الكتاب : شرح ابن عقيل
مصدر الكتاب : الإنترنت
[ ترقيم الكتاب موافق للمطبوع ]

الاسم المشتغل عنه إذا وقع بعد أداة تختص بالابتداء، كإذا التي للمفاجأة، فتقول: " خرجت فإذا زيد يضربه عمرو " برفع " زيد " - ولا يجوز نصبه، لان " إذا " هذه لا يقع بعدها الفعل: لا ظاهرا، ولا مقدرا.
وكذلك يجب رفع الاسم السابق إذا ولى الفعل المشتغل بالضمير أداة لا يعمل ما بعدها فيما قبلها، كأدوات الشرط، والاستفهام، و " ما " النافية، نحو " زيد إن لقيته فأكرمه، وزيد هل تضربه، وزيد ما لقيته " فيجب رفع " زيد " في هذه الامثلة ونحوها (1)، ولا يجوز نصبه، لان ما لا يصلح أن يعمل.
__________
= وفي هذا القسم لا يتم ذلك، ألا ترى أن نحو قولك: " خرجت فإذا زيد يضربه عمرو " لو حذفت الضمير لم يعمل " يضرب " في " زيد " المتقدم، لان المتقدم مرفوع، والمتأخر يطلب منصوبا لا مرفوعا، ولان الفعل المتأخر لا يصح أن يقع بعد " إذا ".
ومن الناس من عده من باب الاشتغال غير مكترث بهذا الضابط، والحق هو الاول لما ذكرنا.
(1) الاشياء التي لا يعمل ما بعدها فيما قبلها عشرة أنواع: (الاول) أدوات الشرط جميعها، نحو زيد إن لقيته فأكرمه، وزيد حيثما تلقه فأكرمه.
(الثاني) أدوات الاستفهام جميعها، نحو زيد هل أكرمته، وعلى أسلمت عليه.
(الثالث) أدوات التحضيض جميعها، نحو زيد هلا أكرمته، وخالد ألا تزوره.
(الرابع) أدوات العرض جميعها، نحو زيد ألا تكرمه، وبكر أما تجيبه.
(الخامس) لام الابتداء، نحو زيد لانا قد ضربته، وخالد لانا أحبه حبا جما.
(السادس) " كم " الخبرية، نحو زيدكم ضربته، وإبراهيم كم نصحت له.
(السابع) الحروف الناسخة، نحو زيد إني ضربته، وبكر كأنه السيف مضاء عزيمة.
(الثامن) الاسماء الموصولة، نحو زيد الذي تضربه، وهند التي رأيتها.
(التاسع) الاسماء الموصوفة بالعامل المشغول، نحو زيد رجل ضربته.
(العاشر) بعض حروف النفي، وهي " ما " مطلقا، نحو زيد رجل ما ضربته، و " لا " بشرط أن تقع في جواب قسم، نحو زيد والله لا أضربه، فإن كان حرف = (*)
(1/524)

فيما قبله لا يصلح أن يفسر عاملا فيما قبله، وإلى هذا أشار بقوله: " كذا إذا الفعل تلا - إلى آخره ".
أي: كذلك يجب رفع الاسم السابق إذا تلا الفعل شيئا لا يرد ما قبله معمولا لما بعده، ومن أجاز عمل ما بعد هذه الادوات فيما قبلها، فقال: " زيدا ما لقيت " أجاز النصب مع الضمير بعامل مقدر، فيقول: " زيدا ما لقيته ".
* * * واختير نصب قبل فعل ذي طلب وبعد ما إيلاؤه الفعل غلب (1) وبعد عاطف بلا فصل على معمول فعل مستقر أولا (2).
__________
= النفي غير " ما " و " لا " نحو زيد لم أضربه أو كان حرف النفي هو " لا " وليس في جواب القسم، نحو زيد لا أضربه فإنه يترجح الرفع ولا يجب، لانها حينئذ لا تفصل ما بعدها عما قبلها.
(1) " واختير " فعل ماض مبني للمجهول " نصب " نائب فاعل لاختير " قبل " ظرف متعلق باختير، وقبل مضاف و " فعل " مضاف إليه " ذي طلب " نعت لفعل، ومضاف إليه " وبعد " معطوف على قبل، وبعد مضاف و " ما " اسم موصول مضاف إليه " إيلاؤه " إيلاء: مبتدأ، وإيلاء مضاف والهاء مضاف إليه من إضافة المصدر لاحد مفعوليه " الفعل " مفعول ثان للمصدر " غلب " فعل ماض، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى إيلاء، والجملة في محل رفع خبر المبتدأ، وجملة المبتدأ وخبره لا محل لها صلة ما المجرورة محلا بالاضافة.
(2) " وبعد " معطوف على بعد في البيت السابق، وبعد مضاف و " عاطف " مضاف إليه " بلا فصل " جار ومجرور متعلق بمحذوف نعت لعاطف " على معمول " متعلق بعاطف، ومعمول مضاف و " فعل " مضاف إليه " مستقر " نعت لفعل " أولا " ظرف متعلق بمستقر.
(*)
(1/525)

هذا هو القسم الثالث، وهو ما يختار فيه النصب.
وذلك إذا وقع بعد الاسم فعل دال على طلب - كالامر، والنهي، والدعاء - نحو " زيدا اضربه، وزيدا لا تضربه، وزيدا رحمه الله "، فيجوز رفع " زيد " ونصبه، والمختار النصب (1).
وكذلك يختار النصب إذا وقع الاسم بعد أداة يغلب أن يليها الفعل (2)، كهمزة الاستفهام، نحو " أزيدا ضربته " بالنصب والرفع، والمختار النصب.
وكذلك يختار النصب إذا وقع الاسم المشتغل عنه بعد عاطف تقدمته جملة فعلية ولم يفصل بين العاطف والاسم، نحو " قام زيد وعمرا أكرمته " ؟ فيجوز رفع " عمرو " ونصبه، والمختار النصب، لتعطف جملة فعلية على جملة فعلية، فلو فصل بين العاطف والاسم كان الاسم كما لو لم يتقدمه شئ، نحو " قام زيد وأما عمرو فأكرمته " فيجوز رفع " عمرو " ونصبه، والمختار
الرفع كما سيأتي، وتقول: " قام زيد وأما عمرا فأكرمه " فيختار النصب كما تقدم، لانه وقع قبل فعل دال على طلب.
* * *.
__________
(1) إنما اختبر نصب الاسم المشغول عنه إذا كان الفعل المشغول طلبيا مع أن الجمهور يجيزون الاخبار عن المبتدأ بالجملة الطلبية لان الاخبار بها خلاف الاصل، لكونها لا تحتمل الصدق والكذب.
(2) الادوات التي يغلب وقوع الفعل بعدها أربعة (الاولى) همزة الاستفهام (الثانية) " ما " النافية، ففي نحو " ما زيدا لقيته " يترجح النصب (الثالثة) " لا " النافية، ففي نحو " لا زيدا ضربته ولا عمرا " يترجح النصب (الرابعة) " إن " النافية، ففي نحو " إن زيدا ضربته " بمعنى ما زيدا ضربته - يترجح النصب أيضا.
(*)
(1/526)

وإن تلا المعطوف فعلا مخبرا به عن اسم، فاعطفن مخيرا (1) أشار بقوله: " فاعطفن مخيرا " إلى جواز الامرين على السواء، وهذا هو الذي تقدم أنه القسم الخامس، وضبط النحويون ذلك بأنه إذا وقع الاسم المشتغل عنه بعد عاطف تقدمته جملة ذات وجهين، جاز الرفع والنصب على السواء، وفسروا الجملة ذات الوجهين بأنها جملة: صدرها اسم، وعجزها فعل، نحو " زيد قام وعمرو أكرمته " فيجوز رفع " عمرو " مراعاة للصدر، ونصبه مراعاة للعجز.
* * * والرفع في غير الذي مر رجح فما أبيح افعل، ودع ما لم يبح (2).
__________
(1) " إن " شرطية " تلا " فعل ماض، فعل الشرط " المعطوف " فاعل لتلا " فعلا " مفعول به لتلا " مخبرا " نعت لفعل " به، عن اسم " متعلقان بمخبر " فاعطفن "
الفاء لربط الجواب بالشرط، اعطف: فعل أمر مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الخفيفة، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت " مخيرا " حال من الضمير المستتر في " اعطفن ".
(2) " والرفع " مبتدأ " في غير " جار ومجرور متعلق برجح الآتي، وغير مضاف و " الذي " اسم موصول: مضاف إليه " مر " فعل ماض، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى الذي، والجملة من مر وفاعله لا محل لها صلة " رجح " فعل ماض، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى الرفع الواقع مبتدأ، والجملة من رجح وفاعله في محل رفع خبر المبتدأ " فما " الفاء للتفريع، وما: اسم موصول به مقدم لافعل " أبيح " فعل ماض مبني للمجهول، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى ما الموصولة، والجملة من أبيح ونائب فاعله لا محل لها صلة " افعل " فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت " ودع " مثله " ما " اسم موصول مفعول به لدع " لم يبح " مضارع مبني للمجهول مجزوم بلم، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى ما، والجملة لا محل لها صلة الموصول.
(*)
(1/527)

هذا هو الذي تقدم أنه القسم الرابع، وهو ما يجوز فيه الامران ويختار الرفع، وذلك: كل اسم لم يوجد معه ما يوجب نصبه، ولا ما يوجب رفعه، ولا ما يرجح نصبه، ولا ما يجوز فيه الامرين على السواء، وذلك نحو " زيد ضربته " فيجوز رفع " زيد " ونصبه، والمختار رفعه، لان عدم الاضمار أرجح من الاضمار، وزعم بعضهم أنه لا يجوز النصب، لما فيه من كلفة الاضمار، وليس بشئ، فقد نقله سيبويه وغيره من أئمة العربية، وهو كثير، وأنشد أبو السعادات ابن الشجري في أماليه على النصب قوله:
158 - فارسا ما غادروه ملحما غير زميل ولا نكس وكل ومنه قوله تعالى: (جنات عدن يدخلونها) بكسر تاء " جنات ".
* * *.
__________
158 - البيت لامرأة من بني الحارث بن كعب، وهو أول ثلاثة أبيات اختارها أبو تمام في ديوان الحماسة (انظر شرح التبريزي 3 - 121 بتحقيقنا) ونسبها قوم إلى علقمة بن عبدة، وليس ذلك بشئ، وبعد بيت الشاهد قولها: لو يشا طار به ذو ميعة لاحق الآطال نهد ذو خصل غير أن الباس منه شيمة وصروف الدهر تجري بالاجل اللغة: " فارسا " هذه الكلمة تروى بالرفع وبالنصب، وممن رواها بالرفع أبو تمام في ديوان الحماسة، وممن رواها بالنصب أبو السعادات ابن الشجري كما قال الشارح " ما " زائدة " غادروه " تركوه في مكانه، وسمي الغدير غديرا لانه جزء من الماء يتركه السيل، فهو فعيل بمعنى مفعول في الاصل.
ثم نقل إلى الاسمية " ملحم " بزنة المفعول: الذي ينشب في الحرب فلا يجد له مخلصا " الزميل " بضم أوله وتشديد ثانيه مفتوحا: الضعيف الجبان " النكس " بكسر أوله وسكون ثانيه: الضعيف الذي يقصر عن النجدة وعن غاية المجد والكرم " الوكل " بزنة كتف - الذي يكل أمره إلى غيره عجزا " لو يشا - إلخ " معناه أنه لو شاء النجاة لانجاه فرس له نشاط وسرعة جرى وحدة، والنهد: الغليظ، والخصل: جمع خصلة، وهي ما يتدلى من أطراف العشر = (*)
(1/528)

وفصل مشغول بحرف جر أو بإضافة كوصل يجري (1) يعني أنه لا فرق في الاحوال الخمسة السابقة بين أن يتصل الضمير بالفعل المشغول به نحو " زيد ضربته " أو ينفصل منه: بحرف جر، نحو " زيد مررت به " أو بإضافة، نحو " زيد ضربت غلامه "، [ أو غلام صاحبه ]،
أو مررت بغلامه، [ أو بغلام صاحبه ] "، فيجب النصب في نحو " إن زيدا مررت به أكرمك " كما يجب في " إن زيدا لقيته أكرمك " وكذلك يجب الرفع في " خرجت فإذا زيد مر به عمر و " ويختار النصب في " أزيدا مررت.
__________
= " غير أن البأس - إلخ " الشيمة: الطبيعة والسجية والخليقة، وصروف الدهر: أحواله وأهواله وأحداثه وغيره ونوازله، واحدها صرف.
الاعراب: " فارسا " مفعول به لفعل محذوف يفسره ما بعده، وتقدير الكلام: غادروا فارسا " ما " حرف زائد لقصد التفخيم، ويجوز أن يكون اسما نكرة بمعنى عظيم، فهو حينئذ نعت لفارس " غادروه " فعل وفاعل ومفعول به " ملحما " حال من الضمير المنصوب في غادروه، ويقال: مفعول ثان، وليس بذاك " غير " حال ثان، وغير مضاف و " زميل " مضاف إليه " ولا نكس " الواو عاطفة، ولا: زائدة لتأكيد النفي، ونكس: معطوف على زميل " وكل " صفة لنكس.
الشاهد فيه: قوله " فارسا ما غادروه " حيث نصب الاسم السابق، وهو قوله " فارسا " المشتغل عنه، بفعل محذوف يفسره المذكور بعده، ولا مرجح للنصب في هذا الموضع ولا موجب له، فلما نصب " فارسا " مع خلو الكلام مما يوجب النصب أو يرجحه دل على أن النصب حينئذ جائز، وليس ممتنعا.
(1) " فصل " مبتدأ، وفصل مضاف و " مشغول " مضاف إليه " بحرف " جار ومجرور متعلق بفصل، وحرف مضاف و " جر " مضاف إليه " أو " عاطفة " بإضافة " جار ومجرور معطوف على الجار والمجرور السابق " كوصل " جار ومجرور متعلق بيجري الآتي " يجري " فعل مضارع، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود على فصل الواقع مبتدأ في أول البيت، والجملة من يجري وفاعله في محل رفع خبر المبتدأ.
(34 - شرح ابن عقيل) (*)
(1/529)

به ؟ " ويختار الرفع في " زيد مررت به " ويجوز الامران على السواء في " زيد
قام وعمرو مررت به " وكذلك الحكم في " زيد [ ضربت غلامه، أو ] مررت بغلامه ".
* * * وسو في ذا الباب وصفا ذا عمل بالفعل، إن لم يك مانع حصل (1) يعني أن الوصف العامل في هذا الباب يجري مجرى الفعل فيما تقدم، والمراد بالوصف العامل: اسم الفاعل، واسم المفعول.
واحترز بالوصف مما يعمل عمل الفعل وليس بوصف كاسم الفعل، نحو " زيد دراكه " فلا يجوز نصب " زيد "، لان أسماء الافعال لا تعمل فيما قبلها، فلا تفسر عاملا فيه.
واحترز بقوله " ذا عمل " من الوصف الذي لا يعمل، كاسم الفاعل إذا كان بمعنى الماضي، نحو " زيد أنا ضاربه أمس "، فلا يجوز نصب " زيد "، لان ما لا يعمل لا يفسر عاملا.
ومثال الوصف العامل " زيد أنا ضاربه: الآن، أو غدا، والدرهم أنت معطاه " فيجوز نصب " زيد، والدرهم " ورفعهما كما كان يجوز ذلك مع الفعل..
__________
(1) " وسو " فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت " في ذا " جار ومجرور متعلق بسو " الباب " بدل من اسم الاشارة أو عطف بيان عليه أو نعت له " وصفا " مفعول به لسو " ذا " بمعنى صاحب: نعت لوصف، وذا مضاف، و " عمل " مضاف إليه " بالفعل " جار ومجرور متعلق بسو " إن " شرطية " لم " نافية جازمة " يك " فعل مضارع تام مجزوم بلم، فعل الشرط، وعلامة جزمه السكون على النون المحذوفة للتخفيف " مانع " فاعل يك " حصل " فعل ماض، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى مانع، والجملة في محل رفع نعت لمانع، وجواب الشرط محذوف، وتقديره: إن لم يكن مانع حاصل وموجود فسو وصفا ذا عمل بالفعل.
(*)
(1/530)

