحرب وشدة وقع سيوفنا " صددت " أعرضت ونأيت " طبت النفس " يريد أنك رضيت " عمرو " كان صديقا حميما لقيس، وكان قوم الشاعر قد قتلوه.
المعنى: يندد بقيس، لانه فر عن صديقه لما رأى وقع أسيافهم، ورضي من الغنيمة بالاياب، فلم يدافع عنه، ولم يتقدم للاخذ بثأره بعد أن قتل.
الاعراب: " رأيتك " فعل وفاعل ومفعول، وليس بحاجة لمفعول ثان، لان " رأى " هنا بصرية " لما " ظرفية بمعنى حين تتعلق برأى " أن " زائدة " عرفت " فعل وفاعل " وجوهنا " وجوه: مفعول به لعرف، ووجوه مضاف والضمير مضاف إليه " صددت " فعل وفاعل، وهو جواب " لما " و " طبت " فعل وفاعل، والجملة معطوفة على جملة صددت " النفس " تمييز نسبة " يا قيس " يا: حرف نداء، و " قيس " منادى، وجملة النداء لا محل لها معترضة بين العامل ومعموله " عن عمرو " جار ومجرور متعلق بصددت، أو بطبت على أنه ضمنه معنى تسليت.
= (*)
(1/182)

والاصل " وطبت نفسا " فزاد الالف واللام، وهذا بناء على أن التمييز لا يكون إلا نكرة، وهو مذهب البصريين، وذهب الكوفيون إلى جواز كونه معرفة، فالالف واللام عندهم غير زائدة.
وإلى هذين البيتين اللذين أنشدناهما أشار المصنف بقوله: " كبنات الاوبر "، وقوله: " وطبت النفس يا قيس السرى ".
* * * وبعض الاعلام عليه دخلا للمح ما قد كان عنه نقلا (1)
__________
= الشاهد فيه: قوله " طبت النفس " حيث أدخل الالف واللام على التمييز الذي يجب له التنكير - ضرورة، وذلك في اعتبار البصريين، وقد ذكر الشارح أن الكوفيين لا يوجبون تنكير التمييز، بل يجوز عندهم أن يكون معرفة وأن يكون نكرة، وعلى ذلك لا تكون " أل " زائدة، بل تكون معرفة.
ومن العلماء من قال: " النفس " مفعول به لصددت، وتمييز طبت محذوف، والتقدير على هذا: صددت النفس وطبت نفسا يا قيس عن عمرو، وعلى هذا لا يكون في البيت شاهد، ولكن في هذا التقدير من التكلف مالا يخفى.
(1) " وبعض " مبتدأ، وبعض مضاف و " الاعلام " مضاف إليه " عليه " جار ومجرور متعلق بدخل الآتي " دخلا " دخل فعل ماض، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على أل، والالف للاطلاق، والجملة في محل رفع خبر المبتدأ " للمح " جار ومجرور متعلق بدخل، ولمح مضاف و " ما " اسم موصول مضاف إليه " قد " حرف تحقيق " كان " فعل ماض، واسمه ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على بعض الاعلام " عنه " جار ومجرور متعلق بقوله نقل الآتي " نقلا " نقل: فعل ماض مبني للمجهول، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على بعض الاعلام، والالف للاطلاق، والجملة في محل نصب خبر كان، والجملة من كان ومعموليها لا محل لها صلة الموصول.
(*)
(1/183)

كالفضل، والحارث، والنعمان، فذكر ذا وحذفه سيان (1) ذكر المصنف - فيما تقدم - أن الالف واللام تكون معرفة، وتكون زائدة، وقد تقدم الكلام عليهما، ثم ذكر في هذين البيتين أنها تكون للمح الصفة، والمراد بها الداخلة على ما سمي به من الاعلام المنقولة، مما يصلح دخول " أل " عليه، كقولك في " حسن ": " الحسن " وأكثر ما تدخل على المنقول من صفة، كقولك في " حارث ": " الحارث " وقد تدخل على المنقول من مصدر، كقولك في " فضل ": " الفضل " وعلى المنقول من اسم جنس غير مصدر، كقولك في " نعمان ": " النعمان " وهو في الاصل من أسماء الدم (2)، فيجوز دخول " أل " في هذه الثلاثة نظرا إلى الاصل، وحذفها نظرا إلى الحال.
وأشار بقوله " للمح ما قد كان عنه نقلا " إلى أن فائدة دخول الالف واللام الدلالة على الالتفات إلى ما نقلت عنه من صفة، أو ما في معناها..
__________
(1) " كالفضل " جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر لمبتدأ محذوف، أي: وذلك كائن كالفضل " والحارث والنعمان " معطوفان على الفضل " فذكر " مبتدأ، وذكر مضاف و " ذا " اسم إشارة مضاف إليه " وحذفه " الواو حرف عطف، حذف: معطوف على المبتدأ، وحذف مضاف والضمير مضاف إليه " سيان " خبر المبتدأ وما عطف عليه، مرفوع بالالف نيابة عن الضمة لانه مثنى، والنون عوض عن التنوين في الاسم المفرد: (2) هنا شيئان: الاول أن الذي تلمحه حين تدخل " أل " على نعمان هو وصف الحمرة التي يدل عليها لفظه بحسب الاصل الاول التزاما، لان الحمره لازمة للدم.
والثاني: أن الناظم في كتاب التسهيل جعل " نعمان " من أمثلة العلم الذي قارنت " أل " وضعه كاللات والعزى والسموأل، وهذه لازمة، بدليل قوله هناك " وقد تزاد لازما "
وهنا مثل به لما زيدت عليه " أل " بعد وضعه للمح الاصل، وهذه ليست بلازمة على ما قال " فذكر ذا وحذفه سيان " والخطب في هذا سهل، لانه يحمل على أن العرب سمت " النعمان " أحيانا مقرونا بأل، فيكون من النوع الاول، وسمت أحيانا أخرى " نعمان " بدون أل، فيكون من النوع الثاني.
(*)
(1/184)

وحاصله: أنك إذا أردت بالمنقول من صفة ونحوه أنه إنما سمى به تفاؤلا بمعناه أتيت بالالف واللام للدلالة على ذلك، كقولك: " الحارث " نظرا إلى أنه إنما سمى به للتفاؤل، وهو أنه يعيش ويحرث، وكذا كل ما دل على معنى وهو مما يوصف به في الجملة، كفضل ونحوه، وإن لم تنظر إلى هذا ونظرت إلى كونه علما لم تدخل الالف واللام، بل تقول: فضل، وحارث، ونعمان، فدخول الالف واللام أفاد معنى لا يستفاد بدونهما، فليستا بزائدتين، خلافا لمن زعم ذلك، وكذلك أيضا ليس حذفهما وإثباتهما على السواء كما هو ظاهر كلام المصنف، بل الحذف والاثبات ينزل على الحالتين اللتين سبق ذكرهما، وهو أنه إذا لمح الاصل جئ بالالف واللام، وإن لم يلمح لم يؤت بهما.
* * * وقد يصير علما بالغلبة مضاف أو مصحوب أل كالعقبه (1) وحذف أل ذي إن تناد أو تضف أوجب، وفي غيرهما قد تنحذف (2).
__________
(1) " وقد " الواو للاستئناف، قد: حرف تقليل " يصير " فعل مضارع ناقص " علما " خبر يصير مقدم على اسمه " بالغلبة " جار ومجرور متعلق بيصير " مضاف " اسم يصير مؤخر عن خبره " أو مصحوب " أو: حرف عطف، مصحوب معطوف على مضاف، ومصحوب مضاف، و " أل " قصد لفظه: مضاف إليه " كالعقبة " جار
ومجرور متعلق بمحذوف خبر لمبتدأ محذوف، وتقدير الكلام: وذلك كائن كالعقبة.
(2) " وحذف " الواو للاستئناف، حذف: مفعول به مقدم على عامله وهو " أوجب " الآتي، وحذف مضاف، و " أل " قصد لفظه: مضاف إليه " ذي " اسم إشارة نعت لال " إن " شرطية " تناد " فعل مضارع فعل الشرط، مجزوم بحذف الياء، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت " أو " عاطفة " تضف " معطوف على " تناد " مجزوم = (*)
(1/185)

من أقسام الالف واللام أنها تكون للغلبة، نحو: " المدينة "، و " الكتاب "، فإن حقهما الصدق على كل مدينة وكل كتاب، لكن غلبت " المدينة " على مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم، و " الكتاب " على كتاب سيبويه رحمه الله تعالى، حتى إنهما إذا أطلقا لم يتبادر إلى الفهم غيرهما.
وحكم هذه الالف واللام أنها لا تحذف إلا في النداء أو الاضافة، نحو " يا صعق " في الصعق (1)، و " هذه مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم ".
وقد تحذف في غيرهما شذوذا، سمع من كلامهم: " هذا عيوق طالعا " (2)، والاصل العيوق (2)، وهو اسم نجم.
وقد يكون العلم بالغلبة أيضا مضافا: كابن عمر، وابن عباس، وابن مسعود،.
__________
= بالسكون، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت " أوجب " فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقدير أنت، وجواب الشرط محذوف لدلالة هذا عليه، أو جملة أوجب وفاعله في محل جزم جواب الشرط، وحذف الفاء منها - مع أنها جملة طلبية - ضرورة " وفي " الواو حرف عطف، في: حرف جر " غيرهما " غير: مجرور بفي، وغير مضاف والضمير - الذي يعود على النداء والاضافة - مضاف إليه، والجار والمجرور متعلق بتنحذف الآتي " قد " حرف تقليل " تنحذف " فعل مضارع، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هي يعود على " أل " وتقدير البيت: إن تناد أو تضف
فأوجب حذف أل هذه، وقد تنحذف أل في غير النداء والاضافة.
(1) الصعق - في أصل اللغة - اسم يطلق على كل من رمى بصاعقة، ثم اختص بعد ذلك بخويلد بن نفيل، وكان من شأنه أنه كان يطعم الناس بتهامة، فعصفت الربح التراب في جفانه، فسبها، فرمى بصاعقة، فقال الناس عنه: الصعق.
(2) العيوق - في أصل الوضع - كلمة على زنة فيعول من قولهم: عاق فلان فلانا يعوقه، إذا حال بينه وبين غرضه، ومعناه عائق، وهو بهذا صالح للاطلاق على كل معوق لغيره، وخصوا به نجما كبيرا قريبا من نجم الثريا ونجم الدبران، زعموا أنهم سموه بذلك لان الدبران يطلب الثريا والعيوق يحول بينه وبين إدراكها.
(*)
(1/186)

فإنه غلب على العبادلة (2) دون غيرهم من أولادهم، وإن كان حقه الصدق عليهم، لكن غلب على هؤلاء، حتى إنه إذا أطلق " ابن عمر " لا يفهم منه غير عبد الله، وكذا " ابن عباس " و " ابن مسعود " رضي الله عنهم أجمعين، وهذه الاضافة لا تفارقه، لا في نداء، ولا في غيره، نحو: " يا ابن عمر ".
* * *
__________
(1) العبادلة: جمع عبدل، بزنة جعفر، وعبدل يحتمل أمرين: أولهما أن يكون أصله " عبد " فزيدت لام في آخره، كما زيدت في " زيد " حتى صار زيدلا، والثاني أن يكونوا قد نحتوه من " عبد الله " فاللام هي لام لفظ الجلالة، والنحت باب واسع، فقد قالوا: عبشم، من عبد شمس، وعبدر، من عبد الدار، ومرقس، من امرئ القيس، وقالوا: حمدلة، من الحمد لله، وسبحلة، من سبحان الله، وجعفده، من قولهم: جعلت فداءك، وطلبقة، من قولهم: أطال الله بقاءك - وأشباه لهذا كثيرة.
وقال الشاعر، وينسب لعمر بن أبي ربيعة، فجاء بالفعل واسم فاعله على طريق النحت:
لقد بسملت ليلى غداة لقيتها * فيا حبذا ذاك الحبيب المبسمل ولكثرة ما ورد من هذا النحو نرى أنه يجوز لك أن تقيس عليه، فتقول " مشأل مشألة " إذا قال: ما شاء الله، وتقول " سبحر سبحرة " إذا قال: سبحان ربي، وتقول " نعمص نعمصة " إذا قال: نعم صباحك، وتقول " نعمس نعمسة " إذا قال: نعم مساؤك، وهكذا، وقدامي العلماء يرون باب النحت مقصورا على ما سمع منه عن العرب وهو من تحجير الواسع، فتدبر هذا، ولا تكن أسير التقليد، وانظر القسم الاول من كتابنا دروس التصريف (ص 22 طبعة ثانية).
(*)
(1/187)

الابتداء مبتدأ زيد، وعاذر خبر، إن قلت " زيد عاذر من اعتذر " (1) وأول مبتدأ، والثاني فاعل اغنى في " أسار ذان " (2) وقس، وكاستفهام النفي، وقد يجوز نحو " فائز أولو الرشد " (3).
__________
(1) " مبتدأ " خبر مقدم " زيد " مبتدأ مؤخر " وعاذر " الواو عاطفة، وعاذر مبتدأ " خبر " خبر المبتدأ " إن " شرطية " قلت " قال: فعل ماض فعل الشرط، وتاء المخاطب فاعل " زيد " مبتدأ " عاذر " خبره، وفاعله - من جهة كونه اسم فاعل - ضمير مستتر فيه، والجملة من المبتدأ والخبر مقول القول " من " اسم موصول مفعول به لعاذر " اعتذر " فعل ماض، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى من، والجملة لا محل لها صلة الموصول، وجواب الشرط محذوف يدل عليه سابق الكلام وتقدير الكلام: إن قلت زيد عاذر من اعتذر فزيد مبتدأ وعاذر خبره.
(2) " وأول " مبتدأ " مبتدأ " خبره " والثاني " مبتدأ " فاعل " خبر " أغنى " فعل ماض، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقدير هو يعود إلى فاعل، والجملة في محل رفع صفة لفاعل " في " حرف جر، ومجروره قول (..) ؟ " أسار " الهمزة للاستفهام،
وسار: مبتدأ، و " ذان " فاعل سد مسد الخبر، والجملة من المبتدأ وفاعله مقول القول المحذوف، وتقدير الكلام: وأول اللفظين مبتدأ وثانيهما فاعل أغنى عن الخبر في قولك: أسار ذان.
(3) " وقس " الواو عاطفة، قس: فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت، ومفعوله ومتعلقه محذوفان، والتقدير: وقس على ذلك ما أشبهه " وكاستفهام " الواو حرف عطف، والكاف حرف جر، واستفهام: مجرور بها، والجار والمجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم " النفي " مبتدأ مؤخر " وقد " الواو حرف، قد حرف تقليل " يجوز " فعل مضارع " نحو " فاعل يجوز " فائز " مبتدأ " أولو " فاعل بفائز سد مسد الخبر، وأولو مضاف و " الرشد " مضاف إليه، والجملة من المبتدأ وفاعله المغنى عن الخبر مقول قول محذوف، والتقدير: وقد يجوز نحو قولك فائز أولو الرشد، والمراد بنحو هذا المثال: كل وصف وقع بعده مرفوع يستغنى به ولم تتقدمه أداة استفهام ولا أداة نفي.
(*)
(1/188)

ذكر المصنف أن المبتدأ على قسمين: مبتدأ له خبر، ومبتدأ له فاعل سد مسد الخبر، فمثال الاول " زيد عاذر من اعتذر " والمراد به: ما لم يكن المبتدأ فيه وصفا مشتملا على ما يذكر في القسم الثاني، فزيد: مبتدأ، وعاذر: خبره، ومن اعتذر: مفعول لعاذر، ومثال الثاني " أسار ذان " فالهمزة: للاستفهام، وسار: مبتدأ، وذان: فاعل سد مسد الخبر، ويقاس على هذا ما كان مثله، وهو: كل وصف اعتمد على استفهام، أو نفي - نحو: أقائم الزيدان، وما قائم الزيدان - فإن لم يعتمد الوصف لم يكن مبتدأ، وهذا مذهب البصريين إلا الاخفش - ورفع (1) فاعلا ظاهرا، كما مثل، أو ضميرا منفصلا، نحو: " أقائم أنتما " وتم الكلام به (1)، فإن لم يتم به [ الكلام ] لم يكن مبتدأ،
نحو: " أقائم أبواه زيد " فزيد: مبتدأ مؤخر، وقائم: خبر مقدم، وأبواه: فاعل بقائم، ولا يجوز أن يكون " قائم " مبتدأ، لانه لا يستغنى بفاعله حينئذ، إذ لا يقال " أقائم أبواه " فيتم الكلام، وكذلك لا يجوز أن يكون الوصف مبتدأ إذا رفع ضميرا مستترا، فلا يقال في " ما زيد قائم ولا قاعد ": إن " قاعدا " مبتدأ، والضمير المستتر فيه فاعل أغنى عن الخبر، لانه ليس بمنفصل، على أن في المسألة خلافا (2)، ولا فرق بين أن يكون الاستفهام بالحرف، كما مثل،.
__________
(1) " ورفع " هذا الفعل معطوف بالواو على " اعتمد " في قوله " وهو كل وصف اعتمد على استفهام أو نفي " وكذلك قوله " وتم الكلام به " ويتحصل من ذلك أنه قد اشترط في الوصف الذي يرفع فاعلا بغنى عن الخبر ثلاثة شروط، أولها: أن يكون معتمدا على استفهام أو نفي - عند البصريين - والثاني أن يكون مرفوعه اسما ظاهرا أو ضميرا منفصلا، وفي الضمير المنفصل خلاف سنذكره، والثالث أن يتم الكلام بمرفوعه المذكور.
(2) سنبسط القول في هذه المسألة قريبا (انظر ص 192 من هذا الجزء).
(*)
(1/189)

أو بالاسم كقولك: كيف جالس العمران (1) ؟ وكذلك لا فرق بين أن يكون النفي بالحرف، كما مثل، أو بالفعل كقولك: " ليس قائم الزيدان " فليس: فعل ماض [ ناقص ]، وقائم: اسمه، والزيدان: فاعل سد مسد خبر ليس، وتقول: " غير قائم الزيدان " فغير: مبتدأ، وقائم: مخفوض بالاضافة، والزيدان: فاعل بقائم سد مسد خبر غير، لان المعنى " ما قائم الزيدان " فعومل " غير قائم " معاملة " ما قائم " ومنه قوله: 38 - غير لاه عداك، فاطرح اللهو، ولا تغترر بعارض سلم.
__________
(1) " كيف " اسم استفهام مبني على الفتح في محل نصب حال من " العمران "
الآتي و " جالس " مبتدأ مرفوع بالضمة الظاهرة، و " العمران " فاعل بجالس أغنى عن الخبر، مرفوع بالالف نيابة عن الضمة لانه مثنى.
38 - لم أقف لهذا الشاهد على نسبة إلى قائل معين.
اللغة: " لاه " اسم فاعل مأخوذ من مصدر لها يلهو، وذلك إذا ترك وسلا وروح عن نفسه بما لا تقتضيه الحكمة، ولكن المراد هنا لازم ذلك، وهو الغفلة " اطرح " - بتشديد الطاء - أي - اترك " سلم " بكسر السين أو فتحها - أي صلح وموادعة، وإضافة عارض إليه من إضافة الصفة للموصوف.
المعنى: إن أعداءك ليسوا غافلين عنك، بل يتربصون بك الدوائر، فلا تركن إلى الغفلة، ولا تغتر بما يبدو لك منهم من المهادنة وترك القتال، فإنهم يأخذون في الاهبة والاستعداد.
الاعراب: " غير " مبتدأ، وغير مضاف و " لاه " مضاف إليه " عداك " عدى: فاعل لاه سد مسد خبر غير، لان المضاف والمضاف إليه كالشئ الواحد، وعدى مضاف وضمير المخاطب مضاف إليه " فاطرح " فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت " اللهو " مفعول به لاطرح " ولا " الواو عاطفة، لا: ناهية " تغترر " = (*)
(1/190)

فغير: مبتدأ، ولاه: مخفوض بالاضافة، وعداك: فاعل بلاه سد مسد خبر غير، ومثل قوله: 39 - غير مأسوف على زمن ينقضي بالهم والحزن.
__________
= فعل مضارع مجزوم بلا الناهية وعلامة جزمه السكون، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت " بعارض " جار ومجرور متعلتى بتغترر، وعارض مضاف، و " سلم " مضاف إليه.
الشاهد فيه: قوله " غير لاه عداك " حيث استغنى بفاعل " لاه " عن خبر المبتدأ
وهو غير، لان المبتدأ المضاف لاسم الفاعل دال على النفي، فكأنه " ما " في قولك " ما قائم محمد " فالوصف مخفوض لفظا بإضافة المبتدأ إليه وهو في قوة المرفوع بالابتداء وللكلام بقية تأتى في شرح الشاهد التالي لهذا الشاهد.
39 - البيت لابي نواس - الحسن بن هاني بن عبد الاول، الحكمي - وهو ليس ممن يستشهد بكلامه، وإنما أورده الشارح مثالا للمسألة، ولهذا قال " ومثله قوله " وبعد هذا البيت بيت آخر، وهو: إنما يرجو الحياة فتى عاش في أمن من المحن اللغة: " مأسوف " اسم مفعول من الاسف، وهو أشد الحزن، وفعله من باب فرح، وزعم ابن الخشاب أنه مصدر جاء على صيغة اسم المفعول مثل الميسور، والمعسور، والمجلود، والمحلوف، بمعنى اليسر والعسر والجلد والحلف، ثم أريد به اسم الفاعل، وستعرف في بيان الاستشهاد ما ألجأه إلى هذا التكلف ووجه الرد عليه.
المعنى: إنه لا ينبغي لعاقل أن يأسف على زمن ليس فيه إلا هموم تتلوها هموم، وأحزان تأتي من ورائها أحزان، بل يجب عليه أن يستقبل الزمان بغير مبالاة ولا اكتراث.
الاعراب: " غير " مبتدأ، وغير مضاف " مأسوف " مضاف إليه " على زمن " جار ومجرور متعلق بمأسوف، على أنه نائب فاعل سد مسد خبر المبتدأ " ينقضي " فعل مضارع، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على " زمن " والجملة من ينقضي وفاعله في محل جر صفة لزمن " بالهم " جار ومجرور متعلق بمحذوف حال من الضمير المستتر في ينقضي " والحزن " الواو حرف عطف، الحزن: معطوف على الهم.
= (*)
(1/191)

فغير: مبتدأ، ومأسوف: مخفوض بالاضافة، وعلى زمن: جار ومجرور في موضع رفع بمأسوف لنيابته مناب الفاعل، وقد سد مسد خبر غير.
وقد سأل أبو الفتح بن جنى ولده عن إعراب هذا البيت، فارتبك
في إعرابه.
ومذهب البصريين - إلا الاخفش - أن هذا الوصف لا يكون مبتدأ إلا إذا اعتمد على نفي أو استفهام (1)، وذهب الاخفش والكوفيون إلى عدم اشتراط.
__________
= التمثيل به: في قوله " غير مأسوف على زمن " حيث أجرى قوله " على زمن " النائب عن الفاعل مجرى الزيدين في قولك " ما مضروب الزيدان في أن كل واحد منهما سد مسد الخبر، لان المتضايفين بمنزلة الاسم الواحد، فحيث كان نائب الفاعل يسد مع أحدهما مسد الخبر فإنه يسد مع الآخر أيضا، وكأنه قال " ما مأسوف على زمن " على ما بيناه في الشاهد السابق.
هذا أحد توجيهات ثلاثة في ذلك ونحوه، وإليه ذهب ابن الشجري في أماليه.
والتوجيه الثاني لابن جنى وابن الحاجب، وحاصله أن قوله " غير " خبر مقدم، وأصل الكلام: " زمن ينقضي بالهم غير مأسوف عليه " وهو توجيه ليس بشئ ؟ لما يلزم عليه من التكلفات البعيدة، لان العبارة الواردة في البيت لا تصير إلى هذا إلا بتكلف كثير.
والتوجيه الثالث لابن الخشاب، وحاصله أن قوله " غير " خبر لمبتدأ محذوف تقديره " أنا غير - إلخ " وقوله " مأسوف " ليس اسم مفعول، بل هو مصدر مثل " الميسور والمعسور، والمجلود، والمحلوف " وأراد به هنا اسم الفاعل، فكأنه قال " أنا غير آسف - إلخ " وانظر ما فيه من التكلف والمشقة والجهد.
ومثل هذا البيت والشاهد السابق قول المتنبي يمدح بدر بن عمار: ليس بالمنكر أن برزت سبقا غير مدفوع عن السبق (العراب) ؟ (1) مذهب جماعة من النحاة أنه يجب أن يكون الفاعل الذي يرفعه الوصف المعتمد اسما ظاهرا، ولا يجوز أن يكون ضميرا منفصلا، فإن سمع ما ظاهره ذلك فهو محمول على أن الوصف خبر مقدم والضمير مبتدأ مؤخر، وعند هؤلاء أنك إذا قلت " أمسافر = (*)
(1/192)

ذلك، فأجازوا " قائم الزيدان " فقائم: مبتدأ، والزيدان: فاعل سد مسد الخبر...
__________
أنت " صح هذا الكلام عربية، ولكن يجب أن يكون " مسافر " خبرا مقدما، و " أنت " مبتدأ مؤخرا، والجمهور على أنه يجوز أن يكون الفاعل المغنى عن الخبر ضميرا بارزا كما يكون اسما ظاهرا، ولا محل لانكار ذلك عليهم بعد وروده في الشعر العربي الصحيح، وفي القرآن الكريم عبارات لا يجوز فيها عربية أن تحمل على ما ذكروا من التقديم والتأخير، فمن ذلك قوله تعالى: (أراغب أنت عن آلهتي يا إبراهيم) إذ لو جعلت " راغب " خبرا مقدما و " أنت " مبتدأ مؤخرا للزم عليه الفصل بين " راغب " وما يتعلق به وهو قوله " عن آلهتي " بأجنبي وهو أنت، لان المبتدأ بالنسبة للخبر أجنبي منه، إذ لا عمل للخبر فيه على الصحيح، ولا يلزم شئ من ذلك إذا جعلت " أنت " فاعلا، لان الفاعل بالنظر إلى العامل فيه ليس أجنبيا منه ونظير الآية الكريمة في هذا وعدم صحة التخريج على التقديم والتأخير قول الشاعر " فخير نحن " في الشاهد رقم 40 الآتي.
ومن ذلك أيضا قول الشاعر: أمنجز أنتم وعدا وثقت به أم اقتفيتم جميعا نهج عرقوب ؟ ومثله قول الآخر: خليلي ما واف بعهدي أنتما إذا لم تكونا لي على من أقاطع وقول الآخر: فما باسط خيرا ولا دافع أذى عن الناس إلا أنتم آل دارم ولا يجوز في بيت من هذه الابيات الثلاثة أن تجعل الوصف خبرا مقدما والمرفوع
بعده مبتدأ مؤخرا، كما لا يجوز ذلك في الشاهد الآتي على ما ستعرفه، لانه يلزم على ذلك أن يفوت التطابق بين المبتدأ وخبره، وهو شرط لا بد منه، فإن الوصف مفرد والضمير البارز للمثنى أو للمجموع، أما جعل الضمير فاعلا فلا محظور فيه، لان الفاعل يجب إفراد عامله.
(13 - شرح ابن عقيل 1) (*)
(1/193)

وإلى هذا أشار المصنف بقوله: " وقد يجوز نحو: (فائر) ؟ أولو الرشد " أي: وقد يجوز استعمال هذا الوصف مبتدأ من غير أن يسبقه نفي أو استفهام.
وزعم المصنف أن سيبويه يجيز ذلك على ضعف، ومما ورد منه قوله: 40 - فخير نحن عند الناس منكم إذا الداعي المثوب قال: يالا.
__________
40 - هذا البيت لزهير بن مسعود الضبى.
اللغة: " الناس " هكذا هو بالنون في كافة النسخ، ويروى " البأس " بالباء والهمزة وهو أنسب بعجز البيت " المثوب " من التثويب، وأصله: أن يجئ الرجل مستصرخا فيلوح بثوبه ليرى ويشتهر، ثم سمى الدعاء تثويبا لذلك " قال يالا " أي: قال يالفلان، فحذف فلانا وأبقى اللام، وانظر ص 159 السابقة.
الاعراب: " فخير " مبتدأ " نحن " فاعل سد مسد الخبر " عند " ظرف متعلق بخير، وعند مضاف و " والناس " أو " البأس " مضاف إليه " منكم " جار ومجرور متعلق بخير أيضا " إذا " ظرف للمستقبل من الزمان " الداعي " فاعل لفعل محذوف يفسره المذكور، والتقدير: إذا قال الداعي، والجملة من الفعل المحذوف وفاعله في محل جر بإضافة إذا إليها " المثوب " نعت للداعي " قال " فعل ماض، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على الداعي، والجملة من قال المذكور وفاعله لا محل لها من الاعراب مفسرة " يالا " مقول القول، وهو على ما عرفت من أن أصله يالفلان.
الشاهد فيه: في البيت شاهدان لهذه المسألة، وكلاهما في قوله " فخير نحن "، أما الاول
فإن " نحن " فاعل سد مسد الخبر، ولم يتقدم على الوصف - وهو " خير " - نفي ولا استفهام وزعم جماعة من النحاة - منهم أبو علي وابن خروف - أنه لا شاهد في هذا البيت، لان قوله " خير " خبر لمبتدأ محذوف، تقديره " نحن خير - إلخ " وقوله " نحن " المذكور في البيت تأكيد للضمير المستتر في خير، وانظر كيف يلجأ إلى تقدير شئ وفي الكلام ما يغنى عنه ؟ وأما الشاهد الثاني فإن " نحن " الذي وقع فاعلا أغنى عن الخبر هو ضمير منفصل، فهو دليل للجمهور على صحة ما ذهبوا إليه من جواز كون فاعل الوصف المغنى عن الخبر ضميرا منفصلا، ولا يجوز في هذا البيت أن يكون قوله " نحن " مبتدأ مؤخرا ويكون " خير " خبرا مقدما، إذ يلزم على ذلك الفصل بين " خير " وما يتعلق به - وهو قوله " عند الناس " وقوله " منكم " - بأجنبي، على ما قررناه في قوله تعالى: = (*)
(1/194)