واحترز بقوله: " إن لم يك مانع حصل " عما إذا دخل على الوصف مانع يمنعه من العمل فيما قبله، كما إذا دخلت عليه الالف واللام، نحو " زيد أنا الضاربه "، فلا يجوز نصب " زيد "، لان ما بعد الالف واللام لا يعمل فيما قبلهما، فلا يفسر عاملا فيه، والله أعلم (1).
* * * وعلقة حاصلة بتابع كعلقة بنفس الاسم الواقع (2) تقدم أنه لا فرق في هذا الباب بين ما اتصل فيه الضمير بالفعل، نحو " زيدا ضربته " وبين ما انفصل بحرف جر، نحو " زيدا مررت به "، أو بإضافة، نحو " زيدا ضربت غلامه "..
__________
(1) تلخيص ما أشار إليه الناظم والشارح أن العامل المشغول إذا لم يكن فعلا اشترط فيه ثلاثة شروط (الاول) أن يكون وصفا، وذلك يشمل اسم الفاعل واسم المفعول وأمثلة المبالغة، ويخرج به اسم الفعل والمصدر، فإن واحدا منهما لا يسمى وصفا (الثاني) أن يكون هذا الوصف عاملا النصب على المفعولية باطراد، فإن لم يكن بهذه المنزلة لم يصح، وذلك كاسم الفاعل بمعنى الماضي والصفة المشبهة واسم التفضيل (الثالث) ألا يوجد مانع، فإن وجد ما يمنع من عمل الوصف فيما قبله لم يصح في الاسم السابق نصبه على الاشتغال، ومن الموانع كون الوصف اسم فاعل مقترنا بأل، لان " أل " الداخلة على اسم الفاعل موصولة، وقد عرفت أن الموصولات تقطع ما بعدها عما قبلها، فيكون العامل غير الفعل في هذا الباب منحصرا في ثلاثة أشياء: اسم الفاعل، واسم المفعول، وأمثلة المبالغة، بشرط أن يكون كل واحد منها بمعنى الحال أو الاستقبال، وألا يقترن بأل.
(2) " وعلقة " مبتدأ " حاصلة " نعت لعلقة " بتابع " جار ومجرور متعلق
بحاصلة " كعلقة " جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر المبتدأ " بنفس " جار ومجرور متعلق بمحذوف صفة لعلقة المجرور بالكاف، ونفس مضاف، و " الاسم " مضاف إليه " الواقع " نعت للاسم.
(*)
(1/531)

وذكر في هذا البيت أن الملابسة بالتابع كالملابسة بالسببي، ومعناه أنه إذ عمل الفعل في أجنبي، وأتبع بما اشتمل على ضمير الاسم السابق: من صفة، نحو " زيدا ضربت رجلا يحبه " أو عطف بيان، نحو " زيدا ضربت عمرا أباه " أو معطوف بالواو خاصة نحو " زيدا ضربت عمرا وأخاه " حصلت الملابسة بذلك كما تحصل بنفس السببي، فينزل " زيدا ضربت رجلا يحبه " منزلة " زيدا ضربت غلامه " وكذلك الباقي.
وحاصله أن الاجنبي إذا أتبع بما فيه ضمير الاسم السابق جرى مجرى السببي، والله أعلم.
* * *
(1/532)

تعدى الفعل، ولزومه علامة الفعل المعدى أن تصل " ها " غير مصدر به، نحو عمل (1) ينقسم الفعل إلى متعد، ولازم، فالمتعدي: هو الذي يصل إلى مفعوله بغير حرف جر، [ نحو " ضربت زيدا " ] واللازم: ما ليس كذلك، وهو: ما لا يصل إلى مفعوله إلا بحرف جر (2) نحو " مررت بزيد " أولا مفعول له،.
__________
(1) " علامة " مبتدأ، وعلامة مضاف، و " الفعل " مضاف إليه " المعدى " نعت للفعل " أن " مصدرية " تصل " فعل مضارع منصوب بأن، وسكن للوقف، وفاعله ضمير
مستتر فيه وجوبا تقديره أنت، و " أن " وما دخلت عليه في تأويل مصدر مرفوع خبر المبتدأ، والتقدير: علامة الفعل المعدى وصلك به ها إلخ " ها " مفعول به لتصل، وها مضاف و " غير " مضاف إليه، وغير مضاف، و " مصدر " مضاف إليه " به " جار ومجرور متعلق بتصل " نحو " خبر لمبتدأ محذوف: أي وذلك نحو، ونحو مضاف، و " عمل " قصد لفظه: مضاف إليه.
(2) أكثر النحاة على أن الفعل من حيث التعدي واللزوم ينقسم إلى قسمين: المتعدي، واللازم، ولا ثالث لهما، وعبارة الناظم والشارح تدل على أنهما يذهبان هذا المذهب، ألا ترى أن الناظم يقول " ولازم غير المعدى " والشارح يقول " واللازم ما ليس كذلك " وذلك يدل على أن كل فعل ليس بمتعد فهو لازم، فيدل على انحصار التقسيم في القسمين.
ومن العلماء من ذهب إلى أن الفعل من هذه الجهة ينقسم إلى ثلاثة أقسام: الاول المتعدي، والثاني اللازم، والثالث ما ليس بمتعد ولا لازم، وجعلوا من هذا القسم الثالث الاخير " كان " وأخواتها، لانها لاتنصب المفعول به ولا تتعدى إليه بحرف الجر، كما مثلوا له ببعض الافعال التي وردت تارة متعدية إلى المفعول به بنفسها وتارة أخرى متعدية إليه بحرف الجر، نحو شكرته وشكرت له ونصحته ونصحت له وما أشبههما وقد يقال: إن " كان " ليست خارجة عن القسمين، بل هي متعدية، وحينئذ يكون = (*)
(1/533)

نحو " قام زيد " ويسمى ما يصل إلى مفعوله بنفسه: فعلا متعديا، وواقعا، ومجاوزا، وما ليس كذلك يسمى: لازما، وقاصرا، وغير متعد، و [ يسمى ] متعديا بحرف جر.
وعلامة الفعل المتعدي أن تتصل به هاء تعود على غير المصدر، وهي هاء المفعول به، نحو " الباب أغلقته ".
واحترز بهاء غير المصدر من هاء المصدر، فإنها تتصل بالمتعدي واللازم، فلا تدل على تعدي الفعل، فمثال المتصلة بالمتعدي " الضرب ضربته زيدا " أي ضربت الضرب [ زيدا ] ومثال المتصلة باللازم " القيام قمته " أي: قمت القيام.
* * * فانصب به مفعوله إن لم ينب عن فاعل، نحو تدبرت الكتب (1).
__________
= المراد من المفعول به هو أو ما أشبهه كخبر كان، أو يقال: إن المقسم هو الافعال التامة، فليست " كان " وأخواتها من موضع التقسيم حتى يلزم دخولها في أحد القسمين، كما انه قد يقال: إن نحو شكرته وشكرت له لم تخرج عن القسمين، بل هي إما متعدية، وحرف الجر في شكرت له زائد، أو لازمة، ونصبها للمفعول به في شكرته على نزع الخافض.
(1) " فانصب " فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت " به " جار ومجرور متعلق بانصب " مفعوله " مفعول: مفعول به لانصب، ومفعول مضاف والهاء مضاف إليه " إن " شرطية " لم " نافية جازمة " ينب " فعل مضارع، فعل الشرط، مجزوم بلم، والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى مفعوله، ؟ الشرط محذوف، والتقدير: إن لم ينب مفعوله عن فاعل فانصبه به " عن فاعل " ؟ مجرور متعلق بينب " نحو " خبر لمبتدأ محذوف: أي وذلك نحو " تدبرت " ؟ فاعل " الكتب " مفعول به، ونحو مضاف، والجملة من الفعل وفاعله ومفعوله = (*)
(1/534)

شأن الفعل المتعدي أن ينصب مفعوله إن لم ينب عن فاعله، نحو " تدبرت الكتب " فإن ناب عنه وجب رفعه كما تقدم، نحو " تدبرت الكتب ".
وقد يرفع المفعول وينصب الفاعل عند أمن اللبس، كقولهم: " خرق الثوب المسمار " ولا ينقاس ذلك، بل يقتصر فيه على السماع (1)..
__________
= في محل جر مضاف إليه، والمراد بالمفعول في قوله " فانصب به مفعوله " هو المفعول به، لامرين، أحدهما: أن المفعول عند الاطلاق هو المفعول به، وأما بقية المفاعيل فلابد فيها من التقييد، تقول: المفعول معه، والمفعول لاجله، والمفعول فيه، والمفعول المطلق.
وثانيهما: أن الذي يختص به الفعل المتعدي هو المفعول به، فأما غيره من المفاعيل فيشترك في نصبه المتعدي واللازم، تقول: ضربت ضربا، وقمت قياما، وتقول: ذاكرت والمصباح، وسرت والنيل، وتقول: ضربت ابني تأديبا، وقمت إجلالا للامير، وتقول: لعبت الكرة أصيلا، وخرجت من الملعب ليلا.
(1) قال السيوطي في همع الهوامع (1 / 186): وسمع رفع المفعول به ونصب الفاعل، حكوا: خرق الثوب المسمار، وكسر الزجاج الحجر، وقال الشاعر: مثل القنافذ هداجون قد بلغت نجران أو بلغت سوآتهم هجر فإن السوآت هي البالغة، وسمع أيضا رفعهما، قال: [ إن من صاد عقعقا لمشوم ] كيف من صاد عقعقان وبوم وسمع نصبهما، قال: قد سالم الحيات منه القدما [ الافعوان والشجاع الشجعما ] والمبيح لذلك كله فهم المعنى وعدم الالباس، ولا يقاس على شئ من ذلك " اه وقال ابن مالك في شرح الكافية: " وقد يحملهم ظهور المعنى على إعراب كل واحد من الفاعل والمفعول به بإعراب الآخر، كقولهم: خرق الثوب المسمار، ومنه قول الاخطل * مثل القنافذ.
البيت " اه.
والظاهر من هذه العبارات كلها أن الاسم المنصوب في هذه المثل التي ذكروها هو الفاعل، والاسم المرفوع هو المفعول، وأن التغير لم يحصل إلا في حركات الاعراب،
لكن ذهب الجوهري إلى أن المنصوب هو المفعول به، والمرفوع هو الفاعل، والتغيير = (*)
(1/535)

والافعال المتعدية على ثلاثة أقسام: أحدها: ما يتعدى إلى مفعولين، وهي قسمان، أحدهما: ما أصل المفعولين فيه المبتدأ والخبر، كظن وأخواتها، والثاني: ما ليس أصلهما ذلك، كأعطى وكسا.
والقسم الثاني: ما يتعدى إلى ثلاثة مفاعيل، كأعلم وأرى.
والقسم الثالث: ما يتعدى إلى مفعول واحد، كضرب، ونحوه.
* * * ولازم غير المعدى، وحتم لزوم أفعال السجايا، كنهم (1) كذا افعلل، والمضاهي اقعنسسا، وما اقتضى: نظافة، أو دنسا (2) أو عرضا، أو طاوع المعدى لواحد، كمده فامتدا (3).
__________
= إنما حصل في المعنى، وهذا رأي لجماعة من النحاة، وقد اختاره الشاطبي، وانظر ما ذكرناه واستشهدنا له في مطلع باب الفاعل.
(1) " ولازم " خبر مقدم " غير " مبتدأ مؤخر، وغير مضاف و " المعدى " مضاف إليه " وحتم " فعل ماض مبني للمجهول " لزوم " نائب فاعل لحتم، ولزوم مضاف، و " أفعال " مضاف إليه، وأفعال مضاف، و " السجايا " مضاف إليه " كنهم " جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر لمبتدأ محذوف، والتقدير: وذلك كائن كنهم.
(2) " كذا " جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم " افعلل " قصد لفظه: مبتدأ مؤخر " والمضاهي " معطوف على قوله " افعلل " السابق، وهو اسم فاعل، وفاعله ضمير مستتر فيه، وقوله " اقعنسسا " مفعوله، وقد قصد لفظه " وما " اسم موصول: معطوف على المضاهي " اقتضى " فعل ماض، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا
تقديره هو يعود إلى ما الموصولة، والجملة لا محل لها صلة الموصول " نظافة " مفعول به لا قتضى " أو دنسا " معطوف على قوله نظافة.
(3) " أو عرضا " معطوف على قوله نظافة في البيت السابق " أو طاوع " أو: = (*)
(1/536)

اللازم هو: ما ليس بمتعد، وهو: ما لا يتصل به هاء [ ضمير ] غير المصدر، ويتحتم اللزوم لكل فعل دال على سجية - وهي الطبيعة - نحو: " شرف، وكرم، وظرف، ونهم " وكذا كل فعل على وزن افعلل، نحو: " اقشعر، واطمأن " أو على وزن افعنلل، نحو: " اقعنسس، واحرنجم " أو دل على نظافة ك " طهر الثوب، ونظف " أو على دنس ك " دنس الثوب، ووسخ " أو دل على عرض نحو: " مرض زيد، واحمر " أو كان مطاوعا لما تعدى إلى مفعول واحد نحو: " مددت الحديد فامتد، ودحرجت زيدا فتدحرج " واحترز بقوله: " لواحد " مما طلوع المتعدي إلى اثنين، فإنه لا يكون لازما، بل يكون متعديا إلى مفعول واحد، نحو: " فهمت زيدا المسألة ففهمها، وعلمته النحو فتعلمه ".
* * * وعد لازما بحرف جر وإن حذف فالنصب للمنجر (1).
__________
= حرف عطف، وطاوع: فعل ماض معطوف على اقتضى، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى ما الموصولة " المعدى " مفعول به لطاوع " لواحد " جار ومجرور متعلق بالمعدى " كمده " متعلق بمحذوف خبر لمبتدأ محذوف، والتقدير: وذلك كائن كمده " فامتدا " الفاء عاطفة، امتد: فعل ماض، وفاعله ضمير مستتر فيه جواز تقديره هو.
(1) " وعد " فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت " لازما "
مفعول به لعد " بحرف " جار ومجرور متعلق بعد، وحرف مضاف و " جر " مضاف إليه " وإن " شرطية " حذف " فعل ماض مبني للمجهول فعل الشرط، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى حرف جر " فالنصب " الفاء لربط الجواب بالشرط، النصب: مبتدأ " للمنجر " جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر المبتدأ، وجملة المبتدأ وخبره في محل جزم جواب الشرط.
(*)
(1/537)

نقلا، وفي " أن " " وأن " يطرد مع أمن لبس: كعجبت أن يدوا (1) تقدم أن الفعل المتعدي يصل إلى مفعوله بنفسه، وذكر هنا أن الفعل اللازم يصل إلى مفعوله بحرف جر، نحو: " مررت بزيد " وقد يحذف حرف الجر فيصل إلى مفعوله بنفسه، نحو: " مررت زيدا " قال الشاعر: 159 - تمرون الديار ولم تعوجوا كلامكم علي إذا حرام.
__________
(1) " نقلا " مفعول مطلق، أو حال صاحبه اسم المفعول المفهوم من قوله " حذف " وتقديره منقولا " وفي أن " جار ومجرور متعلق بيطرد الآتي " وأن " معطوف على أن " يطرد " فعل مضارع، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى الحذف المفهوم من حذف " مع " ظرف متعلق بيطرد، ومع مضاف و " أمن " مضاف إليه، وأمن مضاف و " لبس " مضاف إليه " كعجبت " الكاف جارة لقول محذوف، عجبت: فعل وفاعل " أن " مصدرية " يدوا " فعل مضارع منصوب بأن، وعلامة نصبه حذف النون، وواو الجماعة فاعله، و " أن " ومنصوبها في تأويل مصدر مجرور بمن المحذوفة، والتقدير: عجبت من وديهم أي إعطائهم الدية والجار والمجرور متعلق بعجب.
159 - البيت لجرير بن عطية بن الخطفي.
اللغة: " تعوجوا " يقال: عاج فلان بالمكان يعوج عوجا ومعاجا - كقال يقول
قولا ومقالا - إذا أقام به، ويقال: عاج السائر بمكان كذا، إذا عطف عليه، أو وقف به، أو عرج عليه وتحول إليه، ورواية الديوان * أتمضون الرسوم ولا نحيا *.
الاعراب: " تمرون " فعل وفاعل " الديار " منصوب على نزع الخافض، وأصله: تمرون بالديار " ولم تعوجوا " الواو للحال، ولم: نافية جازمة، تعوجوا: فعل مضارع مجزوم بلم، وعلامة جزمه حذف النون، وواو الجماعة فاعل، والجملة في محل نصب حال " كلامكم " كلام: مبتدأ، وكلام مضاف وضمير المخاطبين مضاف إليه " على " جار ومجرور متعلق بحرام " حرام " خبر المبتدأ.
الشاهد فيه: قوله " تمرون الديار " حيث حذف الجار، وأوصل الفعل اللازم إلى الاسم الذي كان مجرورا، فنصبه، وأصل الكلام " تمرون بالديار " ويسمى ذلك: = (*)
(1/538)