فخير: مبتدأ، ونحن: فاعل سد مسد الخبر، ولم يسبق " خير " نفي ولا استفهام، وجعل من هذا قوله: 41 - خبير بنو لهب، فلا تك ملغيا * مقالة لهب إذا الطير مرت فخبير: مبتدأ، وبنو لهب: فاعل سد مسد الخبر.
* * *.
__________
= (أراغب أنت عن آلهتي) (في ص 193)، فهذا البيت يتم به استدلال الكوفيين على جواز جعل الوصف مبتدأ وإن لم يعتمد على نفي أو استفهام، ويتم به استدلال الجمهور على جواز أن يكون مرفوع الوصف المغنى عن خبره ضميرا بارزا.
41 - هذا البيت ينسب إلى رجل طائي، ولم يعين أحد اسمه فيما بين أيدينا من المراجع.
اللغة: " خبير " من الخبرة، وهي العلم بالشئ " بنو لهب " جماعة من بني نصر ابن الازد، يقال: إنهم أزجر قوم، وفيهم يقول كثير بن عبد الرحمن المعروف
بكثيرة عزة: تيممت لهبا أبتغي العلم عندهم * وقد صار علم العائفين إلى لهب المعنى: إن بني لهب عالمون بالزجر والعيافة، فإذا قال أحدهم كلاما فاستمع إليه، ولا تلغ ما يذكره لك إذا زجر أو عاف حين تمر الطير عليه.
الاعراب: " خبير " مبتدأ، والذي سوغ الابتداء به - مع كونه نكرة - أنه عامل فيما بعده " بنو " فاعل بخبير سد مسد الخبر، وبنو مضاف، و " لهب " مضاف إليه " فلا " الفاء عاطفة، لا: ناهية " تك " فعل مضارع ناقص مجزوم بلا، وعلامة جزمه سكون النون المحذوفة للتخفيف، واسمه ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت " ملغيا " خبرتك، وهو اسم فاعل فيحتاج إلى فاعل، وفاعله ضمير مستتر فيه " مقالة " مفعول به لملغ، ومقالة مضاف و " لهبي " مضاف إليه " إذا " ظرف للمستقبل من الزمان ويجوز أن يكون مضمنا معنى الشرط " الطير " فاعل بفعل محذوف يفسره المذكور بعده، والتقدير: إذا مرت الطير، والجملة من الفعل المحذوف وفاعله في محل جر = (*)
(1/195)

والثان مبتدا، وذا الوصف خبر إن في سوى الافراد طبقا استقر (1).
__________
= بإضافة " إذا " إليها، وهي جملة الشرط، وجواب الشرط محذوف يدل عليه الكلام، والتقدير: إذا مرت الطير فلاتك ملغيا.
إلخ " مرت " مر: فعل ماض، والتاء للتأنيث، والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هي يعود على " الطير " والجملة من مرت المذكور وفاعله لا محل لها من الاعراب مفسرة.
الشاهد فيه: قوله " خبير بنو لهب " حيث استغنى بفاعل خبير عن الخبر، مع أنه لم يتقدم على الوصف نفي ولا استفهام، هذا توجيه الكوفيين والاخفش للبيت، ومن ثم لم يشترطوا تقدم النفي أو نحوه على الوصف استنادا إلى هذا البيت ونحوه.
ويرى البصريون - ما عدا الاخفش - أن قوله " خبير " خبر مقدم، وقوله " بنو " مبتدأ مؤخر، وهذا هو الراجح الذي نصره العلماء كافة، فإذا زعم أحد أنه يلزم على هذا محظور - وإيضاحه أن شرط المبتدأ والخبر أن يكونا متطابقين، إفرادا وتثنية وجمعا، وهنا لا تطابق بينهما لان " خبير " مفرد، و " بنو لهب " جمع، فلزم على توجيه البصريين الاخبار عن الجمع بالمفرد - فالجواب على هذا أيسر مما تظن، فإن " خبير " في هذا البيت يستوي فيه المذكر والمؤنث والمفرد والمثنى والجمع، بسبب كونه على زنة المصدر مثل الذميل والصهيل، والمصدر يخبر به عن الواحد والمثنى والجمع بلفظ واحد، تقول: محمد عدل، والمحمدان عدل، والمحمدون عدل، ومن عادة العرب أن يعطوا الشئ الذي يشبه شيئا حكم ذلك الشئ، تحقيقا لمقتضى المشابهة، وقد وردت صيغة فعيل مخبرا بها عن الجماعة، والدليل على أنه كما ذكرناه وروده خبرا ظاهرا عن الجمع في نحو قوله تعالى: (والملائكة بعد ذلك ظهير) وقول الشاعر: * هن صديق للذي لم يشب * (1) " والثان " مبتدأ " مبتدأ " خبر " وذا " الواو عاطفة، ذا اسم إشارة مبتدأ " الوصف " بدل أو عطف بيان من اسم الاشارة " خبر " خبر المبتدأ الذي هو اسم الاشارة " إن " شرطية " في سوى " جار ومجرور متعلق باستقر الآتي، وسوى مضاف، و " الافراد " مضاف إليه " طبقا " حال من الضمير المستتر في " استقر " الآتي وقيل: هو تمييز محول عن الفاعل " استقر " فعل ماض فعل الشرط، وفاعله ضمير = (*)
(1/196)

الوصف مع الفاعل: إما أن يتطابقا إفرادا أو تثنية أو جمعا، أو لا يتطابقا، وهو قسمان: ممنوع، وجائز.
فإن تطابقا إفرادا - نحو " أقائم زيد " - جاز فيه وجهان (1)، أحدهما: أن.
__________
= مستتر فيه جوازا تقديره هو، وجواب الشرط محذوف، وتقدير الكلام " إن في سوى
الافراد طبقا استقر فالثان مبتدأ - إلخ ".
(1) ههنا ثلاثة أمور نحب أن ننبهك إليها، الاول: أنه لا ينحصر جواز الوجهين في أن (يتطابق) ؟ الوصف والمرفوع إفرادا، بل مثله ما إذا كان الوصف مما يستوي فيه المفرد والمثنى والجمع وكان المرفوع بعده واحدا منها، نحو أقتيل زيد، ونحو أجريح الزيدان، ونحو أصديق المحمدون ؟ وقد اختلفت كلمة العلماء فيما إذا كان الوصف جمع تكسير والمرفوع بعده مثنى أو مجموعا، فذكر قوم أنه يجوز فيه الوجهان أيضا، وذلك نحو: أقيام أخواك ؟ ونحو أقيام إخوتك ؟ وعلى هذا تكون الصور التي يجوز فيها الامران ست صور: أن يتطابق الوصف والمرفوع إفرادا، وأن يكون الوصف مما يستوي فيه المفرد وغيره والمرفوع مفردا، أو مثنى، أو مجموعا، وأن يكون الوصف جمع تكسير والمرفوع مثنى، أو جمعا، وذهب قوم منهم الشاطبي إلى أنه يجب في الصورتين الاخيرتين كون الوصف خبرا مقدما.
والامر الثاني: أنه مع جواز الوجهين فيما ذكرنا من هذه الصور فإن جعل الوصف مبتدأ والمرفوع بعده فاعلا أغنى عن الخبر أرجح من جعل الوصف خبرا مقدما، وذلك لان جعله خبرا مقدما فيه الحمل على شئ مختلف فيه، إذ الكوفيون لا يجوزون تقديم الخبر على المبتدأ أصلا، ومع هذا فالتقديم والتأخير خلاف الاصل عند البصريين.
والامر الثالث: أن محل جواز الوجهين فيما إذا لم يمنع من أحدهما مانع، فإذا منع من أحدهما مانع تعين الآخر، ففي قوله تعالى (أراغب أنت عن آلهتي) وفي قولك " أحاضر اليوم أختك " يمتنع جعل الوصف خبرا مقدما، أما في الآية فقد ذكر الشارح وجه ذلك فيها، وإن يكن قد ذكره بعبارة يدل ظاهرها على أنه مرجح لا موجب، وأما المثال فلانه يلزم على جعل الوصف خبرا مقدما الاخبار بالمذكر عن المؤنث، وهو لا يجوز أصلا، والفصل بين الفاعل والعامل فيه يجوز ترك علامة التأنيث من العامل إذا كان الفاعل مؤنثا، وفي قولك " أفي داره أبوك " يمتنع جعل " أبوك " = (*)
(1/197)

يكون الوصف مبتدأ، وما بعده فاعل سد مسد الخبر، والثاني: أن يكون ما بعده مبتدأ مؤخرا، ويكون الوصف خبرا مقدما، ومنه قوله تعالى (1): (أراغب أنت عن آلهتي يا إبراهيم) فيجوز أن يكون " أراغب " مبتدأ، و " أنت " فاعل سد مسد الخبر، ويحتمل أن يكون " أنت " مبتدأ مؤخرا، و " أراغب " خبرا مقدما.
والاول - في هذه الآية - أولى، لان قوله: " عن آلهتي " معمول ل " راغب "، فلا يلزم في الوجه الاول الفصل بين العامل والمعمول بأجنبي، لان " أنت " على هذا التقدير فاعل ل " راغب "، فليس بأجنبي، منه، وأما على الوجه الثاني فيلزم [ فيه ] الفصل بين العامل والمعمول بأجنبي، لان " أنت " أجنبي من " راغب " على هذا التقدير، لانه مبتدأ، فليس ل " راغب " عمل فيه، لانه خبر، والخبر لا يعمل في المبتدأ على الصحيح.
وإن تطابقا تثنية نحو " أقائمان الزيدان " أو جمعا نحو " أقائمون الزيدون " فما بعد الوصف مبتدأ، والوصف خبر مقدم، وهذا معنى قول المصنف: " والثان مبتدا وذا الوصف خبر - إلى آخر البيت " أي: والثاني - وهو ما بعد الوصف - مبتدأ، والوصف خبر عنه مقدم عليه، إن تطابقا في غير الافراد.
__________
= فاعلا، لانه يلزم عليه عود الضمير من " في داره " على المتأخر لفظا ورتبة، وهو ممتنع.
(1) قد عرفت (ص 193 و 195) أن هذه الآية الكريمة لا يجوز فيها إلاوجه واحد، لان فيها ما يمنع من تجويز الوجه الثاني، وعلى هذا فمراد الشارح أنه مما يجوز فيه الوجهان في حد ذاته مع قطع النظر عن المانع العارض الذي يمنع أحدهما، فإذا نظرنا إلى ذلك المانع لم يجز إلا وجه واحد، ومن هنا تعلم أن قول الشارح فيما بعد " والاول
في هذه الآية أولى " ليس دقيقا، والصواب أن يقول " والاول في هذه الآية واجب لا يجوز غيره ".
(*)
(1/198)

- وهو التثنية والجمع - هذا على المشهور من لغة العرب، ويجوز على لغة " أكلوني البراغيث " أن يكون الوصف مبتدأ، وما بعده فاعل أغنى عن الخبر.
وإن لم يتطابقا - وهو قسمان: ممتنع، وجائز، كما تقدم - فمثال الممتنع " أقائمان زيد " و " أقائمون زيد " فهذا التركيب غير صحيح، ومثال الجائز " أقائم الزيدان " و " أقائم الزيدون " وحينئذ يتعين أن يكون الوصف مبتدأ، وما بعده فاعل سد مسد الخبر (1).
* * *.
__________
(1) أحب أن أجلى لك حقيقة هذه المسألة، وأبين لك عللها وأسبابها بيانا لا يبقى معه لبس عليك في صورة من صورها، وذلك البيان يحتاج إلى شرح أمرين، الاول: لم جاز في الوصف الذي يقع بعده مرفوع أن يكون الوصف مبتدأ والمرفوع بعده فاعلا، وأن يكون الوصف خبرا مقدما والمرفوع مبتدأ مؤخرا، والثاني: على أي شئ يستند تعين أحد هذين الوجهين وامتناع الآخر منهما ؟.
أما عن الامر الاول فنقول لك: إن اسم الفاعل واسم المفعول ونحوهما من الاوصاف قد أشبهت الفعل نوع شبه من حيث المعنى، لدلالتها على الحدث الذي يدل عليه الفعل، وهي في طبيعتها أسماء تقبل علامات الاسم، فتردد أمرها بين أن تعامل معاملة الاسماء بالنظر إلى لفظها وبين أن تعامل معاملة الافعال فتسند إلى ما بعدها بالنظر إلى دلالتها على معنى الفعل، ثم ترجح ثاني هذين الوجهين بسبب دخول حرف النفي أو حرف الاستفهام عليها، وذلك لان الاصل في النفي وفي الاستفهام أن يكونا متوجهين إلى أوصاف الذوات، لا إلى الذوات أنفسها، لان الذوات يقل أن تكون مجهولة،
والموضوع للدلالة على أوصاف الذوات وأحوالها هو الفعل، لا جرم كان الاصل في النفي والاستفهام أن يكونا عن الفعل وما هو في معناه، ومن هنا تفهم السر في اشتراط البصريين - في جعل الوصف مبتدأ والمرفوع بعده فاعلا أغنى عن الخبر - تقدم النفي والاستفهام عليه.
وأما عن الامر الثاني فإنا نقرر لك أن النحاة بنوا تجويز الوجهين وتعين أحدهما وامتناعه جميعا على أصول مقررة ثابتة، فبعضها يرجع إلى حكم الفاعل ورافعه، وبعضها يرجع إلى حكم المبتدأ وخبره، وبعضها إلى حكم عام للعامل والمعمول.
= (*)
(1/199)

ورفعوا مبتدأ بالابتدا كذاك رفع خبر بالمبتدا (1) مذهب سيبويه وجمهور البصريين أن المبتدأ مرفوع بالابتداء، وأن الخبر مرفوع بالمبتدأ..
__________
= فالفاعل يجب أن يكون عامله مجردا من علامة التثنية والجمع على أفصح اللغتين، فمتى كان الوصف مثنى أو مجموعا لم يجز أن يكون المرفوع بعده فاعلا في الفصحى.
والمبتدأ مع خبره تجب مطابقتهما في الافراد والتثنية والجمع، فمتى كان الوصف مفردا والمرفوع بعده مثنى أو مجموعا لم يجز أن تجعل الوصف خبرا والمرفوع بعده مبتدأ.
وإذا كان الوصف مفردا والمرفوع بعده مفردا كذلك فقد اجتمع شرط الفاعل مع رافعه وشرط المبتدأ مع خبره، فيجوز الوجهان.
ثم إن كان الوصف مفردا مذكرا والمرفوع مفردا مؤنثا فإذا لم يكن بينهما فاصل امتنع الكلام، لان مطابقة المبتدأ وخبره والفاعل ورافعه في التأنيث واجبة حينئذ، وإن كان بينهما فاصل صح جعل المرفوع فاعلا ولم يصح جعله مبتدأ، فإن وجوب المطابقة بين المبتدأ والخبر لا تزول بالفصل بينهما، وصح جعل المرفوع فاعلا، لان الفصل يبيح فوات المطابقة في التأنيث بين الفاعل المؤنث الحقيقي التأنيث ورافعه.
وإن كان الوصف والمرفوع مفردين مذكرين وقد وقع بعدهما معمول للوصف جاز أن يكون المرفوع فاعلا ولم يجز أن يكون مبتدأ، إذ يترتب على جعله مبتدأ أن يفصل بين العامل والمعمول بأجنبي.
وإذا كان الوصف مثنى أو مجموعا والمرفوع مفرد لم يصح الكلام بتة، لا على اللغة الفصحى، ولا على غير اللغة الفصحى من لغات العرب، لان شرط المبتدأ والخبر - وهو التطابق - غير موجود، وشرط الفاعل وعامله - وهو تجرد العامل من علامة التثنية والجمع غير موجود، وغير الفصحى لا تلحقها مع الفاعل المفرد.
(1) " ورفعوا " الواو للاستئناف، رفعوا: فعل وفاعل " مبتدأ " مفعول به رفعوا " بالابتدا " جار ومجرور متعلق برفعوا " كذاك " الجار والمجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم، والكاف حرف خطاب " رفع " مبتدأ مؤخر، ورفع مضاف و " خبر " مضاف إليه " بالمبتدا " جار ومجرور متعلق برفع.
(*)
(1/200)

فالعامل في المبتدأ معنوي - وهو كون الاسم مجردا عن العوامل اللفظية غير الزائدة، وما أشبهها - واحترز بغير الزائدة من مثل " بحسبك درهم " فيحسبك: مبتدأ، وهو مجرد عن العوامل اللفظية غير الزائدة، ولم يتجرد عن الزائدة، فإن الباء الداخلة عليه زائدة، واحترز " بشبهها " من مثل " رب رجل قائم " فرجل: مبتدأ، وقائم: خبره، ويدل على ذلك رفع المعطوف عليه، نحو " رب رجل قائم وامرأة ".
والعامل في الخبر لفظي، وهو المبتدأ، وهذا هو مذهب سيبويه رحمه الله !.
وذهب قوم إلى أن العامل في المبتدأ والخبر الابتداء، فالعامل فيهما معنوي.
وقيل: المبتدأ مرفوع بالابتداء، والخبر مرفوع بالابتداء والمبتدإ.
وقيل: ترافعا، ومعناه أن الخبر رفع المبتدأ، وأن المبتدأ رفع الخبر.
وأعدل هذه المذاهب مذهب سيبويه [ وهو الاول ]، وهذا الخلاف [ مما ] لا طائل فيه.
* * * والخبر: الجزء المتم الفائدة، كالله بر، والايادي شاهده (1) عرف المصنف الخبر بأنه الجزء المكمل للفائدة، ويرد عليه الفاعل، نحو " قام زيد " فإنه يصدق على زيد أنه الجزء المتم للفائدة، وقيل في تعريفه: إنه الجزء المنتظم منه مع المبتدأ جملة، ولا يرد الفاعل على هذا التعريف، لانه لا ينتظم منه مع المبتدأ جملة، بل ينتظم منه مع الفعل جملة، وخلاصة هذا أنه.
__________
(1) " والخبر " الواو للاستئناف، الخبر: مبتدأ " الجزء " خبر المبتدأ " المتم " نعت له، والمتم مضاف و " الفائدة " مضاف إليه " كالله " الكاف جارة لقول محذوف، ولفظ الجلالة مبتدأ " بر " خبر المبتدأ " والايادي شاهده " الواو عاطفة، وما بعدها مبتدأ وخبر، والجملة معطوفة بالواو على الجملة السابقة.
(*)
(1/201)

عرف الخبر بما يوجد فيه وفي غيره، والتعريف ينبغي أن يكون مختصا بالمعرف دون غيره.
* * * ومفردا يأتي، ويأتي جمله حاوية معنى الذي سيقت له (1) وإن تكن إياه معنى اكتفى بها: كنطقي الله حسبي وكفى (2) ينقسم الخبر إلى: مفرد، وجملة، وسيأتي الكلام على المفرد.
فأما الجملة فإما أن تكون هي المبتدأ في المعنى أو لا..
__________
(1) " ومفردا " حال من الضمير في " يأتي " الاول " يأتي " فعل مضارع، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على الخبر " ويأتي " الواو عاطفة، ويأتي
فعل مضارع، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على الخبر أيضا، والجملة معطوفة على جملة " يأتي " وفاعله السابقة " جملة " حال من الضمير المستتر في " يأتي " الثاني منصوب بالفتحة الظاهرة، وسكن لاجل الوقف " حاوية " نعت لجملة، وفيه ضمير مستتر هو فاعل " معنى " مفعول به لحاوية.
ومعنى مضاف و " الذي " مضاف إليه " سيقت " سيق: فعل ماض مبني للمجهول، والتاء للتأنيث، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقدير هي يعود إلى جملة، والجملة من سيق ونائب فاعله لا محل لها صلة الموصول " له " جار ومجرور متعلق بسيق.
(2) " وإن " شرطية " تكن " فعل مضارع ناقص فعل الشرط، واسمه ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هي يعود على قوله جملة " إياه " خبر تكن " معنى " منصوب بنزع الخافض أو تمييز " اكتفى " فعل ماض مبني على الفتح المقدر على الالف في محل جزم جواب الشرط، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى الخبر " بها " جار ومجرور متعلق باكتفى " كنطقي " الكاف جارة لقول محذوف، نطق: مبتدأ أول، ونطق مضاف وياء المتكلم مضاف إليه " الله " مبتدأ ثان " وحسبي " خبر المبتدأ الثاني ومضاف إليه، وجملة المبتدأ الثاني وخبره في محل رفع خبر المبتدأ الاول " وكفى " فعل ماض، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو، وأصله وكفى به، فحذف حرف الجر، فاتصل الضمير واستتر.
(*)
(1/202)

فإن لم تكن هي المبتدأ في المعنى فلا بد فيها من رابط يربطها بالمبتدأ (1)، وهذا معنى قوله: " حاوية معنى الذي سيقت له " والرابط: (1) إما ضمير يرجع إلى المبتدأ، نحو " زيد قام أبوه " وقد يكون الضمير مقدرا، نحو " السمن منوان بدرهم " التقدير: منوان منه بدرهم (2) أو إشارة إلى المبتدأ،.
__________
(1) يشترط في الجملة التي تقع خبرا ثلاثة شروط، الاول: أن تكون مشتملة على رابط يربطها بالمبتدأ، وقد ذكر الشارح هذا الشرط، وفصل القول فيه، والشرط
الثاني: ألا تكون الجملة ندائية، فلا يجوز أن تقول: محمد يا أعدل الناس، على أن يكون محمد مبتدأ وتكون جملة " يا أعدل الناس " خبرا عن محمد، الشرط الثالث: ألا تكون جملة الخبر مصدرة بأحد الحروف: لكن، وبل، وحتى.
وقد أجمع النحاة على ضرورة استكمال الخبر لهذه الشروط الثلاثة، وزاد ثعلب شرطا رابعا، وهو ألا تكون جملة الخبر قسمية، وزاد ابن الانباري خامسا وهو ألا تكون إنشائية، والصحيح عند الجمهور صحة وقوع القسمية خبرا عن المبتدأ، كأن تقول: زيد والله إن قصدته ليعطينك، كما أن الصحيح عند الجمهور جواز وقع الانشائية خبرا عن المبتدأ، كأن تقول: زيد اضربه، وذهب ابن السراج إلى أنه إن وقع خبر المبتدأ جملة طليبة فهو على تقدير قول، فالتقدير عنده في المثال الذي ذكرناه: زيد مقول فيه اضربه، تشبيها للخبر بالنعت، وهو غير لازم عند الجمهور (،) ؟ وفرقوا بين الخبر والنعت بأن النعت يقصد منه تمييز المنعوت وإيضاحه، فيجب أن يكون معلوما للمخاطب قبل التكلم، والانشاء لا يعلم إلا بالتكلم، وأما الخبر فإنه يقصد منه الحكم، فلا يلزم أن يكون معلوما من قبل، بل الاحسن أن يكون مجهولا قبل التكلم ليفيد المتكلم المخاطب ما لا يعرفه، وقد ورد الاخبار بالجملة الانشائية في قول العذري (انظر شرح الشاهد رقم 30).
وجد الفرزدق أتعس به ودق خياشيمه الجندل وكل النحاة أجاز رفع الاسم المشغول عنه قبل فعل الطلب، وأجاز جعل المخصوص بالمدح مبتدأ خبره جملة نعم وفاعلها، وهي إنشائية، وسيمثل المؤلف في هذا الموضوع بمثال منه، فاحفظ ذلك كله، وكن منه على ثبت.
(*)
(1/203)

كقوله تعالى: (ولباس التقوى ذلك خير) (1) في قراءة من رفع اللباس (3) أو تكرار المبتدأ بلفظه، وأكثر ما يكون في مواضع التفخيم كقوله تعالى:
(الحاقة ما الحاقة) و (القارعة ما القارعة)، وقد يستعمل في غيرها، كقولك: " زيد ما زيد " (4) أو عموم يدخل تحته المبتدأ، نحو " زيد نعم الرجل ".
وإن كانت الجملة الواقعة خبرا هي المبتدأ في المعنى لم تحتج إلى رابط، وهذا معنى قوله: " وإن تكن - إلى آخر البيت " أي: وإن تكن الجملة إياه - أي المبتدأ - في المعنى اكتفى بها عن الرابط، كقولك: " نطقي الله حسبي "، فنطقي: مبتدأ [ أ ول ]، والاسم الكريم: مبتدأ ثان، وحسبي: خبر عن المبتدإ الثاني، والمبتدأ الثاني وخبره خبر عن المبتدإ الاول، واستغنى عن الرابط، لان قولك " الله حسبي " هو معنى " نطقي " وكذلك " قولي لا إله إلا الله ".
* * *.
__________
(1) هذه الآية الكريمة أولها: (يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسا يواري سوآتكم وريشا ولباس التقوى ذلك خير) وقد قرئ فيها في السبعة بنصب " لباس التقوى " وبرفعه، فأما قراءة النصب فعلى العطف على " لباسا يواري " ولا كلام لنا فيها الآن، وأما قراءة الرفع فيجوز فيها عدة وجوه من الاعراب، الاول: أن يكون " لباس التقوى " مبتدأ أول، و " ذلك " مبتدأ ثانيا، و " خير " خبر المبتدأ الثاني، وجملة المبتدأ الثاني وخبره في محل رفع خبر المبتدأ الاول، وهذا هو الوجه الذي خرج الشارح وغيره من النحاة الآية عليه، والوجه الثاني: أن يكون " ذلك " بدلا من " لباس التقوى "، والثالث: أن يكون " ذلك " نعتا للباس التقوى على ما هو مذهب جماعة و " خير " خبر المبتدأ الذي هو " لباس التقوى " وعلى هذين لا شاهد في الآية لما نحن بصدده في هذا الباب.
(*)
(1/204)

والمفرد الجامد فارغ، وإن يشتق فهو ذو ضمير مستكن (1) تقدم الكلام في الخبر إذا كان جملة، وأما المفرد: فإما أن يكون جامدا، أو مشتقا.
فإن كان جامدا فذكر المصنف أنه يكون فارغا من الضمير، نحو " زيد أخوك " وذهب الكسائي والرماني وجماعة إلى أنه يتحمل الضمير، والتقدير عندهم: " زيد أخوك هو " وأما البصريون فقالوا: إما أن يكون الجامد متضمنا معنى المشتق، أولا، فإن تضمن معناه نحو " زيد أسد " - أي شجاع - تحمل الضمير، وإن لم يتضمن معناه لم يتحمل الضمير كما مثل.
وإن كان مشتقا فذكر المصنف أنه يتحمل الضمير، نحو " زيد قائم " أي: هو، هذا إذا لم يرفع ظاهرا.
__________
(1) " والمفرد " مبتدأ " الجامد " نعت له " فارغ " خبر المبتدأ " وإن " شرطية " يشتق " فعل مضارع فعل الشرط مبني للمجهول، مجزوم بإن الشرطية، وعلامة جزمه السكون، وحرك بالفتح تخلصا من التقاء الساكنين وطلبا للخفة، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على قوله المفرد " فهو " الفاء واقعة في جواب الشرط، والضمير المنفصل مبتدأ " ذو " اسم بمعنى صاحب خبر المبتدأ وذو مضاف و " ضمير " مضاف إليه " مستكن " نعت لضمير، وجملة المبتدأ والخبر في محل جزم جواب الشرط، ويجوز أن يكون قوله " المفرد " مبتدأ أول، وقوله " الجامد " مبتدأ ثانيا، وقوله " فارغ " خبر المبتدأ الثاني، وجملة المبتدأ الثاني وخبره في محل رفع خبر المبتدأ الاول، والرابط بين جملة الخبر والمبتدأ الاول محذوف، وتقدير الكلام على هذا: والمفرد الجامد منه فارغ، والشاطبي يوجب هذا الوجه من الاعراب، لان الضمير المستتر في قوله " يشتق " في الوجه الاول عاد على " المفرد " الموصوف بقوله " الجامد " بدون صفته، إذا لو عاد على الموصوف وصفته لكان المعنى:
إن يكن المفرد الجامد مشتقا، وهو كلام غير مستقيم، وزعم أن عود الضمير على الموصوف وحده - دون صفته - خطأ، وليس كما زعم، لا جرم جوزنا الوجهين في إعراب هذه العبارة.
(*)
(1/205)

وهذا الحكم إنما هو للمشتق الجاري مجرى الفعل: كاسم الفاعل، واسم المفعول، والصفة المشبهة، واسم التفضيل، فأما ما ليس جاريا مجرى الفعل من المشتقات فلا يتحمل ضميرا، وذلك كأسماء الآلة، نحو " مفتاح " فإنه مشتق من " الفتح " ولا يتحمل ضميرا، فإذا قلت: " هذا مفتاح " لم يكن فيه ضمير، وكذلك ما كان على صيغة مفعل وقصد به الزمان أو المكان ك " مرمى " فإنه مشتق من " الرمي " ولا يتحمل ضميرا، فإذا قلت " هذا مرمى زيد " تريد مكان رميه أو زمان رميه كان الخبر مشتقا ولا ضمير فيه.
وإنما يتحمل المشتق الجاري مجرى الفعل الضمير إذا لم يرفع ظاهرا، فإن رفعه لم يتحمل ضميرا، وذلك نحو " زيد قائم غلاماه " فغلاماه: مرفوع بقائم، فلا يتحمل ضميرا.
وحاصل ما ذكر: أن الجامد يتحمل الضمير مطلقا عند الكوفيين، ولا يتحمل ضميرا عند البصريين، إلا إن أول بمشتق، وأن المشتق إنما يتحمل الضمير إذا لم يرفع ظاهرا وكان جاريا مجرى الفعل، نحو: " زيد منطلق " أي: هو، فإن لم يكن جاريا مجرى الفعل لم يتحمل شيئا، نحو: " هذا مفتاح "، و " هذا مرمى زيد ".
* * * وأبرزنه مطلقا حيث تلا ما ليس معناه له محصلا (1).
__________
(1) " وأبرزنه " الواو للاستئناف، أبرز: فعل أمر مبني على الفتح لاتصاله بنون
التوكيد الخفيفة، والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقدير أنت، ونون التوكيد حرف مبني على السكون لا محل له من الاعراب، والضمير المتصل البارز مفعول به لابرز " مطلقا " حال من الضمير البارز، ومعناه سواء أمنت اللبس أم لم تأمنه " حيث " = (*)
(1/206)

إذا جرى الخبر المشتق على من هو له استتر الضمير فيه، نحو: " زيد قائم " أي هو، فلو أتيت بعد المشتق ب " هو " ونحوه وأبرزته فقلت: " زيد قائم هو " فقد جوز سيبويه فيه وجهين، أحدهما: أن يكون " هو " تأكيدا للضمير المستتر في " قائم " والثاني أن يكون فاعلا ب " قائم ".
هذا إذا جرى على من هو له.
فإن جرى على غير من هو له - وهو المراد بهذا البيت - وجب إبراز الضمير، سواء أمن اللبس، أو لم يؤمن، فمثال ما أمن فيه اللبس: " زيد هند ضاربها هو " ومثال ما لم يؤمن فيه اللبس لولا الضمير " زيد عمرو ضاربه هو " فيجب إبراز الضمير في الموضعين عند البصريين، وهذا معنى قوله: " وأبرزنه مطلقا " أي سواء أمن اللبس، أو لم يؤمن.
وأما الكوفيون فقالوا: إن أمن اللبس جاز الامران كالمثال الاول - وهو:
__________
= ظرف مكان متعلق بأبرز " تلا " فعل ماض، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى الخبر المشتق، والجملة من تلا وفاعله في محل جر بإضافة حيث إليها " ما " اسم موصول مفعول به لتلا، مبني على السكون في محل نصب " ليس " فعل ماض ناقص " معناه " معنى: اسم ليس، ومعنى مضاف والضمير مضاف إليه " له " جار ومجرور متعلق بقوله " محصلا " الآتي " محصلا " خبر ليس، والجملة من ليس ومعموليها لا محل لها من الاعراب صلة الموصول الذي هو " ما "، وتقدير البيت: وأبرز ضمير الخبر المشتق مطلقا إن تلا الخبر مبتدأ ليس معنى ذلك الخبر محصلا لذلك المبتدأ، وقد عبر الناظم في الكافية عن هذا المعنى بعبارة سالمة من هذا الاضطراب
والقلق، وذلك قوله: وإن تلا غير الذي تعلقا به فأبرز الضمير مطلقا في المذهب الكوفي شرط ذاك أن لا يؤمن اللبس، ورأيهم حسن وقد أشار الشارح إلى اختيار الناظم في غير الالفية من كتبه لمذهب الكوفيين في هذه المسألة، وأنت تراه يقول في آخر هذين البيتين عن مذهب الكوفيين " ورأيهم حسن ".
(*)
(1/207)