أي: تمرون بالديار.
ومذهب الجمهور أنه لا ينقاس حذف حرف الجر مع غير " أن " و " أن " بل يقتصر فيه على السماع، وذهب [ أبو الحسن علي ابن سليمان البغدادي وهو ] الاخفش الصغير إلى أنه يجوز الحذف مع غيرهما قياسا، بشرط تعين الحرف، ومكان الحذف، نحو: " بريت القلم بالسكين " فيجوز عنده حذف الباء، فتقول: " بريت القلم السكين " فإن لم يتعين الحرف لم يجز الحذف، نحو: " رغبت في زيد " فلا يجوز حذف " في "، لانه لا يدرى حينئذ: هل التقدير " رغبت عن زيد " أو " في زيد " وكذلك إن لم يتعين مكان الحذف لم يجز، نحو " اخترت القوم من بني تميم " فلا يجوز الحذف، فلا تقول: " اخترت القوم بني تميم "، إذ لا يدرى: هل الاصل " اخترت القوم من بني تميم " أو " اخترت من القوم بني تميم ".
وأما " أن، وأن " فيجوز حذف حرف الجر معهما قياسا مطردا، بشرط أمن اللبس، كقولك " عجبت أن يدوا " والاصل " عجبت من أن يدوا " أي:
من أن يعطوا الدية، ومثال ذلك مع أن بالتشديد " عجبت من أنك قائم " فيجوز حذف " من " فتقول: " عجبت أنك قائم "، فإن حصل لبس لم يجز.
__________
= " الحذف والايصال " وهذا قاصر على السماع، ولا يجوز ارتكابه في سعة الكلام، إلا إذا كان المجرور مصدرا مؤولا من " أن " المؤكدة مع اسمها وخبرها، أو من " أن " المصدرية مع منصوبها.
ومثل هذا الشاهد قول عمر بن أبي ربيعة المخزومي: غضبت أن نظرت نحو نساء ليس يعرفنني مررن الطريقا ومحل الاستشهاد قوله " مررن الطريقا " حيث حذف حرف الجر ثم أوصل الفعل اللازم إلى الاسم الذي كان مجرورا فنصبه، وأصل الكلام: مررن بالطريق، وفيه شاهد آخر للقياسي من هذا الباب، وذلك في قوله " غضبت أن نظرت " وأصله: غضبت من أن نظرت.
(*)
(1/539)

الحذف، نحو " رغبت في أن تقوم " أو " [ رغبت ] في أنك قائم " فلا يجوز حذف " في " لاحتمال أن يكون المحذوف " عن " فيحصل اللبس.
واختلف في محل " أن، وأن " - عند حذف حرف الجر - فذهب الاخفش إلى أنهما في محل جر، وذهب الكسائي إلى أنهما في محل نصب (1)، وذهب سيبويه إلى تجويز الوجهين..
__________
(1) أما الذين ذهبوا إلى أن المصدر المنسبك من الحرف المصدري ومعموله في محل نصب بعد حذف حرف الجر الذي كان يقتضى جره فاستدلوا على ذلك بشيئين: أولهما: أن حرف الجر عامل ضعيف، وآية ضعفه أنه مختص بنوع واحد هو الاسم، والعامل الضعيف لا يقوى على العمل إلا إذا كان مذكورا، فمتى حذف من الكلام زال عمله.
وثاني الدليلين: أن حرف الجر إذا حذف من الكلام وكان مدخوله غير " أن " و " أن " فنحن متفقون على أن الاسم الذي كان مجرورا به ينصب كما في بيت عمر وبيت جرير السابق (رقم 159) وكما في قول ساعدة بن جؤية الهذلي: لدن بهز الكف يعسل متنه فيه، كما عسل الطريق الثعلب وكما في قول المتلمس جرير بن عبد المسيح يخاطب عمرو بن هند ملك الحيرة: آليت حب العراق الدهر أطعمه والحب يأكله في القرية السوس أراد الاول: كما عسل في الطريق، وأراد الثاني: آليت على حب العراق، فلما حذفا حرف الجر نصبا الاسم الذي كان مجرورا، فيجب أن يكون هذا هو الحكم مع أن وأن.
وأما الذين ذهبوا إلى أن المصدر في محل جر بعد حذف حرف الجر فقد استدلوا على ما ذهبوا إليه بالسماع عن العرب.
فمن ذلك قول الفرزدق من قصيدة يمدح فيها عبد المطلب بن عبد الله المخزومي: وما زرت ليلى أن تكون حبيبة إلي، ولا دين بها أنا طالبه فقوله " ولا دين " مروى بجر دين المعطوف على المصدر المنسبك من " أن تكون إلخ " = (*)
(1/540)

وحاصله: أن الفعل اللازم يصل إلى المفعول بحرف الجر، ثم إن كان المجرور غير " أن، وأن " لم يجز حذف حرف الجر إلا سماعا، وإن كان " أن، وأن " جاز [ ذلك ] قياسا عند أمن اللبس، وهذا هو الصحيح.
* * * والاصل سبق فاعل معنى كمن من " ألبسن من زاركم نسج اليمن " (1) إذا تعدى الفعل إلى مفعولين الثاني منهما ليس خبرا في الاصل، فالاصل تقديم ما هو فاعل في المعنى، نحو " أعطيت زيدا درهما " فالاصل تقديم " زيد "
.
__________
= وذلك يدل على أن هذا المصدر مجرور، لوجوب تطابق المعطوف والمعطوف عليه في حركات الاعراب.
وقد حذف الفرزدق حرف الجر وأبقى الاسم مجرورا على حاله قبل الحذف، وذلك في قوله.
إذا قيل: أي الناس شر قبيلة ؟ أشارت كليب بالاكف الاصابع أصل الكلام: أشارت إلى كليب، فلما حذف " إلى " أبقى " كليب " على جره.
فلما رأى سيبويه - رحمه الله ! - تكافؤ الادلة، وأن السماع ورد بالوجهين، ولا وجه لترجيح أحدهما على الآخر، جوز كل واحد منهما.
(1) " والاصل " مبتدأ " سبق " خبر المبتدأ، وسبق مضاف، و " فاعل " مضاف إليه " معنى " منصوب على نزع الخافض، أو تمييز " كمن " جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر لمبتدأ محذوف، والتقدير: وذلك كائن كمن - إلخ " من " حرف جر، ومجروره قول محذوف، والجار والمجرور متعلق بمحذوف حال " ألسن " فعل أمر مؤكد بالنون الخفيفة، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت " من " اسم موصول: مفعول أول لالبس " زاركم " زار: فعل ماض، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى من، وضمير المخاطبين مفعول به، والجملة لا محل لها صلة " نسج " مفعول ثان لالبس، ونسج مضاف و " اليمن " مضاف إليه مجرور بالكسرة الظاهرة، وسكن لاجل الوقف.
(*)
(1/541)

على " درهم " لانه فاعل في المعنى، لانه الآخذ للدرهم، وكذا " كسوت زيدا جبة " و " ألبسن من زاركم نسج اليمن " ف " من ": مفعول أول، و " نسج ": مفعول ثان، والاصل تقديم " من " على " نسج اليمن " لانه اللابس، ويجوز تقديم ما ليس فاعلا معنى، لكنه خلاف الاصل.
* * * ويلزم الاصل لموجب عرى وترك ذاك الاصل حتما قد يرى (1) أي: يلزم الاصل - وهو تقديم الفاعل في المعنى - إذا طرأ ما يوجب ذلك، وهو خوف اللبس، نحو " أعطيت زيدا عمرا " فيجب تقديم الآخذ منهما، ولا يجوز تقديم غيره، لاجل اللبس، إذ يحتمل أن يكون هو الفاعل.
وقد يجب تقديم ما ليس فاعلا في المعنى، وتأخير ما هو فاعل في المعنى، نحو " أعطيت الدرهم صاحبه " فلا يجوز تقديم صاحبه وإن كان فاعلا في المعنى، فلا تقول: " أعطيت صاحبه الدرهم " لئلا يعود الضمير على متأخر لفظا ورتبة [ وهو ممتنع ] والله أعلم (2).
* * *.
__________
(1) " ويلزم الاصل " فعل وفاعل " لموجب " جار ومجرور متعلق بيلزم " عرى " فعل ماض، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى موجب، والجملة في محل جر نعت لموجب " وترك " مبتدأ، وترك مضاف واسم الاشارة من " ذاك " مضاف إليه، والكاف حرف خطاب " الاصل " بدل أو عطف بيان من اسم الاشارة " حتما " حال من نائب الفاعل المستتر في " يرى " الآتي، وتقديره باسم مفعول: أي محتوما " قد " حرف تقليل " يرى " فعل مضارع مبني للمجهول، ونائب الفاعل ضمير فيه جوازا تقديره هو يعود إلى ترك، والجملة في محل رفع خبر المبتدأ.
(2) تلخيص ما أشار إليه الشارح والناظم في هذه المسألة أن للمفعول الاول مع المفعول الثاني - اللذين ليس أصلهما المبتدأ والخبر - ثلاثة أحوال، الحالة الاولى يجب = (*)
(1/542)

وحذف فضلة أجز، إن لم يضر كحذف ما سيق جوابا أو حصر (1) الفضلة: خلاف العمدة، والعمدة: ما لا يستغنى عنه كالفاعل، والفضلة:
ما يمكن الاستغناء عنه كالمفعول به، فيجوز حذف الفضلة إن لم يضر، كقولك.
__________
= فيها تقديم الفاعل في المعنى، والحالة الثانية يجب فيها تقديم المفعول في المعنى، والحالة الثالثة يجوز فيها تقديم أيهما شئت، وسنبين لك مواضع كل حالة منها تفصيلا.
أما الحالة الاولى فلها ثلاثة مواضع، أولها: أن يخاف اللبس، وذلك إذا صلح كل من المفعولين أن يكون فاعلا في المعنى، وذلك نحو " أعطيت زيدا عمرا " وثانيهما: أن يكون المفعول في المعنى محصورا فيه، نحو قولك " ما كسوت زيدا إلا جبة، وما أعطيت خالدا إلا درهما " وثالثها: أن يكون الفاعل في المعنى ضميرا والمفعول في المعنى اسما ظاهرا نحو " أعطيتك درهما ".
وأما الحالة الثانية فلها ثلاثة مواضع أيضا، أولها: أن يكون الفاعل في المعنى متصلا بضمير يعود على المفعول في المعنى نحو " أعطيت الدرهم صاحبه "، إذ لو قدم لعاد الضمير على متأخر لفظا ورتبة، وثانيها: أن يكون الفاعل في المعنى منهما محصورا فيه، نحو قولك " ما أعطيت الدرهم إلا زيدا " وثالثها: أن يكون المفعول في المعنى منهما ضميرا والفاعل في المعنى اسما ظاهرا، نحو قولك " الدرهم أعطيته بكرا " وأما الحالة الثالثة ففيما عداما ذكرناه من مواضع الحالتين، ومنها قولك " أعطيت زيدا ماله " يجوز أن تقول فيه: أعطيت ماله زيدا، فالضمير إن عاد على متأخر لفظا فقد عاد على متقدم رتبة.
(1) " وحذف " مفعول به مقدم لاجز، وحذف مضاف و " فضلة " مضاف إليه " أجز " فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت " إن " شرطية " لم " جازمة نافية " يضر " فعل مضارع مجزوم بلم، وجملته فعل الشرط، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى حذف، وجواب الشرط محذوف، وتقدير الكلام: إن لم يضر حذف الفضلة فأجزه " كحذف " جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر لمبتدأ محذوف: أي وذلك كائن كحذف و " ما " اسم موصول: مضاف إليه
" سيق " فعل ماض مبني " للمجهول، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى ما الموصولة، والجملة لا محل لها صلة الموصول " جوابا " مفعول ثان لسيق " أو " عاطفة " حصر " فعل ماض مبني للمجهول معطوف على سيق.
(*)
(1/543)

في " ضربت زيدا ": " ضربت " بحذف المفعول به، وكقولك في " أعطيت زيدا درهما ": " أعطيت "، ومنه قوله تعالى: (فأما من أعطى واتقى)، و " أعطيت زيدا "، ومنه قوله تعالى: (ولسوف يعطيك ربك فترضى)، و " أعطيت درهما " قيل: ومنه قوله تعالى: (حتى يعطوا الجزية) التقدير - والله أعلم - حتى يعطوكم الجزية، فإن ضر حذف الفضلة لم يجز حذفها، كما إذا وقع المفعول به في جواب سؤال، نحو أن يقال: " من ضربت ؟ " فتقول: " ضربت زيدا " أو وقع محصورا، نحو " ما ضربت إلا زيدا "، فلا يجوز حذف " زيدا " في الموضعين، إذ لا يحصل في الاول الجواب، ويبقى الكلام في الثاني دالا على نفي الضرب مطلقا، والمقصود نفيه عن غير " زيد "، فلا يفهم المقصود عند حذفه.
* * * ويحذف الناصبها، إن علما، وقد يكون حذفه ملتزما (1) يجوز حذف ناصب الفضلة إذا دل عليه دليل، نحو أن يقال: " من ضربت ؟ " فتقول: " زيدا " التقدير: " ضربت زيدا " فحذف " ضربت "، لدلالة ما قبله عليه، وهذا الحذف جائز، وقد يكون واجبا كما تقدم في باب الاشتغال، نحو " زيدا ضربته " التقدير: " ضربت زيدا ضربته " فحذف " ضربت " وجوبا كما تقدم، والله أعلم.
__________
(1) " ويحذف " فعل مضارع مبني للمجهول " الناصبها " الناصب: نائب فاعل
يحذف، وهو اسم فاعل يعمل عمل الفعل، وفاعله ضمير مستتر فيه، و " ها " ضمير الغائب العائد إلى الفضلة مفعول به " إن " شرطية " علما " فعل ماض مبني للمجهول، فعل الشرط، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى الناصب " وقد " حرف تقليل " يكون " فعل مضارع ناقص " حذفه " حذف: اسم يكون وحذف مضاف وضمير الغائب العائد إلى الناصب مضاف إليه " ملتزما " خبر يكون (*)
(1/544)

التنازع في العمل إن عاملان اقتضيا في اسم عمل قبل فللواحد منهما العمل (1) والثان أولى عند أهل البصره واختار عكسا غيرهم ذا أسره (2) التنازع عبارة عن توجه عاملين إلى معمول واحد (3)، نحو " ضربت
__________
(1) " إن " شرطية " عاملان " فاعل لفعل محذوف يفسره ما بعده، والتقدير: إن اقتضى عاملان " اقتضيا " فعل وفاعل، والجملة لا محل لها من الاعراب مفسرة " في اسم " جار ومجرور متعلق باقتضى " عمل " مفعول به لاقتضى، وقد وقف عليه بالسكون على لغة ربيعة " قبل " ظرف متعلق باقتضى، أو بمحذوف يقع حالا من قوله عاملان: أي حال كون هذين العاملين واقعين قبل الاسم، وقبل مبني على الضم في محل نصب " فللواحد " الفاء لربط الجواب بالشرط، والجار والمجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم " منهما " جار ومجرور متعلق بمحذوف حال من الواحد " العمل " مبتدأ مؤخر (2) " والثاني " مبتدأ " أولى " خبر المبتدأ " عند " ظرف متعلق بأولى، وعند مضاف، و " أهل " مضاف إليه، وأهل مضاف، و " البصرة " مضاف إليه " واختار " فعل ماض " عكسا " مفعول به لاختار " غيرهم " غير: فاعل اختار، وغير مضاف، وضمير الغائبين مضاف إليه " ذا " حال من غيرهم، وذا مضاف و " أسره " مضاف إليه، وهو بضم الهمزة والمراد به ذا قوة، وأصله - بضم الهمزة - الدرع الحصينة، أو قوم
الرجل ورهطه الاقربون، ويجوز فتح الهمزة، والاسرة - بالفتح - الجماعة القوية.
(3) قد يكون العاملان المتنازعان فعلين، ويشترط فيهما حينئذ: أن يكونا متصرفين نحو قوله تعالى: (آتوني أفرغ عليه قطرا)، وقد يكونان اسمين، ويشترط فيهما حينئذ أن يكونا مشبهين للفعل في العمل، وذلك بأن يكونا اسمي فاعلين، نحو قول الشاعر: * عهدت مغيثا مغنيا من أجرته * فمن: اسم موصول تنازعه كل من مغيث ومغن، أو بأن يكونا اسمي مفعول كقول كثير: = (*)
(1/545)