" زيد هند ضاربها هو " - فإن شئت أتيت ب " هو " وإن شئت لم تأت به، وإن خيف اللبس وجب الابراز كالمثال الثاني، فإنك لو لم تأت بالضمير فقلت: " زيد عمرو ضاربه " لاحتمل أن يكون فاعل الضرب زيدا، وأن يكون عمرا، فلما أتيت بالضمير فقلت: " زيد عمرو ضاربه هو " تعين أن يكون " زيد " هو الفاعل.
واختار المصنف في هذا الكتاب مذهب البصريين، ولهذا قال: " وأبرزنه مطلقا " يعني سواء خيف اللبس، أو لم يخف، واختار في غير هذا الكتاب مذهب الكوفيين، وقد ورد السماع بمذهبهم، فمن ذلك قول الشاعر: 42 - قومي ذرا المجد بانوها وقد علمت بكنه ذلك عدنان وقحطان التقدير: بانوها هم، فحذف الضمير لا من اللبس.
* * *.
__________
42 - هذا الشاهد غير منسوب إلى قائل معين فيما بين أيدينا من المراجع.
اللغة: " ذرا " بضم الذال - جمع ذروة، وهي من كل شئ أعلاه " المجد " الكرم " بانوها " جعله العيني فعلا ماضيا بمعنى زادوا عليها (وتميزوا) ؟، ويحتمل أن
يكون جمع " بان " جمعا سالما مثل قاض وقاضون وغاز وغازون، وحذفت النون للاضافة كما حذفت النون في قولك " قاضو المدينة ومفتوها " وهو عندنا أفضل مما ذهب إليه العيني " كنه " كنه كل شئ: غايته، ونهايته، وحقيقته.
الاعراب: " قومي " قوم: مبتدأ أول، وقوم مضاف وياء المتكلم مضاف إليه " ذرا " مبتدأ ثان، وذرا مضاف و " المجد " مضاف إليه " بانوها " بانو: خبر المبتدأ الثاني، وبانو مضاف وضمير الغائبة العائد إلى ذرا المجد مضاف إليه، وجملة المبتدأ الثاني وخبره خبر المبتدأ الاول " وقد " الواو واو الحال، قد: حرف تحقيق " علمت " علم: فعل ماض، والتاء للتأنيث " بكنه " جار ومجرور متعلق بعلمت، = (*)
(1/208)

وأخبروا بظرف أو بحرف جر ناوين معنى " كائن " أو " استقر " (1).
__________
= وكنه مضاف واسم الاشارة في " ذلك " مضاف إليه، واللام للبعد، والكاف حرف خطاب " عدنان " فاعل علمت " وقحطان " معطوف عليه.
الشاهد فيه: قوله " قومي ذرا المجد بانوها " حيث جاء بخبر المبتدأ مشتقا ولم يبرز الضمير، مع أن المشتق ليس وصفا لنفس مبتدئه في المعنى، ولو أبرز الضمير لقال: " قومي ذرا المجد بانوهاهم " وإنما لم يبرز الضمير ارتكانا على انسياق المعنى المقصود إلى ذهن السامع من غير تردد، فلا لبس في الكلام بحيث يفهم منه معنى غير المعنى الذي يقصد إليه المتكلم، فإنه لا يمكن أن يتسرب إلى ذهنك أن " بانوها " هو في المعنى وصف للمبتدأ الثاني الذي هو " ذرا المجد " لان ذرا المجد مبنية وليست بانية، وإنما الباني هو القوم.
وهذا الذي يدل عليه هذا البيت - من عدم وجوب إبراز الضمير إذا أمن الالتباس، وقصر وجوب إبرازه على حالة الالتباس - هو مذهب الكوفيين في الخبر
والحال والنعت والصلة، قالوا في جميع هذه الابواب: إذا كان واحد من هذه الاشياء جاريا على غير من هو له ينظر، فإذا كان يؤمن اللبس ويمكن تعين صاحبه من غير إبراز الضمير فلا يجب إبرازه، وإن كان لا يؤمن اللبس واحتمل عوده على من هو له وعلى غير من هو له وجب إبراز الضمير، والبيت حجة لهم في ذلك.
والبصريون يوجبون إبراز الضمير بكل حال، ويرون مثل هذا البيت غير موافق للقياس الذي عليه أكثر كلام العرب، فهو عندهم شاذ.
ومنهم من زعم أن " ذرا المجد " ليس مبتدأ ثانيا كما أعربه الكوفيون، بل هو مفعول به لوصف محذوف، والوصف المذكور بعده بدل من الوصف المحذوف، وتقدير الكلام: قومي بانون ذرا المجد بانوها، فالخبر محذوف، وهو جار على من له، وفي هذا من التكلف ما ليس يخفى.
(1) " وأخبروا " الواو للاستئناف، وأخبروا: فعل وفاعل " بظرف " جار ومجرور متعلق بأخبروا " أو " عاطفة " بحرف " جار ومجرور معطوف على الجار والمجرور السابق، وحرف مضاف، و " جر " مضاف إليه " ناوين " حال من الواو = (*)
(1/209)

تقدم أن الخبر يكون مفردا، ويكون جملة، وذكر المصنف في هذا البيت أنه يكون ظرفا أو [ جارا و ] مجرورا (1)، نحو: " زيد عندك "، و " زيد في الدار " فكل منهما متعلق بمحذوف واجب الحذف (2)، وأجاز قوم منهم -.
__________
= في قوله " أخبروا " منصوب بالياء نيابة عن الفتحة، وفاعله ضمير مستتر فيه " معنى " مفعول به لناوين، ومعنى مضاف، و " كائن " مضاف إليه " أو " عاطفة " استقر " قصد لفظه، وهو معطوف على كائن.
(1) يشترط لصحة الاخبار بالظرف والجار والمجرور: أن يكون كل واحد منهما تاما، ومعنى التمام أن يفهم منه متعلقه المحذوف، وإنما يفهم متعلق كل واحد منهما منه
في حالتين: أولاهما: أن يكون المتعلق عاما، نحو: زيد عندك، وزيد في الدار.
وثانيهما: أن يكون المتعلق خاصا وقد قامت القرينة الدالة عليه، كأن يقول لك قائل: زيد مسافر اليوم وعمرو غدا، فتقول له: بل عمرو اليوم وزيد غدا، وجعل ابن هشام في المغنى من هذا الاخير قوله تعالى: (الحر بالحر والعبد بالعبد) أي الحر يقتل بالحر والعبد يقتل بالعبد.
(2) ههنا أمران، الاول: أن المتعلق يكون واجب الحذف إذا كان عاما، فأما إذا كان خاصا ففيه تفصيل، فإن قامت قرينة تدل عليه إذا حذف جاز حذفه وجاز ذكره، وإن لم تكن هناك قرينة ترشد إليه وجب ذكره، هذا مذهب الجمهور في هذا الموضوع، وسنعود إليه في شرح الشاهد رقم 43 الآتي قريبا.
الامر الثاني: اعلم أنه قد اختلف النحاة في الخبر: أهو متعلق الظرف والجار والمجرور فقط، أم هو نفس الظرف والجار والمجرور فقط، أم هو مجموع المتعلق والظرف أو الجار والمجرور ؟ فذهب جمهور البصريين إلى أن الخبر هو المجموع، لتوقف الفائدة على كل واحد منهما، والصحيح الذي ترجحه أن الخبر هو نفس المتعلق وحده، وأن الظرف أو الجار والمجرور قيد له، ويؤيد هذا أنهم أجمعوا على أن المتعلق إذا كان خاصا فهو الخبر وحده، سواء أكان مذكورا أم كان قد حذف لقرينة تدل عليه، وهذا الخلاف إنما هو في المتعلق العام، فليكن مثل الخاص، طردا للباب على وتيرة واحدة.
(*)
(1/210)

المصنف - أن يكون ذلك المحذوف اسما أو فعلا نحو: " كائن " أو " استقر " فإن قدرت " كائنا " كان من قبيل الخبر بالمفرد، وإن قدرت " استقر " كان من قبيل الخبر بالجملة.
واختلف النحويون في هذا، فذهب الاخفش إلى أنه من قبيل الخبر بالمفرد، وأن كلا منهما متعلق بمحذوف، وذلك المحذوف اسم فاعل، التقدير " زيد كائن عندك، أو مستقر عندك، أو في الدار " وقد نسب هذا لسيبويه.
وقيل: إنهما من قبيل الجملة، وإن كلا منهما متعلق بمحذوف هو فعل، والتقدير " زيد استقر - أو يستقر - عندك، أو في الدار " ونسب هذا إلى جمهور البصريين، وإلى سيبويه أيضا.
وقيل: يجوز أن يجعلا من قبيل المفرد، فيكون المقدر مستقرا ونحوه، وأن يجعلا من قبيل الجملة، فيكون التقدير " استقر " ونحوه، وهذا ظاهر قول المصنف " ناوين معنى كائن أو استقر ".
وذهب أبو بكر بن السراج إلى أن كلا من الظرف والمجرور قسم برأسه، وليس من قبيل المفرد ولا من قبيل الجملة، نقل عنه هذا المذهب تلميذه أبو علي الفارسي في الشيرازيات.
والحق خلاف هذا المذهب، وأنه متعلق بمحذوف، وذلك المحذوف واجب الحذف، وقد صرح به شذوذا، كقوله: 43 - لك العز إن مولاك عز، وإن يهن فأنت لدى بحبوحة الهون كائن.
__________
43 - هذا البيت من الشواهد التي لم يذكروها منسوبة إلى قائل معين.
اللغة: " مولاك " يطلق المولى على معان كثيرة، منها السيد، والعبد، والحليف، والمعين، والناصر، وابن العم، والمحب، والجار، والصهر " يهن " يروى بالبناء = (*)
(1/211)

.
= للمجهول كما قاله العيني وتبعه عليه كثير من أرباب الحواشي، ولا مانع من بنائه للمعلوم بل هو الواضح عندنا، لان الفعل الثلاثي لازم، فبناؤه للمفعول مع غير الظرف أو
الجار والمجرور ممتنع، نعم يجوز أن يكون الفعل من أهنته أهينه، وعلى هذا يجئ ما ذكره العيني، ولكنه ليس بمتعين، ولا هو مما يدعو إليه المعنى، بل الذي اخترناه أقرب، لمقابلته بقوله: " عز " الثلاثي اللازم، وقوله: " بحبوحة " هو بضم فسكون، وبحبوحة كل شئ: وسطه " الهون " الذل والهوان.
الاعراب: " لك " جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم " العز " مبتدأ مؤخر " إن " شرطية " مولاك " مولى: فاعل لفعل محذوف يقع فعل الشرط، يفسره المذكور بعده، ومولى مضاف والكاف ضمير خطاب مضاف إليه " عز " فعل ماض، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى مولاك، والجملة لا محل لها مفسرة، وجواب الشرط محذوف يدل عليه الكلام، أي: إن عز مولاك فلك العز " وإن " الواو عاطفة، وإن: شرطية " يهن " فعل مضارع فعل الشرط مجزوم وعلامة مجزمه السكون، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى مولاك " فأنت " الفاء واقعة في جواب الشرط، أنت: ضمير منفصل مبتدأ " لدى " ظرف متعلق بكائن الآتي، ولدى مضاف و " بحبوحة " مضاف إليه، وبحبوحة مضاف و " الهون " مضاف إليه " كائن " خبر المبتدأ، والجلمة من المبتدأ والخبر في محل جزم جواب الشرط.
الشاهد فيه: قوله " كائن " حيث صرح به - وهو متعلق الظرف الواقع خبرا - شذوذا، وذلك لان الاصل عند الجمهور أن الخبر - إذا كان ظرفا أو جارا ومجرورا - أن يكون كل منهما متعلقا بكون عام، وأن يكون هذا الكون العام واجب الحذف، كما قرره الشارح العلامة، فإن كان متعلقهما كونا خاصا وجب ذكره، إلا أن تقوم قرينة تدل عليه إذا حذف، فإن قامت هذه القرينة جاز ذكره وحذفه، وذهب ابن جنى إلى أنه يجوز ذكر هذا الكون العام لكون الذكر أصلا، وعلى هذا يكون ذكره في هذا البيت ونحوه ليس شاذا، كذلك قالوا.
والذي يتجه للعبد الضعيف - عفا الله تعالى عنه - ! وذكره كثير من أكابر =
(1/212)

وكما يجب حذف عامل الظرف والجار والمجرور - إذا وقعا خبرا - كذلك يجب حذفه إذا وقعا صفة، نحو: " مررت برجل عندك، أو في الدار " أو حالا، نحو: " مررت بزيد عندك، أو في الدار " أو صلة، نحو: " جاء الذي عندك، أو في الدار " لكن يجب في الصلة أن يكون المحذوف فعلا، التقدير: " جاء الذي استقر عندك، أو في الدار " وأما الصفة والحال فحكمهما حكم الخبر كما تقدم.
* * * ولا يكون اسم زمان خبرا عن جثة، وإن يفد فأخبرا (1).
__________
= العلماء أن " كائنا، واستقر " قد يراد بهما مجرد الحصول والوجود فيكون كل منهما كونا عاما واجب الحذف، وقد يراد بهما حصول مخصوص كالثبات وعدم قبول التحول والانتقال ونحو ذلك فيكون كل منهما كونا خاصا، وحينئذ يجوز ذكره، و " ثابت " و " ثبت " بهذه المنزلة، فقد يراد بهما الوجود المطلق الذي هو ضد الانتقال فيكونان عامين، وقد يراد بهما القرار وعدم قابلية الحركة مثلا، وحينئذ يكونان خاصين، وبهذا يرد على ابن جنى ما ذهب إليه، وبهذا - أيضا - يتجه ذكر " كائن " في هذا البيت وذكر " مستقر " في نحو قوله تعالى: (فلما رآه مستقرا عنده)، لان المعنى أنه لما رآه ثابتا كما لو كان موضعه بين يديه من أول الامر.
(1) " ولا " الواو للاستئناف، ولا: نافية " يكون " فعل مضارع ناقص " اسم " هو اسم يكون، واسم مضاف و " زمان " مضاف إليه " خبرا " خبر يكون " عن جثة " جار ومجرور متعلق بقوله خبرا، أو بمحذوف صفة لخبر " وإن " الواو للاستئناف، إن: شرطية " يفد " فعل مضارع فعل الشرط، وفاعله ضمير مستتر
فيه جوازا تقديره هو يعود إلى كون الخبر اسم زمان " فأخبرا " الفاء واقعة في جواب الشرط، أخبر فعل أمر مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الخفيفة المنقلبة ألفا للوقف، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت، والجملة من فعل الامر وفاعله في محل جزم جواب الشرط.
(*)
(1/213)

ظرف المكان يقع خبرا عن الجثة، نحو: " زيد عندك " وعن المعنى نحو: " القتال عندك " وأما ظرف الزمان فيقع خبرا عن المعنى منصوبا أو مجرورا بفي، نحو: " القتال يوم الجمعة، أو في يوم الجمعة " ولا يقع خبرا عن الجثة، قال المصنف: إلا إذا أفاد نحو " الليلة الهلال، والرطب شهري ربيع " فإن لم يفد لم يقع خبرا عن الجثة، نحو: " زيد اليوم " وإلى هذا ذهب قوم منهم المصنف، وذهب غير هؤلاء إلى المنع مطلقا، فإن جاء شئ من ذلك يؤول، نحو قولهم: الليلة الهلال، والرطب شهري ربيع، التقدير: طلوع الهلال الليلة، ووجود الرطب شهري ربيع، هذا مذهب جمهور البصريين، وذهب قوم - منهم المصنف - إلى جواز ذلك من غير شذوذ [ لكن ] بشرط أن يفيد (1)، كقولك: " نحن في يوم طيب، وفي شهر كذا "،.
__________
(1) هنا أمران يحسن بنا أن نبينهما لك تبيينا واضحا، الاول: أن الاسم الذي يقع مبتدأ، إما أن يكون اسم معنى كالقتل والاكل والنوم، وإما أن يكون اسم جثة، والمراد بها الجسم على أي وضع كان، كزيد والشمس والهلال والورد، والظرف الذي يصح أن يقع خبرا، إما أن يكون اسم زمان كيوم وزمان وشهر ودهر، وإما أن يكون اسم مكان نحو عند ولدى وأمام وخلف، والغالب أن الاخبار باسم المكان يفيد سواء أكان المخبر عنه اسم جثة أم كان المخبر عنه اسم معنى، والغالب أن الاخبار باسم الزمان يفيد إذا كان المخبر عنه اسم معنى، فلما كان الغالب في هذه الاحوال الثلاثة حصول الفائدة
أجاز الجمهور الاخبار بظرف المكان مطلقا وبظرف الزمان عن اسم المعنى بدون شرط إعطاء للجميع حكم الاغلب الاكثر، ومن أجل أن الاخبار بالظرف المكاني مطلقا وبالزمان عن اسم المعنى مفيد غالبا لا دائما، ومعنى هذا أن حصول الفائدة ليس بواجب في الاخبار حينئذ، من أجل ذلك استظهر جماعة من المحققين أنه لا يجوز الاخبار إلا إذا حصلت الفائدة به فعلا، فلو لم تحصل الفائدة من الاخبار باسم الزمان عن المعنى نحو " القتال زمانا " أو لم تحصل من الاخبار باسم المكان نحو " زيد مكانا " ونحو " القتال مكانا " لم يجز الاخبار، وإذن فالمدار عند هذا الفريق على حصول الفائدة في الجميع، والغالب أن الاخبار باسم الزمان عن الجثة لا يفيد، وهذا هو السر في تخصيص الجمهور هذه الحالة بالنص عليها.
= (*)
(1/214)

وإلى هذا أشار بقوله: " وإن يفد فأخبرا " فإن لم يفد امتنع، نحو: " زيد يوم الجمعة ".
* * * ولا يجوز الابتدا بالنكرة ما لم تفد: كعند زيد نمره (1) وهل فتى فيكم ؟ فما خل لنا، ورجل من الكرام عندنا (2).
__________
= الامر الثاني: أن الفائدة من الاخبار باسم الزمان عن اسم الجثة تحصل بأحد أمور ثلاثة، أولها: أن يتخصص اسم الزمان بوصف أو بإضافة، ويكون مع ذلك مجرورا بفي، نحو قولك: " نحن في يوم قائظ، ونحن في زمن كله خير وبركة " ولا يجوز في هذا إلا الجر بفي، فلا يجوز أن تنصب الظرف ولو أن نصبه على تقدير في، وثانيها أن يكون الكلام على تقدير مضاف هو اسم معنى، نحو قولهم: الليلة الهلال فإن تقديره الليلة طلوع الهلال، ونحو قول امرئ القيس بن حجر الكندي بعد مقتل أبيه: اليوم خمر، وغدا أمر، فإن التقدير عند النحاة في هذا المثل: اليوم شرب خمر، وثالثها:
أن يكون اسم الجثة مما يشبه اسم المعنى في حصوله وقتا بعد وقت، نحو قولهم: " الرطب شهري ربيع، والورد أيار، ونحو قولنا: القطن سبتمبر، ويجوز في هذا النوع أن تجره بفي، فتقول: الرطب في شهري ربيع، والورد في أيار وهو شهر من الشهور الرومية يكون زمن الربيع.
(1) " لا " نافية " يجوز " فعل مضارع " الابتدا " فاعل يجوز " بالنكرة " جار ومجرور متعلق بالابتدا " ما " مصدرية ظرفية " لم " حرف نفي وجزم وقلب " تفد " فعل مضارع مجزوم بلم، والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هي يعود على النكرة " كعند " الكاف جارة لقول محذوف، والجار والمجرور متعلق بمحذوف خبر لمبتدأ محذوف، وعند ظرف متعلق بمحذوف خبر مقدم، وعند مضاف و " زيد " مضاف إليه " نمرة " مبتدأ مؤخر، وجملة المبتدأ وخبره في محل نصب مقول القول المحذوف، وتقدير الكلام: وذلك كائن كقولك عند زيد نمرة.
(2) " هل " حرف استفهام " فتى " مبتدأ " فيكم " جار ومجرور متعلق = (*)
(1/215)

ورغبة في الخير خير، وعمل بر يزين، وليقس ما لم يقل (1) الاصل في المبتدأ أن يكون معرفة (2) وقد يكون نكرة، لكن بشرط أن تفيد، وتحصل الفائدة بأحد أمور ذكر المصنف منها ستة: أحدها: أن يتقدم الخبر عليها، وهو ظرف أو جار ومجرور (3)، نحو: " في.
__________
= بمحذوف خبر المبتدأ " فما " نافية " خل " مبتدأ " لنا " جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر " ورجل " مبتدأ " من الكرام " جار ومجرور متعلق بمحذوف نعت لرجل " عندنا " عند: ظرف متعلق بمحذوف خبر المبتدأ، وعند مضاف والضمير مضاف إليه.
(1) " رغبة " مبتدأ " في الخير " جار ومجرور متعلق به " خير " خبر المبتدأ " وعمل " مبتدأ، وعمل مضاف و " بر " مضاف إليه " يزين " فعل مضارع، وفاعله
ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على عمل، والجملة في محل رفع خبر المبتدأ " وليقس " الواو عاطفة أو للاستئناف، واللام لام الامر، يقس: فعل مضارع مجزوم بلام الامر، وهو مبني للمجهول " ما " اسم موصول نائب فاعل يقس " لم " حرف نفي وجزم وقلب " يقل " فعل مضارع مبني للمجهول مجزوم بلم، ونائب فاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على " ما " والجملة من الفعل المبني للمجهول ونائب فاعله لا محل لها من الاعراب صلة.
(2) المبتدأ محكوم عليه، والخبر حكم، والاصل في المبتدأ أن يتقدم على الخبر، والحكم على المجهول لا يفيد، لان ذكر المجهول أول الامر يورث السامع حيرة، فتبعثه على عدم الاصغاء إلى حكمه، ومن أجل هذا وجب أن يكون المبتدأ معرفة حتى يكون معينا، أو نكرة مخصوصة.
ولم يجب في الفاعل أن يكون معرفة ولا نكرة مخصصة، لان حكمه - وهو المعبر عنه بالفعل - متقدم عليه البتة، فيتقرر الحكم أولا في ذهن السامع ثم يطلب له محكوما عليه أيا كان، ومن هنا تعرف الفرق بين المبتدأ والفاعل، مع أن كل واحد منهما محكوم عليه، وكل واحد منهما معه حكمه، ومن هنا تعرف أيضا السر في جواز أن يكون المبتدأ نكرة إذا تقدم الخبر عليه.
(3) مثل الظرف والجار والمجرور الجملة، نحو قولك: قصدك غلامه لرجل، فرجل مبتدأ مؤخر، وجملة " قصدك غلامه " من الفعل وفاعله في محل رفع خبر مقدم، لسوغ للابتداء بالنكرة، هو تقديم خبرها وهو جملة، واعلم أنه لابد - مع تقديم = (*)
(1/216)

الدار رجل "، و " عند زيد نمرة " (1)، فإن تقدم وهو غير ظرف ولا جار ومجرور لم يجز، نحو: " قائم رجل ".
الثاني: أن يتقدم على النكرة استفهام (2)، نحو: " هل فتى فيكم ".
الثالث: أن يتقدم عليها نفي (3)، نحو: " ما خل لنا "..
__________
= الخبر وكونه أحد الثلاثة: الجملة، والظرف، والجار والمجرور - من أن يكون مختصا، وذلك بأن يكون المجرور أو ما أضيف إليه والمسند إليه في الجملة مما يجوز الاخبار عنه، لو قلت: في دار رجل رجل، أو قلت عند رجل رجل، أو قلت ولد له ولد رجل - لم يصح.
(1) النمرة - بفتح النون وكسر الميم - كساء مخطط تلبسه الاعراب، وجمعه نمار.
(2) اشترط جماعة من النحويين - منهم ابن الحاجب - لجواز الابتداء بالنكرة بعد الاستفهام شرطين، الاول: أن يكون حرف الاستفهام الهمزة، والثاني: أن يكون بعده " أم " نحو أن تقول: أرجل عندك أم امرأة ؟ وهذا الاشتراط غير صحيح، فلهذا بادر الناظم والشارح بإظهار خلافه بالمثال الذي ذكراه، فإن قلت: فلماذا كان تقدم الاستفهام على النكرة مسوغا للابتداء بها ؟ فالجواب: أن نذكرك بأن الاستفهام إما إنكاري وإما حقيقي، أما الاستفهام الانكاري فهو بمعنى حرف النفي، وتقدم حرف النفي على النكرة يجعلها عامة، وعموم النكرة عند التحقيق هو المسوغ للابتداء بها، إذ الممنوع إنما هو الحكم على فرد مبهم غير معين، فأما الحكم على جميع الافراد فلا مانع منه، وأما الاستفهام الحقيقي فوجه تسويغه أن المقصود به السؤال عن فرد غير معين بطلب بالسؤال تعيينه، وهذا الفرد غير المعين شائع في جميع الافراد، فكأن السؤال في الحقيقة عن الافراد كلهم، فأشبه العموم، فالمسوغ إما العموم الحقيقي وإما العموم الشبيه به.
(3) قد عرفت مما ذكرناه في وجه تسويغ الاستفهام الابتداء بالنكرة أن الاصل فيه هو النفي، لان النفي هو الذي يجعل النكرة عامة متناولة جميع الافراد، وحمل الاستفهام الانكاري عليه لانه بمعناه، وحمل الاستفهام الحقيقي عليه لانه شبيه بما هو بمعنى النفي، فالوجه في النفي هو صيرورة النكرة عامة.
(*)
(1/217)

الرابع: أن توصف (1)، نحو: " رجل من الكرام عندنا ".
الخامس: أن تكون عاملة (2)، نحو: " رغبة في الخير خير ".
السادس: أن تكون مضافة، نحو: " عمل بر يزين ".
هذا ما ذكره المصنف في هذا الكتاب، وقد أنهاها غير المصنف إلى نيف وثلاثين موضعا [ وأكثر من ذلك (3) ]، فذكر [ هذه ] الستة المذكورة..
__________
(1) يشترط في الوصف الذي يسوغ الابتداء بالنكرة أن يكون مخصصا للنكرة فإن لم يكن الوصف مخصصا للنكرة - نحو أن تقول: رجل من الناس عندنا لم يصح الابتداء بالنكرة، والوصف على ثلاثة أنواع، النوع الاول: الوصف اللفظي، كمثال الناظم والشارح، والنوع الثاني: الوصف التقديري، وهو الذي يكون محذوفا من الكلام لكنه على تقدير ذكره في الكلام، كقوله تعالى (وطائفة قد أهمتهم أنفسهم) فإن تقدير الكلام: وطائفة من غيركم، بدليل ما قبله، وهو قوله تعالى (يغشى طائفة منكم) والنوع الثالث: الوصف المعنوي، وضابطه ألا يكون مذكورا في الكلام ولا محذوفا على نية الذكر، ولكن صيغة النكرة تدل عليه، ولذلك موضعان، الموضع الاول: أن تكون النكرة على صيغة التصغير، نحو قولك: رجيل عندنا، فإن المعنى رجل صغير عندنا، والموضع الثاني: أن تكون النكرة دالة على التعجب، نحو " ما " التعجبية في قولك: ما أحسن زيدا، فإن الذي سوغ الابتداء بما التعجبية وهي نكرة كون المعنى: شئ عظيم حسن زيدا، فهذا الامر الواحد وهو كون النكرة موصوفة - يشتمل على أربعة أنواع.
(2) قد تكون النكرة عاملة الرفع، نحو قولك: ضرب الزيدان حسن - بتنوين ضرب، لانه مصدر - وهو مبتدأ، والزيدان: فاعل المصدر، وحسن: خبر المبتدأ، وقد تكون عاملة النصب كما في مثال الناظم والشارح، فإن الجار والمجرور في محل نصب على أنه مفعول به للمصدر، وقد تكون عاملة الجر، كما في قوله عليه الصلاة والسلام
" خمس صلوات كتبهن الله في اليوم والليلة " ومن هذا تعلم أن ذكر الامر الخامس يغني عن ذكر السادس، لان السادس نوع منه.
(3) قد علمت أن بعض الامور الستة يتنوع كل واحد منها إلى أنواع، فالذين = (*)
(1/218)

والسابع: أن تكون شرطا، نحو: " من يقم أقم معه ".
الثامن: أن تكون جوابا، نحو أن يقال: من عندك ؟ فتقول: " رجل "، التقدير " رجل عندي ".
التاسع: أن تكون عامة، نحو: " كل يموت ".
العاشر: أن يقصد بها التنويع، كقوله: 44 - فأقبلت زحفا على الركبتين فثوب لبست، وثوب أجر [ فقوله " ثوب " مبتدأ، و " لبست " خبره، وكذلك " ثوب أجر " ]..
__________
= عدوا أمورا كثيرة لم يكتفوا بذكر جنس يندرج تحته الانواع المتعددة، وإنما فصلوها تفصيلا لئلا يحوجوا المبتدئ إلى إجهاد ذهنه، وستري في بعض ما يذكره الشارح زيادة على الناظم أنه مندرج تحت ما ذكره كالسابع والتاسع والثاني عشر والرابع عشر وسنبين ذلك.
44 - هذا البيت من قصيدة لامرئ القيس أثبتها له أبو عمرو الشيباني، والمفضل الضبي، وغيرهما، وأول هذه القصيدة قوله: لا، وأبيك ابنة العامري لا يدعي القوم أني أفر وزعم الاصمعي - في روايته عن أبي عمرو بن العلاء - أن القصيدة لرجل من أولاد النمر بن قاسط يقال له ربيعة بن جشم، وأولها عنده: أحار ابن عمرو كأني خمر ويعدو على المرء ما يأتمر ويروى صدر البيت الشاهد هكذا:
* فلما دنوت تسديتها * اللغة: " تسديتها " تخطيت إليها، أو علوتها، والباقي ظاهر المعنى، ويروى " فثوب نسيت ".
الاعراب: " فأقبلت " الفاء عاطفة، أقبلت: فعل ماض مبني على فتح مقدر وفاعل " زحفا " يجوز أن يكون مصدرا في تأويل اسم الفاعل فيكون حالا من التاء في " أقبلت " ويجوز بقاؤه على مصدريته فهو مفعول مطلق لفعل محذوف، = (*)
(1/219)