__________
= قضى كل ذي دين فوفى غريمه وعزة ممطول معنى غريمها أو بأن يكونا مصدرين كقولك: عجبت من حبك وتقديرك زيدا، أو بأن يكونا اسمي تفضيل كقولك: زيد أضبط الناس وأجمعهم للعلم، أو بأن يكونا صفتين مشبهتين نحو قولك: زيد حذر وكريم أبوه، أو بأن يكونا مختلفين، فمثال الفعل واسم الفعل قوله تعالى (هاؤم اقرءوا كتابيه) ومثال الفعل والمصدر قول الشاعر: لقد علمت أولى المغيرة أنني لقيت فلم أنكل عن الضرب مسمعا فقوله " مسمعا " اسم رجل، وقد تنازعه من حيث العمل كل من " لقيت " و " الضرب ".
ومنه تعلم أنه لا تنازع بين حرفين، ولا بين فعلين جامدين، ولا بين اسمين غير عاملين، ولا بين فعل متصرف وآخر جامد، أو فعل متصرف واسم غير عامل.
ويشترط في العاملين - سوى ما فصلن - شرط ثان، وهو: أن يكون بينهما ارتباط، فلا يجوز أن تقول " قام قعد أخوك " إذ لا ارتباط بين الفعلين:
والارتباط يحصل بواحد من ثلاثة أمور: (الاول) أن يعطف ثانيهما على أولهما بحرف من حروف العطف، كما رأيت (الثاني) أن يكون أولهما عاملا في ثانيهما، نحو قوله تعالى: (وأنهم ظنوا كما ظننتم أن لن يبعث الله) العاملان هما ظنوا وظننتم، والمعمول المتنازع فيه هو (أن لن يبعث الله) و " كما ظننتم " معمول لظنوا، لانه صفة لمصدر يقع مفعولا مطلقا ناصبه ظنوا.
(الثالث) أن يكون جوابا للاول، نحو قوله تعالى (يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة) ونحو قوله جل شأنه: (آتوني أفرغ عليه قطرا).
ويشترط في العاملين أيضا: أن يكون كل واحد منهما موجها إلى المعمول من غير فساد في اللفظ أو في المعنى، فخرج بذلك نحو قول الشاعر: * أتاك أتاك اللاحقون احبس احبس * (*)
(1/546)

وأكرمت زيدا " فكل واحد من " ضربت " و " أكرمت " يطلب " زيدا " بالمفعولية، وهذا معنى قوله: " إن عاملان - إلى آخره ".
وقوله: " قبل " معناه أن العاملين يكونان قبل المعمول كما مثلنا، ومقتضاه أنه لو تأخر العاملان لم تكن المسألة من باب التنازع.
وقوله: " فللواحد منهما العمل " معناه أن أحد العاملين يعمل في ذلك الاسم الظاهر، والآخر يهمل عنه ويعمل في ضميره، كما سيذكره.
__________
= فليس كل واحد من " أتاك أتاك " موجها إلى قوله " اللاحقون "، إذ لو توجه كل واحد إليه لقال: أتوك أتاك اللاحقون، أو لقال: أتاك أتوك اللاحقون، بل المتوجه إليه منهما هو الاول، والثاني تأكيد له، وخرج قول امرئ القيس بن حجر الكندي ولو أن ما أسعى لادنى معيشة كفاني، ولم أطلب، قليل من المال
وذلك لان كلا من " كفاني " و " لم أطلب " ليس متوجها إلى قوله " من المال " إذ لو كان كل منهما متوجها إليه لصار حاصل المعنى: كفاني قليل من المال ولم أطلب هذا القليل، وكيف يصح ذلك وهو يقول بعد هذا البيت: ولكنما أسعى لمجد مؤثل وقد يدرك المجد المؤثل أمثالي وإنما قوله " قليل من المال " فاعل كفى، وهو وحده المتوجه إلى العمل فيه، وأما قوله " ولم أطلب " فله معمول محذوف يفهم من مجموع الكلام، والتقدير: كفاني قليل من المال ولم أطلب الملك.
ويشترط في العاملين أيضا: أن يكونا متقدمين على المعمول كالامثلة التي ذكرناها والتي ذكرها الشارح، فإن تقدم المعمول فإما أن يكون مرفوعا وإما أن يكون منصوبا فإن تقدم وكان مرفوعا نحو قولك " زيد قام وقعد " فلا عمل لاحد العاملين فيه، بل كل واحد منهما عامل في ضميره، وإن كان منصوبا نحو قولك " زيدا ضربت وأهنت " فالعامل فيه هو أول العاملين، وللثاني منهما معمول محذوف يدل عليه المذكور، أولا معمول له أصلا، وإن توسط المعمول بين العاملين نحو قولك " ضربت زيدا وأهنت " فهو معمول للسابق عليه منهما، وللمتأخر عنه معمول محذوف بدل عليه المذكور، وقد أشار الشارح إشارة وجيزة إلى هذا الشرط.
(*)
(1/547)

ولا خلاف بين البصريين والكوفيين أنه يجوز إعمال كل واحد من العاملين في ذلك الاسم الظاهر، ولكن اختلفوا في الاولى منهما (1).
فذهب البصريون إلى أن الثاني أولى به، لقربه منه، وذهب الكوفيون إلى أن الاول أولى به، لتقدمه.
* * * وأعمل المهمل في ضمير ما تنازعاه، والتزم ما التزما (2)
.
__________
(1) رأى البصريون أن إعمال ثاني العاملين أولى من إعمال الاول منهما لثلاث حجج: الاولى: أنه أقرب إلى المعمول، وهي العلة التي ذكرها الشارح.
الثانية: أنه يلزم على إعمال الاول منهما الفصل بين العامل - وهو المتقدم - ومعموله - وهو الاسم الظاهر - بأجنبي من العامل، وهو ذلك العامل الثاني، ومع أن الفصل بين العامل والمعمول مغتفر في هذا الباب للضرورة التي ألجات إليه، فهو خلاف الاصل على الاقل.
الثالثة: أنه يلزم على إعمال العامل الاول في لفظ المعمول أن تعطف على الجملة الاولى - وهي جملة العامل الاول مع معموله - قبل تمامها، والعطف قبل تمام المعطوف عليه خلاف الاصل.
ورأى الكوفيون أن إعمال الاول أولى من إعمال الثاني لعلتين: الاولى: أنه أسبق وأقدم ذكرا، وهي التي ذكرها الشارح.
والثانية: أنه يترتب على إعمال العامل الثاني في لفظ المعمول المذكور أن تضمر ضميرا في العامل الاول منهما، فيكون في الكلام الاضمار قبل الذكر، وهو غير جائز عندهم، وخلاف الاصل عند البصريين.
ولكل فريق من الفريقين مستند من السماع عن العرب.
ثم إنه قد يوجد في الكلام ما يوجب إعمال الثاني كما في قولك: ضربت بل أكرمت زيدا، وقد يوجد فيه ما يوجب إعمال الاول كما في قولك: لا أكرمت ولا قدمت زيدا.
(2) " وأعمل " فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت " المهمل " = (*)
(1/548)

كيحسنان ويسئ ابناكا وقد بغى واعتديا عبداكا (1) أي: إذا أعملت أحد العاملين في الظاهر وأهملت الآخر عنه، فأعمل المهمل
في ضمير الظاهر، والتزم الاضمار إن كان مطلوب العامل مما يلزم ذكره ولا يجوز حذفه، كالفاعل، وذلك كقولك: " يحسن ويسئ ابناك " فكل واحد من " يحسن " و " يسئ " يطلب " ابناك " بالفاعلية، فإن أعملت الثاني وجب أن تضمر في الاول فاعله، فتقول " يحسنان ويسئ ابناك " وكذلك إن أعملت الاول وجب الاضمار في الثاني، فتقول: " يحسن ويسيئان ابناك " ومثله " بغى واعتديا عبداك " وإن أعملت الثاني في هذا المثال قلت: " بغيا واعتدى عبداك " ولا يجوز ترك الاضمار، فلا تقول " يحسن ويسئ ابناك " ولا " بغى واعتدى عبداك " لان تركه (2) يؤدي إلى حذف الفاعل، والفاعل
__________
= مفعول به لاعمل " في ضمير " جار ومجرور متعلق بأعمل، وضمير مضاف، و " ما " اسم موصول: مضاف إليه " تنازعاه " فعل ماض وفاعل ومفعول، والجملة لا محل لها صلة الموصول " والتزم " فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقدير أنت " ما " اسم موصول مفعول به لالتزم " التزما " فعل ماض مبني للمجهول، والالف للاطلاق، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى ما، والجملة لامحل لها صلة.
(1) " كيحسنان " الكاف جارة لقول محذوف، يحسنان: فعل وفاعل " ويسئ " فعل مضارع " ابناكا " ابنا: فاعل يسئ مرفوع بالالف لانه مثنى، وابنا مضاف وضمير المخاطب مضاف إليه " وقد " حرف تحقيق " بغى " فعل ماض " واعتديا " فعل وفاعل " عبداكا " فاعل بغى، ومضاف إليه.
(2) يريد أن ترك الاضمار يؤدي إلى حذف الفاعل، وهذا كلام قاصر، ولابد من تقدير ليصح، فإ ترك الاضمار لا يؤدي إلى حذف الفاعل فقط، لجواز أن يظهر مع كل عامل معموله، والكلام التام أن يقال: إن ترك الاضمار يلزم منه أحد أمرين، الاول التكرار إذا أظهرت مع كل عامل معموله، والثاني حذف الفاعل، وكلاهما محظور.
(*)
(1/549)

ملتزم الذكر، وأجاز الكسائي ذلك على الحذف، بناء على مذهبه في جواز حذف الفاعل، وأجازه الفراء على توجه العاملين معا إلى الاسم الظاهر، وهذا بناء منهما على منع الاضمار في الاول عند إعمال الثاني، فلا تقول: " يحسنان ويسئ ابناك " وهذا الذي ذكرناه عنهما هو المشهور من مذهبهما في هذه المسألة.
* * * ولا تجئ مع أول قد أهملا بمضمر لغير رفع أو هلا (1) بل حذفه الزم إن يكن غير خبر وأخرنه إن يكن هو الخبر (2)
__________
(1) " ولا " ناهية " تجئ " فعل مضارع مجزوم بلا الناهية، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت " مع " ظرف متعلق بتجئ، ومع مضاف و " أول " مضاف إليه " قد " حرف تحقيق " أهملا " فعل ماض مبني للمجهول، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى أول، والجملة في محل جر صفة لاول " بمضمر " جار ومجرور متعلق بتجئ " لغير " جار ومجرور متعلق بأوهل الآتي، وغير مضاف، و " رفع " مضاف إليه " أو هلا " فعل ماض مبني للمجهول، والالف للاطلاق، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى مضمر، والجملة في محل جر صفة لمضمر.
(2) " بل " حرف عطف، ومعناه - هنا - الانتقال " حذفه " حذف: مفعول مقدم لالزم، وحذف مضاف وضمير الغائب مضاف إليه " الزم " فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت " إن " شرطية " يكن " فعل مضارع ناقص، فعل الشرط، واسمه ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى مضمر " غير " خبر يكن.
وغير مضاف و " خبر " مضاف إليه " وأخرنه " الواو عاطفة، أخر: فعل
أمر مؤكد بالنون الخفيفة، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت، ونون التوكيد حرف لامحل له من الاعراب، والهاء مفعول به لاخر " إن " شرطية " يكن " فعل = (*)
(1/550)

تقدم أنه إذا أعمل أحد العاملين في الظاهر وأهمل الآخر عنه أعمل في ضميره، ويلزم الاضمار إن كان مطلوب الفعل مما يلزم ذكره: كالفاعل، أو نائبه، ولا فرق في وجوب الاضمار - حينئذ - بين أن يكون المهمل الاول أو الثاني، فتقول: " يحسنان ويسئ ابناك، ويحسن ويسيئان ابناك ".
وذكر هنا أنه إذا كان مطلوب الفعل المهمل غير مرفوع فلا يخلو: إما أن يكون عمدة في الاصل - وهو مفعول " ظن " وأخواتها، لانه مبتدأ في الاصل أو خبر، وهو المراد بقوله: " إن يكن هو الخبر " - أولا، فإن لم يكن كذلك: فإما أن يكون الطالب له هو الاول، أو الثاني، فإن كان الاول لم يجز الاضمار، فتقول " ضربت وضربني زيد، ومررت ومر بي زيد " ولا تضمر فلا تقول: " ضربته وضربني زيد " ولا " مررت به ومر بي زيد " وقد جاء في الشعر، كقوله: 160 - إذا كنت ترضيه ويرضيك صاحب جهارا فكن في الغيب أحفظ للعهد وألغ أحاديث الوشاة، فقلما يحاول واش غير هجران ذي ود
__________
= مضارع ناقص فعل الشرط، واسمه ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى مضمر " هو " ضمير فصل لا محل له من الاعراب " الخبر " خبر يكن، وجواب الشرط محذوف يدل عليه سابق الكلام، والتقدير: إن يكن مضمر غير الرفع هو الخبر فأخرنه.
160 - البيتان من الشواهد التي لم نقف لاحد على نسبتها لقائل معين.
اللغة: " جهارا " بزنة كتاب - أي عيانا ومشاهدة، وتقول: رأيته جهرا وجهارا وكلمت فلانا جهرا وجهارا.
وجهر فلان بالقول جهرا، كل ذلك في معنى العلن، قال الله تعالى: (وأسروا قولكم أو اجهروا به) وقال الاخفش في قوله تعالى: (حتى نرى الله جهرة) أي عيانا يكشف عنا ما بيننا وبينه " الغيب " أصله ما استتر عنك ولم = (*)
(1/551)

__________
= تره، ويريد به ههنا ما لم يكن الصاحب حاضرا " أحفظ للعهد " يروى في مكانه " أحفظ للود " والود بضم الواو في المشهور، وقد تكسر الواو، أو تفتح - المحبة " ألغ " يريد لا تجعل لكلام الوشاة سبيلا إلى قلبك " الوشاة " جمع واش، وهو الذي ينقل إليك الكلام عن خلانك وأحبائك بقصد إفساد ما بينكم من أواصر المحبة " يحاول " هو مضارع من المحاولة، وأصلها إرادة الشئ بحيلة.
المعنى: إذا كانت بينك وبين أحد صداقة، وكان كل واحد منكما يعمل في العلن على إرضاء صاحبه، فتمسك بأواصر هذه المحبة في حال غيبة صديقك عنك، ولا تقبل في شأنه أقوال الوشاة، فإنهم إنما يريدون إفساد هذه الصداقة وتعكير صفوها.
الاعراب: " إذا " ظرف زمان تضمن معنى الشرط، مبني على السكون في محل نصب " كنت " كان: فعل ماض ناقص، والتاء ضمير المخاطب اسمه، وجملة " ترضيه " من الفعل مع فاعله المستتر ومفعوله في محل نصب خبر كان، والجملة من كان ومعموليها في محل جر بإضافة إذا إليها، وهي جملة الشرط " ويرضيك " فعل ومفعول به " صاحب " فاعل يرضيك، وجملة يرضيك وفاعله ومفعوله في محل نصب معطوفة على جملة ترضيه التي قبلها " جهارا " منصوب على الظرفية تنازعه كل من الفعلين السابقين " فكن " الفاء لربط الجواب بالشرط، كن: فعل أمر ناقص، واسمه ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت " في الغيب " جار ومجرور متعلق بمحذوف حال " أحفظ " خبر كن " للعهد " جار ومجرور متعلق بأحفظ.
الشاهد فيه: قوله " ترضيه ويرضيك صاحب " فقد تقدم في هذه العبارة عاملان - وهما " ترضي " و " يرضي " - وتأخر عنهما معمول واحد - وهو قوله " صاحب " - وقد تنازع كل من " ترضي " و " يرضي " ذلك الاسم الذي بعدهما وهو " صاحب " والاول يطلبه مفعولا به، والثاني يطلبه فاعلا، وقد أعمل الشاعر فيه الثاني وأعمل الاول في ضميره الذي هو الهاء، والجمهور يرون أنه كان يجب على الشاعر ألا يعمل الاول في الضمير، لان هذا الضمير فضلة يستغنى الكلام عنه، وذكر الضمير مع العامل الاول يترتب عليه الاضمار قبل الذكر، والاضمار قبل الذكر لا يجوز، وقد ارتكبه الشاعر، من غير ضرورة ملجئة إلى ارتكاب هذا المحظور، فإنهم إنما أجازوا في = (*)
(1/552)

وإن كان الطالب له هو الثاني وجب الاضمار، فتقول: " ضربني وضربته زيد، ومر بي ومررت به زيد " ولا يجوز الحذف، فلا تقول " ضربني وضربت زيد " ولا " مر بي ومررت زيد "، وقد جاء في الشعر، كقوله: 161 - بعكاظ يعشي الناظرين - إذا هم لمحوا - شعاعه والاصل " لمحوه " فحذف الضمير ضرورة، وهو شاذ، كما شذ عمل المهمل الاول في المفعول المضمر الذي ليس بعمدة في الاصل.
__________
= هذا الباب - الاضمار قبل الذكر، إذا كان الضمير فاعلا، مثلا، لانه لا يستغنى الكلام عنه، ولا يجوز حذفه، والضرورة يجب أن تتقدر بقدرها، ومنهم من منع الاضمار قبل الذكر مطلقا.
161 - البيت لعاتكة بنت عبد المطلب عمة النبي صلى الله عليه وسلم، من كلمة رواها أبو تمام حبيب بن أوس في ديوان الحماسة (انظر شرح التبريزي: 2 / 256 بتحقيقنا) وقبل هذا البيت قولها: سائل بنا في قومنا وليكف من شر سماعه
قيسا، وما جمعوا لنا في مجمع باق شناعه فيه السنور والقنا والكبش ملتمع قناعه اللغة: " عكاظ " بزنة غراب - موضع كانت فيه سوق مشهورة، يجتمع فيها العرب للتجارة، والمفاخرة " يعشي " مضارع من الاعشاء، وأصله العشا، وهو ضعف البصر ليلا " لمحوا " ماض من اللمح، وهو سرعة إبصار الشئ " شعاعه " بضم الشين - ما تراه من الضوء مقبلا عليك كأنه الحبال، والضمير الذي أضيف الشعاع إليه يجوز أن يكون عائدا على عكاظ، لانه موضع الشعاع، ويجوز أن يكون عائدا على القناع الذي ذكرته في البيت السابق على هذا البيت.
المعنى: تريد أن أشعة سلاح قومها مما تضعف أبصار الناظر إليها، تكنى بذلك عن كثرة السلاح وقوة بريقه ولمعانه.
الاعراب: " بعكاظ " جار ومجرور متعلق بقولها " جمعوا " في البيت السابق = (*)
(1/553)