الحادي عشر: أن تكون دعاء، نحو: (سلام على آل ياسين).
الثاني عشر: أن يكون فيها معنى التعجب (1)، نحو: " ما أحسن زيدا ! "..
__________
= تقديره: أزحف زحفا " على الركبتين " جار ومجرور متعلق بقوله " زحفا " " فثوب " مبتدأ " نسيت " أو " لبست " فعل وفاعل، والجملة في محل رفع خبر، والرابط ضمير محذوف، والتقدير نسيته، أو لبسته " وثوب " الواو عاطفة، ثوب: مبتدأ " أجر " فعل مضارع، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنا، والجملة في محل رفع خبر، والرابط ضمير منصوب محذوف، والتقدير: أجره، والجملة من المبتدأ وخبره معطوفة بالواو على الجملة السابقة.
الشاهد فيه: قوله " ثوب " في الموضعين، حيث وقع كل منهما مبتدأ - مع كونه نكرة - لانه قصد التنويع، إذ جعل أثوابه أنواعا، فمنها نوع أذهله حبها عنه فنسيه، ومنها نوع قصد أن يجره على آثار سيرهما ليعفيها حتى لا يعرفهما أحد، وهذا توجيه ما ذهب إليه العلامة الشارح.
وفي البيت توجيهان آخران ذكرهما ابن هشام وأصلهما للاعلم، أحدهما: أن جملتي " نسيت، وأجر " ليستا خبرين، بل هما نعتان للمبتدأين، وخبراهما محذوفان، والتقدير: فمن أثوابي ثوب منسى وثوب مجرور، والتوجيه الثاني: أن الجملتين خبران
ولكن هناك نعتان محذوفان، والتقدير: فثوب لي نسيته وثوب لي أجره، وعلى هذين التوجيهين فالمسوغ للابتداء بالنكرة كونها موصوفة، وفي البيت رواية أخرى، وهي * فثوبا نسيت وثوبا أجر * بالنصب فيهما، على أن كلا منهما مفعول للفعل الذي بعده، ولا شاهد في البيت على هذه الرواية، ويرجح هذه الرواية على رواية الرفع أنها لا تحوج إلى تقدير محذوف، وأن حذف الضمير المنصوب العائد على المبتدأ من جملة الخبر مما لا يجيزه جماعة من النحاة منهم سيبويه إلا لضرورة الشعر.
(1) قد عرفت أن هذا الموضع والذي بعده داخلان في الموضع الرابع، لاننا بينا لك أن الوصف إما لفظي وإما تقديري، والتقديري: أعم من أن يكون المحذوف هو الوصف أو الموصوف، ومثل هذا يقال في الموضع الرابع عشر، وكذلك في الموضع الخامس عشر على ثاني الاحتمالين، وكان على الشارح ألا يذكر هذه المواضع، تيسيرا للامر على الناشئين، وقد سار ابن هشام في أوضحه على ذلك.
(*)
(1/220)

الثالث عشر: أن تكون خلفا من موصوف، نحو: " مؤمن خير من كافر ".
الرابع عشر: أن تكون مصغرة، نحو: " رجيل عندنا "، لان التصغير فيه فائدة معنى الوصف، تقديره " رجل حقير عندنا ".
الخامس عشر: أن تكون في معنى المحصور، نحو: " شر أهر ذا ناب، وشئ جاء بك " التقدير " ما أهر ذا ناب إلا شر، وما جاء بك إلا شئ ".
على أحد القولين، والقول الثاني [ أن التقدير ] " شر عظيم أهر ذا ناب، وشئ عظيم جاء بك "، فيكون داخلا في قسم ما جاز الابتداء به لكونه موصوفا، لان الوصف أعم من أن يكون ظاهرا أو مقدرا، وهو ها هنا مقدر.
السادس عشر: أن يقع قبلها واو الحال، كقوله: 45 - سرينا ونجم قد أضاء، فمذ بدا محياك أخفى ضوؤه كل شارق
.
__________
45 - هذا البيت من الشواهد التي لا يعرف قائلها.
اللغة: " سرينا " من السري - بضم السين - وهو السير ليلا " أضاء " أنار " بدا " ظهر " محياك " وجهك.
المعنى: شبه الممدوح بالبدر تشبيها ضمنيا، ولم يكتف بذلك حتى جعل ضوء وجهه أشد من نور البدر وغيره من الكواكب المشرقة.
الاعراب: " سرينا " فعل وفاعل " ونجم " الواو للحال، نجم: مبتدأ " قد " حرف تحقيق " أضاء " فعل ماض، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى نجم، والجملة في محل رفع خبر المبتدأ " فمذ " اسم دال على الزمان في محل رفع مبتدأ " بدا " فعل ماض " محياك " محيا: فاعل بدا، ومحيا مضاف وضمير المخاطب مضاف إليه، والجملة في محل جر بإضافة مذ إليها، وقيل: مذ مضاف إلى زمن محذوف، والزمن مضاف إلى الجملة " أخفى " فعل ماض " ضوؤه " ضوء: فاعل أخفى، وضوء مضاف والضمير مضاف إليه " كل " مفعول به لاخفى، وكل مضاف و " شارق " مضاف إليه، والجملة من الفعل - الذي هو أخفى - والفاعل في محل رفع خبر المبتدأ وهو مذ.
الشاهد فيه: قوله " ونجم قد أضاء " حيث أتى بنجم مبتدأ - مع كونه نكرة - = (*)
(1/221)

السابع عشر: أن تكون معطوفة على معرفة، نحو: " زيد ورجل قائمان ".
الثامن عشر: أن تكون معطوفة على وصف، نحو: " تميمي ورجل في الدار ".
التاسع عشر: أن يعطف عليها موصوف، نحو: " رجل وامرأة طويلة في الدار ".
العشرون: أن تكون مبهمة، كقول امرئ القيس: 46 - مرسعة بين أرساغه به عسم يبتغي أرنبا.
__________
= لسبقه بواو الحال، والذي نريد أن ننبهك إليه ها هنا أن المدار في التسويغ على وقوع
النكرة في صدر الجملة الحالية، سواء أكانت مسبوقة بواو الحال كهذا الشاهد، أم لم تكن مسبوقة به، كقول شاعر الحماسة (انظر شرح التبريزي 4 / 130 بتحقيقنا): تركت ضأني تود الذئب راعيها وأنها لا تراني آخر الابد الذئب يطرقها في الدهر واحدة وكل يوم تراني مدية بيدي الشاهد فيهما قوله " مدية " فإنه مبتدأ مع كونه نكرة، وسوغ الابتداء به وقوعه في صدر جملة الحال، لان جملة " مدية بيدي " في محل نصب حال من ياء المتكلم في قوله " تراني ".
ويجوز أن يكون مثل بيت الشاهد قول الشاعر: عندي اصطبار، وشكوى عند فاتنتي فهل بأعجب من هذا امرؤ سمعا ؟ فإن الواو في قوله " وشكوى عند فاتنتي " يجوز أن تكون واو الحال، وشكوى مبتدأ وهو نكرة، وعند ظرف متعلق بمحذوف خبر المبتدأ، فإذا أعربناه على هذا الوجه كان مثل بيت الشاهد تماما.
46 - اتفق الرواة على أن هذا البيت لشاعر اسمه امرؤ القيس، كما قاله الشارح العلامة، لكن اختلفوا فيما وراء ذلك، فقيل: لامرئ القيس بن حجر الكندي الشاعر المشهور، وقال أبو القاسم الكندي: ليس ذلك بصحيح، بل هو لامرئ القيس = (*)
(1/222)

.
__________
= ابن مالك الحميري، لكن الثابت في نسخة ديوان امرئ القيس بن حجر الكندي - برواية أبي عبيدة والاصمعي وأبي حاتم والزيادي، وفيما رواه الاعلم الشنتمري من القصائد المختارة - نسبة هذا البيت لامرئ القيس بن حجر الكندي، وقال السيد المرتضى في شرح القاموس، نقلا عن العباب، مانصه: " هو لامرئ القيس بن مالك
الحميري، كما قاله الآمدي، وليس لابن حجر كما وقع في دواوين شعره، وهو موجود في أشعار حمير " اه، ومهما يكن من شئ فقد روى الرواة قبل بيت الشاهد قوله: أيا هند لا تنكحي بوهة عليه عقيقته أحسبا اللغة: " بوهة " هو بضم الباء - الرجل الضعيف الطائش، وقيل: هو الاحمق " عقيقته " العقيقة الشعر الذي يولد به الطفل " أحسبا " الاحسب من الرجال: الرجل الذي ابيضت جلدته.
وقال القتيبي: أراد بقوله " عليه عقيقته " أنه لا يتنظف، وقال أبو علي: معناه أنه لم يعق عنه في صغره فما زال حتى كبر وشابت معه عقيقته " مرسعة " هي التميمة يعلقها مخافة العطب على طرف الساعد فيما بين الكوع والكرسوع، وقيل: هي مثل المعاذة، وكان الرجل من جهلة العرب يشد في يده أو رجله حرزا لدفع العين أو مخافة أن يموت أو يصيبه بلاء " بين أرساغه " الارساغ جمع رسغ - بوزن قفل - يعني أنه يجعلها في هذا المكان، ويروى " بين أرباقه " والارباق: جمع ربق - بكسر فسكون - وهو الحبل فيه عدة عرى، ومعناه أنه يجعل تميمته في حبال " عسم " اعوجاج في الرسغ ويبس " أرنبا " حيوان معروف، وإنما طلب الارنب دون الظباء ونحوها لما كانت تزعمه العرب من أن الجن تجتنبها، فمن اتخذ كعبها تميمة لم يقربه جن، ولم يؤذه سحر، كذا كانوا يزعمون وأراد أنه جبان شديد الخوف.
المعنى: يخاطب هندا أخته - فيما ذكر الرواة - ويقول لها: لا تتزوجي رجلا من جهلة العرب: يضع التمائم، ويقعد عن الخروج للحروب، وفي رسغه اعوجاج ويبس، لا يبحث إلا عن الارانب ليتخذ كعوبها تمائم جبنا وفرقا.
الاعراب: " مرسعة " مبتدأ " بين " ظرف منصوب على الظرفية متعلق بمحذوف خبر المبتدأ، وبين مضاف وأرساغ من " أرساغه " مضاف إليه، وأرساغ مضاف والضمير مضاف إليه، وجملة المبتدأ وخبره في محل نصب نعت لبوهة في البيت السابق، = (*)
(1/223)

الحادي والعشرون: أن تقع بعد " لولا "، كقوله: 47 - لولا اصطبار لاودى كل ذي مقة لما استقلت مطاياهن للظعن.
__________
= والرابط بين جملة الصفة والموصوف هو الضمير المجرور محلا بالاضافة في قوله أرساغه " به " جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم " عسم " بمتدأ مؤخر، والجملة من المبتدأ وخبره في محل نصب صفة ثانية لبوهة " يبتغي " فعل مضارع، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى بوهة، وجملة الفعل وفاعله في محل نصب صفة لبوهة أيضا " أرنبا " مفعول به ليبتغي، فقد وصف البوهة في هذين البيتين بخمس صفات: الاولى قوله " عليه عقيقه " والثانية قوله " أحسبا " والثالثة جملة " مرسعة بين أرساغه "، والرابعة جملة " به عسم "، والخامسة جملة " يبتغي أرنبا ".
الشاهد فيه: قوله " مرسعة " فإنها نكرة وقعت مبتدأ، وقد سوغ الابتداء بها إبهامها، ومعنى ذلك أن المتكلم قصد الابهام بهذه النكرة، ولم يكن له غرض في البيان والتعيين أن تقليل الشيوع، وأنت خبير بأن الابهام قد يكون من مقاصد البلغاء ألا ترى أنه لا يريد مرسعة دون مرسعة، وهذا معنى قصد الابهام الذي ذكره الشارح.
واعلم أن الاستشهاد بهذا البيت لا يتم إلا على رواية مرسعة بتشديد السين مفتوحة، وبرفعها وتفسيرها بما ذكرنا، وقد رويت بتشديد السين مكسورة، ومعناها الرجل الذي فسد موق عينه، وعلى هذا تروى بالرفع والنصب، فرفعها على أنها خبر مبتدأ محذوف، والتقدير: هو مرسعة، أي البوهة السابق مرسعة، ونصبها على أنها صفة لبوهة في البيت السابق من باب الوصف بالمفرد، ولا شاهد في البيت لما نحن فيه الآن على إحدى هاتين الروايتين.
47 - لم ينسبوا هذا الشاهد إلى قائل معين.
اللغة: " أودى " فعل لازم معناه هلك " مقة " حب، وفعله ومقه يمقه مقة كوعده يعده عدة - والتا، في مقة عوض عن فاء الكلمة - وهي الواو - كعدة وزنة ونحوهما " استقلت " نهضت وهمت بالمسير " الظعن " الرحيل والسفر، وهو بفتح العين هنا.
المعنى: يقول: إنه صبر على سفر أحبابه، وتجلد حين اعتزموا الرحيل، ولولا ذلك الصبر الذي أبداه وتمسك به لظهر منه ما يهلك بسببه كل من يحبه ويعطف عليه.
= (*)
(1/224)

الثاني والعشرون: أن تقع بعد فاء الجزاء، كقولهم: " إن ذهب عير فعير في الرباط " (1).
الثالث والعشرون: أن تدخل على النكرة لام الابتداء، نحو " لرجل قائم "..
__________
= الاعراب: " لولا " حرف يدل على امتناع الجواب لوجود الشرط " اصطبار " مبتدأ، والخبر محذوف وجوبا تقديره: موجود، وقوله " لاودى " اللام واقعة في جواب لولا، وأودى: فعل ماض " كل " فاعل أودى، وكل مضاف، و " ذي " مضاف إليه، وذي مضاف و " مقة " مضاف إليه " لما " ظرف بمعنى حين مبني على السكون في محل نصب متعلق بقوله أودى " استقلت " استقل: فعل ماض، والتاء للتأنيث " مطاياهن " مطايا: فاعل استقل، ومطايا مضاف والضمير مضاف إليه، والجملة في محل جر بإضافة لما إليها " للظعن " جار ومجرور متعلق باستقلت.
الشاهد فيه: قوله " اصطبار " فإنه مبتدأ - مع كونه نكرة - والمسوغ لوقوعه مبتدأ وقوعه بعد " لولا ".
وإنما كان وقوع النكرة بعد " لولا " مسوغا للابتداء بها لان " لولا " تستدعي جوابا يكون معلقا على جملة الشرط التي يقع المبتدأ فيها نكرة، فيكون ذلك سببا في تقليل شيوع هذه النكرة.
(1) هذا من أمثال العرب، والعير بفتح فسكون - هو الحمار، والرباط - بزنة كتاب - ما تشد به الدابة، ويقال: قطع الظبي رباطه، ويريدون قطع حبالته، يضرب للرضا بالحاضر وعدم الاسف على الغائب، والاستشهاد به في قوله " فعير " حيث وقع مبتدأ مع كونه نكرة لكونه واقعا بعد الفاء الواقعة في جواب الشرط، وانظر هذا المثل في مجمع الامثال للميداني (1 / 21 طبع بولاق، رقم 82 في 1 / 25 بتحقيقنا) وانظره في جمهرة الامثال لابي هلال العسكري (1 / 81 بهامش مجمع الامثال طبع الخيرية) ورواه هناك " إن هلك عير فعير في الرباط " وقال بعد روايته: يضرب مثلا للشئ يقدر على العوض منه فيستخف بفقده، ونحو هذا المثل في المعنى قول كثير عزة: هل وصل عزة إلا وصل غانية في وصل غانية من وصلها بدل (15 - شرح ابن عقيل 1) (*)
(1/225)

الرابع والعشرون: أن تكون بعد " كم " الخبرية، نحو قوله: 48 - كم عمة لك يا جرير وخالة فدعاء قد حلبت علي عشاري.
__________
48 - البيت للفرزدق بهجو جريرا، وقبله قوله: كم من أب لي يا جرير كأنه قمر المجرة أو سراج نهار ورث المكارم كابرا عن كابر ضخم الدسيعة كل يوم فخار اللغة: " المجرة " باب السماء، وقيل: هي الطريق التي تسير منها الكواكب " الدسيعة " الجفنة، أو المائدة الكبيرة، وضخامتها: كناية عن الكرم، لان ذلك يدل على كثرة الاكلة الذين يلتفون حولها " فدعاء " هي المرأة التي اعوجت إصبعها من كثرة حلبها، ويقال: الفدعاء هي التي أصاب رجلها الفدع من كثرة مشيها وراء الابل، والفدع: زيغ في القدم بينها وبين الساق، وقال ابن فارس: الفدع اعوجاج
في المفاصل كأنها قد زالت عن أماكنها " عشاري " العشار: جمع عشراء - بضم العين المهملة وفتح الشين - وهي الناقة التي أتى عليها من وضعها عشرة أشهر، وفي التنزيل الكريم: (وإذا العشار عطلت).
الاعراب: " كم " يجوز أن تكون استفهامية، وأن تكون خبرية " عمة " يجوز فيها وفي " خالة " المعطوفة عليها الحركات الثلاث: أما الجر فعلى أن " كم " خبرية في محل رفع مبتدأ، وخبره جملة " حلبت " وعمة: تمييز لها، وتمييز كم الخبرية مجرور كما هو معلوم، وخالة: معطوف عليها، وأما النصب فعلى أن " كم " استفهامية في محل رفع مبتدأ، وخبره جملة " حلبت " أيضا، وعمة: تمييز لها، وتمييز كم الاستفهامية منصوب كما هو معلوم، وخالة معطوف عليها، وأما الرفع فعلى أن كم خبرية أو استفهامية في محل نصب ظرف متعلق بحلبت أو مفعول مطلق عامله " حلبت " الآتي، وعلى هذين يكون قوله " عمة " مبتدأ، وقوله " لك " جار ومجرور متعلق بمحذوف نعت له، وجملة " قد حلبت " في محل رفع خبره، وتمييز " كم " على هذا الوجه محذوف، وهي - على ما عرفت - يجوز أن تكون خبرية فيقدر تمييزها مجرورا، ويجوز أن تكون استفهامية فيقدر تمييزها منصوبا، و " فدعاء " صفة لخالة، وقد حذف صفة لعمة ممائلة لها كما حذف صفة لخالة ممائلة لصفة عمة، وأصل الكلام قبل الحذفين " كم عمة لك فدعاء، وكم خالة لك فدعاء " فحذف من الاول كلمة فدعاء وأثبتها في الثاني، وحذف من الثاني كلمة = (*)
(1/226)

وقد أنهى بعض المتأخرين ذلك إلى نيف وثلاثين موضعا، وما لم أذكره منها أسقطته، لرجوعه إلى ما ذكرته، أو لانه ليس بصحيح.
* * * والاصل في الاخبار أن تؤخرا وجوزوا التقديم إذ لا ضررا (1) الاصل تقديم المبتدأ وتأخير الخبر، وذلك لان الخبر وصف في المعنى
للمبتدأ، فاستحق التأخير كالوصف، ويجوز تقديمه إذا لم يحصل بذلك لبس أو نحوه، على ما سيبين، فتقول " قائم زيد، وقائم أبوه زيد، وأبوه منطلق زيد، وفي الدار زيد، وعندك عمرو " وقد وقع في كلام بعضهم أن مذهب.
__________
= لك وأثبتها في الاول، فحذف من كل مثل الذي أثبته في الآخر، وهذا ضرب من البديع يسميه أهل البلاغة " الاحتباك ".
الشاهد فيه: قوله " عمة " على رواية الرفع حيث وقعت مبتدأ - مع كونها نكرة لوقوعها بعد " كم " الخبرية، كذا قال الشارح العلامة، وأنت خبير بعد ما ذكرناه لك في الاعراب أن " عمة " على أي الوجوه موصوفة بمتعلق الجار والمجرور وهو قوله " لك " وبفدعاء المحذوف الذي يرشد إليه وصف خالة به، وعلى هذا لا يكون المسوغ في هذا البيت وقوع النكرة بعد " كم " الخبرية، وإنما هو وصف النكرة، وبحثت عن شاهد فيه الابتداء بالنكرة بعد كم الخبرية، ولا مسوغ فيه سوى ذلك، فلم أوفق للعثور عليه.
(1) " والاصل " مبتدأ " في الاخبار " جار ومجرور متعلق به " أن " مصدرية " تؤخرا " فعل مضارع مبني للمجهول منصوب بأن، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هي يعود إلى الاخبار، والالف للاطلاق، و " أن " وما دخلت عليه في تأويل مصدر خبر المبتدأ " وجوزوا " فعل وفاعل " التقديم " مفعول به لجوزوا " إذ " ظرف زمان متعلق بجوزوا " لا " نافية للجنس " ضررا " اسم لا، مبني على الفتح في محل نصب، والالف للاطلاق، وخبر لا محذوف، أي: لا ضرر موجود، والجملة من لا واسمها وخبرها في محل جر بإضافة إذ إليها.
(*)
(1/227)

الكوفيين منع تقدم الخبر الجائز التأخير [ عند البصريين ] وفيه نظر (1)، فإن بعضهم نقل الاجماع - من البصريين، والكوفيين - على جواز " في داره
زيد " فنقل المنع عن الكوفيين مطلقا ليس بصحيح، هكذا قال بعضهم، وفيه بحث (1)، نعم منع الكوفيون التقديم في مثل " زيد قائم، وزيد قام أبوه،.
__________
(1) في كلام الشارح في هذا الموضوع قلق وركاكة لا تكاد تتبين منهما غرضه واضحا فهو أولا ينقل عن بعضهم أنه ذكر أن الكوفيين لم يجوزوا تقديم الخبر على المبتدأ.
ثم يعترض على هذا النقل بقوله " وفيه نظر " وينقل عن بعض آخر أن الكوفيين يجوزون عبارة ظاهر أمرها أنها من باب تقديم الخبر، فيكون كلام الناقل الاول على إطلاقه باطلا، وكان ينبغي - على ذلك - تخصيصه بما عدا هذه الصورة.
ثم يعترض على النقل الثاني بقوله: " وفيه بحث "، وظاهر المعنى من ذلك أن هذه العبارة التي ظنها ناقل المثال الثاني من باب تقديم الخبر ليست منه على وجه الجزم والقطع، لانه يجوز فيها أن يكون " زيد " من قوله " في داره زيد " فاعلا بالجار والمجرور، ولو لم يعتمد على نفي أو استفهام، لان الاعتماد ليس شرطا عند الكوفيين، فيكون تجويز الكوفيين هذه العبارة ليس دليلا على أنهم يجوزون تقديم الخبر في صورة من الصور، فقد رجع الشارح على أول كلامه بالنقض، هذا من حيث تعبيره.
فأما من حيث الموضوع في ذاته، فقد ذكر أبو البركات بن الانباري في كتابه " الانصاف، في مسائل الخلاف " (ص 46 طبعة ثالثة بتحقيقنا) أن علماء الكوفة يرون أنه لا يجوز أن يتقدم الخبر على المبتدأ، مفردا كان أو جملة، وعقد في ذلك مسألة خاصة، وعلى هذا لا يجوز أن يكون قولك " في الدار زيد " من باب تقديم الخبر على المبتدأ عندهم.
فإن قلت: فهذا الخبر جار ومجرور، والذي نقلته عنهم عدم تجويز التقديم إذا كان الخبر مفردا أو جملة.
فالجواب أن الجار والمجرور - عند الجمهور، خلافا لابن السراج الذي جعله قسما يرأسه - لا يخلو حاله من أن يكون في تقدير المفرد، أو في تقدير الجملة، وأيضا فقد
عللوا عدم تجويز التقديم بأن الخبر اشتمل على ضمير يعود على المبتدأ، فلو قدمناه لتقدم الضمير على مرجعه، وذلك لا يجوز عندهم، وهذه العلة نفسها موجودة في الجار والمجرور سواء أقدرت متعلقه اسما مشتقا أم قدرته فعلا.
(*)
(1/228)

وزيد أبوه منطلق " والحق الجواز، إذ لا مانع من ذلك، وإليه أشار بقوله " وجوزوا التقديم إذ لا ضررا " فتقول: " قائم زيد " ومنه قولهم: " مشنوء من يشنؤك " فمن: مبتدأ ومشنوء: خبر مقدم، و " قام أبوه زيد " ومنه قوله: 49 - قد ثكلت أمه من كنت واحده وبات منتشبا في برثن الاسد ف " من كنت واحده " مبتدأ مؤخر، و " قد ثكلت أمه ": خبر مقدم، و " أبوه منطلق زيد "، ومنه قوله:.
__________
49 - البيت لشاعر سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حسان بن ثابت الانصاري اللغة: " ثكلت أمه " هو من الثكل، وهو فقد المرأة ولدها " منتشبا " عالقا داخلا " برثن الاسد " مخلبه، وجمعه براثن، مثل برقع وبراقع، والبراثن للسباع بمنزلة الاصابع للانسان، وقال ابن الاعرابي: البرثن: الكف بكمالها مع الاصابع.
الاعراب: " قد " حرف تحقيق " ثكلت " ثكل: فعل ماض، والتاء تاء التأنيث " أمه " أم: فاعل ثكلت، وأم مضاف والضمير مضاف إليه، والجملة من الفعل وفاعله في محل رفع خبر مقدم " من " اسم موصول مبتدأ مؤخر " كنت " كان: فعل ماض ناقص، والتاء ضمير المخاطب اسمه مبني على الفتح في محل رفع " واحده " واحد خبر كان، وواحد مضاف، والضمير مضاف إليه، والجملة من " كان " واسمها وخبرها لا محل لها صلة الموصول الذي هو من " وبات " الواو عاطفة، بات: فعل ماض ناقص،
واسمه ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى من " منتشبا " خبر بات " في برثن " جار ومجرور متعلق بمنتشب، وبرئن مضاف و " الاسد " مضاف إليه.
الشاهد فيه: قوله " قد ثكلت أمه من كنت واحده " حيث قدم الخبر، وهو جملة " ثكلت أمه " على المبتدأ وهو " من كنت واحده " وفي جملة الخبر المتقدم ضمير يعود على المبتدأ المتأخر، وسهل ذلك أن المبتدأ - وإن وقع متأخرا - بمنزلة المتقدم في اللفظ، فإن رتبته التقدم على الخبر كما ترى في بيت الناظم وفي مطلع شرح المؤلف لهذا الموضوع.
(*)
(1/229)

50 - إلى ملك ما أمه من محارب أبوه، ولا كانت كليب تصاهره ف " أبوه ": مبتدأ [ مؤخر ]، و " ما أمه من محارب ": خبر مقدم..
__________
50 - هذا البيت من كلمة للفرزدق يمدح بها الوليد بن عبد الملك بن مروان.
اللغة: " محارب " ورد في عدة قبائل: أحدها من قريش، وهو محارب بن فهر ابن مالك بن النضر، والثاني من قيس عيلان، وهو محارب بن خصفة بن قيس عيلان، والثالث من عبد القيس، وهو محارب بن عمر بن وديعة بن لكيز بن أفصى بن عبد القيس " كليب " بزنة التصغير - اسم ورد في عدة قبائل أيضا: أحدها في خزاعة، وهو كليب بن حبشية بن سلول، والثاني في تغلب بن واثل، وهو كليب بن ربيعة بن الحارث بن زهير، والثالث في تميم، وهو كليب بن يربوع بن حنظلة بن مالك، والرابع في النخع، وهو كليب بن ربيعة بن خزيمة بن معد بن مالك بن النخع، والخامس في هوازن، وهو كليب بن ربيعة بن صعصعة.
الاعراب: " إلى ملك " جار ومجرور متعلق بقوله " أسوق مطيتي " في بيت سابق على بيت الشاهد، وهو قوله: رأوني، فنادوني، أسوق مطيتي
بأصوات هلال صعاب جرائره " ما " نافية تعمل عمل ليس " أمه " أم: اسم ما، وأم مضاف والضمير مضاف إليه " من محارب " جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر " ما " وجملة " ما " ومعموليها في محل رفع خبر مقدم " أبوه " أبو: مبتدأ مؤخر، وأبو مضاف والضمير مضاف إليه وجملة المبتدأ وخبره في محل جر صفة لملك " ولا " الواو عاطفة، لا نافية " كانت " كان: فعل ماض ناقص، والتاء تاء التأنيث " كليب " اسم كان " تصاهره " تصاهر: فعل مضارع مرفوع بالضمة الظاهرة، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هي يعود إلى كليب، والضمير البارز مفعول به، والجملة من الفعل والفاعل والمفعول في محل نصب خبر " كان " وجملة كان واسمها وخبرها في محل جر معطوفة على جملة الصفة.
الشاهد فيه: في هذا البيت شاهد للنحاة وشاهد لعلماء البلاغة، فأما النحاة فيستشهدون به على تقديم الخبر - وهو جملة " ما أمه من محارب " على المبتدأ - وهو قوله " أبوه " والتقدير: إلى ملك أبوه ليست أمه من محارب، وأما علماء البلاغة فيذكرونه شاهدا على = (*)
(1/230)

ونقل الشريف أبو السعادات هبة الله بن الشجري الاجماع من البصريين والكوفيين على جواز تقديم الخبر إذا كان جملة، وليس بصحيح، وقد قدمنا نقل الخلاف في ذلك عن الكوفيين.
* * * فامنعه حين يستوي الجزآن: عرفا، ونكرا، عادمي بيان (1) كذا إذا ما الفعل كان الخبرا، أو قصد استعماله منحصرا (2).
__________
= التعقيد اللفظي الذي سببه التقديم والتأخير، ومثله في ذلك قول الفرزدق أيضا يمدح إبراهيم بن هشام بن إسماعيل المخزومي وهو خال هشام بن عبد الملك بن مروان: وما مثله في الناس إلا مملكا أبو أمه حي أبوه يقاربه
التقدير: وما مثله في الناس حي يقاربه إلا مملكا أبو أمه أبوه.
(1) " فامنعه " امنع: فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت، والضمير البارز العائد على تقديم الخبر - مفعول به لا منع " حين " ظرف زمان متعلق بامنع " يستوي " فعل مضارع " الجزآن " فاعل يستوي، والجملة من الفعل والفاعل في محل جر بإضافة " حين " إليها " عرفا " تمييز " ونكرا " معطوف عليه " عادمي " حال من " الجزآن " وعادمي مضاف و " بيان " مضاف إليه، والتقدير: فامنع تقديم الخبر في وقت استواء جزءي الجملة - وهما المبتدأ والخبر - من جهة التعريف والتنكير، بأن يكونا معرفتين أو نكرتين كل منهما صالحة للابتداء بها، حال كونهما عادمي بيان، أي لا قرينة معهما تعين المبتدأ منهما من الخبر.
(2) " كذا " جار ومجرور متعلق بامنع " إذا " ظرف لما يستقبل من الزمان تضمن معنى الشرط " ما " زائدة " الفعل " اسم لكان محذوفة تفسرها المذكورة بعدها، والخبر محذوف أيضا، والجملة من كان المحذوفة واسمها وخبرها في محل جر بإضافة إذا إليها " كان " فعل ماض ناقص، واسمها ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى الفعل " الخبرا " الخبر: خبر " كان " والالف للاطلاق، والجملة لا محل = (*)
(1/231)