هذا كله إذا كان غير المرفوع ليس بعمدة في الاصل، فإن كان عمدة في الاصل فلا يخلو: إما أن يكون الطالب له هو الاول، أو الثاني، فإن كان الطالب له هو الاول وجب إضماره مؤخرا، فتقول: " ظنني وظننت زيدا قائما إياه " وإن كان الطالب له هو الثاني أضمرته: متصلا كان، أو منفصلا، فتقول: " ظننت وظننيه زيدا قائما، وظننت وظنني إياه زيدا قائما ".
ومعنى البيتين أنك إذا أهملت الاول لم تأت معه بضمير غير مرفوع - وهو المنصوب والمجرور - فلا تقول: " ضربته وضربني زيد "، ولا مررت به ومر بي زيد " بل يلزم الحذف، فتقول: " ضربت وضربني زيد، ومررت ومر بي زيد " إلا إذا كان المفعول خبرا في الاصل، فإنه لا يجوز حذفه، بل يجب الاتيان به مؤخرا، فتقول " ظنني وظننت زيدا
قائما إياه ".
__________
= " يعشي " فعل مضارع " الناظرين " مفعول به ليعشي " إذا " ظرف تضمن معنى الشرط " هم " تأكيد لضمير متصل بفعل محذوف، والتقدير: إذا لمحواهم " لمحوا " فعل ماض وفاعله، والجملة لا محل لها من الاعراب مفسرة " شعاعه " شعاع: فاعل يعشي مرفوع بالضمة الظاهرة، وشعاع مضاف وضمير الغائب مضاف إليه.
الشاهد فيه: قوله " يعشي.
لمحوا شعاعه " حيث تنازع كل من الفعلين " شعاعه " فالفعل الاول وهو " يعشي " يطلبه فاعلا له، والفعل الثاني وهو " لمحوا " يطلبه مفعولا، وقد أعمل فيه الاول، بدليل أنه مرفوع، وأعمل الثاني في ضميره، ثم حذف ذلك الضمير ضرورة، وأصل الكلام قبل تقديم العاملين " يعشي الناظرين شعاعه إذا لمحوه " ثم صار بعد تقديمهما " يعشي الناظرين إذا لمحوه شعاعه " ثم حذفت الهاء من " لمحوه " فصار كما ترى في البيت.
ومذهب الجمهور أن ذلك الحذف لا يجوز لغير الضرورة وذلك من قبل أن ذكره لا يترتب عليه محظور الاضمار قبل الذكر، وفي حذفه فساد، وهو تهيئة العامل للعمل ثم قطعه عنه من غير علة ولا سبب موجب له.
وذهب قوم إلى أن حذف الضمير في مثل هذه الحال جائز في سعة الكلام، وذلك لان هذا الضمير فضلة لا يجب ذكرها.
(*)
(1/554)

ومفهومه أن الثاني يؤتى معه بالضمير مطلقا: مرفوعا كان، أو مجرورا، أو منصوبا، عمدة في الاصل أو غير عمدة.
* * * وأظهر ان يكن ضمير خيرا لغير ما يطابق المفسرا (1) نحو أظن ويظناني أخا زيدا وعمرا أخوين في الرخا (2)
أي: يجب أن يؤتى بمفعول الفعل المهمل ظاهرا إذا لزم من إضماره عدم مطابقته لما يفسره، لكونه خبرا في الاصل عما لا يطابق المفسر، كما إذا كان في الاصل خبرا عن مفرد ومفسره مثنى، نحو " أظن ويظناني زيدا وعمرا أخوين " ف " زيدا ": مفعول أول لاظن، و " عمرا ": معطوف عليه، و " أخوين ": مفعول ثان لاظن، والياء: مفعول أول ليظنان، فيحتاج إلى مفعول ثان، فلو أتيت به ضميرا فقلت: " أظن ويظناني إياه زيدا وعمرا أخوين "
__________
(1) " أظهر " فعل أمر مبني على السكون، وكسر للتخلص من التقاء الساكنين وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت " إن " شرطية " يكن " فعل مضارع ناقص فعل الشرط " ضمير " اسم يكن " خبرا " خبر يكن " لغير " جار ومجرور متعلق بخبر، وغير مضاف و " ما " اسم موصول مضاف إليه " يطابق " فعل مضارع، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى ما الموصولة " المفسرا " مفعول به ليطابق، والجملة من الفعل والفاعل والمفعول لا محل لها من الاعراب صلة الموصول، وجواب الشرط محذوف يدل عليه ما قبله، والتقدير: إن يكن ضمير خبرا لغير ما يطابق المفسر فأظهره: أي جئ به اسما ظاهرا.
(2) " نحو " خبر لمبتدأ محذوف، أي وذلك نحو " أظن " فعل مضارع، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنا " ويظناني " فعل وفاعل ومفعول أول " أخا " مفعول ثان ليظناني " زيدا " مفعول أول لاظن " وعمرا " معطوف عليه " أخوين " مفعول ثان لاظن " في الرخا " تنازع فيه كل من " أظن " و " يظناني ".
(*)
(1/555)

لكان " إياه " مطابقا للياء، في أنهما مفردان، ولكن لا يطابق ما يعود عليه وهو " أخوين "، لانه مفرد، و " أخوين " مثنى، فتفوت مطابقة المفسر للمفسر، وذلك لا يجوز، وإن قلت " أظن ويظناني إياهما زيدا وعمرا أخوين " حصلت مطابقة المفسر للمفسر، [ وذلك ] لكون " إياهما " مثنى، و " أخوين " كذلك،
ولكن تفوت مطابقة المفعول الثاني - الذي هو خبر في الاصل - للمفعول الاول - الذي هو مبتدأ في الاصل، لكون المفعول الاول مفردا، وهو الياء، والمفعول الثاني غير مفرد، وهو " إياهما "، ولا بد من مطابقة الخبر للمبتدأ، فلما تعذرت [ المطابقة ] مع الاضمار وجب الاظهار، فتقول: " أظن ويظناني أخا زيدا وعمرا أخوين "، ف " زيدا وعمرا أخوين ": مفعولا أظن، والياء مفعول يظنان الاول، و " أخا " مفعوله الثاني، ولا تكون المسألة - حينئذ - من باب (1) التنازع، لان كلا من العاملين عمل في ظاهر، وهذا مذهب البصريين.
وأجاز الكوفيون الاضمار مراعى به جانب المخبر عنه، فتقول: " أظن ويظناني إياه زيدا وعمرا أخوين " وأجازوا أيضا الحذف، فتقول: " أظن ويظناني زيدا وعمرا أخوين ".
* * *
__________
(1) القول بأن هذه المسألة حينئذ ليست من باب التنازع هو الذي ذكره ابن هشام ووجه ذلك بأن العاملين بالنسبة للمفعول الثاني لم يعمل أحدهما في لفظه والآخر في ضميره بل لم تتوجه مطالبة كل واحد منهما إليه، وهو شرط باب التنازع، وذلك لان " أخوين " معمول لاظن، ولم يتوجه إليه يظناني، لعدم مطابقته لمفعوله الاول، فإنه لا يطلب مفعولا ثانيا إلا بشرط مطابقته لمفعوله الاول.
ونازع في هذا قوم من المتأخرين منهم ابن القاسم وقالوا: إن اشتراط صحة توجه كل من العاملين إلى المعمول إنما هو بالنظر إلى المعنى لا بالنظر إلى الافراد والتثنية، ولا بالنظر إلى نوع العمل، أفلا ترى أنك لو قلت " ضربني وضربت زيدا " لم يكن ليصح أن يتوجه الاول إلى " زيدا " المنصوب، ولو قلت " ضربني وضربته زيد " لم يكن يصح توجه الثاني إليه وهو مرفوع ؟ (*)
(1/556)

المفعول المطلق
المصدر اسم ما سوى الزمان من مدلولي الفعل كأمن من أمن (1) الفعل يدل على شيئين: الحدث، والزمان، ف " قام " يدل على قيام في في زمن ماض، و " يقوم " يدل على قيام في الحال أو الاستقبال، و " قم " يدل على قيام في الاستقبال، والقيام هو الحدث - وهو أحد مدلولي الفعل - وهو المصدر، وهذا معنى قوله: " ما سوى الزمان من مدلولي الفعل " فكأنه قال: المصدر اسم الحدث كأمن، فإنه أحد مدلولي أمن.
والمفعول المطلق هو: المصدر، المنتصب: توكيدا لعامله، أو بيانا لنوعه، أو عدده، نحو " ضربت ضربا، وسرت سير زيد، وضربت ضربتين ".
وسمى مفعولا مطلقا لصدق " المفعول " عليه غير مقيد بحرف جر ونحوه، بخلاف غيره من المفعولات، فإنه لا يقع عليه اسم المفعول إلا مقيدا، كالمفعول به، والمفعول فيه، والمفعول معه، والمفعول له.
* * * بمثله أو فعل أو وصف نصب وكونه أصلا لهذين انتخب (2)
__________
(1) " المصدر " مبتدأ " اسم " خبر المبتدأ، واسم مضاف، و " ما " اسم موصول مضاف إليه " سوى " ظرف متعلق بمحذوف صلة الموصول، وسوى مضاف، و " الزمان " مضاف إليه " من مدلولي " جار ومجرور متعلق بما تعلق به سوى، ومدلولي مضاف، و " الفعل " مضاف إليه " كأمن " جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مبتدأ محذوف، أي: وذلك كأمن " من أمن " جار ومجرور متعلق بمحذوف نعت لامن المصدر.
(2) " بمثله " الجار والمجرور متعلق بنصب الآتي، ومثل مضاف والضمير مضاف إليه " أو فعل، أو وصف " معطوفان على مثل " نصب " فعل ماض مبني للمجهول، ونائب الفاعل = (*)
(1/557)

ينتصب المصدر بمثله، أي بالمصدر، نحو: عجبت من ضربك زيدا ضربا شديدا " أو بالفعل (1)، نحو " ضربت زيدا ضربا " أو بالوصف (2)، نحو " أنا ضارب زيدا ضربا ".
__________
= ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى المصدر " وكونه " الواو عاطفة، كون: مبتدأ، وكون مضاف والضمير مضاف إليه من إضافة مصدر الفعل الناقص إلى اسمه " أصلا " خبر الكون من جهة النقصان " لهذين " جار ومجرور متعلق بقوله أصلا أو بمحذوف صفة له " انتخب " فعل ماض مبني للمجهول، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى كونه أصلا، والجملة في محل رفع خبر المبتدأ الذي هو كونه أصلا، وهذا خبره من جهة الابتداء.
(1) يشترط في الفعل الذي ينصب المفعول المطلق ثلاثة شروط، الاول: أن يكون متصرفا، والثاني: أن يكون تاما، والثالث: ألا يكون ملغى عن العمل، فإن كان الفعل جامدا كعسى وليس وفعل التعجب ونعم وبئس، أو كان ناقصا ككان وأخواتها أو كان ملغى كظن وأخواتها إن توسطت بين المفعولين أو تأخرت عنهما - فإنه لا ينصب المفعول المطلق.
(2) يشترط في الوصف الذي ينصب المفعول المطلق شرطان، أحدهما: أن يكون متصرفا وثانيهما أن يكون إما اسم فاعل وإما اسم مفعول وإما صيغة مبالغة، فإن كان اسم تفصيل لم ينصب المفعول المطلق بغير خلاف فيما نعلم، وأما قول الشاعر: أما الملوك فأنت اليوم الامهم لؤما، وأبيضهم سر بال طباخ فإن قوله " لؤما " مفعول مطلق، لكن ناصبه ليس هو قوله " الامهم " الذي هو أفعل تفضيل، ولكن ناصبه محذوف يدل عليه " الامهم " وتقدير الكلام - على هذا -: فأنت اليوم الامهم تلؤم لؤما، واختلفوا في الصفة المشبهة، فحملها قوم على أفعل التفضيل ومنعوا من نصبها المفعول المطلق، وذهب ابن هشام إلى جواز نصبها إياه
مستدلا بقول النابغة الذبياني: وأراني طربا في إثرهم طرب الواله أو كالمختبل فإن قوله " طرب الواله " مفعول مطلق، وزعم أن ناصبه قوله " طربا " الذي = (*)
(1/558)

ومذهب البصريين أن المصدر أصل، والفعل والوصف مشتقان منه، وهذا معنى قوله: " وكونه أصلا لهذين انتخب " أي: المختار أن المصدر أصل لهذين، أي: الفعل، والوصف.
ومذهب الكوفيين أن الفعل أصل، والمصدر مشتق منه.
وذهب قوم إلى أن المصدر أصل، والفعل مشتق منه، والوصف مشتق من الفعل.
وذهب ابن طلحة إلى أن كلا من المصدر والفعل أصل برأسه، وليس أحدهما مشتقا من الآخر.
والصحيح المذهب الاول، لان كل فرع يتضمن الاصل وزيادة، والفعل والوصف بالنسبة إلى المصدر كذلك، لان كلا منهما يدل على المصدر وزيادة، فالفعل يدل على المصدر والزمان، والوصف يدل على المصدر والفاعل.
* * * توكيدا أو نوعا يبين أو عدد كسرت سيرتين سير ذي رشد (1)
__________
= هو صفة مشبهة، وغيره يجعل هذه الصفة المشبهة دليلا على العامل، وليست هي العامل، والتقدير: أراني طربا في إثرهم أطرب طرب الواله إلخ، على نحو ما قالوه في أفعل التفصيل.
(1) " توكيدا " مفعول به مقدم ليبين " أو نوعا " معطوف عليه " يبين " فعل مضارع، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى المصدر " أو عدد " معطوف
على قوله " نوعا " السابق، ووقف عليه بالسكون على لغة ربيعة " كسرت " الكاف جارة لقول محذوف كما سبق مرارا، سرت: فعل وفاعل " سيرتين " مفعول مطلق يبين العدد " سير " مفعول مطلق يبين النوع، وسير مضاف، و " ذي " بمعنى صاحب مضاف إليه، وذي مضاف، و " رشد " مضاف إليه، مجرور بالكسرة الظاهرة، وسكنه للوقف.
(*)
(1/559)

المفعول المطلق يقع على ثلاثة أحوال كما تقدم: أحدها: أن يكون مؤكدا، نحو " ضربت ضربا ".
الثاني: أن يكون مبينا للنوع (1)، نحو " سرت سير ذي رشد "، و " سرت سيرا حسنا ".
الثالث: أن يكون مبينا للعدد، نحو " ضربت ضربة، وضربتين، وضربات ".
* * * وقد ينوب عنه ما عليه دل كجد كل الجد، وافرح الجذل (2)
__________
(1) المفعول المطلق الذي يبين نوع عامله هو: ما يكون على واحد من ثلاثة أحوال الاول: أن يكون مضافا، نحو قولك: اعمل عمل الصالحين، وجد جد الحريص على بلوغ الغاية، وهذا النوع من باب النيابة عن مصدر الفعل نفسه، لاستحالة أن يفعل إنسان فعل غيره، وإنما يفعل فعلا (مماثلا) ؟ لفعل غيره، فالحقيقة في هذين المثالين أن تقول: اعمل عملا مشابها لعمل الصالحين، وجد جدا مماثلا لجد الحريص.
الثاني: أن يكون موصوفا، نحو قولك: اعمل عملا صالحا، وسرت سيرا وئيدا، وليس هذا من باب النيابة قطعا.
الثالث: أن يكون مقرونا بأل العهدية، نحو قولك: اجتهدت الاجتهاد، وجددت
الجد، وهذا يحتمل الامرين جميعا، فإذا كان المعهود بين المتكلم والمخاطب فعل شخص آخر كان من باب النيابة، وكأن المتكلم يقول: اجتهدت اجتهادا مثل ذلك الاجتهاد الذي تعلم أن فلانا قد اجتهده، وإن كان المعهود بينهما هو اجتهاد المتكلم نفسه، وأنه قصد بدخول أل عليه استحضار صورته لم يكن من باب النيابة، لانه فعله.
(2) " وقد " هنا حرف تحقيق " ينوب " فعل مضارع " عنه " جار ومجرور متعلق بينوب " ما " اسم موصول: فاعل ينوب " عليه " جار ومجرور متعلق بدل الآتي " دل " فعل ماض، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى ما، = (*)
(1/560)

قد ينوب عن المصدر ما يدل عليه، ككل وبعض، مضافين إلى المصدر، نحو " جد كل الجد " (1)، وكقوله تعالى: (فلا تميلوا كل الميل)، و " ضربته بعض الضرب ".
وكالمصدر المرادف لمصدر الفعل المذكور (2)، نحو " قعدت جلوسا، وافرح الجذل " فالجلوس: نائب مناب القعود لمرادفته له، والجذل: نائب مناب الفرح لمرادفته له.
__________
= والجملة لا محل لها صلة ما " كجد " الكاف جارة لقول محذوف، جد: فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت " كل " مفعول مطلق، نائب عن المصدر، منصوب بالفتحة الظاهرة، وكل مضاف و " الجد " مضاف إليه " وافرح " الواو حرف عطف، افرح: فعل أمر، والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت " الجذل " مفعول مطلق.
(1) ومنه قول مجنون بني عامر قيس بن الملوح: وقد يجمع الله الشتيتين بعدما يظنان كل الظن أن لا تلاقيا (2) اعلم أنه إذا وقع المصدر المنصوب بعد فعل من معناه لا من لفظه فلك في إعرابه ثلاثة أوجه:
الاول: أن تجعله مفعولا مطلقا، والنحاة في هذا الوجه من الاعراب على مذهبين فذهب المازني والسيرافي والمبرد إلى أن العامل فيه هو نفس الفعل السابق عليه، واختار ابن مالك هذا القول، وذهب سيبويه والجمهور إلى أن العامل فيه فعل آخر من لفظ المصدر، وهذا الفعل المذكور دليل على المحذوف.
الثاني: أن تجعل المصدر مفعولا لاجله إن كان مستكملا لشروط المفعول لاجله، الثالث: أن تجعل المصدر حالا بتأويل المشتق، فإذا قلت " فرحت جذلا " فجذلا: عند المازني ومن معه مفعول مطلق منصوب بفرحت، وعند سيبويه مفعول مطلق منصوب بفعل محذوف، وتقدير الكلام على هذا: فرحت وجذلت جذلا، وعلى الوجه الثاني هو مفعول لاجله بتقدير فرحت لاجل الجذل، وعلى الوجه الثالث حال بتقدير: فرحت حال كوني جذلان.
(*)
(1/561)

وكذلك ينوب مناب المصدر اسم الاشارة، نحو " ضربته ذلك الضرب " وزعم بعضهم أنه إذا ناب اسم الاشارة مناب المصدر فلا بد من وصفه بالمصدر، كما مثلنا، وفيه نظر، فمن أمثلة سيبويه " ظننت ذاك " أي: ظننت ذاك الظن، فذاك إشارة إلى الظن، ولم يوصف به.
وينوب عن المصدر - أيضا - ضميره، نحو " ضربته زيدا " أي: ضربت الضرب، ومنه قوله تعالى: (لا أعذبه أحدا من العالمين) أي: لا أعذب العذاب.
وعدده، نحو " ضربته [ عشرين ] ضربة " ومنه قوله تعالى: (فاجلدوهم ثمانين جلدة).
والآلة، نحو " ضربته سوطا " والاصل: ضربته ضرب سوط، فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه، والله تعالى أعلم.
* * * وما لتوكيد فوحد أبدا وثن واجمع غيره وأفردا (1) لا يجوز تثنية المصدر المؤكد لعامله، ولا جمعه، بل يجب إفراده، فتقول: " ضربت ضربا "، وذلك لانه بمثابة تكرر الفعل، والفعل لا يثنى ولا يجمع.
__________
(1) " وما " اسم موصول مفعول مقدم على عامله وهو وحد الآتي " لتوكيد " جار ومجرور متعلق بمحذوف صلة ما " فوحد " الفاء زائدة، ووحد: فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت " أبدا " منصوب على الظرفية " وثن " فعل أمر، وفيه ضمير مستتر وجوبا هو فاعله " واجمع " معطوف على ثن " غيره " تنازعه كل من ثن واجمع " وأفردا " الواو حرف عطف، وأفرد: فعل أمر مؤكد بالنون الخفيفة، وقلبت نون التوكيد ألفا للوقف، وفيه ضمير مستتر وجوبا تقديره أنت هو فاعله.
(*)
(1/562)

وأما غير المؤكد - وهو المبين للعدد، والنوع - فذكر المصنف أنه يجوز تثنيته وجمعه.
فأما المبين للعدد فلا خلاف في جواز تثنيته وجمعه، نحو: ضربت ضربتين، وضربات.
[ وأما المبين للنوع فالمشهور أنه يجوز تثنيته وجمعه، إذا اختلفت أنواعه، نحو " سرت سيري زيد الحسن والقبيح ] ".
وظاهر كلام سيبويه أنه لا يجوز تثنيته ولا جمعه قياسا، بل يقتصر فيه على السماع، وهذا اختيار الشلوبين.
* * * وحذف عامل المؤكد امتنع وفي سواه لدليل متسع (1)
المصدر المؤكد لا يجوز حذف عامله، لانه مسوق لتقرير عامله وتقويته، والحذف مناف لذلك.
وأما غير المؤكد فيحذف عامله للدلالة عليه: جوازا، ووجوبا.
فالمحذوف جوازا، كقولك: " سير زيد " لمن قال: " أي سير سرت " و " ضربتين " لمن قال: " كم ضربت زيدا ؟ " والتقدير: سرت سير زيد، وضربته ضربتين.
وقول ابن المصنف: إن قوله " وحذف عامل المؤكد امتنع " سهو منه، لان
__________
(1) " وحذف " مبتدأ، وحذف مضاف، و " عامل " مضاف إليه، وعامل مضاف، و " المؤكد " مضاف إليه " امتنع " فعل ماض، وفعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى حذف، والجملة من امتنع وفاعله في محل رفع خبر المبتدأ " وفي سواه " الواو حرف عطف، وما بعدها جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم، وسوى مضاف والضمير مضاف إليه " لدليل " جار ومجرور متعلق بمتسع " متسع " مبتدأ مؤخر.
(*)
(1/563)

قولك " ضربا زيدا " مصدر مؤكد، وعامله محذوف وجوبا، كما سيأتي ليس بصحيح (1)، وما استدل به على دعواه من وجوب حذف عامل المؤكد [ بما سيأتي ] ليس منه، وذلك لان " ضربا زيدا " ليس من التأكيد في شئ، بل هو أمر خال من التأكيد، بمثابة " اضرب زيدا " لانه واقع موقعه، فكما أن " اضرب زيدا " لا تأكيد فيه كذلك " ضربا زيدا " وكذلك جميع الامثلة التي ذكرها ليست من باب التأكيد في شئ، لان المصدر فيها نائب مناب العامل، دال على ما يدل عليه، وهو عوض منه، ويدل على ذلك عدم جواز الجمع بينهما، ولا شئ من المؤكدات يمتنع الجمع بينها وبين المؤكد.
ومما يدل أيضا على أن " ضربا زيدا " ونحوه ليس من المصدر المؤكد لعامله أن المصدر المؤكد لا خلاف في أنه لا يعمل، واختلفوا في المصدر الواقع موقع الفعل: هل يعمل أو لا ؟ والصحيح أنه يعمل، ف " زيدا " في قولك " ضربا زيدا " منصوب ب " ضربا " على الاصح، وقيل: إنه منصب بالفعل المحذوف، وهو " اضرب "، فعلى القول الاول ناب " ضربا " عن " اضرب " في الدلالة على معناه وفي العمل، وعلى القول الثاني ناب عنه في الدلالة على المعنى دون العمل.
* * * والحذف حتم مع آت بدلا من فعله، كندلا اللذ كاندلا (2)
__________
(1) جملة " ليس بصحيح " خبر المبتدأ الذي هو قوله " وقول ابن المصنف ".
(2) " والحذف حتم " مبتدأ وخبر " مع " ظرف منصوب على الطرفية، وهو متعلق بالخبر، ومع مضاف، و " آت " مضاف إليه " بدلا " حال من الضمير المستتر في آت " من فعله " الجار والمجرور متعلق بقوله بدلا، وفعل مضاف والضمير مضاف = (*)
(1/564)

يحذف عامل المصدر وجوبا في مواضع: منها: إذا وقع المصدر بدلا من فعله، وهو مقيس في الامر والنهي، نحو " قياما لا قعودا " أي: قم [ قياما ] ولا تقعد [ قعودا ]، والدعاء، نحو " سقيا لك " أي: سقاك الله.
وكذلك يحذف عامل المصدر وجوبا إذا وقع المصدر بعد الاستفهام المقصود به التوبيخ، نحو " أتوانيا وقد علاك المشيب ؟ " أي: أتتوانى وقد علاك (1).
ويقل حذف عامل المصدر وإقامة المصدر مقامه في الفعل المقصود به
الخبر، نحو " أفعل وكرامة " أي: وأكرمك.
فالمصدر في هذه الامثلة ونحوها منصوب بفعل محذوف وجوبا، والمصدر نائب منابه في الدلالة على معناه.
__________
= إليه " كندلا " جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر لمبتدأ محذوف، أو حال من الضمير المستتر في آت " اللذ " اسم موصول صفة لندلا " كاندلا " جار ومجرور متعلق بمحذوف صلة الموصول، والكاف في " كندلا " وفي " كاندلا " داخلة على مقصود فلظه، فكل منهما مجرور بكسرة مقدرة على آخره منع من ظهورها الحكاية.
(2) اعلم أن المصدر الآتي بدلا من فعل على ضربين، أحدهما: المراد به طلب، وثانيهما: المراد به خبر، فأما المراد به طلب فأربعة أنواع، الاول: ما كان المراد به الامر كبيت الشاهد الآتي (رقم 162)، والثاني ما كان المراد به النهي كقولك: قياما لا قعودا، والثالث: ما كان المراد به الدعاء نحو: سقيا لك.
والرابع ما كان المراد به التوبيخ كقولهم " أتوانيا وقد جد الجد ".
وأما المراد به خبر فعلى ضربين: سماعي، ومقيس، فأما السماعي فنحو قولهم: لا أفعل ولا كرامة، وأما المقيس فهو أنواع كثيرة: منها ما ذكر تفصيلا لعاقبة جملة قبله.
ومنها ما كان مكررا.
أو محصورا، ومنها ما جاء مؤكدا لنفسه، أو لغيره، وقد تكفل الشارح ببيان ذلك النوع بيانا وافيا.
(*)
(1/565)

وأشار بقوله: " كندلا " إلى ما أنشده سيبويه، وهو قول الشاعر: 162 - يمرون بالدهنا خفافا عيابهم ويرجعن من دارين بجر الحقائب على حين ألهى الناس جل أمورهم فندلا زريق المال ندل الثعالب
__________
162 - البيتان لاعشى همدان.
من كلمة يهجو فيها لصوصا.
اللغة: " الدهنا " يقصر ويمد - موضع معروف لبني تميم " عيابهم " العياب: جمع عيبة، وهي وعاء الثياب " دارين " قرية بالبحرين مشهورة بالمسك.
وفيه سوق " بجر " بضم فسكون - جمع بجراء، وهي الممتلئة، والحقائب: جمع حقيبة، وهي - هنا - العيبة أيضا " ألهى الناس " شغلهم وأورثهم الغفلة " جل أمورهم " بضم الجيم وتشديد اللام - معظمها وأكثرها " ندلا " خطفا في خفة وسرعة.
المعنى: هؤلاء اللصوص يمرون بالدهناء في حين ذهابهم إلى دارين، وقد صفرت عيابهم من المتاع فلا شئ فيها.
ولكنهم عندما يعودون من دارين يكونون قد ملاوا هذه العياب حتى انتفخت وعظمت.
وذلك ناشئ من أنهم يختلسون غفلة الناس بمهامهم وبمعظم أمورهم فيسطون على ما غفلوا عنه من المتاع وينادي بعضهم بعضا: اخطف خطفا سريعا، وكن خفيف اليد سريع الروغان.
الاعراب: " يمرون " فعل وفاعل " بالدهنا " جار ومجرور متعلق بيمر " خفافا " حال من الفاعل " عيابهم " عياب فاعل لخفاف.
وعياب مضاف وضمير الغائبين مضاف إليه " ويرجعن " فعل وفاعل، والتعبير بنون الاناث لتأويلهم بالجماعات.
أو لقصد تحقيرهم " من دارين " جار ومجرور متعلق بيرجع " بجر " حال من الفاعل، وبجر مضاف و " الحقائب " مضاف إليه " على " حرف جر " حين " ظرف زمان مبني على الفتح في محل جر، أو مجرور بالكسرة الظاهرة " ألهى " فعل ماض " الناس " مفعول به لالهى تقدم على فاعله " جل " فاعل ألهى، وجل مضاف.
وأمور من " أمورهم " مضاف إليه، وأمور مضاف وضمير الغائبين مضاف إليه " فندلا " مفعول مطلق منصوب بفعل محذوف " زريق " منادى بحرف نداء محذوف " المال " مفعول به = (*)
(1/566)

ف " ندلا " نائب مناب فعل الامر، وهو اندل، والندل: خطف الشئ
بسرعة، و " زريق " منادى، والتقدير: ندلا يا زريق [ المال ]، وزريق اسم رجل، وأجاز المصنف أن يكون مرفوعا بندلا، وفيه نظر (1)، لانه إن جعل " ندلا " نائبا مناب فعل الامر للمخاطب، والتقدير " اندل " لم يصح أن يكون مرفوعا به، لان فعل الامر إذا كان للمخاطب لا يرفع ظاهرا، فكذلك ما ناب منابه، وإن جعل نائبا مناب فعل الامر للغائب، والتقدير " ليندل " صح أن يكون مرفوعا به، لكن المنقول أن المصدر لا ينوب مناب فعل الامر للغائب، وإنما ينوب مناب فعل الامر للمخاطب، نحو " ضربا زيدا " أي: اضرب زيدا، والله أعلم.
* * * وما لتفصيل كإما منا عامله يحذف حيث عنا (2)
__________
= لقوله ندلا السابق " ندل " مفعول مطلق، مبين للنوع، وندل مضاف، و " الثعالب " مضاف إليه.
الشاهد فيه: قوله " فندلا " حيث ناب مناب فعله، وهو مصدر، وعامله محذوف وجوبا، على ما تبين لك في الاعراب.
(1) ولو كان " زريق " فاعلا لجاء به منونا، لانه اسم رجل كما علمت، فلما جاء به غير منون علمنا أنه منادى بحرف نداء محذوف، ومن هنا تعلم أنه لا داعي لمناقشة الشارح التي رد بها على المصنف زعمه أن " زريق " فاعل.
(2) " ما " اسم موصول: مبتدأ أول " لتفصيل " جار ومجرور متعلق بمحذوف صلة " كإما " جار ومجرور متعلق بمحذوف نعت لتفصيل " منا " مفعول مطلق حذف عامله وجوبا " عامله " عامل: مبتدأ ثان، وعامل مضاف والضمير مضاف إليه " يحذف " فعل مضارع مبني للمجهول، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى = (*)
(1/567)

يحذف أيضا عامل المصدر وجوبا إذا وقع تفصيلا لعاقبة ما تقدمه (1)، كقوله تعالى: (حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق، فإما منا بعد، وإما فداء) فمنا، وفداء: مصدران منصوبان بفعل محذوف وجوبا، والتقدير - والله أعلم - فإما تمنون منا، وإما تفدون فداء، وهذا معنى قوله: " وما لتفصيل - إلى آخره " أي: يحذف عامل المصدر المسوق للتفصيل، حيث عن، أي: عرض.
* * * كذا مكرر وذو حصر ورد نائب فعل لاسم عين استند (2)
__________
= عامل، والجملة من يحذف ونائب فاعله في محل رفع خبر المبتدأ الثاني، وجملة المبتدأ الثاني وخبره في محل رفع خبر المبتدأ الاول " حيث " ظرف متعلق بيحذف مبني على الضم في محل نصب " عنا " فعل ماض، والالف للاطلاق، والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى عامل، والجملة من عن وفاعله في محل جر بإضافة حيث إليها (1) يشترط لوجوب حذف العامل من هذا النوع ثلاثة شروط، الاول: أن يكون المقصود به تفصيل عاقبة، أي بيان الفائدة المترتبة على ما قبله والحاصلة بعده، والشرط الثاني: أن يكون ما يراد تفصيل عاقبته جملة، سواء أكانت طلبية كالآية الكريمة التي تلاها الشارح، أم كانت الجملة خبرية كقول الشاعر: لاجهدن: فإما رد واقعة تخشى، وإما بلوغ السؤل والامل فإن كان ما يراد بيان الفائدة المترتبة عليه مفردا - نحو أن تقول: لزيد سفر فإما صحة وإما اغتنام - مال لم يجب حذف العامل، بل يجوز حذفه ويجوز ذكره، والشرط الثالث: أن تكون الجملة المراد بيان عاقبتها متقدمة عليه، فإن تأخرت مثل أن تقول: إما إهلاكا وإما تأديبا فاضرب زيدا لم يجب حذف العامل أيضا.
(2) " كذا " جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم " مكرر " مبتدأ مؤخر
" وذو " معطوف على " مكرر " وذو مضاف، و " حصر " مضاف إليه، وجملة = (*)
(1/568)

أي: كذلك يحذف عامل المصدر وجوبا، إذا ناب المصدر عن فعل استند لاسم عين، أي: أخبر به عنه، وكان المصدر مكررا أو محصورا (1)، فمثال المكرر: " زيد سيرا سيرا " والتقدير: زيد يسير سيرا، فحذف " يسير " وجوبا لقيام التكرير مقامه، ومثال المحصور " ما زيد إلا سيرا "، و " إنما زيد سيرا " والتقدير: ما زيد إلا يسير سيرا، وإنما زيد يسير سيرا، فحذف " يسير " وجوبا لما في الحصر من التأكيد القائم مقام التكرير، فإن لم يكرر ولم يحصر لم يجب الحذف، نحو " زيد سيرا " التقدير: زيد يسير سيرا، فإن شئت حذفت " يسير "، وإن شئت صرحت به، والله أعلم.
* * * ومنه ما يدعونه مؤكدا لنفسه، أو غيره، فالمبتدا (2)
__________
= " ورد " وفاعله المستتر فيه في محل رفع نعت للمبتدأ وما عطف عليه " نائب " حال من الضمير المستتر في ورد، ونائب مضاف.
و " فعل " مضاف إليه " لاسم " جار ومجرور متعلق باستند الآتي، واسم مضاف، و " عين " مضاف إليه " استند " فعل ماض، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى فعل، والجملة من استند وفاعله في محل جر نعت لفعل.
(1) يشترط لوجوب حذف العامل من هذا النوع أربعة شروط، الاول: أن يكون العامل فيه خبرا لمبتدأ أو لما أصله المبتدأ، والثاني: أن يكون المخبر عنه اسم عين، والثالث: أن يكون الفعل متصلا إلى وقت التكلم، لا منقطعا، ولا مستقبلا، والرابع أحد أمرين: أولهما أن يكون المصدر مكررا أو محصورا، كما مثل الشارح، أو معطوفا عليه، نحو: أنت أكلا وشربا، وثانيهما: أن يكون المخبر عنه مقترنا بهمزة
الاستفهام نحو: أأنت سيرا ؟.
(2) " ومنه " جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم " ما " اسم وصول: مبتدأ مؤخر " يدعونه " فعل وفاعل ومفعول أول " مؤكدا " مفعول ثان = (*)
(1/569)

نحو " له علي ألف عرفا " والثان ك " ابني أنت حقا صرفا " (1) أي: من المصدر المحذوف عامله وجوبا ما يسمى: المؤكد لنفسه، والمؤكد لغيره.
فالمؤكد لنفسه هو: الواقع بعد جملة لا تحتمل غيره، نحو " له علي ألف [ عرفا " أي: ] اعترافا، فاعترافا: مصدر منصوب بفعل محذوف وجوبا، والتقدير: " أعترف اعترافا " ويسمى مؤكدا لنفسه، لانه مؤكد للجملة قبله، وهي نفس المصدر، بمعنى أنها لا تحتمل سواه، وهذا هو المراد بقوله: " فالمبتدا " أي: فالاول من القسمين المذكورين في البيت الاول.
والمؤكد لغيره هو: الواقع بعد جملة تحتمله وتحتمل غيره، فتصير بذكره نصا فيه، نحو " أنت ابني حقا " فحقا: مصدر منصوب بفعل محذوف وجوبا، والتقدير: " أحقه حقا " وسمي مؤكدا لغيره، لان الجملة قبله تصلح له ولغيره، لان قولك " أنت ابني " يحتمل أن يكون حقيقة، وأن يكون مجازا
__________
= والجملة من يدعو وفاعله ومفعوليه لا محل لها من الاعراب صلة الموصول " لنفسه " الجار والمجرور متعلق بيدعو، ونفس مضاف والهاء ضمير الغائب مضاف إليه " أو غيره " أو: حرف عطف، غير: معطوف على نفسه، وغير مضاف وضمير الغائب مضاف إليه " فالمبتدأ " مبتدأ.
(3) " نحو " خبر للمبتدأ في آخر البيت السابق " له " جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم " على " جار ومجرور متعلق بمحذوف حال من الضمير المستكن
في الجار والمجرور السابق " ألف " مبتدأ مؤخر " عرفا " مفعول مطلق، وجملة المبتدأ وخبره في محل جر بإضافة نحو إليها " والثان " مبتدأ " كابني " الكاف جارة لقول محذوف، والجار والمجرور متعلق بمحذوف خبر لمبتدأ محذوف " ابني " ابن خبر مقدم، وابن مضاف، وياء المتكلم مضاف إليه " أنت " مبتدأ مؤخر، وجملة المبتدأ وخبره في محل نصب مقول لذلك القول المحذوف " حقا " مفعول مطلق " صرفا " نعت لقوله حقا.
(*)
(1/570)

على معنى أنت عندي في الحنو بمنزلة ابني، فلما قال " حقا " صارت الجملة نصا في أن المراد البنوة حقيقة، فتأثرت الجملة بالمصدر، لانها صارت به نصا، فكان مؤكدا لغيره، لوجوب مغايرة المؤثر للمؤثر فيه.
* * * كذاك ذو التشبيه بعد جمله ك " لي بكا بكاء ذات عضله " (1) أي: كذلك يجب حذف عامل المصدر إذا قصد به التشبيه بعد جملة مشتملة على فاعل المصدر في المعنى (2)، نحو " لزيد صوت صوت حمار،.
__________
(1) " كذاك " كذا جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم، والكاف حرف خطاب " ذو " اسم بمعنى صاحب: مبتدأ مؤخر، وذو مضاف و " التشبيه " مضاف إليه " بعد " ظرف متعلق بمحذوف حال، وبعد مضاف، و " جملة " مضاف إليه " كلي " الكاف جارة لقول محذوف.
لي: جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم " بكا " قصر للضرورة مبتدأ مؤخر " بكاء " مفعول مطلق، وبكاء مضاف و " ذات " مضاف إليه، وذات مضاف و " عضلة " مضاف إليه.
(2) الشروط التي تشترط في هذا الموضوع سبعة شروط ثلاثة منها تشترط في المفعول المطلق نفسه، والاربعة الباقية في الكلام الذي يسبقه: فأما الثلاثة التي يجب أن تتحقق في المفعول المطلق فهي: أن يكون مصدرا، وأن
يكون مشعرا بالحدوث، وأن يكون المراد به التشبيه.
وأما الاربعة التي يجب أن تتحقق فيما يتقدمه فهي: أن يكون السابق عليه جملة، وأن تكون هذه الجملة مشتملة على فاعل المصدر، وأن تكون أيضا مشتملة على معنى المصدر، وأن يكون في هذه الجملة ما يصلح للعمل في المصدر.
فإن لم يكن المصدر مشعرا بالحدوث نحو قولك: لفلان ذكاء ذكاء الحكماء، أو لم تتقدمه جملة، بل تقدمه مفرد، كقولك: صوت فلان صوت حمار، أو تقدمته جملة ولكنها لم تشتمل على فاعل المصدر، كقولك: دخلت الدار فإذا فيها نوح نوح الحمام - ففي كل هذا المثل وما أشبهها لا يكون المصدر مفعولا مطلقا والعامل فيه محذوف وجوبا، بل هو فيما ذكرنا - مما تقدمته جملة - من الامثلة بدل مما قبله.
(*)
(1/571)

وله بكاء بكاء الثكلى " ف " صوت حمار " مصدر تشبيهي، وهو منصوب بفعل محذوف وجوبا، والتقدير: يصوت صوت حمار، وقبله جملة وهي " لزيد صوت " وهي مشتملة على الفاعل في المعنى، وهو " زيد " وكذلك " بكاء الثكلي " منصوب بفعل محذوف وجوبا، والتقدير: يبكي بكاء الثكلى.
فلو لم يكن قبل هذا المصدر جملة وجب الرفع، نحو " صوته صوت حمار، وبكاؤه بكاء الثكلى "، وكذا لو كان قبله جملة [ و ] ليست مشتملة على الفاعل في المعنى، نحو " هذا بكاء بكاء الثكلي، وهذا صوت صوت حمار ".
ولم يتعرض المصنف لهذا الشرط، ولكنه مفهوم من تمثيله.
* * * (*)
(1/572)

المفعول له
ينصب مفعولا له المصدر، إن أبان تعليلا، ك " جدشكرا، ودن " (1) وهو بما يعمل فيه متحد: وقتا وفاعلا، وإن شرط فقد (2) فاجرره بالحرف، وليس يمتنع مع الشروط: كلزهد ذا قنع (3)
__________
(1) " ينصب " فعل مضارع مبني للمجهول " مفعولا " حال من نائب الفاعل " له " جار ومجرور متعلق بقوله مفعولا " المصدر " نائب فاعل لينصب " إن " شرطية " أبان " فعل ماض فعل الشرط، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى المصدر " تعليلا " مفعول به لابان " كجد " الكاف جارة لقول محذوف، جد: فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت " شكرا " مفعول لاجله " ودن " الواو عاطفة، دن: فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت، ويحتمل أن يكون له مفعول مطلق محذوف لدلالة الاول عليه.
(2) " وهو " مبتدأ " بما " جار ومجرور متعلق بمتحد الآتي " يعمل " فعل مضارع، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى ما الموصولة، والجملة لامحل لها صلة " فيه " جار ومجرور متعلق بيعمل " متحد " خبر المبتدأ " وقتا " تمييز، أو منصوب بنزع الخافض " وفاعلا " معطوف على قوله وقتا " وإن " شرطية " شرط " نائب فاعل بفعل محذوف يفسره ما بعده، والتقدير: وإن فقد شرط، والفعل المحذوف هو فعل الشرط " فقد " فعل ماض مبني للمجهول، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى شرط، والجملة من فقد المذكور وفاعله لا محل لها من الاعراب تفسيرية، وجواب الشرط في البيت التالي.
(3) " فاجرره " الفاء لربط الجواب بالشرط، اجرر: فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت، والهاء مفعول به، والجملة في محل جزم جواب الشرط في البيت السابق " بالحرف " جار ومجرور متعلق باجرر " وليس " فعل ماض ناقص، واسمه ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى الجر بالحرف " يمتنع " فعل مضارع، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى الجر بالحرف، والجملة في محل نصب = (*)
(1/573)

المفعول له هو: المصدر، المفهم علة، المشارك لعامله: في الوقت، والفاعل، نحو " جد شكرا " فشكرا: مصدر، وهو مفهم للتعليل، لان المعنى جد لاجل الشكر، ومشارك لعامله وهو " جد ": في الوقت، لان زمن الشكر هو زمن الجود، وفي الفاعل، لان فاعل الجود هو المخاطب وهو فاعل الشكر.
وكذلك " ضربت ابني تأديبا " فتأديبا: مصدر، وهو مفهم للتعليل، إذ يصح أن يقع في جواب " لم فعلت الضرب ؟ " وهو مشارك لضربت: في الوقت، والفاعل.
وحكمه جواز النصب إن وجدت فيه هذه الشروط الثلاثة أعني المصدرية، وإبانة التعليل، واتحاده مع عامله في الوقت والفاعل.
فإن فقد شرط من هذه الشروط تعين جره بحرف التعليل، وهو اللام، أو " من " أو " في " أو الباء، فمثال ما عدمت فيه المصدرية قولك " جئتك للسمن " ومثال ما لم يتحد مع عامله في الوقت " جئتك اليوم للاكرام غدا " ومثال ما لم يتحد مع عامله في الفاعل " جاء زيد لاكرام عمرو له ".
ولا يمتنع الجر بالحرف مع استكمال الشروط، نحو " هذا قنع لزهد ".
وزعم قوم أنه لا يشترط في نصبه إلا كونه مصدرا، ولا يشترط اتحاده مع عامله في الوقت ولا في الفاعل، فجوزوا نصب " إكرام " في المثالين السابقين، والله أعلم.
* * *.
__________
= خبر ليس " مع " ظرف متعلق بيمتنع ومع مضاف، و " الشروط " مضاف إليه " كلزهد " الكاف جارة لقول محذوف.
زهد: جار ومجرور متعلق بقنع الآتي " ذا " اسم إشارة مبتدأ " قنع " فعل ماض، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو
يعود إلى اسم الاشارة، والجملة من قنع وفاعله في محل رفع خبر المبتدأ.
(*)
(1/574)

وقل أن يصحبها المجرد والعكس في مصحوب " أل " وأنشدوا (1) لا أقعد الجبن عن الهيجاء ولو توالت زمر الاعداء [ (2) ] ؟ المفعول له المستكمل للشروط المتقدمة له ثلاثة أحوال، أحدها: أن يكون مجردا عن الالف واللام والاضافة، والثاني: أن يكون محلى بالالف واللام، والثالث: أن يكون مضافا، وكلها يجوز أن تجر بحرف التعليل، لكن الاكثر فيما تجرد عن الالف واللام والاضافة النصب، نحو " ضربت ابني تأديبا "، ويجوز جره، فتقول: " ضربت ابني لتأديب "، وزعم الجزولي أنه لا يجوز جره، وهو خلاف ما صرح به النحويون، وما صحب الالف واللام بعكس المجرد، فالاكثر جره، ويجوز النصب، ف " ضربت ابني للتأديب " أكثر من " ضربت ابني التأديب "، ومما جاء فيه منصوبا ما أنشده المصنف: 163 - * لا أقعد الجبن عن الهيجاء *
__________
(1) " وقل " فعل ماض " أن " مصدرية " يصحبها " يصحب: فعل مضارع منصوب بأن، وها: مفعول به ليصحب " المجرد " فاعل يصحب، و " أن " ومدخولها في تأويل مصدر فاعل قل، " والعكس " مبتدأ " في مصحوب " جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر المبتدأ، ومصحوب مضاف و " أل " قصد لفظه: مضاف إليه " وأنشدوا " فعل وفاعل.
[ (2) ] ؟ " لا " نافية " أقعد " فعل مضارع، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنا، " الجبن " مفعول لاجله " عن الهيجاء " جار ومجرور متعلق بأقعد " ولو " شرطية غير جازمة " توالت " توالى: فعل ماض، والتاء تاء التأنيث " زمر " فاعل
توالت، وزمر مضاف و " الاعداء " مضاف إليه.
163 - لم أقف لهذا الشاهد على نسبة إلى قائل معين، والبيت كما ورد في كلام الناظم، فهذا صدره، وعجزه قوله: = (*)
(1/575)

.
__________
= * ولو توالت زمر الاعداء * اللغة: " أقعد " أراد لا أنكل ولا أتوانى عن اقتحام المعارك، وتقول: قعد فلان عن الحرب، إذا تأخر عنها ولم يباشرها " الجبن " بضم فسكون هو الهيبة والفزع وضعف القلب والخوف من العاقبة " الهيجاء " الحرب، وهي تقصر وتمد، فمن قصرها قول لبيد: * يا رب هيجا هي خير من دعه * ومن مدها قول الآخر: إذا كانت الهيجاء وانشقت العصا فحسبك والضحاك سيف مهند " توالت " تتابعت وتكاثرت وأتى بعضها تلو بعض وتبعه " زمر " جمع زمرة، وهي الجماعة " الاعداء " جمع عدو.
الاعراب: " لا " نافية " أقعد " فعل مضارع، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنا " الجبن " مفعول لاجله " عن الهيجاء " جار ومجرور متعلق بقوله أقعد " ولو " الواو عاطفة، والمعطوف عليه محذوف، والتقدير: لو لم تتوال زمر الاعداء، ولو توالت زمر الاعداء، لو: حرف شرط غير جازم " توالت " توالى: فعل ماض، والتاء حرف دال على تأنيث الفاعل " زمر " فاعل توالت، وزمر مضاف، و " الاعداء " مضاف إليه، مجرور بالكسرة الظاهرة.
الشاهد فيه: قوله " الجبن " حيث وقع مفعولا لاجله، ونصبه مع كونه محلى بأل وقد اختلف النحاة في جواز مجئ المفعول لاجله معرفا، فذهب سيبويه - وتبعه
الزمخشري - إلى جواز ذلك، مستدلين على هذا بمجيئه عن العرب في نحو بيت الشاهد الذي نحن بصدد شرحه والبيتين (رقم 164 و 165) وقول شاعر الحماسة: كريم يغض الطرف فضل حيائه ويدنو وأطراف الرماح دوانى فقوله " فضل حيائه " مفعول لاجله، وهو معرف بالاضافة، إذ هو مضاف إلى مضاف إلى الضمير.
وذهب الجرمي إلى أن المفعول لاجله يجب أن يكون نكرة، لانه فيما زعم = (*)
(1/576)

البيت، ف " الجبن " مفعول له، أي: لا أقعد لاجل الجبن، ومثله قوله: 164 - فليت لي بهم قوما إذا ركبوا شنوا الاغارة فرسانا وركبانا.
__________
كالحال والتمييز، وكل منهما لا يكون إلا نكرة، فإن جاء المفعول لاجله مقترنا بأل، فأل هذه زائدة لا معرفة، وإن جاء مضافا إلى معرفة فإضافته لفظية لا تفيد تعريفا.
والصحيح ما ذهب إليه سيبويه رحمه الله في هذه المسألة، لورود الشواهد الكثيرة في النظم والنثر، ومما يدل على صحته وروده في قول الله تعالى: (يجعلون أصابعهم في آذانهم من الصواعق حذر الموت) والقول بزيادة الحرف أو بأن الاضافة لفظية خلاف الاصل، فلا يصار إليه.
164 - البيت من مختار أبي تمام في أوائل ديوان الحماسة، وهو من كلمة لقريط ابن أنيف أحد بني العنبر.
اللغة: " شنوا " أراد: فرقوا أنفسهم لاجل الاغارة " الاغارة " الهجوم على العدو والايقاع به " فرسانا " جمع فارس، وهو راكب الفرس " ركبانا " جمع راكب، وهو أعم من الفارس، وقيل: هو خاص براكبي الابل.
المعنى: يتمنى بدل قومه قوما آخرين من صفتهم أنهم إذا ركبوا للحرب تفرقوا لاجل الهجوم على الاعداء والايقاع بهم، ما بين فارس وراكب.
الاعراب: " فليت " حرف تمن ونصب " لي " جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر ليت مقدم " قوما " اسم ليت مؤخر " إذا " ظرف تضمن معنى الشرط " ركبوا " فعل وفاعل، والجملة في محل جر بإضافة إذا إليها " شنوا " فعل وفاعل، والجملة لا محل لها من الاعراب جواب إذا، وله مفعول به محذوف، والتقدير: شنوا أنفسهم أي فرقوها لاجل الاغارة " الاغارة " مفعول لاجله " فرسانا " حال من الواو في " شنوا " " وركبانا " معطوف عليه.
الشاهد فيه: قوله " الاغارة " حيث وقع مفعولا لاجله منصوبا مع اقترانه بأل، وهو يرد على الجرمي الذي زعم أن المفعول لاجله لا يكون إلا نكرة، وادعاؤه أن أل في " الاغارة " ونحوها زائدة لا معرفة خلاف الاصل فلا يلتفت إليه.
وبما قيل: إنه لا شاهد في البيت، لان الاغارة مفعول به: أي فرقوا إغارتهم على عدوهم، وليست مفعولا لاجله.
(37 - شرح ابن عقيل 1) (*)
(1/577)

وأما المضاف فيجوز فيه الامران - النصب، والجر - على السواء، فتقول: " ضربت ابني تأديبه، ولتأديبه " وهذا [ قد ] يفهم من كلام المصنف، لانه لما ذكر أنه يقل جر المجرد ونصب المصاحب للالف واللام علم أن المضاف لا يقل فيه واحد منهما، بل يكثر فيه الامران، ومما جاء منصوبا [ قوله تعالى: (يجعلون أصابعهم في آذانهم من الصواعق حذر الموت) ومنه ] قوله: 165 - وأغفر عوراء الكريم ادخاره وأعرض عن شتم اللئيم تكرما.
__________
165 البيت لحاتم الطائي، الجواد المشهور.
اللغة: " العوراء " الكلمة القبيحة " ادخاره " استبقاء لمودته " وأعرض "
وأصفح.
الاعراب: " وأغفر " فعل مضارع، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنا " عوراء " مفعول به لاغفر، وعوراء مضاف و " الكريم " مضاف إليه " ادخاره " ادخار: مفعول لاجله، وادخار مضاف وضمير الغائب مضاف إليه " وأعرض " فعل مضارع، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنا " عن شتم " جار ومجرور متعلق بأعرض، وشتم مضاف و " اللئيم " مضاف إليه " تكرما " مفعول لاجله.
الشاهد فيه: قوله " ادخاره " حيث وقع مفعولا لاجله منصوبا مع أنه مضاف للضمير ولو جره باللام فقال " لادخاره " لكان سائغا مقبولا، وهو يرد على الجرمي الذي زعم أن المفعول لاجله لا يكون معرفة لا بإضافة ولا بأل، وما زعمه من أن إضافة المفعول لاجله لفظية لا تفيد التعريف غير صحيح.
وفي قوله " تكرما " شاهد آخر لهذا الباب، فإن قوله " تكرما " مفعول لاجله، وهو منكر غير معرف لا بإضافة ولا بأل، وقد جاء به منصوبا لاستيفائه الشروط، ولا يختلف أحد من النحاة في صحة ذلك.
* * * (*)
(1/578)

المفعول فيه، وهو المسمى ظرفا الظرف: وقت، أو مكان، ضمنا " في " باطراد، كهنا امكث أزمنا (1) عرف المصنف الظرف بأنه: زمان - أو مكان - ضمن معنى " في " باطراد، نحو " امكث هنا أزمنا " فهنا: ظرف مكان، وأزمنا: ظرف زمان، وكل منهما تضمن معنى " في "، لان المعنى: امكث في هذا الموضع [ و ] في أزمن.
واحترز بقوله: " ضمن معنى في " مما لم يتضمن من أسماء الزمان أو المكان
معنى " في " كما إذا جعل اسم الزمان أو المكان مبتدأ، أو خبرا، نحو: " يوم الجمعة يوم مبارك، ويوم عرفة يوم مبارك، والدار لزيد " فإنه لا يسمى ظرفا والحالة هذه، وكذلك ما وقع منهما مجرورا، نحو: " سرت في يوم الجمعة " و " جلست في الدار " على أن في هذا ونحوه خلافا في تسميته ظرفا في الاصطلاح، وكذلك ما نصب منهما مفعولا به، نحو: " بنيت الدار، وشهدت يوم الجمل ".
واحترز بقوله: " باطراد " من نحو: " دخلت البيت، وسكنت الدار، وذهبت الشأم " فإن كل واحد من " البيت، والدار، والشأم " متضمن معنى " في " ولكن تضمنه معنى " في " ليس مطردا، لان أسماء المكان المختصة لا يجوز حذف " في " معها، فليس " البيت، والدار، والشأم " في المثل.
__________
(1) " الظرف " مبتدأ " وقت " خبر المبتدأ " أو مكان " معطوف على وقت " ضمنا " فعل ماض مبني للمجهول، وألف الاثنين نائب فاعل، وهو المفعول الاول " في " قصد لفظه: مفعول ثان لضمن " باطراد " جار ومجرور متعلق بضمن " كهنا " الكاف جارة لقول محذوف، هنا: ظرف مكان متعلق بامكث " امكث " فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت " أزمنا " ظرف زمان متعلق بامكث أيضا.
(*)
(1/579)

منصوبة على الظرفية، وإنما هي منصوبة على التشبيه بالمفعول به، لان الظرف هو: ما تضمن معنى " في " باطراد، وهذه متضمنة معنى " في " لا باطراد.
هذا تقرير كلام المصنف، وفيه نظر، لانه إذا جعلت هذه الثلاثة ونحوها منصوبة على التشبيه بالمفعول به لم تكن متضمنة معنى " في "، لان المفعول به غير متضمن معنى " في "، فكذلك ما شبه به، فلا يحتاج إلى قوله: " باطراد "
ليخرجها، فإنها خرجت بقوله " ما ضمن معنى في "، والله تعالى أعلم.
* * * فانصبه بالواقع فيه: مظهرا كان، وإلا فانوه مقدرا (1) حكم ما تضمن معنى " في " من أسماء الزمان والمكان النصب، والناصب له ما وقع فيه، وهو المصدر، نحو: " عجبت من ضربك زيدا، يوم الجمعة، عند الامير " أو الفعل، نحو: " ضربت زيدا، يوم الجمعة، أمام الامير " أو الوصف، نحو: " أنا ضارب زيدا، اليوم، عندك ".
وظاهر كلام المصنف أنه لا ينصبه إلا الواقع فيه فقط، وهو المصدر، وليس كذلك، بل ينصبه هو وغيره: كالفعل، والوصف (2)..
__________
(1) " فانصبه " انصب: فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت، والهاء مفعول به " بالواقع " جار ومجرور متعلق بانصب " فيه " جار ومجرور متعلق بالواقع " مظهرا " خبر لكان الآتي مقدم عليه " كان " فعل ماض ناقص، واسمه ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى الواقع " وإلا " إن: شرطية، ولا: نافية، وفعل الشرط محذوف: أي وإلا يظهر " فانوه " الفاء واقعة في جواب الشرط، انو: فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت، والهاء مفعول به، والجملة في محل جزم جواب الشرط " مقدرا " حال من الهاء في " انوه ".
(2) اعلم أن الذي يقع في الظرف هو الحدث، فإذا قلت " جلست أمامك " = (*)
(1/580)

والناصب له إما مذكور كما مثل، أو محذوف: جوازا، نحو أن يقال: " متى جئت ؟ " فتقول: " يوم الجمعة "، و " كم سرت ؟ " فتقول: " فرسخين، والتقدير " جئت يوم الجمعة، وسرت فرسخين " أو وجوبا، كما إذا وقع الظرف صفة، نحو: " مررت برجل عندك " أو صلة، نحو:
" جاء الذي عندك " أو حالا، نحو: " مررت بزيد عندك " أو خبرا في الحال أو في الاصل، نحو " زيد عندك، وظننت زيدا عندك "، فالعامل في هذه الظروف محذوف وجوبا في هذه المواضع كلها، والتقدير في غير الصلة " استقر " أو " مستقر " وفي الصلة " استقر "، لان الصلة لا تكون إلا جملة، والفعل مع فاعله جملة، واسم الفاعل مع فاعله ليس بجملة (1)، والله أعلم.
* * *.
__________
= فالجلوس - وهو الحدث - هو الذي وقع أمامك، وكذلك إذا قلت " أنا جالس أمامك " وكذلك إذا قلت " كان جلوسي أمامك " واعلم أيضا أن المصدر يدل على الحدث بدلالة المطابقة، لان كل معناه هو الحدث، والفعل والصفة يدلان على الحدث بدلالة التضمن، لان الفعل معناه الحدث والزمان، والصفة معناها الذات والحدث القائم بها أو الواقع منها أو عليها أو الثابت لها، والناظم لم يصرح بأنه أراد أن الذي ينصب الظرف هو اللفظ الدال على الحدث بالمطابقة، بل كلامه يصح أن يحمل على ما يدل بالمطابقة أو بالتضمن، فيكون شاملا للمصدر والفعل والوصف، وعلى هذا لا يرد اعتراض الشارح أصلا.
(1) ذكر الشارح أربعة مواضع يجب فيها حذف العامل في الظرف، وهي: أن يكون صفة، أو صلة، أو خبرا، أو حالا، وبقى عليه موضعان آخران: (الاول) أن يكون الظرف مشغولا عنه، كقولك: يوم الجمعة سافرت فيه.
والتقدير: سافرت يوم الجمعة سافرت فيه، ولا يجوز إظهار هذا العامل، لان المتأخر عوض عنه، ولا يجمع بين العوض والمعوض في الكلام (الثاني) أن يكون الكلام قد سمع بحذف العامل، نحو = (*)
(1/581)

وكل وقت قابل ذاك، وما يقبله المكان إلا مبهما (1) نحو الجهات، والمقادير، وما صيغ من الفعل كمرمى من رمى (2)
يعني أن اسم الزمان يقبل النصب على الظرفية (3): مبهما كان، نحو " سرت.
__________
= قولك لمن يذكر أمرا قد قدم عليه العهد: حينئذ الآن، وتقدير الكلام: قد حدث ما تذكر حين إذ كان كذا واسمع الآن، فناصب " حين " عامل، وناصب " الآن " عامل آخر، فهما من جملتين لا من جملة واحدة، والمقصود نهي المخاطب عن الخوض فيما يذكره، وأمره بالاستماع إلى جديد.
(1) " وكل " مبتدأ، وكل مضاف، و " وقت " مضاف إليه " قابل " خبر المبتدأ، وهو اسم فاعل يعمل عمل الفعل، وفاعله ضمير مستتر فيه " ذاك " ذا: اسم إشارة مفعول به لقابل، والكاف حرف خطاب " وما " نافية " يقبله " يقبل: فعل مضارع، والهاء مفعول به ليقبل " المكان " فاعل يقبل " إلا " حرف استثناء دال على الحصر " مبهما " حال، والتقدير: لا يقبل النصب على الظرفية اسم المكان في حال من الاحوال إلا في حال كونه مبهما.
(2) " نحو " خبر لمبتدأ محذوف، أي وذلك نحو، ونحو مضاف، و " الجهات " مضاف إليه " والمقادير " معطوف على الجهات " ما " الواو عاطفة، ما: اسم موصول معطوف على الجهات " صيغ " فعل ماض مبني للمجهول، ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى ما، والجملة من الفعل ونائب الفاعل لا محل لها صلة " من الفعل " جار ومجرور متعلق بصيغ " كمرمى " جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر لمبتدأ محذوف " من رمى " جار ومجرور متعلق بمحذوف حال من مرمى، وتقدير الكلام: وذلك كائن كمرمى حال كونه مأخوذا من مصدر رمي.
(3) أنت تعلم أن الفعل يدل بالوضع على شيئين، أحدهما الحدث، وثانيهما الزمن، ويدل على المكان بدلالة الالتزام، لان كل حدث يقع في الخارج لابد أن يكون وقوعه في مكان ما، فلما كانت دلالة الفعل على الزمان لانه أحد جزءي معناه الوضعي قوى على نصب ظرف الزمان بنوعيه المبهم والمختص، ولما كانت دلالته على المكان بالالتزام
لا بالوضع لم يقو على نصب جميع الاسماء الدالة على المكان، بل تعدى إلى المبهم منه لكونه دالا عليه في الجملة، وإلى اسم المكان المأخوذ من مادته، لكونه بالنظر إلى المادة قوى الدلالة على هذا النوع.
(*)
(1/582)

لحظة، وساعة " أو مختصا: إما بإضافة، نحو " سرت يوم الجمعة "، أو بوصف نحو " سرت يوما طويلا " أو بعدد، نحو " سرت يومين ".
وأما اسم المكان فلا يقبل النصب منه إلا نوعان، أحدهما: المبهم، والثاني: ما صيغ من المصدر بشرطه الذي سنذكره، والمبهم كالجهات [ الست ]، نحو: " فوق، وتحت، [ ويمين، وشمال ] وأمام، وخلف " ونحو هذا، كالمقادير، نحو " غلوة، وميل، وفرسخ، وبريد " (1) تقول: " جلست فوق الدار، وسرت غلوة " فتنصبهما على الظرفية.
وأما ما صيغ من المصدر، نحو " مجلس زيد، ومقعده " فشرط نصبه - قياسا - أن يكون عامله من لفظه، نحو " قعدت مقعد زيد، وجلست مجلس عمرو " فلو كان عامله من غير لفظه تعين جره بفي، نحو: " جلست في مرمى زيد "، فلا تقول: " جلست مرمى زيد " إلا شذوذا.
ومما ورد من ذلك قولهم: " هو مني مقعد القابلة، ومزجر الكلب، ومناط الثريا " (2) أي: كائن مقعد القابلة، ومزجر الكلب، ومناط الثريا، والقياس " هو مني في مقعد القابلة، وفي مزجر الكلب، وفي مناط الثريا " ولكن نصب شذوذا، ولا يقاس عليه، خلافا للكسائي، وإلى هذا أشار بقوله:.
__________
(1) الغلوة - بفتح الغين المعجمة وسكون اللام - فسرها المتقدمون بالباع مائة باع، والباع: مقدار ما بين أصابع يديك إذا مددتهما محاذيتين لصدرك، ومنهم من قدر الغلوة برمية سهم، ومنهم من قدرها بثلثمائة ذراع، والميل: عشر غلوات، فهو ألف
باع، والفرسخ: ثلاثة أميال، والبريد: أربعة فراسخ.
(2) يقول العرب " فلان مني مقعد القابلة " يريدون أنه قريب كقرب مكان قعود القابلة عند ولادة المرأة من المرأة، ويقولون " فلان مني مزجر الكلب " يريدون أنه بعيد كبعد المكان الذي تزجر إليه الكلب، ويراد بهذا الذم، ويقولون " فلان مني مناط الثريا " يريدون أنه في مكان بعيد كبعد الثريا عمن يروم أن يتصل بها، وهذا كناية عن عدم إدراكه في الشرف والرفعة، يعني أنه فريد في شرفه ورفعة قدره.
(*)
(1/583)